هل ما زالت القدس بلدية أردنية ؟
المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين
في عام 2012 ما زالت القدس بلدية أردنية !!! (2-2)
صدرت الإرادة الملكية السامية قبل أيام بالموافقة على القانون المعدل لقانون البلديات الأردني رقم (7) لسنة 2012 والذي أقره مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب بعد أن تم إدخال سلسلة من التعديلات القانونية أهمها تقييد الحكومة بفترة ستة أشهر من تاريخ نفاذ القانون لإجراء الانتخابات البلدية, واعتماد هيئة قضائية مستقلة للإشراف على الانتخابات البلدية إلى حين إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات.
إلا أن أهم ما يلفت الانتباه في قانون البلديات المعدل الجديد أنه قد أبقى على النصوص القانونية الشاذة التي تعتبر القدس بلدية أردنية لغايات إجراء الانتخابات البلدية. فقانون البلديات الأردني رقم (13) لسنة 2011 قد تضمن في مادتين اثنتين منه إشارة غريبة إلى مدينة القدس باعتبارها بلدية أردنية لغايات تطبيق أحكام القانون, حيث نصت المادة الثانية منه (مادة التعاريف) على تعريف “المجلس” بأنه مجلس البلدية أو لجنة البلدية أو مجلس أمانة عمان الكبرى أو مجلس أمانة القدس ويتألف من الرئيس والأعضاء المعينين والمنتخبين, في حين عرفت المادة نفسها “الرئيس” بأنه رئيس البلدية أو رئيس لجنة البلدية أو أمين عمان أو أمين القدس. كما ورد ذكر القدس في قانون البلديات الأردني في المادة (46) منه والتي تنص على أن تخضع الأبنية الواقعة ضمن سور مدينة القدس القديمة لضريبة الأبنية والأراضي رغم إعفائها من الضريبة الحكومية وتتولى أمانة القدس تخمين قيمة الإيجار السنوي الصافي وفق الأسس المتبعة في قانون ضريبة الأبنية والأراضي رقم (11) لسنة 1954 وتعديلاته.
لقد سبق وأن أشرنا إلى هذا الخلل التشريعي في مقال صحافي سابق عند إقرار قانون البلديات لعام ,2011 وطالبنا أن يتدارك المشرع الأردني هذا الموقف في أول تعديل على أحكام القانون, إلا أن مسلسل إغفال أو استغفال النصوص القانونية الشاذة في القانون الأردني التي تعتبر القدس بلدية أردنية قد استمر رغم مرور سنين طوال على إدراجها في التشريع الأردني.
فقد وردت أول إشارة إلى مدينة القدس في قوانين البلديات الأردنية عام 1955 وتحديدا عند صدور أول قانون للبلديات رقم (29) لسنة 1955 وذلك على ضوء قرار الوحدة بين الضفتين عام .1950 ورغم صدور قرار فك الارتباط بين الضفتين عام 1988 ، إلا أن المشرع الأردني قد أبقى على نهج الإشارة إلى مدينة القدس في قوانين البلديات المتعاقبة, حيث تضمن قانون البلديات الأردني رقم (14) لسنة 2007 والذي حل محل قانون البلديات عام 1955 الإشارات نفسها إلى مجلس أمانة القدس وأمين القدس ضمن مادة التعريفات. كما أكد قانون عام 2007 في المادة (46) منه على خضوع الأبنية الواقعة ضمن سور مدينة القدس القديمة لضريبة الأبنية والأراضي رغم إعفائها من الضريبة الحكومية على أن تتولى أمانة القدس تخمين قيمة الإيجار السنوي الصافي وفق الأسس المتبعة في قانون ضريبة الأبنية والأراضي رقم (11) لسنة 1954 وتعديلاته.
وقد استمر تأكيد النصوص السابقة المتعلقة بمدينة القدس في قانون البلديات رقم (13) لسنة 2011 والذي كان من المفترض أن تتم بمقتضاه إجراء الانتخابات البلدية نهاية العام السابق قبل أن تعلن الحكومة رغبتها في تعديل نصوصه المتعلقة باستحداث بلديات جديدة ودمج القائم منها, ولكن من دون أية إشارة إلى إلغاء النصوص التي تعتبر القدس بلدية أردنية.
مثل هذا الموقف من المشرع الأردني يثير تساؤلا حول السبب الحقيقي من الإصرار على الإبقاء على مدينة القدس كبلدية أردنية في التعديلات الأخيرة على قانون البلديات الأردني, فهل قصد المشرع من ذلك تأكيد الولاية الدستورية العامة للدولة الأردنية على مدينة القدس رغم صدور قرار فك الارتباط, أم أن مجلس النواب قد وصل إلى شفير الهاوية في مستوى التشريع من خلال عدم مراجعة نصوص التشريعات القانونية التي يقرها?
إن الاحتمال الأول بأن المشرع الأردني قد تعمد الإشارة إلى مدينة القدس في قوانين الانتخابات البلدية منذ عام 1955 وحتى التعديل الأخير على قانون البلديات عام 2012 بغية تأكيد الولاية العامة للحكومة الأردنية على مدينة القدس هو احتمال في غير ذي محله ويستدعي الالتفات عنه. فإذا كانت نية المشرع الأردني تأكيد سيادة القانون الأردني على مدينة القدس, فقد كان الأجدر به أن يتعدد في مظاهر السيادة في قوانين أردنية أكثر أهمية من قانون البلديات كقانون الانتخاب لمجلس النواب وقانون الجنسية. فمجرد تكرار الإشارة إلى مدينة القدس في قانون البلديات الأردني ولو كان بشكل متعمد لا يكفي بحد ذاته لتكريس وفرض أي نوع من السيادة الأردنية على مدينة القدس, خاصة في ضوء قرار مؤتمر القمة العربية المنعقد في الرباط عام 1974 والذي اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. فلا يمكن للمشرع الأردني أن يتجاوز هذه الحقائق التاريخية وأن يخالف الإجماع العربي بشكل منفرد وذلك بمجرد الإشارة إلى مدينة القدس في قانون البلديات الأردني.
أما الاحتمال الثاني بأن المشرع الأردني قد استمر في السهو عن ملاحظة عبارات مثل “مجلس أمانة القدس” و”أمين القدس” في قوانين البلديات الأردني فهو احتمال قائم لكنه مستبعد, ذلك أنه من غير المعقول أنه ومنذ قرار فك الارتباط بين الضفتين مرورا بصدور قانون البلديات لعام 2007 وانتهاء بإصدار قانون البلديات لعام 2011 والتعديلات الأخيرة عليه أن أي من الوزراء الحاليين أو السابقين أو أعضاء المجالس النيابية المتعاقبة لم يلاحظ مثل هذه الإشارات الغريبة إلى مدينة القدس في التشريع الأردني وأن يطالب بتعديلها وإلغائها في القانون.
ان الحكومة معنية الآن أكثر من أي وقت مضى بأن تخرج عن صمتها وأن تقدم مبرراتها في الإبقاء على الإشارات السابقة لمدينة القدس في قانون البلديات الأردني حتى ترتاح السرائر وتهدأ النفوس بأن السبب الرئيسي من ذلك هو ضعف المنظومة التشريعية في مجلس الأمة والأجهزة الحكومية المساندة ممثلة في ديوان التشريع والرأي, وأن أية طروحات سياسية أخرى حول تكريس ولاية الأردن على مدينة القدس لا تعدو أن تكون مجرد خرفنات سياسية لا أساس لها من الصحة.
اترك تعليقاً