هل يحق للاردني مزدوج الجنسية ان يترشح لمجلس النواب ؟
مدى أحقية الأردني مزدوج الجنسية الترشح لعضوية مجلس النواب ؟ / نوفان العجارمة
كتب الدكتور نوفان العجارمة – لم تثر مشكلة التجنس و ازدواج الجنسية، وانعكاساتها على الحقوق السياسية وتحديدا الترشيح لعضوية مجلس النواب ، على الرغم من إن المجالس النيابية السابقة ، ضمت بعض السادة الأعضاء مزدوجي الجنسية ، ولم يلق وجود هؤلاء الأعضاء، تحت قبة البرلمان اي اعتراض يذكر. .
في البداية نستطيع القول ، بأنه لايمكن تناول ازدواج الجنسية ، بمعزل عن حقوق الإنسان ، الذي قد تضطره الظروف إلى التنقل من دولة إلى أخرى ، لذا فان مشرعنا الأردني في قانون الجنسية أجاز من حيث المبدأ ازدواج الجنسية ، لغايات تسهيل معيشة الكثير من مواطني الدولة ، لاسيما المغتربين منهم.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تصدق الحكمة السابقة، بخصوص مواطني الدولة الذين يقيمون إقامة دائمة على إقليم المملكة ؟ وهل يجوز لمزدوجي الجنسية الترشح لعضوية مجلس النواب ؟ إن أعضاء مجلس النواب ليسوا اشخاصا عاديين ، فهم على درجة من الأهمية ، مؤثرين في السياسة العامة للدولة من خلال مراقبة تنفيذ السياسة العامة للدولة ، وكذلك وضع القوانين التي تحكم الدولة بسلطاتها الثلاث .
وعليه ، لا بد ان نميز بين لأردني المتجنس و الأردني مزدوج الجنسية .
من خلال استقراء نص المادة (75) من الدستور الأردني لسنة 1952 ، نجد بان المشرع الدستوري (التأسيسي) و المشرع العادي اتجهت نيتهما إلى حرمان مزدوجي الجنسية من مباشرة حقوقهم السياسية والمتمثلة بالترشح لعضوية المجالس النيابية ، ونسوق الحجج التالية لتدليل على صحة ما ذهبنا إليه :
أولا: من حيث دلالة القسم الدستوري: إن القسم الدستوري المنصوص عليه في المادة (80) من الدستور يفترض وحدة الجنسية ، فالنائب يقسم وقبل الشروع في عمله اليمين التالي: اقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا للملك والوطن ، وان أحافظ على الدستور، وان اخدم الأمة ، وأقوم بالواجبات الموكولة إلي حق القيام.
إن الاستخلاص الحتمي لنصوص الدستور، وعلى الأخص المادة (80) والتي تحتم بان يقسم البرلمان ، وقبل مباشرته لعمله، قسما قوامه خدمة الوطن و الإخلاص إلى جلالة الملك والوطن والدستور ومصالح الشعب ، مما لايتصور معه ، في الاستنتاج العقلي والمنطقي، إن يكون الولاء للوطن شركة مع وطن غيره أو لملك غير ملك الأردن أو لشعب غير الشعب الأردني ؟
ومن نافلة القول ، إن هذه الأمر لا يتعرض للولاء الفعلي ، لان الأمر لا يتعلق بإثبات الولاء الفعلي ، فالولاء ينصرف إلى الولاء القانوني كحكم موضوعي ولا شأن له في الولاء الواقعي ، فالأمر مرده إلى حكم موضوعي قائم من مفاد أحكام الدستور يجد سنده في التكييف القانوني المجرد لرابطة الجنسية ، فالجنسية الأجنبية ، تفترض ، قانونا، ولاء وانتماء ، الأمر الذي ينجم عنه، لامحالة ، تصادما مع متطلبات الحكم الدستوري المتقدم ، دون إمكان الطلب ، بقيام الدلائل التي تفيد غير ذلك، أي اثبات عدم وجود ولاء أصلا للجنسية الأجنبية ؟ فمجرد وجود الجنسية الأجنبية دليل قانوني كامل على الولاء لتلك الدولة.
ثانيا: تضار المصالح: من المستقر فقهيا وقضائيا، بأنه في كافة التعاملات المدنية والتجارية وحتى السياسية ، هو عدم وجود تعارض أو تضارب للمصالح ، فهذا الأمر من المبادئ المستقرة في الضمير الإنساني تمليه العدالة المثلى ، وان مبدأ وحدة الجنسية يتفق مع مبدأ عدم تعارض المصالح ، ومن ثم ، فان وجود الأزواج يؤدي إلى وجود شبه تعارض في المصالح، لاسيما إذا كان هناك عدم توافق ما بين الدولتين التي يحمل الشخص جنسيتيهما ، و المثال التقليدي الذي يضرب هو اندلاع حرب ما بين هاتين الدولتين فإلى أي جانب سوف يقف هذا الشخص ؟؟
ثالثا: مفهوم الجنسية : يعرف فقهاء القانون الدولي الخاص الجنسية ، بأنها رابطة ولاء بين الفرد والدولة، حيث يدين فيها الفرد بولائه للدولة التي يحمل جنسيتها ، وفي المقابل ، يتعين على تلك الدولة إن تقوم بحمايته، سواء كان مقيما على إقليمها أو كان مغتربا، إذا ما تعرض قي دولة أخرى لأي مساس أو تعدٍ ، وعليه، فان الشخص الذي ينتمي إلى دولتين بحكم تمتعه بجنسيتين ، يعتبر متعدد الولاء بتعدد الجنسية.
رابعا : إن المشرع الدستوري لم يكتف بشرط الجنسية الأردنية ، كشرط للترشح لعضوية مجلس النواب ، بل أردف المشرع قائلا (( من يدعي بجنسية أو حماية أجنبية) : ومما لاشك فيه ان لهذا النص دلالاته ، يتوجب استيعابها ، إذ ان المشرع يشترط فيمن يرد ان يمثل الشعب الأردني، ان يكون انتماؤه عميق الجذور في تربة الوطن ، مهموما بمشاكله وقضاياه حاملا لها في قلبه ووجدانه وحتى لو رحل إلى آخر الدنيا ، غير مُشرك في ولائه، قانونا، للأردن أي وطن آخر، حتى لو كان ذلك الوطن أكثر دول العالم تقدما .
وحيازة الشخص لجنسية غير الجنسية الأردنية، معناها إن الولاء المطلق والكامل و الواجب من قبله لوطنه (الأردن) قد انشطر قانونا إلى ولاءين احدهما للأردن والثاني لوطن أجنبي آخر، وحينها يكون الولاء الكامل للشعب والقيادة والوطن منقوصا إذا قسمناه على الأردن وعلى غيره من الأوطان .
و اكتساب عضوية مجلس النواب يتطلب ولاءَ كاملا للوطن (الأردن) لاسيما إن مهمة مجلس الأمة طبقا لأحكام الدستور هي تولي سلطة التشريع وإقرار جزءا مهما من السياسة العامة للدولة وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية.
خامسا: وأخيرا، نقول إن السماح بازدواج الجنسية في قانون الجنسية الأردني، كان وما زال يرمي إلى تعضيد الأردنيين المستقرين في الخارج واكتسبوا جنسية المهجر، وتشجيعهم على الاستمرار في النضال في الدول التي استقروا فيها. لكن إذا عاد الأردني مزدوج الجنسية إلى الأردن وأقام ومارس أعماله فيها ، فان العلة من الاحتفاظ بالجنسية الأجنبية تزول، إلا إذا كان حمل الجنسية الأجنبية بجانب الجنسية الأردنية يمثل من وجهة نظره ميزة له لايريد النزول عنها ، أو يمثل حماية له من قبل دولة أجنبية لايريد أن يفقدها ، وكلا الأمرين يزعزع من يقين انتمائه للأردن ، فالأردني الحق هو من يعتز بأردنيته ويرفض تماما أن ينازعه في ولائه لها أي وطن آخر مهما كان.
هذا رأي اجتهادي في هذه المسالة، وهو بالطبع يحتمل الخطأ و يحتمل الصواب.
اترك تعليقاً