مقال قانوني حول عدم جواز الاعتداد باختراع التزاحم
إشكالية الحماية القانونية لبراءة الاختراع الإضافية في ضوء النص على عدم جواز الاعتداد باختراع التزاحم
الدكتور سامر دلالعة
ينهض الأصل في الحماية القانونية للاختراع على أساس من القول مؤداه إتاحة المجال إلى المخترع للاستئثار بالفكر الابتكاري الذي توصل إليه في أي من مجالات التقنية ، والسعي نحو تحفيز المخترع على الإقدام على تطوير اختراعه وبذل مزيد من الجهد لأجل هذه الغاية.
يرتد هذا الأصل إلى المنشأ القانوني لقاعدة الحماية التي أفرزتها الصيرورة التاريخية الشاهد الرئيس على مشكلات الحياة الاقتصادية وما دفعته تلك الضرورات إلى إيلاء الابتكارات العلمية قدرا
من الأهمية عبر إيجاد الأرضية المشتركة بين مختلف النظم التشريعية ومن خلال الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بقصد العمل على تدعيم الفكر الحمائي وإرساء دعائمه المادية ، فمنذ 1883 وحتى آخر جولات إنشاء منظمة التجارة العالمية (الأوروجواي) عايشت الظروف الاقتصادية السائدة هموم المخترعين ومعاناتهم القائمة على هشاشة التغطية القانونية الملائمة لنتاج أعمالهم الابتكارية، سيما في ضوء غياب البعد الإلزامي لنصوص الاتفاقيات السائدة من جهة، وضعف التشريعات الوطنية من جهة الأخرى، الأمر الذي ساهم إلى الولوج إلى اتفاقية تربس بما لها من تأثير مباشر في البناء القانوني لتلك الحماية ، كيف لا وقد عد الانضمام إلى اتفاقية منظمة التجارة العالمية شرطا أساسيا للعمل بمقتضيات اتفاقية تربس والالتزام بأحكامها!!!
انعكست هذه الجهود على التشريعات الوطنية ، وتحديدا قانون براءات الاختراع الأردني رقم 33 لسنة 1999 الذي جاء على أنقاض قانون الامتيازات والرسوم الملغى كمحاولة جادة نحو الموائمة المطلوبة ورديفا نحو تحقيق الهدف المنشود في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية الذي تحقق فعلا سنة 2000م.
تبخرت تلك الآمال المنشودة وراء البنية الوظيفية إلى الوجود المادي للتشريع، باعتباره الراعي الأساس لحقوق المخترعين والقاعدة القائم عليها النشاط الابتكاري ضمن مناخ آمن وفي محيط يفترض أنه كفيل باستيعاب مختلف أشكال التعدي على تلك الحقوق والحد منها، ناهيك عن كينونته باعتباره كفيلا بتسوية ما قد يشوب من منازعات مادية ، طالما أن الغاية هي تنظيمية بقدر ما هي تحفيزية وتشجيعية على الابتكار.
عمليا؛ تظهر هذه الرؤيا ضمن النص الذي يغيب إسباغ الحماية على ما يعرف باختراع التزاحم قياسا على العلامة التجارية ، وذلك حين يعطي النص القائم في المادة 5/ب/2 الحق للشخص الأسبق في إيداع الاختراع الحق في الحماية على حين يحرم الآخر تلك الفرصة مع العلم أن النص يبني حكمه هذا حتى في ضوء توصل كليهما إلى المنتج وطريقة الصنع بصورة مستقلة عن الآخر ولو كانا حسني النية.
فقد ورد ضمن هذا النص القول:” يكون الحق في منح البراءة على النحو التالي:…ب..
.. 2_أما إذا توصل إلى الاختراع أشخاص عدة وكان كل منهم مستقلاً عن الآخر، يكون الحق في البراءة للأسبق في إيداع طلبه لدى المسجل”.
لنا أن نستغرب وأن نتساءل عن موقف التشريع هذا، وكأنما هي الأمور بتلك البساطة متناسيا ما قد يثيره هذا الحكم من مشكلات عملية قد لا تحمد عقباها؟
فقد يتوصل طرفين إلى منتج أو طريقة صنع ويكون كلا منهما مستقلا عن الآخر حين تظهر جملة من القرائن ذلك الاستقلال كأن يكون أحدهما في مكان بعيدا عن الآخر ولا تربطهما علاقة يمكن أن تجعل هذا التقارب قائما، ثم يقدم الأول إلى إيداع طلب تسجيل للاختراع على حين يرد طلب الثاني عملا بالنص المذكور آنفا، وحتى هذه اللحظة لا تثور أية مشكلة عملية، إلا أن هذه الأخيرة تظهر في حال قام الثاني بالتطوير على اختراعه بقدر نسبي وبسيط لا يجعل هذا التطور عمليا كافيا لمنح البراءة عن الاختراع بأكمله كونه متقاربا أو حتى متجانسا مع الاختراع الذي حاز على البراءة، على حين يرتبط هذا التطور بالفكرة الأصيلة لدرجة أنه لو وقع تسجيل الاختراع لحاز بموجب هذا التعديل أو الإضافة على شهادة البراءة الإضافية ، وهنا نتساءل عن الوضع القانوني بالنسبة لهذا التعديل ، فهل يمكن أن يمنح براءة اختراع مستقلة عن التعديل الجديد، ولو سلمنا بذلك، أليس حريا القول أن هذا التعديل أضحى مرتبطا أيضا بالاختراع الأصيل الذي حاز صاحبه على البراءة، إذ تسري القاعدة هنا على ضرورة الحصول من قبل الحائز على الحق الاستئثاري بالترخيص في الاستغلال للبراءة الإضافية. فما مصير هذا التعديل لو أن المشرع منح المخترع براءة اختراع أصيلة على هذا التعديل ؟ هل يستوي ذلك وفكرة الجبر على منح الترخيص إلى شخص أو هيئة أو جهة ما بحجة ان هذا الاختراع له علاقة بآخر وقع استغلاله مسبقا؟ أليس من اللازم إعطاء المخترع الحق في الاسئثار والحرية اللازمة لذلك عملا بنص المادة 21 من قانون براءات الاختراع الأردني طالما أن هذا الجبر كان
سيتحقق لو تعلق الأمر ببراءة اختراع إضافية ، أما وأنه لم يمنح المخترع براءة أصيلة عن الاختراع تحت وطأة النص الذي منعه من ذلك بحجة ان النص لم يعترف أصلا سوى للأسبق بالحق في البراءة، فلم يبق أمامه سوى الحصول على براءة أصيلة عن التعديل إن تحقق له ذلك ، وإذ ما تحقق فعلا فإنه لا يستوي مع جبره على جهة معينة للترخيص وتحديدا تلك الحائزة على الترخيص بالاستغلال للاختراع الأصيل من الجهة الأولى التي حازت على الحماية بحجة سبق الإيداع.
على النقيض من ذلك؛ ماذا لو أن المشرع لم يعترف للمخترع بالحق في الحصول على البراءة بحجة أن هذا التعديل لم يصل إلى درجة الخروج عن محيط ودائرة الاختراع الأصيل الحائز على الحماية بموجب شهادة البراءة المسلمة عنه؟ ألا يستوي ذلك والقول بالسعي نحو هدم الفكر الابتكاري وقتل روح الإبداع؟ زيادة على حرمان المجتمع من الفائدة من هذا التطوير والتعديل الذي كان من الأولى أن تمنح عنه –في الوضع الطبيعي- براءة اختراع إضافية لشخص يفترض أنه تم الاعتراف له بالحق على الاختراع الأصيل طالما أنه تم التوصل إليه بصورة مستقلة عن المخترع الآخر الذي كان له السبق في الإيداع؟ .
نرى بالتالي أن إقرار المشرع لهذا النص يقلل من القيمة الفعلية للهدف الحمائية الذي وكان وراء إقرارا القانون، فمجرد تصور وجود مشكلة من هذا القبيل –حتى و لو لم تتحقق حتى حدود هذه الساعة- أمرا من شأنه أن يؤدي إما إلى حجب الفائدة العملية من التعديل الذي ورد على الاختراع عن طريق عدم الاعتراف للمخترع بالبراءة المستقلة بحجة التقارب بين المخترع الجديد والسابق المسلمة عنه البراءة، وإما إلى إفساح المجال أمام ظهر نسقا جديدا من المشكلات مؤداها زعم المستثمر أو الحائز على الاختراع الأصيل بالمنافسة غير المشروعة إذا ما وقع الترخيص إلى غيره بالاستغلال وعلى فرض سلمت البراءة المستقلة عن التعديل الجديد، مع العلم أن مثل هذا الفرض هو الآخر محل استفهام سيما أن التعديل على الاختراع يفترض
أنه يستتبع الأصل وبالتالي ضرورة الاستئثار للوحدة لا للتجزئة عملا بفكرة البراءة الإضافية.
صفوة القول، إن الحل التطبيقي والأجدى لهذه المعضلة هو الاعتراف وبشروط لكلا الفريقين بالحق في التسجيل والحصول على البراءة درءا لكل مشكلة قد تظهر في المستقبل كما في حالة التعديل على الاختراع وبراءة الاختراع الإضافية من جهة، وقياسا على العلامة التجارية المتوصل إليها من طرفين حسني النية وكلا منهما مستقلا عن الآخر من جهة ثانية، زيادة على أن مثل هذا الاعتراف سوف لن يثير مشكلات تطبيقية بل سيفتح الباب للمنافسة الشريفة التي تخدم وتحقق منفعة الجمهور وتوفر له المنتج أو طريقة الصنع (الاختراع) الذي هو في الغالب وثيق الارتباط بتلك المنفعة من جهة ثالثة.
اترك تعليقاً