تفسير القانون
نبذة عن الباحث
ألاء مجدي سيد محمد
باحثة قانونية
جامعة عين شمس بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف
خطة البحث
تفسير القانون
تمهيد
أولا: تعريف التفسير
ثانيا: أنواع التفسير
رأى الباحث
المراجع
تمهيد
الأصل في نصوص التشريع أن تكون واضحة محددة ومفهومة بأن تكون موضوعة بصيغة لا تثير لبس أو غموض أو عدم تحديد في شأن انطباقها على الوقائع أو الفروض التي تنظمها. لكن يحدث ألا تكون نصوص القانون على هذه الدرجة من الوضوح والتحديد. فيكشف الجانب العملي عن مشاكل في تطبيق النص القانوني، لذا يلزم تفسيرها. فما هو التفسير؟، الإجابة على هذا السؤال تقتضي البحث في المسائل التالية: تعريف التفسير، أنواع التفسير، طرق وقواعد التفسير، وأخيرا مدارس أو مذاهب التفسير.
أولا: تعريف التفسير
التفسير لغة يعنى: يقصد بالتفسير في اللغة مطلق التبيين، إذ يقال فسر الشىْ يفسره، أي أبانه.
أما تفسير النصوص القانونية اصطلاحا فيعنى التعرف على المعنى الذي ينطوي عليه النص وما يقصده المشرع من عباراته، فالوقوف على نية المشرع وإرادته التي عبر عنها بالنص التشريعي هي الغرض الذي يسعى كل من الفقيه ورجل الإدارة والقاضي إلى الوصول إليه من وراء التفسير إلا أن الخلاف يثار عندما يراد تحديد المقصود بإرادة المشرع ونيته.
وفي ضوء ذلك تعددت وتنوعت مدارس ومذاهب التفسير. وذهب فقهاء القانون بشأن المقصود بتفسير القانون مذاهب شتى، إلا انه يمكن تمييز اتجاهين رئيسيين بهذا الصدد، أولهما يضيق من مفهومه تبنته مدرسة التزام النصوص، وثانيهما يوسع من معناه وتبنته اغلب المدارس القانونية التفسير الضيق فيعني: إزالة غموض النص وتوضيح ما أبهم من أحكامه. بينما يعني التفسير الواسع: توضيح ما غمض من ألفاظ النصوص القانونية، وتقويم عيوبها، واستكمال ما نقض من أحكام القانون والتوفيق بين أجزائه المتعارضة وتكيفه على نحو يجارى متطلبات تطور المجتمع وروح العصر.
وفى ضوء ما تقدم ذهب الفقه القانوني الحديث إلى تحقيق العدالة لا يقوم على مجرد تكرار الأحكام للحالات التي تبدو في الظاهر متشابهة، أو كانت متشابهة فعلا، ولكن دونما نظر إلى عوامل الزمان والمكان، ذلك أن تطور القانون وملائمته للمستجدات والحاجات البشرية المتصاعدة والمتفرعة إلى كل الاتجاهات، لا يحصل بالتفسير الضيق والتكرار، ولكن حسن أدراك القاضي وقناعته ويقينه القائم على أساس العقل والحدس يقود إلى تلك النتيجة. و التفسير لا يتصور إلا بالنسبة للقواعد المكتوبة، أي القواعد التي تستمد من مصادرها الرسمية في ألفاظ معينة، وهذا ينطبق على القواعد التشريعية كما ينطبق على القواعد التي تستمد من نصوص الكتب السماوية، فحاجة قواعد القانون إلى التفسير تقتضى أن تكون هذه القواعد مصاغة في عبارات وألفاظ معينة، يقوم التفسير على تحديد مدلولها باختيار معنى معين للنص من بين مختلف المعاني الممكنة التي يحتملها وهو يتم عن طريق توضيح ما أبهم من ألفاظه، وتكميل ما أقتضب من نصوصه، وتخريج ما نقص من أحكامه، والتوفيق بين أجزائه المتناقضة. أما بالنسبة للقواعد غير المكتوبة كالعرف أو مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، فان تحديد مضمونها لا يكون تفسيرا لها وإنما يتخذ شكل التثبت من وجودها أي إثباتها بمضمون معين، أي أن البحث عن معناها هو في نفس الوقت إثبات لوجودها من عدمه. فالتفسير ينصب أساسا على التشريع، باعتباره الصورة المعتادة للقواعد القانونية، يكون القصد منه الكلام عن تفسير التشريع لأنه يحتل مكان الصدارة بين القواعد القانونية كافة.
ثانيا: أنواع التفسير
يقوم بالتفسير في الغالب القاضي والفقيه، بينما يندر أن يقوم به المشرع، ويطلق على التفسير الذي يقوم به المشرع التفسير التشريعي، وحينما يقوم به القاضي يسمى التفسير القضائي وإذ قام به الفقيه عرف بالتفسير الفقهي وهذه هي أنواع التفسير الثلاثة. أضف الى ذلك نوع رابع من التفسير – عند بعض الفقهاء – وهو التفسير الإداري الذي تقوم به جهة الإدارة.
أولا: التفسير التشريعي
وهو التفسير الذي يصدر من المشرع بقصد بيان مراده من إصدار التشريع وذلك أما لتوضيح المقصود بكلمة وردت في التشريع أو تحديد لفظ عام أو تحديد عبارة مجملة فهذا التفسير يحمل ذات صفات التشريع المفسر من حيث قوته وتاريخ سريانه.
وقد أرست محكمة النقض حق المشرع في إصدار التفسير التشريعي في عدد من الطعون المقدمة اليها
ق: نقض مدني: الطعن رقم 1513 لسنة 52
العاملون بالزراعة: استثنائهم من أحكام القانون رقم 92 لسنة 1959 بشأن التأمينات الاجتماعية قاصر على من يعمل بالفلاحة البحتة أما العاملين في الزراعة بصفة غير مباشرة كالإداريين وعمال الحراسة والمشتغلين على الآلات الميكانيكية خضوعهم لجميع أنواع التأمينات الذي نظمها القانون رقم 93 لسنة 1980 بالمادة 10 وأوجب العمل بهذا القانون من تاريخ سريان القانون الذي فسره
– نقض مدني: الطعن رقم 232 لسنة 42 ق:
ضريبة الدفاع قبل إلغائها ضريبة إضافية تأخذ حكم الضريبة الأصلية المادة 4 من القانون 277 لسنة 1956 عدم اعتبارها في التكاليف واجبة الخصم. صدور القانون رقم 113 لسنة 1973 ناصا على عدم اعتبار ضرائب الدفاع والأمن القومي من التكاليف الواجبة الخصم اعتباره مفسرا للمادة 4 من القانون رقم 277 لسنة 1956 . سريانه منذ تاريخ القانون المفسر
ثانيا: التفسير القضائي
وهو ذلك التفسير الذي يصدر من المحكمة بمناسبة نزاع معروض عليها، فاذا وجد نصا غامضا أو غير محدد فيتعين على القاضي تفسيره.
وللتفسير القضائي عدة خصائص تجعله متميزا عن باقي أنواع التفسير الأخرى:
– تفسير عملي وذو طبيعة واقعية، حيث أن القاضي يباشر القانون بمناسبة تطبيقه للقانون على القضايا الواقعية للمعروض عليها مما يدفعه إلى الملائمة في تفسيره للنص والجانب الواقعي للخصومة.
– لا يتمتع بأية صفة إلزامية إلا بالنسبة للواقعة التي صدر من أجلها.
– ان القاضي المفسر ملزم بالتقيد بالحدود التي رسمها له القانون ولا يجوز له الخروج عنها.
– لا يجوز للقاضي أن يمتنع عن التفسير إلا أعتبر متنكرا للعدالة وعوقب طبقا للقانون.
– كما يعتبر التفسير القضائي تفسيرا غير موحد نسبيا.
كما أن هناك نوعا أخر من التفسير القضائي والمنصوص علية في المادة 192 من قانون المرافعات وهو متعلق بسلطة المحكمة في تفسير الحكم الذي أصدرته وما اعتراه من غموض أو أبهام ويعتبر الحكم الصادر هنا متمما للحكم الذي فسره ويسرى عليه نفس القواعد المتعلقة بطرق الطعن العادية وغير العادية.
ثالثا: التفسير الفقهي
هو التفسير الذي يصدر عن الفقهاء أثناء تعرضهم للتشريع للبحث والتحليل إلا انه لا يجوز اللجوء الى التفسير الفقهي الا في حالة انعدام النص القانوني.
وعلى الرغم من الطابع النظري لما يصدر من الفقهاء من تفسير إلا ان الارتباط الوثيق والتأثير المتبادل بين التفسير الفقهي وذلك القضائي غير منكور. فما من شك من استعانة القضاة بما يستقر عليه الفقه بشأن تفسير نص من النصوص التشريعية وتحديد مضمونه، ويتضح ذلك من الطعن رقم 65 لسنة 1985 ق – محكمة الاستئناف -جمهورية السودان
حيث ان المحكمة اخذت بالتفسير الفقهي في تعريف الغائب: ” المقصود بالغائب عند الفقهاء: هو من تعذر إحضاره لمجلس القضاء لسؤاله عن الدعوى بعيدا كان أم قريبا، ولا يعتبر غائبا من عرف مكانه وسهل إحضاره “
” من المقرر فقها: للزوجة الحق في أخذ ما يكفيها بالمعروف من مال زوجها الغائب الذي هو تحت يدها متى كان المال من جنس النفقة كالغلال والنقود الخ وذلك دون حاجة الى القضاء أما إذا كان مال الزوج الغائب وديعة عند أحد فيصرف لها فيه ويؤمر من بيده المال بالأداء وذلك بعد أخذ الكفيل عليها يمين الاستيثاق. ”
رابعاً: التفسير الإدارى:
يتكون التفسير الإداري من التوجيهات التي توجهها السلطة التنفيذية الى موظفيها لتفسير أحكام القانون وكيفية تطبيقه. وهو تفسير غير ملزم إلا بالنسبة للموظفين الذي صدر إليهم.
والتفسير الإداري غير ملزم للمشرع والقضاء، وهذا ما أكده القضاء عندما أعتبر المنشور لا يقوى قوة القانون ولا يرتب مخالفته إلغاء الحكم. وتصدر التفسيرات الإدارية على شكل تعليمات أو لوائح أو منشورات وهي بمثابة قرارات ادارية تنظيمية يجوز الطعن فيها أمام القضاء الإداري. – فقد قضت محكمة النقض المصرية في 21/3/ 1982 ” المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التعليمات الوزارية الصادرة من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ما هي الا قرارات تنظيمية غير ملزمة وليست لها صفة التشريع “
– كما قضت المحكمة الدستورية العليا في 27/2/1982 “ بأن التعليمات العامة للنيابات هي في حقيقتها تعليمات ملزمة أصدرها النائب العام الى وكلائه وموظفي أقلام الكتاب. ويتعين على هؤلاء وأولئك باعتبارهم مخاطبين بهذا العمل تنفيذ ما يتضمنه من أوامر بصفة دائمة وبصورة منتظمة بشرط ألا تخالف قانونا قائما “
رأى الباحث
التفسير التشريعي كاشفا عن مراد الشارع ويجب العمل به من تاريخ سريان القانون السابق الذي فسره
الا أن الباحث يرى أن هناك بعض المواد الذي يتم تفسيرها بعد وقت طويل من صدور التشريع الأصلي مثال ذلك:
القانون رقم 92 لسنة 1959 بشأن التأمينات الاجتماعية الذي تم تفسيره بالقانون رقم 93 لسنة 1980
وبالتالي ان هذا الفرق الكبير بين صدور القانون وتفسيره يتنافى مع مبادىْ العدالة ولذا يرى الباحث ضرورة وضع حد زمني للمشرع يجوز فيه إصدار القانون التفسيري، وبمرور هذا الوقت تستأثر المحكمة الدستورية العليا بدور التفسير وفقا للقواعد والإجراءات المقررة بقانونها.
وقد نصت على ذلك المادة 26 من قانون المحكمة الدستورية العليا على أن: تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الدستور ذلك إذا أثارت خلافا في التطبيق وكان لها من الاهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها.
وبالتالي فان السلطة المخولة لهذه المحكمة في مجال التفسير التشريعي مشروطة بأمرين:
لأولهما: أن يكون للنصوص القانونية المطلوب تفسيرها أهمية جوهرية.
ثانيهما: أن تكون هذه النصوص فوق أهميتها قد أثار تطبيقها خلافا بين من يقومون بإعمال أحكامها ويقتضى ذلك أن يكون خلافهم حولها حادا مستعصيا على التوفيق، متصلا بتلك النصوص في مجال نفاذها نابذا وحدة القاعدة القانونية في شأن يتعلق بها من صورتها اللفظية الى جوانبها التطبيقية لتؤول عملا الى التمييز فيما بين المخاطبين بحكمها فلا يعاملون جميعهم وفق مقاييس واحدة وبالتالي فهذا يخل بالمساواة القانونية التي كفلها الدستور الا أن ولاية المحكمة الدستورية العليا في مجال تطبيق أحكام المادة 26 من قانونها لا يجوز استنهاضها في ظل نصوص قانونية ظل تطبيقها حتى تقديم طلب التفسير التشريعي اليها.
و بالتالي فان مجال الرأي هو أن يوضع حد أقصى للمشرع – وليكن خمس سنوات –لا يجوز له بعدها إصدار تفسير تشريعي عن تشريع موجود، وبمرور الحد الاقصى تنتقل سلطة التفسير كاملة الى المحكمة الدستورية العليا، وذلك رغبة في تفادى طول الأمد بين إصدار التشريع الأصلي والتشريع المفسر، أضافة الى تحديد نطاق زمنى للمشرع يجعله ينتبه بصورة أكبر الى ضرورة التعجيل بإصدار هذا القانون اذا كان هناك فائدة منه، ويرى الباحث أن مدة الخمس سنوات هي فترة مناسبة حيث يكون القانون حيما دخل حيذ التنفيذ وظهرت مشكلاته العملية وما يعتريه من نقص أو غموض.
المراجع
– المدخل للعلوم القانونية. نظرية القانون. د/أحمد محمد الرفاعي. 2008. كلية الحقوق جامعة بنها
-د/ جميل الشرقاوي. مبادىْ القانون. دار النهضة العربية
-المدخل للعلوم القانونية. نظرية القانون. د/ محمد عبد الظاهر حسين. دار النهضة العربية 2008
-مفهوم التفسير وأنواعه. الباحث محمد اشقار. كلية الحقوق جامعة طنطا
-محاضرات في تفسير القانون. د/ نور الدين أشحشاح. كلية الحقوق جامعة طنطا.
“Eastlaws.com-موقع “
اترك تعليقاً