الكاتبون بالعدل
يوسف الفراج
من المعلوم أن توثيق العقار في المملكة يكون عن طريق المحاكم من خلال “حجج الاستحكام” وعن طريق كتابات العدل من خلال “المنح” وهي الإقطاعات بأنواعها، كما أن كتابات العدل تقوم بتوثيق البيوع والرهون ونحوها، والقائمون بهذا العمل فيها هم موظفون متخصصون ذوو دراية بأحكام الوثيقة وكتابتها لتخصصهم الشرعي، وتدربهم على هذه الأعمال والمسمى النظامي لهم هو “كاتب العدل” ولعل أصلها: “الكاتب بالعدل” وهو مشتق من نص الآية: “يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، وليكتب بينكم كاتب بالعدل”.
وذكر المفسرون أن الباء في قوله: بالعدل متعلق بالفعل “يكتب” فهو مأمور أن تكون كتابته بالعدل وهو الحق وعدم الحيف، وهذا العمل “التوثيق” هو من الأعمال القديمة فقد جاء في كتاب “نسب قريش” أن طلحة بن عبد الله وخارجة بن زيد كانا يكتبان الوثائق للناس، وقد أكثرت كتب الأندلسيين الحديث عن هذه المهنة حيث كانت في الأندلس عملاً رسمياً بل هي ولاية كبقية الولايات، ويسمى القائم بهذا العمل، أيضا: العاقد والشراط والموثق، لكونه يقوم بكتابة الوثيقة.
وقد اشترط المنظم السعودي لمن يعين في وظيفة كاتب العدل أن تتوافر فيه الشروط المطلوبة في القاضي “المادة 90 من نظام القضاء” وهذا يدل على خطورة هذه المهنة وأهميتها، كما أن الصكوك الصادرة منهم تكون لها قوة الإثبات ويجب العمل بمضمونها أمام المحاكم بلا بينة إضافية ولا يجوز الطعن فيها إلا تأسيساً على مخالفتها لمقتضى الأصول الشرعية أو تزويرها “المادة 96 من نظام القضاء”.
وقد ذكر العلماء في حديثهم عن الموثقين “كتاب العدل” عدداً من الصفات والآداب التي يجب أن يتحلى بها الموثق سواءً في نفسه أو في كتابته، وذكروا منها: أن يكون عدلاً سميعاً بصيراً عالماً بفقه الوثائق، سالماً من اللحن ذا خط واضح وألفاظ بينة، وهي صفات توجبها طبيعة هذا العمل والتي تهدف إلى حفظ الحقوق وضبطها، وكل ما من شأنه أن يحقق هذه الغاية فهو مطلوب مأمور به، وغير خاف أن هذه المطالب بالإضافة لكونها مطالب شرعية فهي مطالب عصرية تتفق الثقافات على أهميتها وضروريتها. وتجدر الإشارة إلى أن التوثيق لا يقوم به الموثق “كاتب العدل” وحده، بل معه عدد من الموظفين، وبالتالي فهناك من الصفات ما هو مطلوب منهم جميعاً كالعدالة والأمانة ونحوها، وهناك ما هو مطلوب من كاتب العدل كالعلم بفقه الوثائق، وهناك ما هو مطلوب من الموظف “كاتب الضبط” كحسن الخط مثلاً، ولا بد من التنبيه هنا إلى أن كاتب العدل يختلف عن كاتب الضبط، فكاتب العدل هو من أشرت إليه في المقالة، وتشترط فيه شروط القاضي، كما أن للصكوك الصادرة منه حجية فلا يجوز الطعن فيها إلا أنه على سلم الموظفين، وهذه مفارقة تحتاج مراجعة ليكون لكاتب العدل الميزات التي تتناسب مع حجم المسؤولية التي يتحملها، أما كاتب الضبط فهو من أعوان القضاة وكتاب العدل، ومن العاملين لديهم وتحت إشرافهم.
وقبل أن أختم المقالة أرى من الضروري الإشارة إلى التقنية الحديثة المتمثلة في “الحاسوب” وما له من دور بارز في تسهيل كتابة الوثائق، وقد أخذت به وزارة العدل وأدخلت الحاسوب في عدد من الإدارات ولا سيما في كتابة العدل الثانية، وهي تسير وفق برنامج زمني، ولعله في المستقبل غير البعيد لا تصدر وثيقة إلا عن طريق الحاسوب، وهذا يوجب الاعتناء بهذه التقنية والتدريب عليها والعمل على اختيار كل ما يؤدي إلى إتقان الوثيقة وضبطها. قاض في وزارة العدل
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً