قواعد أولية في التقاضي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
قواعد أولية
هذه مجموعة من القواعد القانونية الهامة الراسخة في التقاضي و أصوله استخلصها و لخصها الأستاذ الكبير فارس الخوري ، استهل بها كتابه الجامعي أصول المحاكمات الحقوقية – طبعة عام 1936 .
1-الأصل في القضاء الوحدة
ومعناه أن يكون النظام القضائي في الدولة ذا نوع واحد من المحاكم هي المحاكم الأصلية ، و أن يجتنب تأليف المحاكم الاستثنائية بقدر الإمكان . فلا تكون محكمة الوطني غير محكمة الأجنبي ، ولا محكمة ابن هذا الدين غير محكمة ابن الدين الآخر ، ولا محكمة الموظف غير محكمة المكلف ، بل يقف الجميع أمام قضاء واحد ويطلبون الإنصاف والعدل من محكمة واحدة
2-الادعاء منوط بالمصلحة المشروعة
فلا يقبل مدعياً من لم يكن له منفعة مشروعة من الدعوى وهو ما يعبر عنه الفرنسيون بقولهم : إذا لم توجد المنفعة لا تقبل الدعوى ويسري ذلك على دعوى الدفع أيضاً.
3- المدعي إذا تَرك تُرِك .
أي أن المدعي لا يجبر على إقامة دعواه ولا على تعقبها فإذا ترك خصومه تركوه هم أيضاً لأنه طالب والمدعى عليه مطلوب .
4- الحق تصاحبه الدعوى .
فلا يوجد حق إلا مع إمكان الإدعاء به ، فالدعوى تولد مع الحق وتصاحبه ما دام موجوداً و تهلك بهلاكه وهي القوة المؤيدة له فلا حق بدون دعوى و لا دعوى بدون حق والمراد بالدعوى هنا : قدرة صاحب الحق على إقامة الدعوى .
5- الأصل في الاختصاص محكمة المدعى عليه .
لأن الأصل براءة الذمة والمدعي يعد معتدياً على المدعي عليه إلى أن يثبت دعواه و الطالـب يلحق المطلوب إلى محله فلا يجبر المدعي عليه أن يواجه المدعي في محكمة بعيدة عن محل إقامته .
6- صلح خاسر خير من دعوى رابحة .
و ذلك لوعورة الطريق إلى الحق و لما يلاقيه الغريم من المشقات و يتحمله من النفقات قبل الاستحواذ على حقه بسبب ضيق المسالك وكثرة المراسم وطول الزمان الذي تقتضيه أدوار المحاكمات فخير له أن يصالح خصمه و يخسر شيئا من حقه من أن يعارك زمنا مديداً ويتجشم في هذا الصراع مشقات تنغص عليه لذة الفوز ولذلك قال العرب أن الصلح سيد الأحكام .
7- لا ينال أحد في المحاكم إلا ما يثبته بالشكل الذي عينه القانون .
فلا يستقيم أمام القضاء إلى الدليل القانوني و لا عبرة للدليل الوجداني مهما كان قوياً فمن ندّ بإقامة الدعوى عن الشكل الذي عينه القانون أو كانت وثائقه غير صالحة للاحتجاج أو ترك المهل المحدودة تمر بدون أن يستفيد منها ، لا تؤيد له المحاكم حقا مهما كان ذلك الحق نيراً .
8- المفرط يحمل غرم تفريطه .
و يقول المثل المشهور : المفرط أولى بالخسارة ، فإن كل شخص ولي أمر نفسه و ليس القانون مكلفاً أن يضمن له حقاً أضاعه هو بتفريطه و إهماله ، فمن أهمل حقه ترتب عليه أن يحمل هو بنفسه نتيجة غفلته ، و القضاء لا يتولى عنه أخذ الحيطة لصيانة حقه .
9- إنما جعل القانون لإحقاق الحق .
فإذا تعارض الحق مع ظاهر القانون ، يُؤوَلُ القانون بما يسعف الحق و إذا تعذر التأويل و كان التعارض صداماً مستقيماً ، يُعمل بالمقتضى القانوني و يُترك صاحب الحق مجزياً بعواقب غفلته و إهماله ، إذ أن الحق حالة مجهولة لا يمكن تحديدها إلا بالقانون الذي هو مقياس تُعرض عليه القضايا ، فما وافقه منها كان حقاً و ما خالفه كان باطلاً و هو الذي يحدد للقاضي طريق التمييز بين الحق و الباطل ، فقد أقاموا القانون مقياساً وحيداً لمعرفة الحق و منع الحكام من الاعتماد على غيره .
10- في محله يؤتى الحكم .
أي أن صحاب المصالح يأتون إلى الحاكم في محله الذي يجلس فيه للقضاء ، و ليس لهم أن يدعوه إلى مجالسهم و بيوتهم ليفصل منازعاتهم ، و يتفرع عن هذه القاعدة :
فقدان الحركة الذاتية في المحاكم ، فهي تبقى في حالة السكون إلى أن يحركها الخصوم و ليس لها أن تحكم بدون سبق الدعوى و لا أن تتصدى للقضاء في غير المحل المعد للحكم ، و لا تعتمد في حكمها على المعلومات التي يتلقاها أشخاصها في غير ذلك المجلس .
11- لا يحكم على أحد قبل أن يعطى فرصة للدفاع عن حقوقه .
وهذه تؤيد قاعدة عدم جواز الحكم على الغائب المذعن ، و أما إذا تمرد عن الحضور فيكون هو الذي تخلى عن حق الدفاع المبذول له ، ويتفرع عن هذه القاعدة :
إباحة المدافعة بجميع الوسائل المشروعة التي يعتقدها الخصم خادمة لمصلحته ، فلا تخلو المحكمة لتحرير الحكم قبل أن يستنفد الخصوم براهينهم و أدلتهم .
12 – حياد القاضي شرط لصحة القضاء .
فإن كان له في الدعوى جر مغنم أو دفع مغرم أو كان واجدا على أحد الخصمين أو متحيزاً مع الأخر أو كان خاضعاً لمؤثر خارجي أو خائفاً على نفسه أو منصبه أو مأخوذاً بهمّ مبرح ، لا يستقيم قضاؤه ويتفرع عن هذه القاعدة :
وجوب استقلال المحاكم ، و عدم جواز عزل الحاكم بغير جريرة ، و جواز رد الحكام المثلوم حيادهم ، و وجوب المساواة بين الخصوم ، و سائر الوجائب المؤيدة للحياد .
13- الناس أمام القضاء متساوون .
فلا فرق بين الغني و الفقير ، و الصعلوك و الأمير ، و الكبير و الصغير ، و هذه المساواة تتناول المعاملة و المرافعة و توجيه الحق و التنفيذ ، و هي من حسنات المدنية الحاضرة ، و لا يخرج عن هذه القاعدة سوى الملوك الذين ما زالت تعصمهم التقاليد عن المثول أمام القضاء .
14- العدل مبذول مجاناً .
لكل من طلبه ، و الوطني و الأجنبي في ذلك سواء ، فلا يتقاضى الحاكم أجرة على قضائه و لا على إمضائه من أصحاب الدعاوى ، بل تؤدي نفقات المحاكم من الضرائب العامة التي تجبى من الشعب لتأييد الأمن و إقامة العدل ، و ليست الرسوم التي تجبيها المحاكم ثمناً للعدل ، بل هي غرامة على المبطلين فلا يزدحمون على أبوابها ، و قد تجاوز أثر هذه الرسوم و نفقات القضاء إلى المحقين أيضا حتى قالوا :
(( إن العدل رخيص ولكن الوصول إليه غالٍ جداً )) .
15 – هفوة الخصم لا تنشئ لخصمه حقاً .
و ذلك لأن الحق يجب أن يعتمد على سبب صحيح ثابت يوجب ترتبه في الذمة ، و كما أن الإقرار لا يكون سببا للملك ، كذلك هفوة الخصم في أثناء المرافعة لا تصلح لخصمه حجة عليه .
16- هدف دعوى العين هو العين المدعي بها وهدف دعوى الدين هو المدعى عليه .
فتنفذ أحكام العين بالعين المحكوم بها ، و تنفذ أحكام الدين بالشخص المدعى عليه ، و يسمونها بالدعاوى الشخصية فيقبض عليه و يحبس لأجلها بخلاف دعاوى العين لأنها لا توجب التضييق على المدعى عليه ما دامت الأعيان قائمة .
17- شروط العاقدين لها عليهم قوة القانون .
و منه:
أن الشرط أملك عليك أم لك ، و المؤمنون عند شروطهم ، فما يتفق عليه العاقدون من الشروط يكون لهم بمثابة القانون النافذ عليهم ، و من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه .
18- الأصل في العقود الإباحة .
و الناس مخيرون بعقد العقود و المقاولات التي يريدونها و مهما عقدوا و شرطوا يكن نافذاً عليهم و ملزماً لهم ، ما عدا بعض الخصوصات التي ورد النص القانوني على منعها .
19- البطلان في الصكوك منوط بالنص .
و ليس المحكمة أن تبطل صكاً قضائياً لعلة نقص فيه ما لم يكن في القانون نص على أن مثل هذا النقص يوجب البطلان ، و إنما لها أن تجازي المقصرين على تقصيرهم في تحرير الصك و توفيقه على مقتضى القانون . كما أنه لا يقبل إدعاء البطلان إلا من المتضرر ، أو من النيابة العامة عندما يكون السبب المدعى به مخلاً بنظام العام .
20- الأصول يؤيدها النقض .
القوانين المسنونة لأصول المحاكمات هي واجبة الأتباع ، و لها من قاعدة النقض في محكمة التميز أقوى ضامن لتأييدها وإيجاب العمل بها ، فإذا أهملت المحكمة شيئاً منها ينقض حكمها .
21- الدليل إذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال .
لأن الأحكام المدنية لا تبنى على الترجيح بل على الجزم ، و كل دليل غير صريح بنصوع حجته و وضوحها لا يصح وحده أن يكون سنداً للحكم ، بل يجوز اتخاذه مقدمة مبينة .
22- يقوى الاجتهاد بالعدد .
لأن الاجتهاد لا ينقض بمثله بل ينقض باجتهاد أقوى منه ، و لا يمكن الترجيح بتفاوت العلم لأن العلم من الحالات الباطنة التي لا يجزم بها ، و إنما الإنسان يحكم بالظاهر و هو تفاوت العدد ، و لذلك شرطوا أن لا ينقض حكم الواحد إلا اثنان أو ثلاثة ، و حكم الثلاثة ينقضه خمسة ، و حكم الخمسة ينقضه سبعة ، و هلم جرا ؛ و فرعوا عن هذه القاعدة وجوب ترقي العدد مع درجات المحاكم .
23- الجزائيات تعقل المدنيات .
فالدعوى الجزائية تستأخر الدعوى المدنية عندما يكون الحكم في إحداهما يؤثر على الأخرى .
24- الإمضاء تتمة القضاء .
فالقاضي الذي يصدر حكماً يجب عليه إمضاء هذا الحكم ، أي إنفاذه ، إذ ما هي فائدة الحكم إذا بقي ورقة عقيمة في يد المحكوم له؟
و يتفرع عن هذه القاعدة إناطة تنفيذ الأحكام بالقوة القضائية التي أصدرتها و حصر الإنفاذ بالمحكمة الأصلية دون المحكمة الاستثنائية .
25- الأحكام لا تعطل .
فكل حكم واجب الإنفاذ و لو كان مثلوماً من إحدى جهاته ، فإذا لم يراجع الخصوم في الدعوى الطرق القانونية لفسخه أو نقضه أو تعديله و إصلاحه و انبرم الحكم و هو على حالته ، لا يكون ذلك سبباً للامتناع عن إنفاذه ، اللهم إلا إذا كانت المحكمة التي أصدرته مسلوباً منها حق الحكم في تلك الدعوى سلباً أصلياً .
26-القضاء الخاص يقدم على القضاء العام .
فينظر صاحب الدعوى بأول الأمر في ما إذا كانت دعواه داخلة باختصاص محكمة استثنائية فيرفعها لتلك المحكمة ، و إلا فيذهب بها للمحكمة العامة الأصلية وبهذا المعنى يقول الافرنسيون أن :
() قاضي الدعوى هو القاضي الاستثنائي)) .
27- لا حجة بعد اليمين .
فإذا عجز المدعي عن إثبات دعواه وطلب اليمين من خصمه فحلفها ليس له أن يرجع إلى الدعوى ويأتي بحجج جديدة للإثبات لان طلب اليمين هو نزول عن حكم الخصم و الإذعان لقوله مع اليمين ، فهو بحكم الصلح الصحيح النافذ الذي لا سبيل للرجوع عنه .
28- القضاء والاشتراع لا يجتمعان .
فكما لا يجوز للمحاكم أن تتصدى لوضع القوانين والأنظمة ، لا يجوز لها أيضاً النظر في صحة أعمال القوة الاشتراعية ، لا من جهة انطباقها على الدستور و لا من جهة علاقتها بالعقائد الدينية أو اصطدامها بالنظام العام .
29-اجتهاد القاضي مقيد بنصوص القانون .
فليس له أن يسند حكمه إلى اجتهاد مخالف أو إلى قانون ملغى أو إلى قانون أجنبي .
30-ليس للقاضي أن يحكم بعلمه .
أي المكتسب خارج مجلس الحكم ، بل يتقيد بالأدلة التي تلقاها في معرض الدعوى و دونها في جريدة الضبط .
31- القضاء مقيد بالأذن .
فلا تصح فيه الإستنابة و لا الخروج عن النطاق المحدد لاختصاصه .
32- الإقرار بالأمر الواحد لا يتجزأ .
فالإقرار الموصوف أو المركب يؤخذ كله أو يرفض كله .
33- حرية العاقدين يعقلها النظام العام .
فالعقود المخلة بالنظام العام لا تكون ملزمة .
34- ما جاز فعله جاز اشتراطه .
هذا الضابط يسري على الحقوق الشخصية ، فمن اشترط على نفسه عملاً جائزاً وجب عليه تنفيذه فالجواز يوجب الانجاز .
35- المحل يسود العقد .
أي أن العقود تخضع لقوانين المحل الذي عقدت فيه .
36- النية الحسنة شرط للاستفادة من المنح القانونية .
فللخصوم أن يلجأوا لرخص القانون في سبيل إحقاق الحق ، و ليس لأجل المطل و المراوغة .
اترك تعليقاً