مقال قانوني حول مافيا الإنترنت و الجريمة الإلكترونية فى الوطن العربى
أ/ محمد الصعوب
تزوير معلومات.. إتلاف بيانات.. نصب واحتيال وقريباً غسيل الأموال على الإنترنت
الإنترنت بوابة بلا حراس.. بل ساحة إجرام تتحدى الأجهزة الأمنية بثغرات قانونية ضخمة، ما أتاح الفرصة لمافيا الجرائم الإلكترونية التجول خلالها دون رقيب أو حسيب وتمكن السرية والخصوصية التى تنطوى عليها لغة الكمبيوتر اللصوص من نقل المعلومات الخطرة والمحظورة سواء معلومات مخابراتية أو خطط تخريبية أو صور سرية بمجرد الضغط على زر لوحة المفاتيح بدون أدنى مجهود وبدون الخوف من العقاب.
يؤكد الخبراء أن الجرائم الإلكترونية تزداد كلما توغل العالم فى استخدام الإنترنت وقد حققت هذه الجرائم خسائر فادحة للاقتصاد الأمريكى قدرت بـ 250مليار دولار سنوياً ولم ينج العالم العربى من الجرائم الإلكترونية وإن كانت خسائره ليست على المستوى نفسها.
ومـازال جميع أساتذة القانون على مستوى العالم عاجزين عن إصدار تشريع يحظر الجرائم الإلكترونية.. خاصة وأن أدلة إثبات الجريمة يصعب التوصل إليها.. والسطور التالية تناقش أشكال الجريمة الإلكترونية ومخاطرها وطرق الوقاية منها.
الواقع أن الجريمة الإلكترونية تضم أشكالاً متعددة ومتنوعة يصعب حصرها وهى تزداد كلما توغل العالم فى استخدام الحاسب الآلى وشبكة الإنترنت.. يمكن تقسيم الجريمة الإلكترونية إلى 4مجموعات اولها:
@ الجرائم التى تتمثل فى استغلال البيانات المخزنة على الكمبيوتر بشكل غير قانوني. وثانيها الجرائم التى يتم من خلالها اختراق الكمبيوتر لتدمير البرامج والبيانات الموجودة فى الملفات المخزنة فيه وهى تضم الفيروسات الإلكترونية. وثالثها جرائم استخدام الكمبيوتر لتخطيط جريمة معينة. ورابعها جرائم استخدام الكمبيوتر بشكل غير قانوني من قبل الأفراد المرخص لهم باستعماله.
ويمكن أيضاً تقسيم المجرم الإلكتروني إلى 3مجموعات:
أولاً: الموظفون العاملون بمراكز الكمبيوتر وهم يمثلون الغالبية العظمى من مرتكبي الجرائم.
ثانياً: الموظفون الساخطون على مؤسساتهم فيقومون باستخدام الكمبيوتر لمسح بعض المعلومات الخاصة بالشركة.
ثالثاً: الهاكرز Hackers أو كراكرز Crackers الذين يستغلون الكمبيوتر من أجل التسلية ولكن بشكل غير قانوني.
تصور غير واضح
فى الوقت الذى تسعى فيه الشركات لاستخدام شبكة الإنترنت لتحقيق المزيد من الأرباح المشروعة.. نجد جماعات الجريمة المنظمة يسعون لاستخدامها لتنفيذ عمليات غير مشروعة.. ولعل التطور المستمر للإنترنت وتوفر السرية التامة جعلا من الإنترنت جهازاً مثالياً لتنفيذ العديد من الجرائم بعيداً عن أعين الجهات الأمنية.. فمازالت الأجهزة القضائية وأساتذة القانون فى العالم عاجزين عن الخروج بتصور واضح عن الجريمة الإلكترونية.
مما لا شك فيه أن حنكة ومهارة مجموعات الجريمة المنظمة ازدادت خلال السنوات القليلة الماضية ونجحت فى ابتكار العديد من الوسائل للقيام بعمليات الاحتيال والسرقـة بدقة فائقة وأبـرز مثال على ذلك ما حدث فى أكتوبر عام 2000فى بنك صقلية حيث ابتكرت مجموعة مكونة من 20شخصاً بمساعدة أحد موظفى البنك، نسخة رقمية طبق الأصل لنظام اتصال البنك بشبكة الإنترنت، تم استخدامها لسرقة 400مليار دولار من البنك ولكن باءت المحاولة بالفشل عندما اعترف أحد الأشخاص على المجموعة.
وفى سويسرا استخدمت إحدى جماعات الجريمة المنظمة بطاقات شبكات أنظمة الكمبيوتر لشركات الاتصالات اللاسلكية وتم اختراق تلك الأنظمة وتمكنت القوات الأمنية من إلقاء القبض على هذه المجموعة.
وتعد فيروسات الكمبيوتر أحد أشكال الجريمة الإلكترونية ومنها ما حدث عام 2000عندما تمكنت مجموعة من الشباب من نشر فيروس “بقة الحب” على أجهزة الكمبيوتر الخاصة ببنك يونيون بنك أوف سويتزرلاند ومصرفين آخرين فى الولايات المتحدة بهدف الوصول للأرقام الخاصة بمواقعها على شبكة الإنترنت.
وفى سبتمبر 1999تمكنت جماعة عرفت باسم “أساتذة الهاتف” المقيمة فى الولايات المتحدة من الحصول على آلاف بطاقات اجراء المخابرات الهاتفية من شركة Spring و تم بيعها.. ويتوقع خبراء الإنترنت استخدامه فى السنوات القادمة فى غسيل الأموال عن طريق إصدار الفواتير الزائدة أو الناقصة عن الأسعار الحقيقية.
يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن المنطقة العربية ستتعرض إلى أزمة خطيرة فى الأعوام القليلة القادمة بسبب الإحجام عن استخدام الشبكات لتفعيل التجارة الإلكترونية بين الدول العربية والأوروبية المتقدمة.. هذا الإحجام لم يكن وليد الصدفة فقد ساهمت الجرائم الإلكترونية وانتشار أشكالها خاصة مع تكرار سرقات كروت الائتمان فى إضفاء حالة من الرعب على المؤسسات الاقتصادية الضخمة وبدلاً من معالجة الأخطاء، اكتفى الجميع بالجلوس فى أماكنهم!!
وتجدر الإشارة أن مصر كانت من أوائل الدول الحريصة على محاربة الجرائم الإلكترونية، حيث قامت وزارة الداخلية بإنشاء إدارة خاصة لمكافحة جرائم شبكات الحاسبات والنظم المعلوماتية وتختص الإدارة بالمتابعة اليومية للشبكات العاملة لضبط الحالات الخارجة عن القانون.. وحسبما أكد المسئولون أن الإجراءات تتخذ فوراً تجاه المخالفين ويتم تدمير المواقع إذا ثبت إضرارها بمصلحة الأمن القومى أو الآداب العامة.
وعن طرق الوقاية ومكافحة الجريمة الإلكترونية يقول سعيد على المداح خبير الحاسبات ونظم المعلومات بمعهد التخطيط القومى: لا شك أن الجرائم المتعلقة بالشبكات الإلكترونية عندما ترتبط بالجريمة المنظمة يكون من الصعب مواجهتها لذلك للقضاء عليها لابد من إعطاء الحماية للمعلومات الشخصية عند معالجة البيانات الإلكترونية وفقاً للمبادئ التى حددتها معاهدة المجلس الأوروبي فى 28يناير 1981مع ضرورة تطبيق برامج أكثر تشدداً ضد غسيل الأموال لتحقيق شفافية أكبر فى الأنشطة المالية الدولية. كذلك لابد من التقارب بين قوانين الدول المعنية بإصدار التشريعات الرادعة فى هذا المجال مع ضمان تعاون أفضل بين الهيئات القضائية وأجهزة الشرطة.
لابد من التقارب بين قوانين الدول المعنية بإصدار التشريعات الرادعة فى هذا المجال مع ضمان تعاون أفضل بين الهيئات القضائية وأجهزة الشرطة.
يُشير سعيد المداح إلى أن: ندوة حماية الخصوصية من الجرائم الإلكترونية التى عقدت بالقاهرة الشهر الماضى أكدت أن العالم يواجه خطراً داهماً من تزايد انتشار هذا النوع من الجرائم والتى تقوم على سرقة أسرار ومعلومات الأفراد والشركات والبنوك وقد أصبحت هذه الجرائم تمثل تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي وأكدت الندوة على أن الجريمة الإلكترونية يصعب اكتشافها أثناء حدوثها لأنها سرية وسريعة ومجهولة المصدر خاصة فى حالة قيام شخص من خارج حدود الدولة بارتكابها.
الحماية الفكرية للبرامج
اتبعت شركة مايكروسوفت خطـوات رائـدة لتحقيـق الحمايـة الفكرية لبرامجها.. من أهمها تقنية حماية البرامج Product Actuation بهـدف تقليل قرصنة البرامج خاصة ما يعرف بـ Casual Copying أو Soft Lifting . وهذه التقنية لا تحتاج أي بيانات شخصية إضافية من المستخدم وهى تحتاج لبيانات معينة مثل رقم هوية التحميل ورقم هوية المنتج وبعض البيانات الأخرى.
يضيف الدكتور “ياسر دكرورى” أستاذ هندسة الحسابات والنظم المعلوماتية بجامعة القاهرة أن مشكلة الجرائم الإلكترونية تنتشر بمعدلات مخيفة فى الدول المتقدمة نظراً لارتفاع تعاملاتهم مع شبكات المعلومات بالإضافة إلى التوسع فى استخـدام التجـارة الإلكترونية .. أما الوطن العربى فالمشكلة فيه لم تصل إلى الذروة خصوصاً وأن معظم الحـالات التى تم ضبطها فردية ومع هذا لم نستطع القول إن أنظمتنا آمنة، فالعلم كل يوم فى تقدم وهذا التقدم يحتاج إلى تطوير الآليات وتجديد البرامج التكنولوجية لمواجهة المخاطر واحتمالاتها.
يرى الدكتور “ياسر دكروري” أن المشكلـة الأساسية التي تواجه المجتمعات العربية وتقدمها هى أزمة الثقة ولتفادي حدوثها فى المستقبل ينبغي علينا الآن الاهتمام بنشر الوعي الثقافي وتدعيمه بالنظم التكنولوجية.. كذلك إعداد برامج لتأمين الشبكات وتجدر الإشارة أن بعض الشركات العربية نجحت فى الفترة الأخيرة من إعداد برامج متقدمة فى نظم التأمين.. أما الجانب الأكبر فيقع على عاتق القانون، فقد بات واضحاً أمام الجميع أهمية من عدد من القوانين لتقنين عمليات التحايل وذلك بالسجن أو بالغرامة.
يؤكد سامح منتصر متخصص فى مجال البرمجيات أن إحصاءات العام الماضى سجلت انخفاضاً ملحوظاً فى هذا النوع من الجرائم ويرجع الأصل فى ذلك إلى النجاح الذى حققته بعض الشركات نتيجة تأمين مواقعها على الشبكة، خاصة بعد انتشار جرائم سرقة البنوك واقتحام نظم المعلومات فى الشركات الكبرى والمؤسسات الحكومية .. مع هذا فنحن نؤكد أن وسائل الاحتيال محدودة حتى الآن فى العالم العربى، لكنها بصدد الانتشار خلال المرحلة القادمة وذلك بتزايد المتعاملين على الشبكات الإلكترونية.
وعلى الرغم من دخول مصر في عالم الثورة التكنولوجية، واستخدام البعض لنظام الفيزا العالمية إلا أن نقص الوعي عند مستخدمي هذه البطاقات يعرضهم لكثير من المشكلات وبالتالى نحن فى حاجة ماسة إلى تحديث نظم كروت وبطاقات الائتمان.
وعلى الجانب الآخر والكلام لايزال على لسان صاحبه “سامح منتصر” فإن الظروف التى يعانيها العالم العربى تضع المسئولية على هؤلاء الشباب لتفعيل إمكانيتهم وتطويرها لمواجهة الغزو الأمريكى والأوروبى لمجتمعاتنا.
ويؤكد الدكتور “خليل حسن” رئيس شعبة الحاسبات بالغرفة التجارية أن أشكال الجرائم الإلكترونية متعددة .. إلا أن أكثرها انتشاراً هى الجرائم الأخلاقية حيث تسببت مواقع “الشاتنج” فى ارتفاع حالات الطلاق بالإضافة إلى ترويج بعض الشباب لعبارات تحمل معاني منافية للآداب العامة .
ويتطابق الحال نفسه على جرائم اقتحام شبكات البنوك والشركات الكبرى والتى تسببت إلى إحداث خسائر عديدة لأصحابها.
ولأن الشباب هم المستقبل المشرق للوطن العربي نناشد جميع الهيئات المسئولة بدءاً من وزارات التعليم بالتعاون مع وزارات الإعلام والاتصالات فى الدول العربية لإعداد حملة موسعة لنشر الوعي الثقافي بين هؤلاء الشباب من الجنسين وتوفير عدد من البرامج التدريبية لتفعيل استخداماتهم لشبكة الإنترنت فى مجال يعود بالنفع عليهم وعلى أمتهم.
اترك تعليقاً