جواز التوكيل في التحكيم
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
إعداد: المحامية زينة محمد أحمد
التوكيل في إتفاق التحكيم
أولاً: جواز التوكيل :
في الحالة التي يكون فيها الشخص أهلاً لإبرام إتفاق التحكيم, سواء مباشرةً بالنسبة للشخص الطبيعي أوبصورة غير مباشرة عن طريق المفوض بالتوقيع عنه, بالنسبة للشخص المعنوي. ولكن بدلاً من أن يقوم أي منهما بالتوقيع على الإتفاق مباشرةً,يوكّل شخصاً آخر بهذا التوقيع. والقاعدة العامة في القوانين العربية,أنّ مايصح إجراؤه أصالةً يصح التوكيل فيه, مما يعني أنه يجوز التوكيل في إبرام إتفاق التحكيم ولكن يجب أن يكون عقد الوكالة صريحاً وواضحاً بالنسبة لهذه المسألة, سواء كانت الوكالة عامة أو خاصة. أي أن ينص عقد الوكالة على تفويض الوكيل بإبرام إتفاق التحكيم بالنيابة عن الموكل أو أي عبارة أخرى واضحة الدلالة على ذلك.
فالوكالة العامة, يصح أن تكون بالخصومة أو بالحقوق المالية من غير الخصومة, أوكليهما معاً. ومثال الأولى, توكيل الأصيل للمحامي بأن يرفع بإسمه الدعاوي التي يراها مناسبة ويدافع عنه في أي قضية ترفع عليه. ومثال الثانية, توكيل شخص لأخر بالتصرف وإدارة أملاكه. ومثال الثالثة, التوكيل بالتصرف بالأموال وإدارتها, بالإضافة للتمثيل في الدعاوي, سواء كان الأصيل مدعياً أو مدعى عليه. والوكالة الخاصة تقتصر على التوكيل بأمر أو أمور معينة, وتكون كذلك إذا تعلقت بإجراء عقد من العقود بشأن مال أو أموال معينة, كالتوكيل ببيع عقار أوعقارات محددة أو إجراء عدة عقود بشأن هذا العقار على سبيل الجمع أو الخيار حسب مقتضى الحال. مثل البيع والرهن والتأمين والإجارة. وقد تكون الوكالة الخاصة ليست لإجراء تصرف بمال معين وإنما وكالة بالخصومة معطاة لمحام بشأن دعوى معينة أحد طرفيها الموكل.
وسواء كانت الوكالة عامة أوخاصة أوكانت وكالة بالخصومة أو بالمال يصح أن يكون موضوعها التوكيل بإبرام إتفاق التحكيم. وفي هذه الحالة يجب أن يكون هناك نص في الوكالة على إعطاء الوكيل صلاحية إبرام الإتفاق وإذا كانت الوكالة عامة يجوز أن يكون التوكيل بالتحكيم بنص عام يعطي للوكيل صلاحية التوقيع على أي إتفاق تحكيم لتسوية النزاعات الخاصة بحق معين أو بأي حق من الحقوق المالية الواردة في الوكالة كما يصح أن يكون هذا التوكيل خاصاً بمال معين أو بعقد من العقود ومثال ذلك أن يرد في الوكالة العامة بالأموال نص يقضي بتخويل الوكيل بالتحكيم فيما يتعلق بعقود البيع التي ترد على الأموال موضوع الوكالة دون غيرها من العقود أو بالتحكيم في أي عقد يرد على عقار معين دون غيره من العقارات وإذا كانت الوكالة خاصة بحق معين يجب أن تتضمن هذه الوكالة نصاً خاصاً يخول بموجبه الوكيل إبرام إتفاق تحكيم بشأن المنازعات المتعلقة بذلك الحق أو بعض هذه المنازعات حسبما يرد في عقد الوكالة.
وغالباً ماتكون الوكالة بالتحكيم من ضمن الوكالة بالتصرف بالمال أو إدارته ولكن ليس هناك مايمنع من إعطاء الوكالة بالتصرف أو الإدارة لشخص دون التحكيم وإعطاء الوكالة بالتحكيم لشخص آخر دون التصرف أو الإدارة .ومثال ذلك: أن يكون(أ) وكيلاً عاماً عن (ب) في إدارة ماله والتصرف به ولايرد في الوكالة أنّ للوكيل(أ)صلاحية إبرام إتفاقيات التحكيم فيبيع(أ)عقاراًمن عقارات (ب)ضمن حدود الوكالة المعطاة له إلى (ج) وينشب نزاع بين (ب)و(ج)حول عقد البيع فيوكل (ب) شخص آخر(د) لتوقيع إتفاق مع (ج)يتضمن إحالة النزاع إلى التحكيم.نلاحظ في هذا المثال إنفصال وكالة التحكيم عن وكالة التصرف بالمال حيث تكون الأولى من صلاحية(د) في حين تكون الثانية من صلاحية (أ).
من الشروط الموضوعية لصحة إتفاق التحكيم(الأهلية):
نصت المادة (9/1) من قانون التحكيم السوري رقم (4) لعام 2008 على أنه: ((لايجوز الإتفاق على التحكيم إلاّ الشخص الطبيعي أو الإعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته)). كما نصت المادة (5/1 _أ) من إتفاقية نيويورك لعام 1958 على أنه ( لايجوز رفض الإعتراف وتنفيذ الحكم بناءً على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الإعتراف والتنفيذ الدليل على أنّ أطراف الإتفاق كانوا طبقاً للقانون الذي ينطبق عليهم عديمي الأهلية….).
وبناءً عليه فإنه لايجوز للوصي أن يبرم إتفاقاً بالتحكيم نيابةً عن القاصر بغير إذن صريح من المحكمة بذلك, كما لايجوز لعديم الأهلية أو القاصر إبرام إتفاق تحكيم مالم يكن مأذوناً له بالإدارة كما لايجوز لمن أشهر إفلاسه أن يبرم إتفاقاً على التحكيم إعتباراً من إشهار إفلاسه فإن فعل فأنّ الإتفاق لاينفذ في مواجهة الدائنين وعلى العكس من ذلك يجوز للولي الطبيعي أن يبرم إتفاق تحكيم شأن أموال القاصر مع مراعاة القيود الواردة في القانون على سلطة الولي في التصرف في أموال قاصر.
فيما يخص الشخص الإعتباري فيجب التثبت من توافر الشخصية الإعتبارية لديه, وأن يقوم بالتعبير عن إرادته (إبرام الإتفاق) من له سلطة التصرف في أمواله, ومن المسلم به أن الشريك المتضامن المدير في شركة الأشخاص له سلطة واسعة في التصرف في أموال الشركة ولهذا فله أن يبرم إتفاق تحكيم نيابة عن الشركة ولو لم يفوض بذلك صراحة ولكن ليس للشريك الموصي أو غير الشريك المتضامن هذه السلطة. وبالنسبة للشركات المساهمة أو ذات المسؤلية المحدودة, يكون لرئيس مجلس إدارة الشركة المساهمة أو العضو المنتدب للشركة المساهمة أو المدير العام للشركة ذات المسؤلية المحدودة الذي يدير الشركة سلطة كاملة في الإدارة والتصرف في أموال الشركة في حدود تحقيق أغراضها وبالتالي يكون له الحق في إبرام إتفاق تحكيم دون الحاجة إلى تفويض خاص بذلك, كل ذلك مالم يكن هناك نص خاص في نظام الشركة أوعقدها الأساسي يسلبه هذه السلطة أو يقيدها.
وبشكل عام يكون للمثل القانوني لأي شخص إعتباري الحق في إبرام إتفاق تحكيم إذا كانت له سلطة إبرام العقود نيابة عنه.
أما فيما يخص سلطة الوكيل في إبرام إتفاق التحكيم, فإنه يجب أن تكون الوكالة خاصة بالتحكيم ولاتكفي الوكالة العامة ويجب أن يفوض الوكيل بالتحكيم صراحة في صك الوكالة سواء أكان وكيلاً في أعمال خصوصية(م668 مدني) أم وكيلاً بالخصومة (م500 أصول محاكمات) فإذا فوّض الموكل الوكيل بالتحكيم في الوكالة فيكون الوكيل مخولاً بإبرام إتفاق تحكيم سواء أكان ذلك في صورة شرط أم مشارطة.
ومن ناحية أخرى, فاإعتبار أنه يجب أن يكون إتفاق التحكيم مكتوبا, فإنه يلزم أن تتم الوكالة لإبرام إتفاق التحكيم هي الأخرى كتابةً فلايكفي التوكيل الشفوي وذلك حسب نص المادة (666 مدني) الذي نص على أنه: (( يجب أن تتوفر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محلاً للوكالة مالم يوجد نص يقضي بغير ذلك)).
الوكالة الخاصة بالتحكيم لازمة لإبرام الإتفاق على التحكيم ولكنها ليست لازمة لتمثيل الطرف أمام هيئة التحكيم حيث تكفي هنا الوكالة العامة للمحامي في مباشرة القضايا ولو لم تحدد الوكالة أن تكون المباشرة أمام هيئات التحكيم.
ثانياً: تفسير سلطات الوكيل:
قد تثير الوكالة بالتحكيم إشكالات بالنسبة لسلطة الوكيل وصلاحياته. وفي هذه الحالة. تكون المسألة مسألة تفسير لعبارات الوكالة.
فمن جانب إذا نصت الوكالة على تفويض الوكيل بالتحكيم فحسب فيشمل ذلك فقط التحكيم بالقانون ولايشمل التحكيم بالصلح مالم يوجد نص خاص بذلك لأن الأصل بالتحكيم هو تحكيم بالقانون ولايكون التحكيم بالصلح إلاّ إذا نصّ إتفاق التحكيم على ذلك صراحة ويطبق المبدأ ذاته على الوكيل.
وعلى فرض أنّ الوكيل تجاوز حدود وكالته بأن أبرم إتفاق تحكيم خارج صلاحياته فلا يكون الإتفاق باطلاً حسب القواعد العامة وإنما قابل للإبطال لمصلحة الأصيل أوموقوف النفاذ على إجازته حسب ماينص عليه القانون ولايجوز للطرف الآخر في الإتفاق التمسك بذلك وحسب القواعد العامة أيضاً فإنه يصح للأصيل التنازل عن البطلان أو إجازة تصرف الوكيل صراحة أو ضمناً.
ومن جانب آخر تقضي القواعد العامة في التفسير بأنه إذا كانت عبارات الوكالة واضحة فلايجوز الإنحراف عنها بقصد تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين. أما إذا كان هناك محل لتفسيرها, فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الأستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقاً للعرف الجاري في المعاملات.
وبناءً عليه كانت هناك قضية تتعلق بعقد ينص في أحد بنوده على إحالة الخلافات المتعلقة به إلى التحكيم, ونشأ الخلاف فعلاً. قام أحد الطرفين بتوكيل محام ولكن لم يرد في الوكالة تفويض المحامي صراحةً بتوقيع مشارطة التحكيم ومع ذلك وقّع المحامي هذه المشارطة. طعن الموكل بهذا التصرف على أساس أن الوكالة لاتفوضه بذلك إلاّ أنّ المحكمة خلصت إلى القول بعدم صحة هذا الطعن وأن الوكالة تخول المحامي توقيع مشارطة التحكيم نيابة عن موكله مادام أن الهدف الأساسي من تنظيم الوكالة هو إحالة النزاع إلى التحكيم وحضور جلسات التحكيم وقضي كذلك بأنّ الوكيل المفوض بالتحكيم مفوض أيضاً مايستلزمه التحكيم من إجراءات مثل الموافقة على تمديد مدة التحكيم, دونما حاجة لذكر ذلك صراحةً في الوكالة.
وفي قضية أخرى تم توكيل شخص بإجراء الترتيبات الضرورية لإستئجار سفينة ولم يتضمن التوكيل التصريح للوكيل بالإتفاق على التحكيم فيما ينشأ من منازعات حول مشارطة إيجار السفينة وقّع الوكيل مشارطة الإيجار التي كانت تتضمن شرط التحكيم وفيما بعد طعن الموكل بأنّ الوكالة لاتخول الوكيل الإتفاق على التحكيم ((قضت محكمة تمييز دبي)) بأنه في الوكالة الخاصة ليس للوكيل سوى مباشرة الأمور المعينة فيها وما يتصل بها من توابع ضرورية تقتضيها طبيعة التصرفات والعرف الجاري فلا يجوز الخروج عن حدود هذا التفويض وعليه فإنّ الإتفاق على التحكيم لايدخل في حدود الوكالة ولايعتبر من التوابع الضرورية لتنفيذها فالمنازعات التي تتعلق بتأجير السفينة لايتطلب الأمر بالنسبة لها ضرورة الإلتجاء إلى طريق التحكيم ولا يغير من الأمر شيئاً كون الوكيل الذي وقّع إتفاق التحكيم هو مدير الشركة ذلك أنّ عمل المدير يقتصر أصلاً على أعمال الإدارة وما يقتضي ذلك من تصرفات تتفق وغرض الشركة دون أن تمتد إلى غيرها من الأعمال التي تتجاوز غرضها أو تتعارض معها ومنه الإتفاق على التحكيم لأنّ الإتفاق عليه يعني التنازل عن رفع الدعوى إلى قضاء الدولة وهو مايعرّض الحق المتنازع عليه للخطر إلاّ إذا كان عقد وكالته في إدارة الشركة يتسع لمثل هذه التصرفات.
إتجه القضاء في الدول العربية إلى تفسير إتفاق التحكيم تفسيراً ضيقاً بإعتبار التحكيم خروجاً عن الأصل وأنّ الولاية العامة للقضاء وبتطبيق هذا المنهج على التوكيل بالتحكيم يمكن القول أيضاً أنّ صلاحية في حال الشك تفسر تفسيراً ضيقاً ضد التحكيم فلو نصت الوكالة مثلاً على توقيع عقد البيع مع شرط التحكيم فذلك لايعطي الوكيل فيما بعد صلاحية التوقيع على مشارطة التحكيم التفصيلية ولو نصت على توقيع مشارطة التحكيم فلا يكون للوكيل صلاحية توقيع المشارطة التي تتضمن التحكيم بالصلح وإنما فقط التحكيم بالقانون.
المحامية زينة محمد أحمد
اترك تعليقاً