مقال قانوني حول المفهوم القانوني لعقد الفاكتورنغ
أ/ حسام الحوامدة
عقد الفاكتورنغ عقد شراء الديون التجارية (Factoring Contract)، بشكل مُبسَّط، على التزام الدائن بأن يُقدّم لمؤسسة الفاكتورنغ كافة فواتيره وديونه التجارية المترتبة له بذمة مدينيه، فتقوم هذه المؤسسة بانتقاء الفواتير والديون التي ترى إمكانية في تحصيلها أو عدم تعرضها كلياً لمخاطر عدم تسديد المدين (تبعاً لعدم مصداقيته، أو لضعف وضعه المالي والتجاري، أو عجزه كلياً أو جزئياً عن تسديد الدين بتاريخ استحقاقه). فإذا وافقت مؤسسة الفاكتورنغ على كل أو بعض تلك الديون، تقوم بشرائها لقاء تعجيل قيمتها للدائن قبل تاريخ استحقاقها، مقابل نسبة معينة من تلك الديون، وحقها في الحلول محل الدائن تجاه مدينيه، وضمان عدم الرجوع على الدائن في حالة عدم التحصيل، إضافةً إلى تقديم بعض الخدمات الإدارية والقانونية والمعلوماتية لمصلحة الدائن.
عقد الفاكتورنغ يساهم في نمو النشاطات التجارية
هكذا يتم شراء الديون وتحصيلها
لمحة تاريخية
عرفت عقود الفاكتورنغ في الولايات المتحدة الأميركية، ثم أنشئت بعد ذلك شركات متخصصة في تطبيق نظام الفاكتورنغ في الدول الأوروبية. أما الظهور الرسمي للفاكتورنغ في فرنسا فيعود تاريخه إلى سنة 1965.
وتشير التقديرات الإحصائية الى أن عدد مؤسسات الفاكتورنغ في فرنسا عام 1968 بلغ 14 مؤسسة أو شركة، أخذت على عاتقها مليوني دين، بقيمة 26 مليار فرنك فرنسي.
وفي نهاية عام 1994 وصل عددها الى 23 مؤسسة وشركة، أخذت على عاتقها سبعة ملايين و ستمائة ألف دين، بقيمة 128.7 مليار فرنك فرنسي، بينها 7% تقريباً على الصعيد الدولي. وفي عام 2000 ارتفع عدد مؤسسات وشركات الفاكتورنغ الى 25 مؤسسة أو شركة اهتمت بأكثر من 60 مليار يورو، بينها 20% تقريباً على الصعيد الدولي و80% على الصعيد الداخلي الفرنسي.
كما انتشر عقد الفاكتورنغ على صعيد التجارة العالمية، وفي عام 1988 تمّ توقيع اتفاقية دولية لتوحيد القواعد القانونية والتنظيمية لعمليات الفاكتورنغ الدولية، هي اتفاقية أوتاو للعام 1988.
فهو اتفاق بين مؤسسة مالية (معروفة بمؤسسة أو شركة الفاكتورنغ الفاكتورايزور) مع عميلها (المعروف بالفاكتورايزي)، يقدّم بموجبه هذا الأخير كافة الفواتير والسندات المالية التي يملكها إلى الشركة التي يحق لها اختيار الفواتير والسندات التي ترى إمكانية استيفائها، مقابل تعجيل قيمتها للعميل )الفاكتورايزي)، وتتحمل مخاطر عدم وفاء المدين، من دون الرجوع على عميلها (الفاكتورايزي)، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك صراحة أو في الحالات المتفق عليها والمحددة في العقد.
الشروط القانونية لعقد الفاكتورنغ
يعتبر عقد الفاكتورنغ في الأساس من العقود الرضائية التي تتطلب الايجاب والقبول لانعقادها وفقاً لمواد القانون المدني. ويتجلى الرضى في العقود باجتماع العرض والقبول. إلا أن هذا المبدأ لم يأتِ مطلقاً، فقد يخضع عقد الفاكتورنغ، في بعض الحالات لبعض الشروط الشكلية. إلا انه بالرغم من عدم وجود نص صريح يفرض افراغ عقد الفاكتورنغ في شكل معين، فمن الضروري كتابة هذا العقد من أجل اظهار جميع شروطه المتعددة والدقيقة بشكل واضح وصريح. وإذا كان عقد الفاكتورنغ لا يعتبر من العقود الشكلية، ولا يوجد جزاء على تخلّف كتابته، فإن العرف والضرورات العملية استقرت على أهمية كتابة عقد الفاكتورنغ. وتعتبر الكتابة إحدى وسائل اثبات عقد الفاكتورنغ وفقاً للقواعد العامة في الإثبات.
وإذا كان عقد الفاكتورنغ لا يخضع لشروط شكلية معينة بوجه عام، إلا أنه يخضع للشروط الشكلية التي تفرضها عملية انتقال الحقوق أو الديون من الدائن الى مؤسسة الفاكتورنغ، مع الحفاظ على وجوب أن تكون عملية الانتقال بسيطة وسريعة وصحيحة. ومثال على ذلك، عندما يكون موضوع عقد الفاكتورنغ سندات تجارية؛ كسند سحب (كمبيالة) أو سند لأمر، فهو قابل للانتقال بطريق التظهير، وفقاً للمادة 325 من قانون التجارة. والشروط الشكلية لانتقال سند السحب أو الكمبيالة هي الشروط القانونية الشكلية لصحة التظهير، وهي: أن يُكتب التظهير على سند السحب أو على ورقة ملصقة به، أي على ورقة إضافية، كما يجب أن يكون التظهير مشتملاً على توقيع المظهر وفقاً للمادة 327 من قانون التجارة، سواءً أكان تظهيراً اسمياً أم لحامله أم على بياض.
كذلك، يجب أن تتوافر في عقد الفاكتورنغ الأركان الأساسية العامة الواجب توافرها في سائر العقود من أجل اعتباره ناجزاً وصحيحاً. فعقد الفاكتورنغ، يجب أن تتوافر فيه الشروط الموضوعية، وهي: الرضى والأهلية والموضوع والسبب.
طرفا عقد الفاكتورنغ
إنّ طرفي عقد الفاكتورنغ هما: المؤسسة المالية التي تشتري الديون، وتسمى الفاكتورايزور (Factorizor)، والطرف الثاني:
وهو الدائن بائع الديون، ويسمى الفاكتورايزي (Factorizee). أما المدين للدائن بالديون التي ستصبح موضوعاً لعقد الفاكتورنغ، فلا يعتبر طرفاً في هذا العقد. وبذلك يتبين أن عقد الفاكتورنغ هو عقد ثنائي الأطراف في عملية الفاكتورنغ الثلاثية الأطراف.
ـ الفاكتورايزور (مشتري الديون) :
يلعب دوراً أساسياً في عملية الفاكتورنغ؛ إذ يعتبر الطرف المموّل في هذه العملية لقيامه بشراء الديون غير المستحقة وتعجيل ثمنها فوراً للفاكتورايزي الدائن. فلا يستطيع القيام بمهمة ودور الفاكتورايزور سوى المؤسسات المالية الضخمة التي تتخذ عادة شكل المؤسسات المالية أو الشركات التجارية المساهمة. وقد قصر القانون الفرنسي (تاريخ 21/11/1993)، مزاولة نشاط الفاكتورنغ على الشركات التي تعتمد نظام المصارف، وقضى بتجريم الأشخاص والمؤسسات التي تمارس هذا النشاط من دون الحصول على الترخيص المسبق من اللجنة المصرفية. وقد سارت الدول الأوروبية الأخرى على هذا النهج في حصر ممارسة نشاط الفاكتورنغ بالمؤسسات المالية المرخص لها بذلك قانونياً.
أما في القوانين العربية، فلم يضع المشترع، حتى الآن، قانوناً خاصاً بعقد الفاكتورنغ. إلا ان هذا لا يعني اطلاق الحرية الكاملة في ممارسة نشاط الفاكتورنغ من دون قيد أو شرط.
فانه يتضح أن عملية شراء الديون (الفاكتورنغ) محصور القيام بها من قبل المصارف والمؤسسات المالية الخاضعة لقانون النقد والتسليف.
وتخضع هذه المؤسسات لشروط شكلية خاصة لتأسيسها، ولشروط خاصة بممارسة أعمالها. الا انه جرت العادة على حصر حق ممارسة نشاط الفاكتورنغ بالشركات المغفلة التجارية، واستبعد الاشخاص الطبيعيين من عداد الفاكتورايزور (مشتري الديون) في عقد الفاكتورنغ، وذلك بهدف حماية المشاريع التي تتعامل معها. كما يجب أن يكون الفاكتورايزور أو مؤسسة الفاكتورنغ من الغير بالنسبة للدين موضوع عقد الفاكتورنغ؛ أي أجنبياً عن العلاقة الأساسية التي تربط الفاكتورايزي بالمدين.
– الفاكتورايزي (بائع الديون) :
إذا كان الفاكتورايزور (مشتري الديون) يلعب دوراً أساسياً في عقد الفاكتورنغ، فإن الفاكتورايزي (بائع الديون) هو الطرف الأساسي في هذا العقد، لأنه هو الذي يطلق الشرارة الأولى بتقرير حاجته الى بيع ديونه التجارية المترتبة على مدينيه. ولم يضع القانون الفرنسي (وهو القانون الذي استقى المشرع السوري نصوص مواده) شروطاً خاصة للفاكتورايزي إذا كان شخصاً معنوياً أم شخصاً طبيعياً، لكنه اشترط أن يتعلق عقد الفاكتورنغ بنشاطه المهني، من دون تفرقة بين تاجر وغير تاجر. ويلاحظ الفقهاء الفرنسيون أن الفاكتورايزي (بائع الديون التجارية) يكون عادة من المؤسسات الصغيرة أو المتوسطة الحجم، لأن هذا النوع من العقود يتلاءم مع الأعمال المتوسطة الحجم، ويلبي حاجاتها.
بالنهاية لا بد إلى أن نشير إلى أن أي توسع في الأعمال التجارية في أي مجتمع معاصر يؤدي إلى ظهور وسائل وعقود قانونية جديدة تمليها إرادة الأطراف ثم لا تلبث إلا أن تكون عقود لها قوالبها الخاصة أو شروطها الشكلية التي تفرضها ظروف تلك التعاملات في حينه.
ومن عقدنا الحالي المسمى بعقد الفاكتورينج الذي يعتبر وسيلة وأداة عامة ومبتدعة تؤدي إلى إلزام الفرد في المجتمع إلى احترام ديون الفرد الأخر وحساب النتيجة النهائية والتي مؤداها التزام الأطراف بالديون المترتبة عليهم.أي وجوب احترامها وأدائها حفاظا على المبادئ الأساسية التي يبتغيها المجتمع في حفاظه على أركانه من خلال حفاظه على الائتمان العام.
اترك تعليقاً