وسائل قانونية بديلة و مستحدثة لمواجهة أزمة العدالة الجنائية
أ/ أحمد أبو زنط
تمهيد:
تعاني المجتمعاتمن ظاهرتين أولاهما: زيادة عدد الجرائم، وثانيهما: ظاهرة الحفظ بلا تحقيق أوبالأحرى الحفظ الإداري للواقعة”Calsses Sans Suite”(1)، وهذا ما حدا بالبعضللقول وبحق بأن العدالة الجنائية المرفق الذي ينصف الآخرين قد أصبح في حاجة لمنينصفه(2)، وعليه طغى إلى سطح المجتمعات ما يُعرف بأزمة العدالة الجنائية”La crise de la Justice pénale”، وبالرغم من الجهودوالمحاولات المضنية المبذولة من قبل الحكومات لتخفيف العبء عن كاهل القضاة عن طريقزيادة أعدادهم، فإن هذه الزيادة لا تتناسب البتة مع الزيادة المتضاعفة لكم القضاياالتي تعرض على المحاكم كل عام(3).
ولا أعتقد أن أي زيادة في عدد القضاة يمكنأن تواكب هذا الكم الهائل من المشكلات والخلافات(4)، بالإضافة إلى أن توفير العدد اللازم أمرفي حكم المستحيل، لأنه يتطلب أعباء مالية كبيرة لا تتمكن الدولة من توفيرها في ظلظروفها الاقتصادية الراهنة، وليت الأمر يتوقف على تذليل الصعوبات الاقتصادية وحدهابل أن الأمر يتطلب أكثر من ذلك لأن توفير رجل العدالة يتطلب توافر شروط معينة فيمنيسند إليه القيام بتلك المهمة الجليلة سواءً من الناحية العملية أو القانونية أوالأخلاقية وهذه الأمور ليست باليسيرة(5).
أولاً- أزمة العدالةالجنائية (الأسباب و النتائج:
إن القضايا في تزايدمستمر وتأجيل نظرها إلى جلسات متعددة أصبحت السمة الغالبة على عمل الجهاز القضائي،فأصبح عاجزاً عن القيام بدوره في تحقيق العدالة الجنائية، ولذلك أسبابه نورد منهاظاهرة التضخم التشريعيinflation pénaleوأزمة العقوبة، وظاهرة الحبس قصيرة المدة،وظهور نماذج إجرائية متعددة، وفشل السجن في دوره الإصلاحي، وارتفاع تكلفة الجريمة،وسياسة الإغراق في الشكليات الإجرائية، فقد فعالية أجهزة العدالة الجنائية وكانلتلك الأزمة نتائجها الخطيرة وعلى مسرح العدالة الجنائية، فكان البطء في الإجراءاتالجنائية وحفظ الملفات والإخلال بمبدأ المساواة والحد من قدرة الجهاز القضائي علىمواجهة الجريمة وإدانة الأبرياء.
وأمام هذه المؤشراتالخطيرة كان على السياسة الجنائية أن تعيد النظر في إستراتيجيتها في مكافحةالإجرام، وبالفعل بدأت السياسة الجنائية منذ منتصف القرن الماضي تبحث عن وسائل تحققأقصى فاعلية ممكنة في مكافحة الإجرام، وعليه اتّجهت السياسة الجنائية اتجاهينأحدهما موضوعي يتمثل في سياسة الحد من التجريمla décriminalizationوسياسة الحد من العقابla décriminalizationوالآخر إجرائييتمثل في الوسائل الممكنة في تيسير إجراءات الدعوى الجزائية أو بدائل الدعوىالجزائية لمواجهة أزمة العدالة الجنائية، فكانت من أهم آليات مواجهة أزمة العدالةالجنائية هو ما يعرف بخصخصة الدعوى الجزائية.
ثانياً- المقصود بخصخصة الدعوى الجزائية:
لقدظهرت الوسائل البديلة لحل المنازعات كنتاج لعدم فعالية الجهاز القضائي التقليدي فيحسم القضايا الجنائية، فإذا كانت ممارسة الدعوى الجزائية تفترض المرور بمراحلهاالإجرائية في الاتهام والتحقيق والمحاكمة فهذه الوسائل البديلة المختلفة فهي تستهدفبالدرجة الأولى اختصار هذه الإجراءات الشكلية أملاً في زيادة فعالية العدالةالجنائية في إنجاز القضايا(6).
وإنكانت من أهم أهداف الوسائل البديلة وهو إصلاح الجاني وتعاون كافة قطاعات الدولة فيمكافحة الجرائم إلى جانب القطاع الجنائي لتحقيق هذا الهدف، حيث أن مكافحة الإجراملم يعُد قاصراً على القطاع الجنائي وحده(7)، ونقصد بذلك المجتمع ومؤسساتالمجتمع المدني وكذلك من أهداف هذه الوسائل البديلة هو البحث عن أسباب النزاع وبذلالجهود للقضاء على مسبباته في المستقبل مثل نظام الوساطة الجنائية، وهو ما ذكرهالأستاذ زبكوتسكي من كندا في الجلسة الأولى من المؤتمر الدولي الثالث عشر لقانونالعقوبات(8). وبالطبع من أهداف هذه البدائل هو تخفيف العبء عن كاهلأجهزة العدالة الجنائية.
وختامالقول نقصد بتعبير خصخصة الدعوى الجزائية هو إعطاء دور أكبر لأطراف الدعوى الجزائيةمن المتهم والمجني عليه وبمشاركة المجتمع في إنهاء الدعوى الجزائية والسيطرة علىمجرياتها لمواجهة الظاهرة الإجرامية.
ثالثاً- تطور سلطةالدولة في العقاب وخصخصة الدعوى الجزائية:
تقومالدول باقتضاء حقها في العقاب عن طريق الدعوى الجنائية تطبيقاً لمبدأ لا عقوبة بغيردعوى جنائية(9). وفي النصف الثاني من القرن العشرين بدأت تظهر اتجاهاتحديثة في سياسة العقاب وبدأت تضعف قيمة الدعوى الجنائية كأسلوب قانوني لأعمال سلطةالدولة في العقاب(10)، بعد أن لوحظ أن جهود المجتمع لمعالجة المجرمينكانت في أسوأ تقدير غير إنسانية وفي أحسن حال تعتبر غير فعالة وأنها في الغالبعقيمة وفي جميع الأحوال غير مشوشة(11). ونتيجة لأزمة العدالة الجنائيةوما انعكست على حجم القضايا الجنائية، ومن هنا أضحت الأساليب غير القضائية لإدارةالدعوى الجنائية ضرورة ملحة لمواجهة البطء في الإجراءات الجنائية التقليدية بهدفاختصار تلك الإجراءات(12)، فكان أحد معالم التطور العلمي الجنائي وهوبدائل الخصومة الجنائية للنظر في مكافحة الإجرام بغير الإجراءات الجنائيةالتقليدية(13)، وضرورة التخلي عنها في نطاق الجرائم القليلة الأهميةواستبدالها بوسائل إجرائية بسيطة ومرنة (كالوساطة والصلح والتصالح والأمر الجنائي)،من شأنها تأمين سرعة حسم الخصومات الجنائية وإدارة النزاع بطريقة سهلة ميسرةومختصرة وتخفيف الضغط عن كاهل إدارة العدالة الجنائية(14)، مما أدى إلىظهور ما يطلق عليه “العدالة الرضائية أو التفاوضية” في المواد الجنائية، وقضى أنالمشرع الجنائي قد أجاز التحول عن العدالة القسرية (الدعوى الجنائية)، أما الأخذ فيالاعتبار إرادة المتهم وإرادة المجني عليه عند إدارة العدالةالجنائية(15). وهذا بالطبع فإن البدائل تضمن سرعة الفصل في الدعوى وهويتفق مع المبدأ الدستوري من ضرورة الفصل في الدعوى في المدة المعقولة المنصوص عليهافي غالبية الدساتير، بل أن مشكلة بطء الإجراءات الجنائية تعرقل سير العدالةالجنائية لكون العدالة البطيئة تعتبر صورة من صورالظلم(16).
رابعاً- إشكال خصخصةالدعوى الجزائية:
لقدأدت سياسة تيسير الإجراءات الجنائية في تبسيط الإجراءات أو اختصارها أو الإسراع بهاإلى وضع آلية بدائل الدعوى الجنائية لمواجهة أزمة العدالة الجنائية، وعليه نقسمأشكال خصخصة الدعوى الجزائية إلى التالي:
[1] شكوى المجني عليه والتنازل عنها:
الشكوى هي قيد من قيود مباشرة الدعوى الجنائية وضعه المشرع في يد المجني عليهيستطيع بمقتضاه تقييد حرية النيابة العامة بوصفها سلطة اتهام في رفع الدعوىالجنائية، لذلك فهي ذات طبيعة إجرائية بحتة(17). وعليه فإن الشكوى هوعمل قانوني يصدر من المجني عليه بقصد تحريك الدعوى الجنائية في بعض الجرائم التييرى المشرّع فيها إعطاء مصلحة المجني عليه الأولوية و الاعتبار(18). أماالتنازل عن الشكوى فهو عمل قانوني يصدر من صاحب الحق في الشكوى ويترتب عليه انقضاءهذا الحق ولو كانت ميعاد استعماله لا زال ممتداً(19). وقد أخذت العديدمن التشريعات بهذا الأسلوب للحيلولة دون تحريك الدعوى الجنائية إذا لم يقدم المجنيعليه الشكوى، حتى يفصح المجال للجاني وأسرته في إرضاء المجني عليه للحيلولة دونتقديم الشكوى(20). أو أن المجني عليه يرى أن مصلحته في عدم تحريك الدعوىالجنائية كما هو الحال في جريمة الزنا علماً بأن المشرّع قد حدد على سبيل الحصرالجرائم التي لا يجوز تحريكها إلا بناءً على شكوى من المجني عليه، كما أجاز له أنيتنازل عنها قبل صدور حكم باتّ فيها ويترتب عليها انقضاء الدعوىالجنائية(21)، وعلى ذلك فإن الشكوى والتنازل عنها يعتبران وجهان لعملةواحدة هي بدائل الدعوى الجنائية(22). وهي وسيلة تقليدية من أشكال خصخصةالدعوى الجزائية.
[2] الصلح الجنائي:
إنالصلح الجنائي بين المتهم والمجني عليه بعيداً عن ساحة القضاء وفي جرائم محددةعينها القانون لغايات الحفاظ على روابط عائلية أو خاصة لخصوصية العلاقة بين المجنيعليه والمتهم أو لارتباط الجريمة للمجني عليه، فهو الأقدر على حماية ومعرفة مصالحهالخاصة وهي بديلاً عن الدعوى الجنائية(23). وبذلك نجد المشرع المصري عادإلى الأخذ بنظام الصلح في قانون الإجراءات بل ووسع في نطاقه وذلك بمقتضى القانونرقم 174 لسنة 1998م بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية المادة 18 مكرراً (أ) إجراءات جنائية(24)، بل وسع المشرع المصري في تعديل قانون الإجراءاتالجنائية في عام 2006 من حالات التي تقع عليها الصلح رغبة منه في مواجهة أزمةالعدالة الجنائية وإعطاء أطراف الدعوى الجنائية المتهم والمجني عليه إنهاء الخصومةالجنائية بدون حكم، وبذلك يعد هذا النص تطبيقاً للاتجاهات الحديثة في التشريعاتالجنائية المعاصرة التي تعطى للمجني عليه دوراً ملحوظاً في إنهاء الدعوى الجنائيةبالنسبة لبعض الجرائم(25)، وبخاصة تلك الواقعة على الأفراد والتي توصفبأنها قليلة أو متوسطة الخطورة والتي تقع على المجني عليه بمناسبة علاقاتهالاجتماعية بالمتعاملين معه دون أن يتعارض الصلح في هذه الأحوال مع مقتضيات الحفاظعلى المصلحة العامة(26). وبالنسبة للمشرّع العربي فهو لم يختلف بدوره -في بعض الدول- عن مسايرة هذا الاتجاه فنص على الصلح الجنائي مثال ذلك قانون أصولالمحاكمات الجزائية البحريني الصادر سنة 1966 (م 186) وقانون الإجراءات والمحاكماتالجزائية الكويتي الصادر سنة 1968 (م 240)، وقانون المرافعات الجنائية التونسيالصادر سنة 1968(27). وإني أنادي بأن يشمل مشروع قانون العقوباتالفلسطيني النص صراحة على حق المجني عليه في الصلح مع المتهم في الجرائم ذاتالاعتبار الخاص بين الطرفين أو في الجُنح البسيطة.
[3] الصلحفي الشريعة الإسلامية:
كرست الشريعة الإسلاميةنظام الصلح بين الأفراد منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً، حيث حظي بتسجيل القرآنالكريم في العديد من آياته الحكيمة على ما يفيد ذلك مثل “وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَانُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَاصُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْوَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً”(28). “وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَاقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَىفَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْفَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّالْمُقْسِطِينَ،إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌفَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْتُرْحَمُونَ”(29). وهو ما أكدت السيرةالنبوية حيث روِيَ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرّم حلالاً، أو أحلّ حراماً”… وإن كانتالقاعدة أن الصلح جائز في جرائم القصاص وجرائم التعزير والتي حق العبد بها غالب وإنكان الصلح غير جائز في جرائم الحدود وجرائم التعزير والحق الله بها هو الغالب،وبذلك نجد أن نظام الدية في الشريعة الإسلامية هي بديل عن طلب القصاص شرعاً لكونالدية هي مقدار معين من المال يدفع في جرائم القتل والجرح عقوبة وتعويضاً حيث تشبهالغرامة لأنها فيها معنى زجر الجاني بحرمانه من جزء من ماله ومقدرة القيمة وتشبهالتعويض لأنها تعويض للمجني عليه في حدود معينة ويترتب على أداء الدية انقضاء حقأولياء الدم في طلب القصاص، أما إذا لم تؤدّ الدية وطلب أولياء الدم بقصاص وجبالحكم به، وعليه فإن الدية في لغة القانون الوضعي هي بديل عن الدعوى الجنائية فيجرائم القصاص(30)، والواقع أن الدية يتحقق فيها المعنيان الزجر والردعللجاني والتعويض والتشفي لأولياء القتيل.
[4] نظام الوساطة الجنائية:
يقصد بالوساطة الجنائيةla mediation pénaleهو ذلكالإجراء الذي بموجبه يحاول شخص من الغير بناءً على اتفاق الأطراف وضع حد ونهايةلحالة الاضطراب التي أحدثتها الجريمة عن طريق حصول المجني عليه على تعويض كافٍ عنالضرر الذي حدث له فضلاً عن إعادة تأهيل الجاني(31)، وبذلك يتضح بالفعلأن الوساطة الجنائية أحد صور خصخصة الدعوى الجزائية، وكذلك يتضح أن جوهر الوساطة هوالرضائية في اتباع هذا النظام والموافقة على تنفيذ العقوبة بالرضا، وذلك بناءً علىاقتراح النيابة العامة، وبذلك يتضح دور الرضا في نطاق الوساطةالجنائية(32). ولذلك اتجه رأي الفقه على ضوء ذلك على اعتبار الرضا فيالوساطة نوعاً من التصالح المدني(33). ولقد صدر العديد من التوصيات عنالمجلس الأوروبي منها: التوصية الصادرة في عام 1987 والتوصية الصادرة في 15 سبتمبرسنة 1999 بشأن إقرار بدائل الدعوى الجنائية لمواجهة بعض الجرائم وخاصة الوساطةالجنائية بين المجني عليه والجناة باعتبار أن هذا الخيار يُعدّ أحد البدائل الهامةللإجراءات الجنائية التقليدية(34). علماً بأن الوساطة الجنائية ترجع فيأصل نشأتها إلى قوانين الدول الأنجلوسكسونية وخاصة الولايات المتحدة وإنجلتراوكندا(35). علماً بأن الوسيط قد يكون شخصاً طبيعياً أو شخصية معنويةكجمعيات ضحايا الجريمة أو جمعيات وساطة، ومن الممكن بأن يكون عضو النيابة أو القاضيفي بعض الأنظمة القانونية بدور الوسيط وإن كانت بعض الأنظمة تحظر ذلك.
وقدانتشرت الوساطة الجنائية انتشاراً واسعاً في معظم القارة الأوروبية، وهناك العديدمن الأساتذة في الدول العربية نادوا صراحة بتبني هذا النظام الرضائي البديل وخاصةفي علاج القضايا العائلية أو محيط الجيران(36). وإني أرى أن نظامالوساطة صالح للتطبيق في المجتمع الفلسطيني عن طريق تبني نظام قانون يسمح بإحالةبعض القضايا ذات الطابع العائلي أو في محيط الجيران أو الأسرة إلى لجان إصلاح بشرطرضا كافة أطراف الدعوى الجنائية، وفي جرائم خاصة الجنح محددة ذات الطابع المذكور،وخلال مدة محددة ويترتب عليها إنهاء الدعوى الجنائية حين تنفيذ بنود الوساطة سواءًباعتذار الجاني وإنهاء الاضطراب الجنائي الذي أحدثته الجريمة أو التعويض الماديللمجني عليه.
[5] نظام التسوية الجنائيةLa composition pénale:
استحدث المشرّع الفرنسي نظام التسوية الجنائية بالقانون رقم 99-515 الصادر في 23يونيو سنة 1999 بشأن تدعيم فعالية الإجراءات الجنائية، ثم عدله بالقانون رقم 2004-204 الصادر في 9 مارس سنة 2004(37). ويمثل بديلاً جديداً من بدائلالدعوى الجنائية، إذ يتيح لنائب الجمهورية أن يقترح على الشخص الطبيعي البالغ الذييعترف بارتكابه واحدة أو أكثر من الجنح المعاقَب عليها كعقوبة أصلية بعقوبة الغرامةأو بعقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته على خمس سنوات وكذلك عند الاقتضاء واحدة أو أكثرمن المخالفات المرتبطة بهذه الجُنح، وتتكون التسوية من تدابير أو أكثر من التدابيرالآتية:
1-دفع غرامة التسوية للخزانةالعامة، ولا يجوز أن يزيد مقدار هذه الغرامة على الحد الأقصى للغرامة المقررةقانوناً للجريمة. ويتم تحديدها تبعاً لجسامة الجريمة ودخول الجاني والتزاماته. ويجوز أن تسدد الغرامة على أقساط يحددها نائب الجمهورية خلال مدة لا تجاوزسنة.
2-التنازل لمصلحة الدولة عنالأشياء التي استخدمت أو كانت مُعدّة للاستخدام في ارتكاب الجريمة أو المتحصلةمنها.
3-تسليم السيارة لمدة أقصاهاستة أشهر بغرض توقيفها.
4-تسليم رخصة القيادة إلى قلمكتاب المحكمة الابتدائية، وذلك لمدة لا تزيد على ستة أشهر.
5-تسليم رخصة الصيد إلى قلمكتاب المحكمة الابتدائية لمدة لا تجاوز ستة أشهر.
6-القيام لمصلحة المجتمع بعملبدون أجر لمدة لا تزيد على ستين ساعة، خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر.
7-متابعة تدريب أو تأهيل فيمؤسسة أو مركز صحي أو اجتماعي أو مهني لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وذلك خلال فترةلا تجاوز ثمانية عشر شهراً.
8-المنع من إصدار شيكات غير تلكالتي تسمح للساحب باسترداد ماله لدى المسحوب عليه أو الشيكات المعتمدة وحظر استعمالبطاقات الوفاء، وذلك لمدة ستة أشهر على الأقل.
9-عدم الظهور في المكان أوالأماكن التي وقعت فيها الجريمة والتي يحددها نائب الجمهورية، لمدة لا تزيد على ستةأشهر، وذلك باستثناء الأماكن التي يقيم فيها الشخص عادة.
10-حظر مقابلة أو استقبال المجنيعليه أو المجني عليهم في الجريمة الذين يحددهم نائب الجمهورية أو الدخول في علاقاتمعهم، وذلك لمدة لا تزيد على ستة أشهر.
11-حظر مقابلة أو استقبال الفاعلأو الفاعلين الآخرين أو الشركاء الذين يحددهم نائب الجمهورية أو الدخول في علاقاتمعهم، لمدة لا تجاوز ستة أشهر.
12-عدم مغادرة الإقليم الوطنيوتسليم جواز السفر لمدة لا تجاوز سنة أشهر.
13-القيام عدن اللزوم بمتابعةتدريب للمواطنة، وذلك على نفقته (أي على نفقة المتهم.
ويستطيع نائب الجمهورية ما دامت الدعوى الجنائية لم تتحرك أن يقترح مباشرة أو عنطريق شخص مخول بذلك التسوية الجنائية، ويسمو مفوض نائب الجمهورية علماً بأن التسويةالجنائية لا تطبق عن الأحداث أقل من ثمانية عشر سنة، ولا على جرائم الصحافة، ولاجرائم القتل الخطأ، ولا على الجرائم السياسية وإذا لم يقبل المتهم التسوية الجنائيةأو لم يقم بالتنفيذ الكامل للتدابير المقررة بعد الموافقة، فلنائب الجمهورية أنيحرك الدعوى مع الأخذ في الاعتبار ما تم تنفيذه من قبل الجاني. مع وضع في الاعتبارإذا كان المجني عليه معروفاً فيجب أن يتضمن اقتراح نائب الجمهورية بالتسويةالجنائية على الجاني قيام هذا الأخير بتعويض الضرر الذي أصاب المجني عليه بسببالجريمة خلال مدة لا تزيد على ستة أشهر.
ومؤدىذلك أن هذا التدبير له صفة وجوبية ما لم يثبت الجاني أنه قد سبق وقام بهذا التعويضفعلاً(38)، وبذلك يتضح بالفعل معنى خصخصة الدعوى الجزائية وهو تحكمأطرافها بمصيرها، وهذا ويتدرب على اعتماد اقتراح التسوية الجنائية على القاضيالمختص وقيام الجاني بتنفيذ كافة التدابير المقررة انقضاء الدعوىالجنائية(39). وبالطبع عند عدم قبول التسوية أو عدم تنفيذ التدابيرالمقترح يحق لنائب الجمهورية تحريك الدعوى الجنائية.
خامساً- تقييم الوسائل البديلة الخاصة بخصخصة الدعوى الجزائية:
لقداتضح من خلال دراسة التشريعات المقارنة وخاصة الأوروبية مدى إدراجها لكافة الوسائلالبديلة للدعوى الجزائية، وخاصة في ظل طغيان أزمة العدالة الجنائية، فكان اللجوءإليها لتخفيف الضغط على المحاكم في الكم الهائل المفترض للفصل بها، فكانت الوساطةالجنائية والصلح والتسوية الجنائية من البدائل التي اتخذتها الدول المختلفة في إطارسياستها الجنائية المعاصرة وخاصة أن ركيزتها الرضا أطراف الدعوى الجزائية على وسيلةإنهائها، وبذلك يتحقق بفعل خصخصة للدعوى الجنائية بعدما أن كانت ملكاً للدولة لايجوز التنازل عنها أو التفاوض بخصوصها ومن المحرمات التي لا يجوز الاقتراب منها، بللقد أدخلت هذه البدائل مؤسسات مدنية خارج إطار المؤسسة القضائية وإن كانت شعبيةلمشاركة القضاء في مواجهة أزمته مثل مؤسسات الوساطة وبذلك يتحقق مشاركة المجتمع فيمواجهة الجريمة ويتحقق تعاون كافة قطاعات الدولة لمواجهة الجريمة، وبذلك يتحققبالفعل خصخصة للدعوى الجزائية.
قائمةالمراجع
(1) الدكتور/ محمد حكيم حسين حكيم: النظرية العامة للصلح وتطبيقاتها في الموادالجنائية، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه منشورة، دار الكتب القانونية، القاهرة، 2005م، بند 149، ص 181.
(2) الدكتور/ عمر سالم: نحو تيسير الإجراءات الجنائية، دراسة مقارنة، دار النهضةالعربية، القاهرة، 1997، ص 29.
(3) الدكتور/ عاشور مبروك: نحو محاولة للتوفيق بين الخصوم، دراسة تحليلية مقارنة، دارالنهضة العربية، القاهرة، 2002، ص 4.
(4) ففي دولة كفرنسا إذا تتراوح المدة من وقت وقوع الجريمة إ لى صدور الحكم الباتبشأنها بين سنتين وثلاث سنوات… حيث أصبحت ست عشر شهراً ونصف في سنة 1999، وفي مصرعدد القضايا الجنائية التي عرضت أمام المحكمة المصرية خلال عام 2002 بلغ 12 مليونقضية، وهذا هو حال كافة الدول. انظر الدكتور/ شريف سيد كامل: الحق في سرعةالإجراءات الجنائية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2006، بند 2، ص 11وما بعدها؛ وانظر كذلك التقرير السنوي للنيابة العامة في فلسطين والذي يوضح كمالقضايا الغير مفصولة.
(5) الدكتور/ أحمد السيد صاوي: الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية،معدلاً بالقانون رقم 23 لسنة 1992 والقانون رقم 81 لسنة 1996 والقانون رقم 18 لسنة 1999، خالٍ من جهة النشر، القاهرة، 2004، البند 33 مكرراً (2)، ص 85.
(6) الدكتور/ أسامة حسنين عبيد: الصلح في قانون الإجراءات الجنائية، ماهيته والنظمالمرتبطة به، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه منشورة، الطبعة الأولى، دار النهضةالعربية، القاهرة، 2005م، ص 10 وما بعدها.
(7) الدكتور/ أحمد فتحي سرور: بدائل الدعوى الجنائية، مجلة القانون والاقتصاد للببحوثالقانونية والاقتصادية، مطبعة جامعة القاهرة، السنة الثالثة والخمسون، 1983، ص 212.
(8) انظر التقرير العام لندوة طوكيو باليابان وذلك في الفترة من 14-16 مارس سنة 1983الندوة الدولية لقانون العقوبات
Revwe internetion de droit pénale, 1983, vol. 54, pp. 909-910
(9) الدكتور/ حمدي رجب عطية: بدائل الدعوى الجنائية، مجلة المحاماة، ج.م.ع، العددالخامس والسادس، سنة 1991، ص 103.
(10) الدكتور/ حمدي رجب عطية: نزول المجني عليه عن الشكوى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003، ص 8 وما بعدها.
(11) الدكتور/ أحمد فتحي سرور: بدائل الدعوى الجنائية، المرجع السابق، ص 206 ومابعدها.
(12) الدكتور/ محمد حكيم حسين حكيم: النظرية العامة للصلح، المرجع السابق، بند 7،ص20.
(13) الدكتور/ أحمد فتحي سرور: المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية، مجلة القانونوالاقتصاد، عدد خاص بمناسبة العيد المئوي لكلية الحقوق، 1983، ص 69.
(14) الدكتور/ محمود طه جلال: أصول التجريم والعقاب في السياسة المعاصرة، رسالة دكتوراهمنشورة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005، ص 453.
(15) الدكتور/ شريف سيد كامل: الحق في سرعة الإجراءات الجنائية، المرجع السابق، ص70؛الدكتور/ أسامة حسنين عبيد: الصلح في قانون الإجراءات الجنائية، المرجع السابق، ص 16.
(16) الدكتور/ شريف سيد كامل، المرجع السابق، ص 247.
(17) الدكتور/ عزت مصطفى الدسوقي: قيود الدعوى الجنائية بين النظرية والتطبيق، رسالةدكتوراه، كلية الحقوق- جامعة القاهرة، ص 229.
(18) الدكتور/ أحمد فتحي سرور: بدائل الدعوى الجنائية، المرجع السابق، ص 213.
(19) الدكتور/ أحمد فتحي سرور: الوسيط في الإجراءات الجنائية، طبعة مصورة ومعدلة، 1995،دار النهضة العربية، ص 545.
(20) الدكتور/ أحمد فتحي سرور، نفس المرجع.
(21) أستاذنا الدكتور/ مأمون محمد سلامة: قانون الإجراءات الجنائية معلقاً عليه بالفقهوأحكام النقض، الجزء الأول، طبعة خاصة بنادي القضاة، ص 61 وما بعدها، هامش رقم (1).
(22) الدكتور/ حمدي رجب عطية: تبسيط الإجراءات أمام القضاء الجنائي، تقرير مقدم لمؤتمرالعدالة الأول الذي عقده نادي القضاة، القاهرة، 1986، ص 8 وما بعدها.
(23) انظر في هذا لمعنى الدكتور/ حمدي رجب عطية: بدائل الدعوى الجنائية، المرجع السابق،ص 109.
(24) أستاذنا الدكتور/ مأمون محمد سلامة: الإجراءاتالجنائية في التشريع المصري، الجزءالأول، سنة 2001، ص 322.
(25) الدكتور/ مأمون محمد سلامة، المرجع السابق، ص 325.
(26) الدكتور/ شريف سيد كامل، المرجع السابق، ص 117 و ما بعدها.
(27) الدكتور/ أسامة حسنين عبيد، المرجع السابق، ص 384.
(28) سورة النساء، آية 128.
(29) سورة الحجرات، آية 9، 10.
(30) الدكتور/ أحمد فتحي سرور: بدائل الدعوى الجنائية، المرجع السابق، ص 218؛ الدكتور/ حمدي رجب عطية: بدائل الدعوى الجنائية، المرجع السابق، ص 109.
(32) انظر في هذا المعنى الدكتور/ عمرو الوقاد: دور الرضا في القانون الجنائي، خالي منجهة النشر، طنطا-مصر، 2000، ص 106.
(34) الدكتور/ شريف سيد كامل: الحق في سرعة الإجراءات الجنائية، المرجع السابق، بند 59،ص 132 وما بعدها.
(36) الدكتور/ أشرف رمضان عبد الحميد: الوساطة الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004، ص 154؛ الدكتور/ مدحت عبد الحليم رمضان: الإجراءات الموجزة لإنهاء الدعوىالجنائية في ضوء التعديلات قانون الإجراءات الجنائية، دراسة مقارنة، دار النهضةالعربية، القاهرة، 2000، ص 165.
(37) انظر الدكتور/ أسامة حسنين عبيد، المرجع السابق، ص 21 وما بعدها؛ الدكتور/ شريف سيدكامل، المرجع السابق، ص 149 وما بعدها.
(38) الدكتور/ شريف سيد كامل، مرجع سابق،ص146.
(39) الدكتور/ شريف سيد كامل، المرجع السابق، ص 164.
اترك تعليقاً