وضع السحر والمسحور في القانون
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يُعرف السحر بأنه عُقد ورُقى شيطانية يتوصل بها الساحر بعد الكفر بالله وعبادة الشيطان إلى التأثير في بدن المسحور أو عقله أو قلبه. وهو من أعمال الكهانة التي نهى الإسلام عنها؛ فقد ذكره الله تعالى في قصة موسى مع فرعون، بقوله تعالى: “قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يُفلح الساحرون”. كما ذكره تعالى في سورة “البقرة”، بقوله: “واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان
ولكن الشياطين كفروا يعلَمون الناس السحر وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلَمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون”.
وقد جاء في الحديث الصحيح عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “سأل ناس رسول الله (ص) عن الكهان، فقال: ليسوا بشيء”. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (ص)، قال: “من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر”. وذكر الإمام محمد متولي الشعرواي في كتابه (السحر والحسد)؛ أن النبي سُحر من قبل ساحر يهودي اسمه لبيد بن الأعصم، وكان يخيل له صلى الله عليه وسلم أنه أتى أهله ولم يفعل وهو حقيقة لم يأتهم، كما كان يخيل له أنه فعل أشياء معينة في حين أنه حقيقة لم يفعلها.
لذلك نجد أن الإسلام حارب السحر ووقف موقفاً حاسماً فحرم تعلمه وتعليمه نظراً لما يسببه من ضرر للفرد والمجتمع، باعتباره طريقاً للفساد والكفر بالله سبحانه وتعالى. وفي هذا السياق يزعم السحرة أن للسحر أنواعاً متعددة منها؛ سحر التفريق وسحر الجنون وسحر المرض وسحر المحبة وسحر التهيج وسحر الخمول وسحر الهواتف.
وما يعنينا من كل تلك الشعوذة والألاعيب هو تأثيرها على إرادة المجني عليه، المسحور؛ فحسب زعم هؤلاء السحرة أنّ ثمة أنواع من السحر تؤثر على إرادة المسحور، بحيث يصاب بالشرود والذهول والنسيان والخبل وانعدام القدرة على التحكم في نفسه وفي تصرفاته؛ فلا يعلم المسحور بما يقوم به من أفعال، أو يُقدم على تصرفات فيكون مسلوب الإرادة والوعي والتمييز؛ فلا تتوافر لديه الأهلية القانونية اللازمة لإبرام التصرفات القانونية فهو أشبه بالمجنون أو المعتوه.
فما هو حكم القانون في تصرفات المسحور؟
لم يتطرق القانون المدني إلى السحر وتأثيره على التصرفات والمعاملات عند البحث في انعدام الأهلية أو عند البحث في صحة الرضا. وبالعودة إلى الفقه الإسلامي نجد أنه ذهب إلى عدم وقوع طلاق المسحور إذا كان فاقداً للوعي، بحيث لا يدري ما يقول أو يفعل، ويجد نفسه مجبراً على التلفظ بلفظ الطلاق؛ فالمسحور عند الرأي الراجح في الفقه هو كالمجنون والمعتوه وينطبق عليه ما ينطبق عليهما من أحكام الطلاق وسائر المعاملات؛ أما إذا كان يعي ما يقول أو يفعل فطلاقه واقع شأنه شأن العقلاء الأصحاء.
فالإرادة هي مناط التصرف القانوني وعماده تدور معه وجوداً وعدماً؛ الأمر الذي يستدعي في هذه الحالة تنظيماً قانونياً لحكم التصرفات التي تصدر عن المسحور عند ثبوت واقعة السحر فعلاً بعد الاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص، وإن كان التعامل القضائي لا يقبل الاعتراف بهذه الأفعال ونتائجها، ويتجاهل كل دفع بهذا الخصوص باعتبارها من الخرافات التي تناقض العقل والدين والمنطق، وإن كان ثمة شريحة من الناس تصدق به وتؤمن بوجوده وتأثيره.
وختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن قانون العقوبات السوري قد خلا من نص يعاقب على أعمال السحر والشعوذة وتعاطيها بشكل صريح.. ومع ذلك، نجد أن القضاء جرى على اعتبارها من قبيل الاحتيال المنصوص عليه في المادة 641من قانون العقوبات. ولكن نظراً لشيوع هذه الأعمال في مجتمعاتنا، وظهور بعض القنوات الفضائية المتخصصة في هذا الشأن، وللتبعات التي يمكن أن تحدث عنها، فإننا نأمل من المشرّع التدخل بنص صريح وتجريم تلك الأفعال وتشديد العقاب على فاعليها والمتدخلين فيها، وكل من يسهّل تعاطي تلك الأمور التي تضرُّ بالأفراد والمجتمع والأخلاق، وتسهم في خلق مجتمع قائم على الجهل والخرافة والتضليل.
اترك تعليقاً