هل يمكن للوزراء مخالفة قانون إشهار الذمة المالية ؟
الوزراء يخالفون قانون إشهار الذمة المالية |
د. ليث كمال نصراوين
كعادتها خرجت دائرة إشهار الذمة المالية مؤخرا بخبر مفاده تخلّف عدد من السادة الوزراء عن تقديم إقرارات ذممهم المالية خلال المدة التي نص عليها قانون إشهار الذمة المالية رقم (54) لسنة 2006، وهي ثلاثة أشهر من تاريخ تسلّم المكلفين نماذج إقرارات الذمة المالية، حيث هددت الدائرة المتخصصة بمباشرة الإجراءات القانونية بحق الوزراء المتخلفين إذا لم يبادروا وعلى الفور بتقديم إقراراتهم المالية الخاصة بهم وبزوجاتهم وأبنائهم القصر وفق أحكام القانون.
إن تكرار مسلسل مخالفة الوزراء لواجب إشهار ذممهم المالية يكشف عن عدم جدوى وفعالية نصوص القانون الحالي في تحقيق الفائدة المرجوة منه وهي ضمان الشفافية والعلنية في العمل العام ومنع تعارض مصالح الوزراء المالية الخاصة مع واجبات الوظيفة العامة. فالوزير ملزم بأن يفصح عن أمواله وممتلكاته الخاصة والعائلية لكي يضمن تحقيق رقابة رسمية وشعبية على عدم استغلاله المنصب الحكومي لزيادة موارده المالية.
وأمام هذا العجز التشريعي في قانون إشهار الذمة المالية، فقد تعالت الأصوات منادية بإصدار قانون من أين لك هذا ؟ بغية تجاوز نقاط الضعف في القانون الحالي، حيث أعلنت كل من الحكومة الحالية لفايز الطراونة والحكومة السابقة لعون الخصاونة في بيانيهما الوزاريين نيتهما التقدم بمشروع قانون بهذا الخصوص إلى مجلس النواب، إلا أن هذه الوعود الحكومية لا تزال حبيسة الأدراج بانتظار إخراجها إلى حيز الوجود.
إن تقاطع الأهداف والغايات التي يسعى كل من قانون إشهار الذمة المالية وقانون من أين لك هذا تحقيقها يجعل من إصدار قانون جديد يلزم الوزراء بالإعلان عن مصادر أموالهم وثرواتهم الخاصة بهدف ضمان عدم إثراء الوزراء بطريقة غير مشروعة من خلال عملهم الحكومي من قبيل التخمة التشريعية، على اعتبار أن هذا هو الهدف ذاته الذي يسعى قانون إشهار الذمة المالية إلى تحقيقه.
لذا فالبديل عن إصدار قانون من أين لك هذا هو إجراء مراجعة شاملة لأحكام قانون إشهار الذمة المالية تأخذ بعين الاعتبار ابتداء ضرورة تطبيق آليات إشهار مختلفة بحق كل من الوزراء والنواب الأعيان وباقي كبار الموظفين الخاضعين لأحكام القانون. فما يؤخذ على قانون إشهار الذمة المالية الحالي أن نطاق تطبيقه يمتد ليشمل مختلف فئات الموظفين العامين كرئيس الوزراء والوزراء والقضاة وأعضاء مجلس الأمة ورؤساء مجالس المفوضين وأعضائها ورؤساء المؤسسات الرسمية العامة المدنية والعسكرية ومديريها وموظفي الفئة العليا ومن يماثلهم في الرتبة والراتب في الدوائر والمؤسسات الرسمية العامة والسفراء وأمين عمان ورؤساء وأعضاء البلديات الكبرى، وأعضاء لجان العطاءات المركزية والعطاءات الخاصة المدنية والعسكرية ولجان العطاءات والمشتريات في الدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية العامة والبلديات.
إن إخضاع جميع الفئات السابقة لآلية واحدة مشتركة فيما يتعلق باشهار الذمة المالية من دون مراعاة نصوص الدستور وطبيعة المهام والمسؤوليات التي تقع على عاتق كل فئة من هذه الفئات يشكل حجر عثرة في طريق تحقيق القانون للغايات والأهداف المرجوة منه. فالوزراء يجب أن يخضعوا لإجراءات خاصة بهم فيما يتعلق باشهار ذممهم المالية تنبع من نصوص وأحكام الدستور، حيث حظرت المادة (44) من الدستور على الوزير أثناء وزارته أن يكون عضوا في مجلس إدارة شركة ما أو أن يشترك في أي عمل تجاري أو مالي أو أن يتقاضى راتبا من أية شركة.
بالتالي فإن إشهار ذمة الوزراء المالية يجب أن تنصب على قيامهم بتجريد أنفسهم من جميع الوظائف والمناصب الإدارية في أية شركة خاصة أو مؤسسة عامة يتقاضون منها راتبا، وفي قيامهم بقطع جميع صلاتهم الوظيفية عند مباشرة مهامهم الوزارية والتنازل عن أية أسهم أو حصص مالية لهم في أي شركة مساهمة عامة، والافصاح عن مثل هذه المصالح والمنافع اذا كانت مملوكة لأي من زوجاتهم أو أبنائهم القصّر إلى دائرة اشهار الذمة المالية.
هذا على خلاف السادة النواب والأعيان والذين يحق لهم أثناء فترة عضويتهم في مجلس الأمة أن يباشروا مهام وأعمال ومشروعات مالية خاصة بهم، وأن يكونوا أعضاء في مجالس إدارة شركات خاصة مؤسسات عامة يتقاضون منها رواتب ومكافآت شهرية. فهم بالتالي يكونون أكثر حاجة للإفصاح عن مثل هذه المنافع والمصالح المالية بشكل دوري، وذلك لمنع تعارضها مع واجباتهم العامة في مجلس الأمة.
كما يؤخذ على قانون إشهار الذمة المالية الحالي أنه يلزم الوزراء بتقديم إقرارات الذمة المالية بصورة دورية خلال شهر كانون الثاني الذي يلي إنقضاء سنتين على تقديم الإقرار السابق عملا بأحكام المادة (5) من القانون وذلك طيلة مدة خضوعه لأحكام القانون وعند تركه الوظيفة أو زوال الصفة عنه.
تلك الدورية في إشهار الذمة المالية يجب أن يتم إعادة النظر بها بحيث يكون الوزراء ملزمين بتقديم إقراراتهم المالية التي تشمل زيادة في ذممهم المالية أو ذمم زوجاتهم أو أولادهم القصّر عند حصولها من دون أي قيد زمني، وذلك قد يكون شهريا، أسبوعيا أو حتى يوميا إذا ما اقتضت الحاجة. فمن غير المعقول أن يقوم الوزراء في الأردن بتقديم اقرارات ذممهم المالية كل سنتين حسب القانون الحالي في الوقت الذي يلتزم فيه الوزراء في باقي الأنظمة الديمقراطية الحديثة بالافصاح عن أية أموال أو مكاسب جديدة بمجرد امتلاكها.
أما فيما يتعلق بآلية التعامل مع اقرارات المكلفين بتنفيذ قانون إشهار المالية، فإنها تمتاز بإنعدام أية درجة من درجات الشفافية أو العلنية، إذ يشترط قانون إشهار الذمة المالية أن تحفظ كشوفات الذمة المالية الخاصة بالوزراء في ظرف مختوم وسرّي يوضع في خزانات خاصة في وزارة العدل والذي لا يتم فتحه أو الاطلاع على محتواه إلا بعد ورود شكوى خطية حول تنازع مصالح أحد الوزراء المالية مع واجباته الحكومية وذلك من قبل هيئة أو أكثر يشكلها المجلس القضائي برئاسة قاضي تمييز وعضوية قاضيين من الدرجة الخاصة على الأقل.
إن مثل هذا الإجراء يعد قصورا في مفهوم إشهار الذمة المالية ومن شأنه أن يلغي الغاية من الإفصاح عن أموال وممتلكات الوزراء والتي لن تتحقق مع بقاء كشوفات ذمم الوزراء المالية في ظروف مغلقة تحفظ في خزائن خاصة في دائرة إشهارالذمة المالية واعتبارها من الأسرار التي يحظر نشرها أو أفشاؤها.
لذا لا بد من التخلي عن مبدأ قدسية كشوفات إقرارات الذمة المالية الخاصة بالوزراء واستبدال مبدأ السرية غير المبررة لهذه الإقرارات بمبدأي العلانية والشفافية، بحيث تكون متاحة للرقابة الشعبية وأن يكون لكل فرد حق الحصول على المعلومات المتعلقة بالذمة المالية للوزراء ومراقبة أي تغيير أو زيادة عليها أثناء توليه الوظيفة الوزارية.
كما يعاب على قانون إشهار الذمة المالية أن تحرك السادة الوزراء للإشهار عن ذممهم المالية عادة ما يبدأ بمجرد أن تلّوح دائرة إشهار الذمة المالية بتطبيق العقوبات الجزائية المنصوص عليها في القانون والمتمثلة في الحبس أو بالغرامة أو بكلتا العقوبتين على كل شخص تخلف من دون عذر مشروع عن تقديم إقرارات الذمة المالية رغم تبليغه بذلك، وهو ما يعكس إنعدام أي دافع أو وازع داخلي لدى السادة الوزراء بأهمية إشهار أموالهم وممتلكاتهم لتحقيق مبدأ الشفافية والحيادية في العمل الحكومي.
إن قانون إشهار الذمة المالية ذو طبيعة خاصة يختلف كل الاختلاف عن القوانين الأخرى من حيث أن الجزاء يجب أن لا يكون المحرك الرئيسي والسبب الأساسي للالتزام بنصوصه وأحكامه، بل لا بد من وجود إرادة داخلية تلقائية من السادة المكلفين بتطبيق نصوصه. لذلك نجد أنه من الضروري بلورة ثقافة عامة لدى السادة الوزراء بأهمية الالتزام بروح قانون إشهار الذمة المالية قبل الالتزام بحرفية بنوده. تلك الثقافة من شأنها أن توجد قناعة وحسا ذاتيا لدى الوزراء ليس فقط بضرورة الاسراع في الإشهار عن أموالهم ومصالحهم المالية، بل بالافصاح الدوري عن أية زيادة أو تغيير في طبيعة وحجم تلك الأموال والمنافع.
إن أبسط ما يمكن قوله عن إجراءات إشهار الذمة المالية المطبقة حاليا في الأردن أنها قد غيرت اسم القانون من قانون إشهار الذمة المالية إلى قانون إخفاء الذمة المالية، مما يبرر التحرك فورا لتعديل هذا القانون أو إلغائه واستبداله بقانون من أين لك هذا؟.
اترك تعليقاً