قانون العمل لا يمنع توظيف المتعثرين
محمد العنقري
بالعودة إلى مقال كتبته قبل أسبوع بعنوان (سدد قرضك وفاتورتك تحصل على وظيفة) والذي حاولت فيه مناقشة قضية بدأت تطفو على السطح حول منع المتعثرين بسداد القروض أو فواتير بعض الخدمات من الحصول على وظيفة إلا السداد أولاً ضمن دائرة المنشآت التي تعاقدت أو أسست شركة سمة وتتوسع دائرة عملائها بوتيرة جيدة فقد وردتني بعض الاستفسارات حول هذه المسألة وكذلك برزت ردود فعل تقف في صف المقرضين على اعتبار أن المتعثر خالف وثيقة العقد فيستحق الجزاء.
وكنت قد ذكرت أن موضوع التسديد والالتزام به نقطة لا غبار عليها وهي ليست محل خلاف بل مطلب لأنها داعم لصحة الاقتصاد بنهاية المطاف ووفاء الديون والالتزامات مرتكز أساسي في عقيدتنا السمحة. وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)، وما كنت أرمي إليه هو مساعدة المتعثرين الذين يجدون فرصة عمل بطرق تسمح لهم بالسداد وتحسن من أوضاعهم المعيشية لأنهم بالأساس يواجهون ضائقة مالية فكيف سيلتزم بسداد ما عليه إذا كان لا يملك دخلاً أصلاً أو حصل على فرصة عمل أفضل مادياً تعينه على تنامي التزاماته.
وقد عدت لقانون العمل فلم أجد فيه فقرة تنص على منع المتعثرين بسداد قروضهم أو فواتيرهم من العمل بل إن المادة الثالثة حددت بأن العمل حق مشروع لكل مواطن والثامنة منه حددت شروط التأهيل للحصول على الوظيفة وكذلك الأوراق المطلوبة لشغلها لا تتضمن أي إثبات حول الوضع الائتماني للمواطن أو الوافدين حتى أن قانون العمل لا يجيز لأي منشأة إضافة بنود العقد إلا بعد موافقة وزارة العمل ولم نسمع أن الأخيرة قد أقرت شيئاً من هذا القبيل.
ومن هذه النقطة يكون مثل هذا الشرط إضافة تحتاج لموافقة وزارة العمل ونأمل أن نسمع رأيها حول ما إذا كانت قد أقرت مثل هذا الأمر أم لا خصوصاً أن جهودها في فتح آفاق العمل أمام طالبيه واضحة من أعلى شخص فيها معالي الوزير الذي نراه يرفع من معنويات الشباب بزيارات ميدانية لمواقع عمل متنوعة وأصبح يوم الضيافة علامة بارزة في مناسبات الوزارة السنوية بخلاف تكريم الشباب بمهن كانت إلى فترة قريبة تندرج تحت بند العيب الاجتماعي. فإذا كانت الوزارة تبذل كل هذا الجهد وبأساليب مختلفة بدءاً من رأس الهرم فيها، فهل نتوقع أن تضع العراقيل أمام فتح فرص العمل بقدر ما ستساهم بحل أي إشكال يقف في طريق ذلك. وهذا واضح تماماً من خلال ما تقوم به الوزارة من مجهودات تسجل لها سواء بالتدريب ودفع جزء من الرواتب للمبتدئين بسوق العمل وغير ذلك مما هو أصبح معلوماً للجميع.
ثم إن السؤال الذي يطرح نفسه، هل يوجد في اتفاقية القرض بين المقرض والعميل أو طلب الخدمة من شركات الخدمات ما ينص على أن من حق الطرف الأول توزيع المعلومات الائتمانية للمستفيد على المشتركين بشركة سمة من مصارف وغيرها، لأن هذا يندرج تحت بند الخصوصية ولا يجب أن يتم أي إجراء فيه إلا بموافقة العميل وهو أمر قانوني واضح.
وعلى اعتبار أن ما ينطبق على العميل أي كان فرداً أم منشأة يجب أن ينطبق على غيره فلماذا يتم مساندة المصارف مثلاً عندما تتعثر كما حدث في العقود السابقة وأصبح عرفاً ومصدر طمأنينة للجميع حول قوة ومتانة النظام المصرفي، فالشيء بالشيء يذكر. وأصبح من العلامات البارزة في ظل هذه الأزمة دعم المصارف المتعثرة عالمياً والتي كلفت تريليونات الدولارات، فهل نأتي على فرد يبحث عن وظيفة وليس قرضاً لنقول له أنت غير مؤهل لها فهو بالنهاية ليس مختلساً أو مداناً بجرم يشكك في أمانته بل القضية هي ظروف خاصة بكل شخص، فهل ننسى تأهيل الحكومة للمدانين بأحكام نتيجة جرائم مختلفة ارتكبوها من خلال برامج اجتماعية مختلفة جعلت منهم عنصراً مفيداً للمجتمع بدل حالة الضياع التي كانوا يهيمون بها.
يبقى أن نذكر أن الاقتصاديات الغربية تبلغ ديون الأفراد فيها أرقاماً فلكية، ففي أمريكا لوحدها ديون المواطنين تقارب 10 تريليونات دولار منها تريليون دولار لقروض السيارات ومثلها لبطاقات الائتمان وأكثر من 150 مليار دولار قروض تعليمية وهناك ملايين المتعثرين فلو مُنعوا من العمل بسبب ذلك لكانت البطالة لديهم أضعاف ما هي عليه الآن من دون وجود أزمة مالية واقتصادية خانقة، أم أننا ننسى التقصير الذي مارسته مصارفنا باعتراف الكثير حول توعية عملائها بمخاطر القروض ومساعدتهم على اختيار الأنسب لأوضاعم المالية حتى لا يتعثروا بوقت يعرف الجميع كيف كانت الاتصالات تأتي من كل حدب وصوب دون أن تعرف كيف توصلوا لرقمك وبأي حق يعطى لهم والزيارات للناس من قبل مسوقي القروض وبطاقات الائتمان والخدمات في مقر أعمالهم مما ساهم بنشر ثقافة الاستهلاك على حساب الادخار والاستثمار.
إن اتباع طرق محكمة لسداد المديونيات مسألة مهمة وضرورة اقتصادية واجتماعية، ولكن مع اتساع رقعة المقترضين وارتفاع تكاليف الحياة سيزداد عدد المتعثرين وبالتالي بفرض مثل هذه الشرط للتوظيف يبدو أن وزارة العمل ستضيف قسماً لضمانات القروض حتى تحل هذه المشكلة رغم أن حلها بسيط. فكما نسمع أنه في حال رغبة إحدى الجهات الملتزمة بهذا الشرط بأحد المتقدمين للعمل لديها فإنها تقوم بشراء قرضه وتحويله عليها لتستفيد من خدماته فما الذي يمنع إعادة تنظيم الموضوع بما يحقق الفائدة للجميع.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً