هل يتقاضي النائب راتب بعد تقاعده ؟
كتب المحامي محمد غالب أبو عبود:
إن التقاعد لفظةٌ من أهم دلالاتها القعود عن العمل.والقعود من دلالاته النكوص.والقعود والنكوص ليستا من الصفات التي يجب ان يتصف بها النواب.ل أن العمل الدؤوب هو الصفة التي تدفع الناخبين الى انتخاب القادر عليه.
من هنا تاتي ضرورة البحث في مدى دستورية منح النواب رواتب تقاعدية.
من المعلوم لدى الكافة أن التقاعد انما يمنح بعد فترةِ من العمل يكون الممنوح خلالها موظفاً حكومياً يتقاضى راتباً حكومياً من الخزينة حسب نص المادة2 من قانون التقاعد المدني رقم 34 لسنة 59 وما طرأ عليه من تعديلات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل ما يتقاضاه النواب يعتبر راتباً؟ هذا السؤال تجيب عليه المادة 2/ب من قانون التقاعد المدني المعدّل رقم27 لسنة 64 حيث نصّت (…ولا يعتبر ما يتقاضاه أعضاء مجلس النواب والأعيان راتب وظيفة بالمعنى المقصود فيها).
واذا كان الأمر كذلك فكيف يجوز لمن لا يعتبر ما يتقاضاه راتباً أن يتقاضى تقاعداً؟!
وتأييداً لهذه المادة فقد ميّز الدستور بين الراتب والمخصصات، إذ سمّى ما يتقاضاه الوزير راتباً فيما سمّى ما يتقاضاه النائب بالمخصصات. وذلك يبدو من نص المادة52 من الدستور (…والوزير الذي يتقاضى راتب الوزارة لا يتقاضى في الوقت نفسه مخصصات العضوية في أي من المجلسين).
اذن فقد حدّت هذه المادة من فوضى تقاضي المال بسبب او بدون سبب إذ منعت الوزير الذي يتقاضى راتب الوزارة من الحصول على مخصصات النيابة في حالة الجمع بينهما.
ومما يؤكد اختلاف الراتب عن المخصصات هو ما ذهب اليه نص المادة 76 من الدستور (…لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الأعيان أو النواب وبين الوظائف العامة ويقصد بالوظائف العامة كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبه من الأموال العامة…)
ولعلَّ الحكمة التي ارادها المشرع تبدو جليّة في عدم إخضاع السلطة التشريعية لارادة السلطة التنفيذية من الناحية المالية حتى لا تتاثر قدرتها على رقابة السلطة التنفيذية.
هذا في النصوص،أما في النفوس فان ما يجري عملياً هو ذلك المثل الذي اعتدنا على سماعه والقائل (البراطيل خرّبت جرش) فهل خرّبت البراطيل يا ترى الاردن بحيث أصبحت فوضى المال هي السائدة مما شوّه ضمائر النواب وجعلهم يسعون الى ما لا حق لهم به من رواتب التقاعد والاعفاء الجمركي لسياراتهم وبدل سائق ومدير مكتب والمنح الدراسية لابناء دوائرهم والتي لا تمنح لأحدٍ من مستحقيها.
إن النص الوارد في قانون التقاعد المدني بمنح النواب رواتب تقاعديه غير دستوري.
وقد يقول قائل إن النواب يحصلون على رواتب تقاعدية منذ سنة 1969 بموجب القانون المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 1 لسنة 69 والذي نصت المادة2/ي/2 (لمن لم يكن موظفاً سابقاً شريطة أن يكون قد أتم مدة 15 سنة في عضوية مجلس الأمة.
ورغم عدم دستورية هذه المادة أيضاً منذ ذلك التاريخ الا انها أقل خيبة ووطأةً مما وصلنا اليه من انتزاع نوابنا للتقاعد دون شرط المدة، إذ ألغيت المدة السابقة التي كانت 15 سنة، ليستحق النائب راتباً تقاعدياً ولو لم يمضِ عليه في النيابة الا شهراً واحداً أو ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وعشرا!.
ما هو حجم الموازنة الاردنية يا ترى ؟ ولماذا كلّما تحدثنا عن نفقة ضرورية تصمّ الحكومات اذاننا بما تتحدث عنه من محدودية الموارد فيما لا تتذكر هذه المحدودية وهي تغدق على نوابنا الكرام حرّاس الدستور الذين يقبلون هذه المكارم الحكومية بصدور رحبة ووجوه باشّة رغم أن هذه الاعطيات مخالفة للدستور؟
حجم موازنتنا بالضرورة لا يمكن أن يقترب من حجم الموازنة البريطانية ومع ذلك فان النائب في بريطانيا لا يتقاضى راتبا تقاعديا لان النيابة تعتبر خدمة عامة وهو لا يتقاضى الراتب التقاعدي الا اذا تقلّد منصب الوزارة حيث أن الوزارة في بريطانيا يتقلدها حزب الأغلبية الممثلة في مجلس العموم البريطاني وهو يتقاضى التقاعد هناك عن الفترة التي عمل فيها وزيراً لا نائباً رغم نيابته التي لا يتقاضى عليها تقاعداً.
يبدو أننا أكثر احتراماً لنوابنا من احترام الانجليز لنوابهم واجزل لهم بالعطايا أم يا ترى نحن أكثر استهتاراً بشعبنا ومقدراته رغم ضالة امكاناتنا ومحدودية مواردنا وقلّة ميزانيتنا؟
الى متى نقلب سلّم الأولويات رأساً على عقب؟ والى متى علينا أن نمشي على رؤوسنا لكي نستطيع أن نفهم ما يجري؟ والى متى سيجري الاستهتار بالدستور والشعب من قبل من يفترض أنهم ممثلو الشعب وحماة الدستور؟
لسان حال شعبنا المتعطش للديمقراطية والحالة هذه بالنسبة لمجلس نوابنا العتيد لا تختلف عن لهفة المتنبي وحسرته وهو يقول:
أظمتنيَ الدنيا فلما جئتها…مستسقياً مطرت عليَّ مصائبا.
اترك تعليقاً