رب العمل Patron بالمفهوم الحقوقي هو كل شخص طبيعي أو اعتباري يستخدم عاملاً أو أكثر ليعمل لحسابه وتحت رقابته وإِشرافه بمقابل أجر.
وبالمفهوم الاقتصادي, رب العمل, هو صاحب المشروع الذي يستحصل على مساهمة الآخرين في مشروعه بأداء عمل تحت رقابته.
أما الُمسْتَحْدِث فهو من يجمع عدة عوامل إِنتاج كرأس المال والعمل والإِدارة بصورة ثابتة لبلوغ هدف اقتصادي سعياً للربح.
يتضح من التعاريف المتقدمة أن رب العمل بالمفهوم الحقوقي قد لا يكون صاحب مشروع معين كاستخدام رب الأسرة خادماً للخدمة المنزلية. فرب الأسرة هنا هو صاحب عمل بالمفهوم الاقتصادي. كما أنه لا يشترط بالمستحدث أن يكون هو نفسه رب العمل بالمفهوم الاقتصادي, أي لا يشترط به أن يكون مالكاً لوسائل الإِنتاج.
التنظيم المهني لأرباب العمل بصفة عامة
مر التنظيم المهني لأرباب العمل, في العالم بصفة عامة, وفي أوربة بصفة خاصة بثلاثة أطوار: منظمات الحرف, ونظام الحرية الفردية والتعاقدية, وتدخل الدولة.
الطور الأول:
مرحلة منظمات الحرف نظام الطوائف
كانت الحرف حتى قيام الثورة الصناعية في أوربة تخضع لنظام دقيق, فلكل مهنة رابطة أو منظمة إِجبارية ينتمي إِليها جميع أعضاء الحرفة ولها تنظيمات خاصة بها تحدد للأعضاء مراتب ودرجات, كما تحدد أصول الانتساب إِليها وكل ما يتعلق بممارستها.
ولم تكن ممارسة المهنة مباحة للجميع بل كان لابد لمن يريد أن يمارسها من أن يكون عضواً في المنظمة أو الرابطة الحرفية التي تجمع أبناء الحرفة.
ولم يكن الانتساب إِلى الرابطة حراً بل يخضع لشروط معينة من حيث الكفاءة والسلوك والأخلاق, فلا يقبل المرء في المنظمة إِلا بعد أن يقضي مدة من التدرج يتعلم فيها صنعته, فإِذا ما أتقنها وأثبت جدارته, وكان حسن السلوك والأخلاق أمكن قبوله في منظمة حرفته برتبة «صانع» يشتغل في المهنة أجيراً لدى صاحب العمل الذي يسمى المعلم.
ويمكن للأجير أن يرقى فيما بعد إِلى درجة المعلم بعد أن يجتاز امتحاناً معيناً يعقد أمام «شيخ الحرفة». ومن المعلمين يتكون عصب الطائفة, فهم الذين يسهمون في وضع نظام الطائفة وفي قبول الأعضاء الجدد أو رفضهم, ولهم وحدهم الحق في انتخاب شيخ الطائفة أو الحرفة الذي كان ينتخب لمدة سنة قابلة للتجديد.
وقد كان شيخ الحرفة يتمتع بسلطات واسعة في إِدارة شؤون المهنة. فهو زعيم الحرفة ويمثلها أمام الرأي العام, وهو الذي يدافع عن مصالحها ويراقب تطبيق اللوائح والتعليمات والقرارات وينذر المخالفين ويعاقبهم, وإِليه ترفع الشكاوى على أفراد المهنة من قبل زبائنهم أو زملائهم فيقضي بها وفقاً لما يوجبه عرف المهنة.
وكان لمشايخ الحرف رئيس أعلى تخضع له سائر المنظمات الحرفية هو «شيخ مشايخ الحرف», وظيفته وراثية, وله سلطة فرض العقوبات على مشايخ الحرف وأعضائها التي قد تصل إِلى السجن والجلد.
ومع أن ظهور المنظمات الحرفية في فرنسة عدّ إِصلاحاّ قوبل بالاستحسان إِذ بلغت هذه المنظمات معظم أهدافها في القرن الثالث عشر فاعتنت بالأرامل والأيتام والشيوخ ومارست رقابة انضباطية صارمة على أعضائها, فإِن مساوئ نظامها بدأت تظهر ابتداء من القرن الخامس عشر.
فمن جهة أولى أخذت درجة «المعلم» تميل إِلى الانغلاق إِذ بدأ معلمو الحرفة يضعون العراقيل الكثيرة في وجه ترقي الأجير (الرفيق) إِلى درجة المعلم فتشددوا في موضوع الكفاءة المطلوبة منه وفرضوا عليه أعباء مالية مرهقة, وعملوا على إِعفاء أبنائهم من تلك القيود والشروط فأصبحت درجة المعلم شبه وراثية, الأمر الذي جعل من هذا التقييد, مع نمو الصناعات وتوسع التجارة مشكلة العصر.
ومن جهة ثانية, أخذ ملوك فرنسة, بدءاً من لويس الحادي عشر, يتدخلون في شؤون المنظمات الحرفية, وراحوا يصدرون براءات تمنح حامليها حق ممارسة المهنة مخترقين بذلك الحصارات التي كان المعلمون قد أحاطوا بها الانتساب إِلى المهنة.
وقد وجدت السلطة في بيع هذه البراءات مصدر دخل كبير لها فأصدرت أعداداً هائلة منها, الأمر الذي اضطر الجمعيات الحرفية إِلى شراء ما يقرر الملك إِصداره منها دفعة واحدة, وبذلك تضمن عدم وصولها إِلى الغرباء عن الحرفة وتبقى بذلك مغلقة لصالح أعضائها وأبنائهم.
وأمام هذا الجمود من منظمات الحرف, والقيود الشديدة التي كانت تضعها بشأن الأساليب المتبعة في الإِنتاج, أصبح ذلك يؤلف عائقاً كبيراً في وجه التقدم وعمل على اشتداد النقمة عليها فأخذت تفقد الكثير من أهميتها أمام أنماط النشاط الاقتصادي الجديد. وما إن قامت الثورة الفرنسية عام 1789 حتى تم القضاء على هذه المنظمات.
الطور الثاني
مرحلة نظام الحرية الفردية والتعاقدية
أصبح العقد, في هذه المرحلة, يؤلف المصدر الطبيعي وشبه الوحيد لتقرير الحقوق والالتزامات وتحديدها لكل عامل في ظل النظام الحقوقي الحر المنبثق عن مبادئ الثورة الفرنسية وتشريعاتها.
فالقانون الفرنسي الصادر في 17 آذار 1791 أرسى المبدأ الجديد لحرية العمل وأدان العقبات التي وضعتها الجمعيات الحرفية (منظمات الحرف) في عهد ما قبل الثورة, فقد تضمن في مادته السابعة العبارة التالية «ابتداءً من 1 نيسان القادم يصبح كل شخص حراً في القيام بأية تجارة وفي ممارسة أية صناعة أو فن أو مهنة يريدها…».
وكذلك فإِن القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 17 حزيران 1791 والمعروف بقانون لوشابوليه Le Chapellier, عندما قضى في مادته الأولى بإِلغاء جميع أشكال منظمات المواطنين الذين ينتمون إِلى طبقة واحدة أو جهة واحدة, عدّ ذلك إِحدى القواعد الأساسية للدستور الفرنسي.
وعندما منع في هذه المادة تأليف هذه المنظمات مهما كانت الحجة ومهما كان السبب فإِنه منع كل تجمع للعمال أو لأرباب العمل لكي يترك السيادة للإِدارة التعاقدية لدى طرفي عقد العمل لتحديد حقوق كل منهما وواجباته وقطع بذلك كل رابطة تضامن بين العمال أو بين أرباب العمل لأن كلاً من العامل ورب العمل يجب أن يكون حراً في تحديد شروط عقد العمل الذي يرغب فيه ويقبل أن يرتبط به, ولأن كل تكتل من أحد الطرفين هو وسيلة ضغط وإِكراه على الطرف الآخر في العقد واعتداء على هذه الحرية التي لا يمكن أن تكون مصونة إِلا إِذا ترك الطرفان يتساومان على شروط عقد العمل ويتفقان عليها من دون أي تدخل أو عمل جماعي لدعم أحدهما تجاه الآخر.
الطور الثالث:
مرحلة تدخل الدولة في علاقات العمل.
صحيح أن مبادئ الحرية التي أعلنتها الثورة الفرنسية قد استفاد منها العامل وصاحب العمل, لكن تجدر الملاحظة إِلى أن أرباب العمل, أصحاب القوة الاقتصادية الكبيرة بمواجهة العمال ذوي القوة الاقتصادية الضعيفة, قد استفادوا كثيراً من مبدأ الحرية التعاقدية وأصبح بإِمكانهم السيطرة على علاقات العمل بإِملاء ما يشاؤون من شروط مجحفة على العمال من دون أن يتمكن الأخيرون من مناقشتها وإِلا يصبحون عاطلين بلا عمل.
كما يلاحظ أن الظروف الاقتصادية قد تطورت في ظل نظام الحرية فظهرت الأزمات الاقتصادية وما نتج عنها من بطالة.
كما أخذ نظام الاحتكار يحل محل نظام المنافسة الحرة في النشاط الاقتصادي, وقد أدى ذلك إِلى ضعف مركز الطبقة العاملة.
وقد أدت هذه المساوئ التي ترتبت على نظام حرية العمل إِلى توسع الهوة الساحقة التي تفصل بين العمال وأرباب العمل, الأمر الذي ساعد على انتشار روح التذمر والسخط في نفوس العمال وجعلهم يتجمعون في حركات وتنظيمات نقابية بصورة سرية تارة وعلنية تارة أخرى بمواجهة تنظيمات مماثلة لأرباب العمل.
وهكذا لم يعد بوسع السلطة السياسية أن تبقى بعيدة عن حلبة الصراع ومجرى الأحداث التي باتت تهدد الأمن الاجتماعي في المجتمع, وكان لابد من تدخلها لإِرساء الأمن والاستقرار.
وقد سجل القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 21 آذار 1884 انعطافاً حاسماً في هذا المجال إِذ اعترف لكل من أصحاب العمل والعمال على قدم المساواة بحقهم في تكوين منظماتهم النقابية التي ترعى مصالحهم بعد أن تدخلت الدولة في علاقات العمل مقيدة إِلى حد كبير مبدأ حرية التعاقد في تحديد شروط العمل.
المنظمات الحرفية في المشرق العربي
ترجع الروايات التاريخية بداية التنظيم الحرفي إِلى القرن التاسع الميلادي. وقد ظهرت المنظمات الحرفية أول ما ظهرت على ما يبدو في المشرق العربي مع حركة القرامطة, إِذ بدأ أصحاب هذه الحركة وأتباعهم حملاتهم ودعاياتهم في الأوساط التجارية وبين أصحاب الصناعات وأخذوا يؤلفون بين أتباع حركتهم من أبناء كل مهنة جمعية سرية تضم العمال والحرفيين لتكوِّن منهم قوة فعالة تدعم السلطة وتكوِّن الخلايا السياسية لحركتهم.
ويؤكد الباحثون أن المنظمات الحرفية العربية التي كانت موجودة قبل ظهور القرامطة قد تطورت بفضل الحركة القرمطية واتخذت طابعاً جديداً من حيث التنظيم والنشاط, فبعد أن كانت تقتصر على رؤساء الحرف فقط أصبحت تضم العمال إِلى جانبهم.
وقد مرت المنظمات الحرفية في البلاد العربية لجهة المراتب ومراحل التدرج بالدور نفسه الذي قامت به المنظمات الحرفية في أوربة.
ففي الأراضي السورية عرفت منظمات الحرف عهد ازدهار في حياتها الأولى وأصبح لها من القوة والامتيازات ما جعلها تؤسس محاكم خاصة بها لحل الخلافات بين أبناء الحرف واستطاعت أن تكوِّن لها قوى مسلحة وقفت إِلى جانب جيوش الأمراء في الحروب الصليبية,
وعندما أعاد السلطان صلاح الدين الأيوبي وظيفة المحتسب ليراقب أصحاب الحرف في أعمالهم وممارستهم مهنهم عامل المحتسبون منظمات الحرف بكثير من الشدة والقسوة وأضعفوا من امتيازاتها فأخذت مكانتها تتضاءل حتى إِن وظيفة شيخ مشايخ الحرف لم تبق في نهاية القرن التاسع عشر أكثر من وظيفة فخرية لا يتمتع صاحبها بأية سلطة فعلية, أما مشايخ الحرف وهم رؤساء للمهنة ومنظمتها فقد بقي لهم دورهم.
وقبل استقلال سورية عن الدولة العثمانية صدر في 27 نيسان 1912 قانون عثماني رقمه 8 في محاولة لإِعادة تنظيم المنظمات الحرفية على أسس جديدة.
وهذا القانون ألغى وظيفة شيخ الحرفة من المهن وأوجد في كل مهنة جمعية عمومية لجميع العاملين فيها ومجلس إِدارة وحدد لهذا المجلس اختصاصاته وسلطاته. إِلا أن قوة الأعراف والتقاليد جعلت رئيس مجلس الإِدارة يتصرف تصرف شيخ الحرفة ويستأثر بسائر سلطات مجلس الإِدارة ويستمد سلطته واختصاصاته لا من نصوص القانون المذكور بل من أعراف المهنة التي تضمن احترام أبنائها له وخضوعهم لقراراته.
وفي عهد الانتداب الفرنسي كرر المشرع في سورية هذه المحاولة ثانية في المرسوم التشريعي ذي الرقم 152 المؤرخ في 30/10/1935, فأعطي الحق لكل حرفة بتأسيس «نقابة» واحدة اختيارية تضم من شاء من أبناء المهنة من معلمين وعمال وحدّد لهذه النقابة اختصاصاتها وسلطاتها.
إِلا أن هذه النقابات اصطدمت بعزوف أصحاب العمل عنها عندما وجدوا أنفسهم الأقلية في الاجتماعات التي تعقدها هيئاتها العامة ثم بمقاطعتها من العمال أنفسهم الذين أخذوا يطالبون بالترخيص لهم بتأليف نقابات خاصة بهم لا يشترك معهم في عضويتها أرباب عملهم.
وتم إِلغاء فكرة النقابة المشتركة بين العمال وأرباب الأعمال عام 1939 حين صدر قرار عن السلطة في 18 كانون الثاني يبيح تأليف نقابات عمالية مستقلة.
وعندما صدر قانون العمل السوري ذو الرقم 279 لعام 1946 أعطى الحق لأرباب العمل وللعمال وللصناع في كل فرقة من فرق المهن أن تجتمع كل فئة منهم على حدة لتؤلف نقابات خاصة بها, وبذلك ألغي مبدأ التمثيل الحرفي الذي يضم العمال وأرباب العمل في كل مهنة, وتكوّنت بدلاً عن ذلك منظمات نقابية لأرباب الأعمال مستقلة عن المنظمات النقابية العمالية.
أما قانون تنظيم العلاقات الزراعية ذو الرقم 134 لعام 1958 فقد أقر لأصحاب العمل الزراعي حق تأليف نقابات لهم في مراكز النواحي والمناطق والمحافظات للدفاع عن مصالح المهنة والعمل على تقدمها, وخولت هذه النقابات حق تأليف اتحادات للغاية نفسها استناداً إِلى مبدأ الحرية النقابية مع الإِشارة إِلى أن غرف الزراعة في سورية تمثل أصحاب العمل الزراعي أيضاً في حدود النصوص الناظمة لها.
وبعد قيام الوحدة بين سورية ومصر صدر قانون العمل ذو الرقم 91 لعام 1959 الذي أفرد فصلاً خاصاً منه لنقابات العمال من دون أن يتعرض إِلى تنظيم نقابات أصحاب العمل.
ولكنه أبقى صراحة على هذه النقابات وعلى اختصاصاتها وفق الأحكام الخاصة بها التي جاءت في قانون العمل لعام 1946.
وفي عام 1970 صدر المرسوم التشريعي ذو الرقم 31 وقضى بحل نقابات أرباب العمل والصناع واتحاداتها في المحافظات واتحادها العام ابتداءً من تاريخ صدور هذا المرسوم التشريعي, أي في 17/3/1970.
وقضى هذا المرسوم بأن تؤول أموال هذه المنظمات إِلى الجمعيات الحرفية واتحاداتها في المحافظات واتحادها العام التي أصبحت بموجب أحكام هذا المرسوم التشريعي تمثل أرباب العمل في القطاع الخاص في الجمهورية العربية السورية إِلى جانب غرف الصناعة وغرف التجارة, كل في حدود الأحكام القانونية الناظمة له.
عبد الستار ياسين قصاب
اترك تعليقاً