الإفلاس ليس جريمة جنائية ما لم يُرافقه احتيال
أعدت المدققة المشاركة في إدارة الشؤون القانونية في ديوان المحاسبة جنان المخلد مقالاً حول الإفلاس في القانون التجاري. وقد نشرت المقال في مجلة الرقابة الصادرة عن ديوان المحاسبة عدد يوليو الجاري. وقالت المخلد في مقدمة مقالها:
لا يخفى على أحد أن المعاملات التجارية بأنواعها المختلفة هي روح الاقتصاد في كل زمان ومكان، لأنها تعمل على تداول رأس المال في المجتمع مما يساعد على النمو الاقتصادي وازدهار الحياة الاجتماعية، وهو ما أكسب التجار أهمية كبيرة ومميزات لم تمنح لغيرهم من أصحاب الأعمال على مر العصور.
غير أن التاجر قد يتعرض في حياته التجارية الى هزات مالية كبيرة لا يقوى معها على القيام بواجباته التجارية ولا يستطيع الوفاء بالديون التي تحملها تجاه الآخرين، مما قد يؤثر في حياته التجارية ويتعرض إلى إشهار إفلاسه.
يتطلب إشهار إفلاس التاجر اتخاذ إجراءات معينة حتى لا يقوم المفلس بالتلاعب بحقوق الدائنين وينوب أمين التفليسة عن المفلس في إدارة أمواله، ويكون على الدائنين بعد إشهار الإفلاس أن يتقدموا بديونهم حتى يستطيعوا الحصول على ديونهم.
1 – ماهية الإفلاس في القانون التجاري
للإفلاس عدد من التعريفات منها ما يلي: «هو حالة توقف شخص ما عن الوفاء بديونه وصدور حكم بإفلاسه»، كذلك يعرف الإفلاس في القوانين المنظمة للأعمال بأن تعلن الشركة – صغيرة كانت أم كبيرة – أنها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها أمام الدائنين، وهذه القوانين ليست موحدة عالمياً، لذا هناك اختلاف بين الدول في ما يتعلق بإعلان الإفلاس وما يترتب عليه من آثار قانونية ومادية.
أما المفلس في عرف الفقهاء فهو «من كان دَينه أكثر من ماله، وخرجه أكثر من دخله ويسمى مفلساً وإن كان ذا مال، لأن ماله مستحق الصرف في جهة دينه فكأنه معدوم، وسمّي مفلساً لأنه لا مال له إلا الفلوس وهي أدنى أنواع المال، وهي الشيء التافه الذي لا يعيش إلا به، والمفلس بهذا المعنى يكون هو والمعسر سواء».
والإفلاس في القانون الوضعي له إجراءات قانونية تتخذ لإدارة أعمال الشخص بعد أن يصبح عاجزاً عن الدفع، ولا يعد الإفلاس جريمة جنائية ما لم يرافقه احتيال، ولكن يكون الشخص المُعلن إفلاسه مقيداً في الشؤون المالية والتجارية.
وتبدأ الدعاوى القضائية للإفلاس بالتقدم بعريضة الى المحكمة، إما من قبل المدين نفسه أو الدائن، بعد ان يُتخذ قرار الإفلاس وتتضمن الدعوى القانونية اتهاماً للمدين بالتهرب من دفع الديون وعدم الإذعان لأوامر المحكمة بالدفع.
أما مقدار المال الذي ينبغي ان يكون للدائن قبل ان يباشر الإجراءات القانونية فيحدده القانون، وبالمثل يمكن للمدين ان يباشر الإجراءات في حالات يحددها القانون أيضاً، وبمجرد ان تقبل المحكمة الالتماس المقدم إليها يصدر قرار بالمثول أمام المحكمة، ثم يعلن عن اجتماع لكل الدائنين.
وما لم يقدم المدين لنفسه التماساً فلا يصدر حكم بالإفلاس، وذلك حتى يأخذ المدين فرصة ليقدم خطة لترتيبات الدفع للدائنين، فإذا قبل الدائنون ذلك فلا يصدر حكم بالإفلاس، وإنما يُعيّن وصي ليقوم بإدارة المشروع أو الخطة بطريقة مماثلة للإفلاس، ويعرف هذا أحياناً باسم الإفلاس الشخصي، وما لم تقدم خطة أو حتى إذا قدمت خطة ورُفضت فإن الدائنين يقومون بتعيين وصي أو وكيل ليقوم بمهام التصفية نيابة عن المدين.
بعد أن يصدر القرار يجري استجواب علني في اجتماع محكمة، وتقيّم المحكمة ملكية المدين، وتبحث تماما في ادارة الشؤون التجارية للمدين، وبعد ذلك يضبط الوصي بالنيابة عن الدائنين بيع موجودات المفلس، وتكون الاولوية لديون معينة قبل الوفاء بديون أخرى، ومن ذلك الرسوم والضرائب، وأجور تستحق الدفع للموظفين، كما يمكن أن يطالب الدائنون المؤمنون بملك مضمون، اذا اخفق المدين في تدبير الدفع، ولا تشمل امثال هؤلاء الدائنين دعاوى الإفلاس.
ويجب أن يحول الدائن المؤمن الملك المضمون قبل أن يصبح قادرا على أن يشارك في اي دفع من قبل الوصي، وبمجرد أن يتم الدفع لذوي الأسبقيات يبدأ في الدفع لبقية الدائنين بنسبة المال الذي دفعه كل منهم، وهذه الحصة من المال التي تدفع للدائنين تسمى أرباح الأسهم.
وينتهي الإفلاس بإصدار المحكمة قرار الإعفاء، وهي مخولة عادة اذا كان الدائنون قد تسلموا حصصاً نسبية معقولة بشرط عدم مخالفة ذلك لشروط الإفلاس، ويقدَّم تقرير من قبل المتسلم الرسمي الى المحكمة اثناء السماع، ويمكن ان يعارض الدائنون قرار الاعفاء اذا لم يحصلوا على حصص معقولة، ويستعيد المفلس مسؤولية شؤونه الخاصة بعد الاعفاء، ولكن يجب ان يستمر في دفع بعض التكاليف والنفقات الى المحكمة، وعادة ما يكون المفلس قد أعفي من الديون التي كانت موضوع الافلاس.
2 – أنواع الإفلاس
الإفلاس في النظام مقسم الى ثلاثة أنواع: الإفلاس الحقيقي والإفلاس التقصيري والإفلاس الاحتيالي.
● الملفس الحقيقي: هو الذي اشتغل في التجارة على رأسمال معلوم يعتبره العرف كافيا للعمل التجاري الذي اشتغل فيه ووجدت له دفاتر منظمة، ولم يبذر في مصرفه ووقع على أمواله حرق أو غرق او خسارات ظاهرة، فإذا توافرت هذه الشروط يكون مفلساً حقيقياً (نظام المحكمة التجارية).
● المفلس المقصّر: «هو التاجر الذي يكون مبذرا في مصاريفه ولم يبين عجزه في وقته، بل كتمه على غرمائه واستمر يشتغل في التجارة حتى نفد رأسماله، وان وجدت له دفاتر منظمة (نظام المحكمة التجارية).
● المفلس الاحتيالي: لا يعبر عنه بمفلس إلا لتوزيع موجوداته على غرمائه، بل هو محتال، والمحتال من استعمل ضروب الحيل والدسائس في رأسماله وقيد بدفاتره ديوناً عليه باسم شخص آخر بصورة كاذبة أو حرر بها سندات أو فراغ امواله وعقاره الى غيره بطريقة نقل الملك، او أخفى شيئاً من امواله واشتغل في التجارة بطريق التمويه والاحتيال او تفعيل التجار على اي صورة كانت، وسواء كان مبذراً او لم يكن مبذراً، او لم توجد له دفاتر او وجدت وكانت غير منظمة، وأضاع حقوق العباد بتلك الصورة، فيكون محتالا (نظام المحكمة التجارية).
3 – حصر أموال المفلس
يترتب على صدور الحكم بإشهار الإفلاس ان يمنع المفلس من ادارة امواله او التصرّف فيها حفاظا على حقوق الدائنين، لذا يتطلب الأمر حصر اموال المفلس ووضع الأختام عليها وتسليمها الى وكيل التفليسة حتى لا يتصرّف المفلس فيها. فإذا تم جرد أموال المفلس يتم تحرير ميزانيته وتقفل دفاتره ثم تبدأ اعمال الادارة في اتخاذ الاجراءات التحفظية وتحصيل الديون ومباشرة الدعاوى والصلح بالنسبة لحقوق المفلس قبل الغير.
وقد يتطلب الأمر أيضا الاستمرار في تجارة المفلس او صناعته وذلك لمصلحة الدائنين والمفلس ذاته، ولقد اوجب القانون ايضا ايداع كل المبالغ التي يحصلها وكيل التفليسة في الخزينة العامة، فبصدور حكم اشهار الافلاس يمنع المفلس من ادارة امواله وتوضع تحت يدي أمين التفليسة.
وغرض الشارع من تقريره رفع يد المدين المفلس عن ادارة امواله ان يحول بينه وبين ما قد يقوم به من الاعمال والتصرفات التي قد تنقض أمواله ضمان الدائنين.
ويتطلب انتقال ادارة اموال المفلس الى أمين التفليسة بعض الاجراءات مثل: وضع الاختام – رفع الاختام- جرد اموال المفلس- تسليم الدفاتر التجارية – وضع الميزانية، واذا لم يكن المفلس قد قدم الميزانية، وجب على أمين التفليسة ان يقوم بعملها وايداعها قلم كتاب المحكمة، ويتسلم أمين التفليسة الرسائل الواردة باسم المفلس والمتعلقة باشغاله ولأمين التفليسة فضها والاحتفاظ بها، وللمفلس الاطلاع عليها، ويقوم وكيل التفليسة بوضع ميزانية المفلس فوراً.
4 – إدارة أموال التفليسة
تنحصر مهمة أمين التفليسة بعد تسلم أموال المفلس في المحافظة عليها والقيام بأعمال الادارة العادية حتى يتخذ الدائنون قرارا في مصير التفليسة.
فبمجرد صدور حكم الافلاس تغل يد المدين المفلس في التصرف في جميع أمواله الحالية والأموال التي تؤول اليه وهو في حالة الافلاس ويحل وكيل الدائنين محله في ادارة هذه الاموال، وقد قضى «الحكم باشهار الافلاس اثره، غل يد المدين المفلس عن ادارة امواله او التصرف فيها، فقد أهليته في التقاضي بشأنها ويحل محله في تلك الامور وكيل الدائنين وعدم زوال صفته الا بانتهاء التفليسة».
فوكيل التفليسة يقوم مقام المفلس في ادارة أمواله وعليه ان يتخذ الاجراءات اللازمة لادارة اموال المفلس والمحافظة عليها.
ويجب على أمين التفليسة من وقت استلامه أموال المفلس أن يقوم بجميع الأعمال اللازمة لصيانة حقوق المفلس تجاه مدينيه، فيقوم أمين التفليسة بجميع الأعمال اللازمة للمحافظة على حقوق المفلس لدى الغير، ويطالب بهذه الحقوق ويستوفيها.
وقيام أمين التفليسة بهذه الأعمال ليس على سبيل الجواز بل على وجه الإلزام والوجوب، وترتيباً على كل ما سبق انه إذا تراخى أمين التفليسة عن القيام بعمل أو إجراء كان من الواجب عليه القيام به أو قام به بعد فوات الميعاد، اعتبر مقصراً في أداء مهمته ومسؤولاً عن الأضرار الناتجة عن هذا التقصير.
والأعمال التحفظية التي يلتزم أمين التفليسة باتخاذها متعددة منها: قطع التقادم بالنسبة للديوان التي للمفلس على الغير، وتوقيع الحجز التحفظي على مديني المفلس وتحرير الاحتجاج بعدم الوفاء والطعن في الأحكام الصادرة ضد المفلس، وكذلك يجب على أمين التفليسة قيد ما للمفلس من حقوق عينية كالرهون الواقعة على عقارات مدينة إذا لم يكن المفلس قد أجرى هذا القيد.
وتحقيقاً للرقابة التي يباشرها قاضي التفليسة على إدارتها يلتزم أمين التفليسة بإعداد تقرير عن حالة التفليسة مرة على الأقل كل ثلاثة أشهر وتقديمه لقاضي التفليسة.
ومتى صدر حكم إشهار الإفلاس امتنع عن المفلس استيفاء الحقوق التي له لدى الغير وتعين حصول الوفاء بها إلى السنديك، فإذا وفي المدين بشيء منها إلى المفلس كان وفاءه باطلاً، والقاعدة ان من يدفع خطأ يدفع مرتين فيجب على أمين التفليسة تحصيل ديون المفلس سواء كانت ثابتة في سندات عادية أو في أوراق تجاربه، فضلاً عن تحصيل أرباح الأسهم وحصص التأسيس وفوائد السندات أو استرداد قيمتها الاسمية إذا كان لذلك مقتضى، كما يجب عليه تقديم الكمبيالات والشيكات للقبول لاقتناص توقيع المسحوب عليه بالقبول لزيادة ضمانات الوفاء بها.
لذلك أجاز القانون لقاضي التفليسة أن يأمر بعدم وضع الأختام على الأوراق التجارية ذات الاستحقاق القريب أو التي تستلزم إجراءات احتياطية وأن تسلم مباشرة إلى أمين التفليسة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً