التفتيش و أثره على الحريات
القاضي علي كمال
إن أسمى الحقوق التي كفلتها الدساتير وإعلانات ومواثيق حقوق الانسان للمواطن هي الحريات الشخصية، ولقد عرفت هذه الحريات بالحريات الأساسية لأنها قوام الحريات العامة ومناط القيم الإنسانية جمعاء وركيزة الديمقراطية الاجتماعية والسياسية معاً.
والحرية ليست معنى مجردا به ينطلق الفرد ليفعل ما يشاء فتصبح بذلك فوضى حيوانية بلهاء مجافية للإنسانية الفاضلة الكريمة واذا صاحبتها القوة او السلطة كانت إعصارا مدمرا يعصف بحريات الاخرين كالنار يأكل بعضها بعضا، وانما الحرية هي ان يكون سلوك الفرد في ممارسته لحقوقه وحرياته في نطاق القانون وان يكون القانون بغير تعسف في تطبيقه حتى لا يتخذ القانون سلاحا للحد من حرية الأفراد والنيل من حقوقهم وذلك بان يكون الغرض من تطبيق القانون اولا وقبل كل شيء تحقيق الرفاهية والامن والطمأنينة لأفراده. وسيادة القانون لا تكون ذات موضوع إلا إذا كان القضاء مستقلا ومضمونا لأنه هو الذي يشرف على تطبيق القانون ويقول كلمته الحاسمة في ذلك.
ونظرا لبالغ أهمية الحرية في حياة الفرد وفي بناء المجتمع فقد حظيت بحماية الدولة فوفرت لها من الضمانات ما يعصمها من الافتئات والعدوان ويكفل لممارستها الأمان والطمأنينة ولم تسمح بالتعرض لها إلا لضرورة قانونية مشرعة تحتمها دواعي العدالة وامن المجتمع وسلامته سواء أكان إجراءً قضائيا احتياطيا يقتضيه التحقيق في دعوى جنائية ام ضرورة امن جماعي او تنفيذ لأحكام قضائية.
وقد روعي ان تمارسه سلطات الدولة حينذاك في ظل اشراف قضائي محكم ومناط الحريات الشخصية ذات الشخص وحياته الخاصة وتتضمن حصانة الذات بمفهومها المادي كسلامة البدن وحرية التحرك في التنقل والاقامة ومفهومها الادبي كحصانة الاعتبار الشخصي بما يتضمن معاني الشرف والكرامة وحرية المسكن وحصانة الاسرار الشخصية والرسائل والبرقيات والاتصالات الهاتفية والاسرار الخاصة التي يؤتمن الآخرون عليها بحكم مهنتهم، وكل قيد على هذا الحق الطبيعي ينبغي ان يكون له سند في القانون يحقق به مصلحة اعلى هي حماية المجتمع الذي يعتبر الفرد عنصر تكوينه.
فاذا تعارضت القاعدة المشار اليها انفا مع صالح الجماعة واقتضى الامر اتخاذ إجراءات تمس حرية المتهم فانه ينبغي ان تلتمس التوازن بين مصلحتين متعارضتين مصلحة الفرد الذي من حقه ان يتمتع بحريته ومصلحة الجماعة التي من حقها ان تعيش في امن وسلام وتتطلب اتخاذ الاجراءات الضرورية لتوقيع الجزاء على الافراد المخالفين للنظم الموضوعية لصيانة الجماعة ورفاهيتها ثم تغلب احد المصلحتين على الاخرى فحيث تكون مصلحة المجتمع اجدى بالحماية يضحى بحرية الفرد والا فانا نحفظ قدسيتها من ان تمسها يد.
وعلى هدى هذا كان نشأ الجماعة فقديما حكم قانون القوة اعمال الانسانية فكانت الغلبة للقوى يدافع عن حريته ويصونها ويأبى الاعتداء عليها من اي نواحيها ويجند في هذا السبيل كل قواه للذود عنها، بيد ان سنة الكون في الاجتماع وارتقاء الفرد في مدارج التطور دعته الى الانضمام لغيره من بني جنسه وتكونت الاسرة والقبيلة واخيرا الدولة وكان من اثر هذا ان اخذ عنصر القوة يضمحل نتيجة للتضارب بين مصالح الافراد في الجماعة الواحدة والحاجة الى قانون لينظم علاقتهم واحوالهم الاجتماعية وحتى يتم بنيان الدولة وتثبيت اركانها تحتم على كل فرد ان يقبل بحكم الضرورة الاجتماعية التخلي عن بعض حقوقه او تقييدها ومن بينها حريته الشخصية اذ انه ما دامت هناك أفعال قد نؤدي إلى اضطراب الأمن في الدولة.
اترك تعليقاً