عدم قابلية الطعن في قرارات لجنة تسوية المنازعات المصرفية أمام ديوان المظالم
زهير بن سليمان الحربش
سبق لي أن نشرت بحثاً في صحيفة ”الاقتصادية” العدد رقم 5594 وتاريخ 8/2/1430هـ الموافق 3/2/2009م بعنوان ”شرعية قرارات لجنة تسوية المنازعات المصرفية”، وذلك نتيجة قيام بعض دوائر ديوان المظالم بنظر بعض القضايا المصرفية وإيقاف تنفيذ بعض قرارات لجنة تسوية المنازعات المصرفية، وما نتج عن ذلك من صدور أحكام ابتدائية، وكنت قد أوضحت صراحة في ذلك البحث إلى أن مقام الديوان سيتراجع عن هذا التوجه تمشياً مع تعليمات ولاة الأمر وما تبعها من توجيهات، وعليه أعود للكتابة حول هذا الموضوع نتيجة لما صدر عن مقام الديوان من أحكام أخيرا تنسجم مع الوضع الصحيح والسليم وتصحح ما صدر من أحكام ابتدائية كانت محل تعليق واهتمام وبحث عملاء المصارف والبنوك المحلية والأجنبية على حد سواء .
فقد أصدرت محكمة الاستئناف، الدائرة الثامنة، بتاريخ 8/10/1430هـ حكمها القاضي بتأييد الحكم رقم 31/د/إ/2 لعام 1430هـ في القضية رقم 7668/1/ق لعام 1429 والصادر من المحكمة الإدارية في الرياض، الدائرة الإدارية الثانية والذي انتهى إلى عدم اختصاص المحاكم الإدارية بديوان المظالم ولائياً بنظر الدعوى المقامة من أحد المواطنين ضد مؤسسة النقد العربي السعودي والتي يطلب فيها إلغاء القرار الصادر من لجنة تسوية المنازعات المصرفية بشأن النزاع القائم بينه وبين أحد البنوك، حيث تلخصت الأسباب في التالي: ”لما كان المدعي يطلب إلغاء قرار لجنة تسوية المنازعات المصرفية في مؤسسة النقد العربي السعودي بعدم إحالته للمحكمة المختصة، فحقيقة ما يهدف إليه المدعي هو إلغاء قرار لجنة تسوية المنازعات المصرفية بمؤسسة النقد العربي السعودي رقم (151/1428) وتاريخ 17/6/1428هـ الصادر في النزاع القائم بينه وبين البنك.
وحيث إن النظر في الاختصاص من الأمور التي يجب على الدائرة نظرها والفصل فيها قبل الدخول بموضوع الدعوى باعتبار أنه من مسائل النظام العام التي يجب على الدائرة الفصل فيها من تلقاء نفسها حتى لو لم يدفع بها الخصوم.
وحيث إن الفصل في قضايا البنوك وعملائها قد أُسند إلى لجنة تسوية المنازعات المصرفية بموجب الأمر السامي رقم (729/8) وتاريخ 10/7/1407هـ، وبالتالي فإن الطعن عما يصدر عنها من قرارات يخرج عن ولاية المحاكم الإدارية بديوان المظالم، وقد أكد ذلك ما ورد في البند الثاني من القسم الثالث (أحكام عامة) من آلية العمل التنفيذية لنظام القضاء ونظام ديوان المظالم المصادق عليها بالمرسوم الملكي رقم (م/78) وتاريخ 19/9/1428هـ والتي نصت على أنه (يقوم المجلس الأعلى للقضاء بعد مباشرته مهامه بإجراء دراسة شاملة لوضع اللجان المستثناة (البنوك ، والسوق المالية ، والقضايا الجمركية) المشار إليها في البند (عاشراً) من الترتيبات التنظيمية لأجهزة القضاء وفض المنازعات ورفع ما يتم التوصل إليه خلال مدة سنة لاستكمال الإجراءات النظامية) والمستفاد من هذا النص أن قرارات اللجان المستثناة تبقى على ما هي عليه من عدم قابليتها للطعن أمام القضاء حتى صدور ما يلزم بشأنها بعد انتهاء الدراسة المتعلقة بها من المجلس الأعلى للقضاء.
وحيث لم يصدر بشأن تلك اللجان خلاف ما سبق ذكره فإن عدم قابلية الطعن على قراراتها أمام القضاء يظل قائماً مما تنتهي معه الدائرة إلى عدم اختصاص المحاكم الإدارية بديوان المظالم بنظر هذه الدعوى”. كما صدر كذلك حكم ديوان المظالم بعدم الاختصاص ولائياً في دعوى طالب فيها المدعي إلغاء قرار صادر من لجنة تسوية المنازعات المصرفية برد دعواه ضد أحد البنوك، كما التمس أن يحكم له بالتعويض وذلك في دعوى تتعلق بعمليات وقيود تمت على حسابه ، وقد ارتكز حكم الديوان على التالي:
بما أن وكيل المدعي يهدف من دعوى موكله إلى الطعن على قرار اللجنة المصرفية، وبما أن الاختصاص من المسائل الأولية التي يجب بحثها قبل النظر في موضوع الدعوى، وحيث إن اللجنة المصرفية وفقاً للأوامر السامية أنها لجنة شبه قضائية، حيث نص الأمر السامي رقم 729/8 في 10/7/1407هـ الذي جاء فيه:
1. على المحاكم وهيئات حسم المنازعات التجارية عدم سماع الدعاوى التي تقدم ضد البنوك أو من قبلها إلا بعد موافقتنا.
2. تشكل لجنة في مؤسسة النقد العربي السعودي من ثلاثة أشخاص من ذوي التخصص لدراسة القضايا بين البنوك وعملائها من أجل تسوية الخلافات وإيجاد الحلول المناسبة بين الطرفين طبقاً للاتفاقيات الموقعة بينهما.
3. على اللجنة أن تقرر الإجراءات التي يمكن اتخاذها لضمان تسوية القضايا بما في ذلك قيام الجهات الحكومية بحجز ما لديها من مستحقات للمدين لتسديد الديون المطالب بها، كما يجوز للجنة أن توصي بالحجز على أموال المدين ومنعه من السفر .
4. إذا لم يتعاون المدين مع اللجنة في التسوية مع البنك يجوز للجنة أن تقرر منع التعامل مع المدين من قبل الأجهزة الحكومية أو البنوك، كما أن الأوامر السامية التي صدرت في قضايا من أجل إلزام بعض المواطنين بتنفيذ قرارات اللجنة مثل الأمر السامي رقم 21134 وتاريخ 5/6/1423هـ والأمر السامي رقم 4/ب/36405 وتاريخ 26/7/1424هـ قررت أن قرارات اللجنة قرارات نهائية، كما أنه ورد بالفقرة تاسعاً من آلية العمل التنفيذية لنظام القضاء ونظام ديوان المظالم ما نصه ”مع عدم الإخلال باختصاصات اللجان المستثناة المنصوص عليها في الفقرة 29 من القسم الثالث أحكام عامة من هذه الآلية ، وقد أوضحت الآلية اللجان المستثناة وهي البنوك والسوق المالية والقضايا الجمركية”، وقد جاء في البند عاشراً من الترتيبات القضائية.
استمرار اللجان المختصة بقضايا التأمين والبنوك والسوق المالية والقضايا الجمركية في مزاولة عملها حتى يهيأ القضاة المختصون بذلك، مما يدل على أن قرارات اللجنة المصرفية مستثناة من رقابة القضاء (وبما أن القضاء الإداري تعارف على استبعاد الأعمال القضائية من عداد القرارات الإدارية ومن ثم من ولاية الإلغاء، واعتبر أن مما يدخل في تلك الأعمال والقرارات الصادرة بعد صدور الأحكام مثل قرارات التصديق عليها وتنفيذها). لذا فإن الدائرة ترى أن اللجان شبه القضائية التي تخضع قراراتها للطعن أمام المحكمة الإدارية، حسبما جاء في نظام ديوان المظالم وآلية العمل التنفيذية هي اللجان التي تنظر في منازعة إدارية، أما ما عداها من اللجان فليست محلاً للطعن”.
كما صدر في قضية أخرى مشابهة حكم ديوان المظالم بتاريخ 11/7/1430هـ بعدم الاختصاص.. في دعوى مقامة من أحد عملاء البنوك يطلب فيها إعادة المبالغ المسحوبة من حساباته لدى البنك، إضافة إلى التعويض مادياً ومعنوياً عن الأضرار اللاحقة وإلغاء قرار لجنة تسوية المنازعات المصرفية الصادر بإلزامه دفع مبلغ من المال للبنك لقاء تسهيلات ائتمانية.
عليه، فإنه ومن خلال استعراض بعض الأحكام الصادرة أخيرا، يتضح أن قرارات لجنة تسوية المنازعات المصرفية تكتسب حجية الشيء المقضي به كباقي القرارات والأحكام التي تصدر من جانب بقية اللجان والمحاكم، كما يتبين للقارئ الكريم، تراجع ديوان المظالم عن إيقاف تنفيذ قرارات لجنة تسوية المنازعات المصرفية والتي كانت محل جدل وبحث كثير من المختصين خلال الشهور الماضية، حيث تم حسم هذا الموضوع على نحو نهائي، وبما ينسجم مع الأوامر السامية والتعاميم ذات الصلة الأمر الذي يوفر الكثير من الوقت والجهد ليس على ديوان المظالم فقط بل المدعي والمدعى عليه. واللــه الموفــق ،،،
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً