التواصل الاجتماعي للقضاة
القاضي إياد محسن ضمد
في ألمانيا فرضت عقوبة تأديبية على قاض لأنه نشر مقالاً دافع فيه عن رجل تعليم أقيل لانتمائه لأحد الأحزاب السياسية، وقد ايدت المحكمة الفدرالية الألمانية العقوبة معتبرة ان القاضي خرق واجب الحياد والتجرد الذي يجب ان يتمتع به وأقحم نفسه بنقاش سياسي لا يليق بحياد واستقلال القضاء، وإزاء ذلك يثار نقاش مهم في الوسط القضائي خاصة والوسط القانوني عامة عن حق القضاة في التعبير عن آرائهم وحدود هذا الحق والقيود المفروضة عليه والأسانيد القانونية لهذا الحق وما يفرض عليه من قيود.
مدونات السلوك القضائي في اغلب الدول كمصر والمغرب والجزائر والكويت وبلجيكا والمانيا قيدت حق القاضي في التعبير عن رأيه بوجوب ان يكون ذلك برزانة وحياد يحفظ من خلاله كرامة الوظيفة القضائية واحترام الناس لاستقلاليتها وهذا بالتحديد ما اكدت عليه مبادئ بنغالور التي اقرت في الهند عام 2001 والتي تتعلق بالسلوك القضائي.
صحيح ان هذه المبادئ اعطت للقاضي حق وحرية التعبير عن رأيه لكنها قيدت ذلك بوجوب التحفظ والحفاظ على الحياد والابتعاد عن إبداء رأي في مواضيع يثار حولها نقاش، وللأسباب ذاتها فان مدونات السلوك في اغلب الدول منعت القضاة من انشاء موقع للتواصل الاجتماعي في الفيس بوك والتويتر بداعي منع القضاة من الإدلاء بآراء ذات جنبات سياسية او اجتماعية من الممكن ان تعرض قضاياها أمامهم مستقبلا ما يفقدهم جانب الحياد ويجعل الخصوم يشعرون بالقلق والخوف كونهم يعرفون رأي القاضي مسبقا في الموضوع الذي أدلى حوله برأي مسبق ورغم ان هناك دولا منع فيها القضاة صراحة من إنشاء مواقع للتواصل بصفاتهم القضائية فان مجلس القضاء الأعلى في العراق، وفي احد إعماماته دعا القضاة الى النأي بأنفسهم عن نشر الصور الشخصية التي لا تليق بهيبة ورفعة القضاء وحبذ الابتعاد عن انشاء مواقع للتواصل الاجتماعي للأسباب التي ذكرتها آنفا في المقال.
من ذلك اخلص الى ان حق القضاة في التعبير مقيد بقيود كثيرة اغلبها ينشأ من طبيعة المهام والوظائف التي يضطلعون بأدائها وان إبداء الآراء المسبقة يجعلهم في حرج من قضايا قد ينظرونها مستقبلا وانه يفترض بهم وحتى في حال الظهور في وسائل الإعلام او مواقع التواصل ان يبتعدوا عن نقاشات السياسة والأمور التي تشهد شدا هنا وجذبا هناك حفاظا على حيادهم واستقلالهم لان الناس تحترم السلطة القضائية وتثق بها طالما بقيت محافظة على حيادها واستقلاليتها والحفاظ على هذا الاحترام وتلك الثقة امر ضروري للإبقاء على ثقة المواطن بنظام العدالة مع ضرورة ان تجد كل سلطة قضائية وسائل محددة وان تضع آليات مناسبة للتعامل مع الاعلام وتزويده بالمعلومات عن القضايا التي تهم الشأن العام حيث لا بد من ايجاد علاقة بين الزمن القضائي والزمن الاعلامي والعمل على أن يلتقيا في صناعة لحظة مضيئة تجمع بين احترام خصوصية السلطة القضائية وبين حق الاعلام في الحصول على المعلومة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً