نحو نظام تأمين صحى مصري جديد

إعــــداد
الدكتور/ لطف الله إمام صالح
أستاذ بمعهد التخطيط القومي
المدير التنفيذي لبرنامج دعم التنمية

فى الفترة من 12-14 أكتوبر 2002م

(أولا) الإنفاق على تنشئة الإنسان: من الاستهلاك إلى التنمية البشرية مرورا بالاستثمار:

ساد أدبيات الفكر الاقتصادى والاجتماعى لردح من الزمن مفهوم النفقة الاستهلاكية لكل ما ينفق على الإنسان فى مختلف مراحل تكوينه : نطفة ثم علقة ثم مضغة حتى إكتماله جنينا ثم وضعه رضيعا ثم تنشئته طفلا وصبيا معالا حتى يكتمل نضجه عائلا، وقد إستند هذا المفهوم إلى كون أن تلك النفقة يكون محلها سلعا وخدمات يستهلكها الإنسان آنيا.

2- مفهوم النفقة الإستثمارية:
وحين تم الربط بين الإنفاق على ما يحصل عليه الإنسان من مدخلات بنيوية فى آجال قصيرة متتالية على مدار عمره ، وبين ما يتم تفريخه من عوائد إقتصادية واجتماعية من هذه النفقة فى الأجل الطويل ، أسفر هذا الربط عن الإنتقال من مفهوم النفقة الإستهلاكية إلى مفهوم النفقة الإستثمارية فى رأس المال البشرى فأضحى المفهوم الأخير أوسع من المفهوم الأول باعتبار أن المفهوم الأول يتعلق بالمدخلات فحسب ،

بينما يأخذ المفهوم الثانى فى إعتباره مبدأ العائد مع ربطه بالسعة ، وأيضا مع الأخذ فى الإعتبار الزمن أو الأجل الطويل اللازم لكى يؤتى الإنفاق الإستهلاكى على بناء الإنسان غلته التى قد تكون ثابتة أو متناقصة أو متزايدة طبقا لكفاءة العملية البنائية للإنسان ، ومدى قدرتها على إكساب الإنسان المهارات والقدرات القيمية من ناحية ، والأدائية المهنية من ناحية أخرى.

3- مفهوم التنمية البشرية:
وهنا إعتبر الفكر التنموى أن هذه الإضفاءات المتتالية إنماهى فى حقيقة الأمر قيم بشرية بعضها مضافا على التوالى ، وبعضها مضافا على التوازى ، وكان ذلك سندا للإنتقال بل إلى بزوغ مفهوم أوسع من المفهومين السابقين ، ألا وهو مفهوم : “التنمية البشرية” حيث يتمدد المفهوم الأخيرليشمل ليس فقط ما ينفق على الانسان فى المجالات المذكورة أو فى المراحل المختلفة لتكوينه وانما ليعطى هذا المفهوم أسلوب وطرائق ما يجرى على الإنسان من عمليات تنمية له فى مختلف أطواره.

4- معلمات التنمية البشرية:
وحين بزغ مفهوم التنمية البشرية فى الأدبيات الحالية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية فقد برزليعبر عن عملية الاستثمار فى بناء الانسان باعتبارها عملية شاملة ومتكاملة ومتواصلة.

فهى عملية شاملة من حيث تغطيتها لكافة مجالات التنشئة والرعاية الصحية والتعليمية والثقافية والتأهيلية والبيئية والسكنية والتغذوية… ألخ.
وهى عملية متكاملة من حيث ضرورة توافر الاتساق والتناسق والموائمة والملائمة والتوافق وعدم التحيز فيما يعطى من جرعات التنشئة بمختلف مناحيها وفى مختلف المراحل العمرية للإنسان وذلك ضمانا لضبط ما يحدث من تفاعل بين تلك الجرعات ، وبعض هذه الجرعات تمثل عاملا أساسيا فى عمليات البناء الانسانى وبعضها تمثل عوامل مساعدة ووجودها يعتبر ضروريا وإن كان غير كافيا لضمان جودة ما نحصل عليه من نتائج فى التنشئة البشرية وباعتبار أن التنشئة ومحصلتها فى شكل قدرات ومهارات وطاقات أدائية إنما تمثل القيمة البشرية المضافة.

وهى عملية متواصلة من حيث ليس فقط باستمرارها عبر مختلف المراحل العمرية للانسان (جنينا كان أم رضيعا ، طفلا كان أم صبيا ، شابا كان أم شيبة) وانما أيضا ضمان ديمومة إستمرارها دون وهن من خلال نظام للتنمية البشرية يحمل فى طياته الآليات الذاتية للاستمرار التنموى ليس فقط من خلال توفير مايلزمه من موارد لتشغيله ولكن أيضا بضمان تبنى القائمين عليه والمستفيدين منه لأهمية تشغيل مثل هذا النظام مدخلات له وعمليات تجرى فيه ومخرجات يفرزها كقيم بشرية مضافة.

5- التنمية البشرية إضفاء لقيم بنيوية مضافة:
ولامرية أن المفاهيم الثلاثة لما ينفق على الانسان فى مختلف مجالات الانفاق وعلى مدى مختلف مراحله العمرية وعلى مدى مختلف مراحله الاقتصادية/الاجتماعية ( معالا كان أم عائلا لنفسه أو لغيره ) انما هى فى حقيقة الامر رؤى ثلاثة لنفس الشئ من حيث أن الرؤية الأولى إنما تتمثل فى أن هذا الانفاق ينفق على سلع وخدمات تستهلك فى الحال ومن هنا كانت النظرة الاستهلاكية العاجلة لهذا الإنفاق.

إلا أن تفريخ وإفراز الآثار البنيوية لهذا الأنفاق التراكمى فى الأجلين المتوسط والطويل من خلال عملية الإنفاق التراكمى إكتسب رؤيته الثانية كاستثمار فى رأس المال البشرى.

وحيث أن السلع والخدمات التى أتاحها هذا الإنفاق إنما تستهلك عادة فى الأجل القصير وتنقضى إلا أن تنمية الإنسان تكوينا وتأهيلا وإعدادا وتصقيع قيمته فى مجتمعه كمورد بشرى من خلال ما يزاد عليه من قيم بشرية مضافة تجعل له موقعا فى سوق العمل والإنتاج إنما تجعل منه فى الأجل الطويل موردا بشريا ذو حيثية إقتصادية واجتماعية لنفسه ولأسرته ولمجتمعه فرضت رؤية الإنسان محل هذا الإنفاق الإستثمارى كمورد بشرى وهى الرؤية الثالثة.

6- التنمية البشرية للتميز البشرى فى مواجهة العولمة:
ولاشك أنه إذا كان مستوى الدخل وعدم تحيز توزيعه لفئة ما كان أحد المؤشرات الرئيسية (ومازال) لقياس مدى التقدم الاقتصادى والاجتماعى للأمم كما أنه وعلى مستوى الفرد كان (وما زال) أحد المعايير الرئيسية لقياس التميز الطبقى ودرجاته فقد أضحى توزيع التميز البشرى (تنشئة وإعدادا وتكوينا وتأهيلا ومعرفة) المؤشر الرئيسى والمعيار الأساسى للحكم على مدى تقدم الأمم والأفراد داخلها.

فبقدر حجم ودرجة تركز التميز البشرى داخل المساحة الديموجرافية لأمة ما تكون القدرة التنافسية للأمم والأفراد كل بين نظيره ، وقد أستجد معيار توزيع التميز البشرى فى ساحة مؤشرات القياس التنموى مع بزوغ الثورات الثلاثة المترافقة : ثورة المعلومات وثورة الاتصالات ، والهندسة الوراثية ، وما ترتب عليها من عولمة الأشياء والأحداث والتحول بالعالم من اقتصاديات الانتقال إلى اقتصاديات الاتصال عن بعد (والتجارة الألكترونية خير مثال فى هذا الصدد) ، ومن هنا برزت الموارد البشرية وأهمية تنميتها والحفاظ عليها فى أدبيات التنمية الحالية وإن كان الظن يرجح أن هذه الرؤية ستستمر إلى أجل غير منظور .

(ثانيا) النظام الصحى والتنمية البشرية:
1- النظام الصحى إطار وسياج وفؤاد التنمية البشرية:
والنظام الصحى بنشاطاته البيئية والوقائية والعلاجية إنما يمثل الأطار والسياج والفؤاد للتنمية البشرية ، فبعديه : البيئى المجتمعى العام والأسرى / السكنى الخاص يمثلان معا الإطار البيئى للموارد البشرية فى أى مجتمع فهما الدائرة العامة والمحل البيئى الذى تدور حوله كافة المقومات البيئية بما تفرزه من مخاطر صحية مهددة أو مواتية للأجهزة التحتية للإنسان.

وما يتوقاه الإنسان بنفسه أو ما يحصل عليه من مجتمعه من وسائل وقاية إنما يمثلان معا السياج الواقى والمحصن من تلك المخاطر البيئية العامة أو الخاصة قبل أن تأتى تلك المخاطر بمفعولها السلبى على صحة الإنسان.

والمكون العلاجى فى النظام الصحى سواء ما استطاع الإنسان أن يوفره بذاته أوما يحصل عليه من مجتمعه والذى تدرجت مفاهيمه من صحة المجتمع إلى صحة الأسرة من خلال التركيز على صحة الأم والطفل فى إطار مفهوم شامل للصحة الإنجابية.

2- النظام الصحى أداة حماية للموارد البشرية وأداة معظمة لعوائد الإستثمار فيها:
والنظام الصحى وآلياته أداة التنمية البشرية فى الحفاظ على رأس المال البشرى وحاميا لقيمته المضافة من التدهور أو التآكل أو انعدام الفاعلية أو انخفاض عوائده إنسانيا واجتماعيا واقتصاديا ، كما أن النظام الصحى ونشاطاته تلعب دورا فعالا وأساسيا فى الحفاظ على ما أستثمر فى الإنسان تعليما وتثقيفا وتدريبا وتنشئة ومعارف استقاها واكتسبها بممارسات حياتية مهنية وفنية وادبية.

وبقدر قوة وسلامة نبض النظام الصحى وآلياته تشغيلا وأداءً وفعالية وفاعلية بقدر ما يستطيع النظام الصحى أن يمعظم العوائد الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية من الاستثمار فى الإنسان تنشئة وإعاشة (غذاء وكساء وملبس وتعليم وتثقيف وتدريب) وذلك من خلال تدخل النظام الصحى لخفض مخاطر إعتلال صحة الإنسان وما يترتب عليها من إضعاف لقدراته الأدائية أو تدنية لسلامة تشكيله وإعداده وهو معالا أو حين تبوئه مكانته الاجتماعية عائلا.

3- قياس كفاءة النظام الصحى:
وأحد معايير قياس كفاءة النظام الصحى هو قدرته على خفض إحتمال إنتقال الإنسان من حالة الإصحاح الكامل إلى حالة التوعك الأولية ثم قدرته على خفض إحتمال الانتقال من حالة التوعك الأولية إلى الحالة المرضية بمختلف مراحلها ثم قدرته على تقليل مدة بقاء الإنسان كحالة مرضية بالإضافة إلى تقليل آثارها الإعتلالية بالحد من مضاعفات الحالة المرضية وتداعياتها المباشرة المتمثلة فى الإنفاق الباهظ لإعادة الفرد لحالة الإصحاح الكامل والغير مباشرة والمتمثلة فيما يتحمله الفرد والأسرة والمجتمع من خسائر مادية واجتماعية لقعوده المؤقت أو الدائم على العمل.

أن قيام نظام صحى كاف وكفء وفعال أضحى أحد مستلزمات العصر الأساسية والضرورية للحفاظ على قدرات التميز البشرى التنافسى المكتسب من القيم البشرية التنموية المضافة للإنسان نتيجة الاستثمار فى رأس المال البشرى إنفاقا على السلع والخدمات اللازمة لتنشئة الفرد وتكوينه وإعداده وتوظيف مداركه وإمكاناته المعرفية التوظيف الأمثل لمعظمة عوائد ذلك لنفسه ولأسرته ولمجتمعه.

(ثالثا) معلمات البيئة المصرية ومدى افرازاتها المرضية :
1- معلمات البيئة المجتمعية العامة:
والبيئة المجتمعية فى مصر العامة منها (خارج المنازل) والخاصة منها (داخل المنازل) تكون فى بعض الأحيان (إن لم يكن فى معظمها) مفرزة للعدوى ومصدرا لمخاطر صحية جمة فالمبيدات المستخدمة فى الزراعة ذات سمية عالية والأتربة المتساقطة والعالقة والمصاحبة ذات تركيزات عالية من الرصاص،

والأنبعاثات فى الهواء بمختلف أنواعها ومن مختلف مصادرها حدث ولا حرج فقد بلغ حجم إنبعاثات ثانى أكسيد الكربون فى عام 1995مامقداره 91.7 مليون طن / مترى مقابل 45.2 مليون طن مترى عام 1980 ليصبح نصيب الفرد 1.6 طن / مترى فى عام 1995 بعد أن كان 1.1 طن / مترى فى عام 1980م( ) وصرف المصانع لمخلفاتها فى النيل وفى المجارى المائية وفى شبكات الصرف الصحى ، كلها عوامل معادية لمقتضيات الإصحاح البيئى.

2- معلمات البيئة المنزلية:
وهناك 11.6 مليون نسمة فى مصر يتخذون من العشوائيات سكنا لهم بكثافة سكانية بلغت 31 ألف نسمة / كم2 وهناك 1.2 مليون أسرة يضمون 8 مليون نسمة يقطنون بالإسكان المشترك تنعدم فيها المراحيض الخاصة والمطبخ المنفصل مضافا إليهم حوالى 2.7 مليون نسمة من ساكنى الغرف المستقلة منهم 82% بلا مرحاض منفصل.

وفى عام 1995 بلغت فرص الحصول على الصرف الصحى فى المناطق الحضرية كنسبة مئوية من سكان الحضر الذين تتوافر لهم هذه الفرص 30% وفى عام 1995 بلغت فرص الحصول على الصرف الصحى كنسبة مئوية من السكان الذين تتوافر لهم هذه الفرص 11% مقابل 70% عام 1980.

وفى عام 1995 بلغت فرص الحصول على المياه المأمونة كنسبة من السكان الذين تتوافر لـهـم هذه الفرص 64% بعد أن كانت 90% عام 1980، حيث بلغت هذه النسبة 82% بالحضر و 50% بالريف.

3- معلمات البيئة القيمية وانعكاساتها على الممارسات الصحية :
والبيئة القيمية من عادات وتقاليد وأنساق إجتماعية وما ينبثق عنها من رؤى وتوجهات لها إنعكاساتها السالبة أو الموجبة على السلوكيات والممارسات المعيشية اليومية ولا سيما الصحية منها ، فالأمية الأبجدية وإن انخفضت نسبتها فى عام 1996 لتكون 38.6% من السكان (الذين فى سن 10 سنوات فأكثر) بعد أن كانت 49.6% بتعداد عام 1986،

إلا أن عـدد الأميين ظل شبه ثابتا بتعداد عام 1996 (17.3 مليون نسمة) كما كان بتعداد 1986 (17.1 مليون نسمة) وذلك بغالبية متفشية بالريف أكثر منه بالحضر وبين الأناث أكثر بكثير من الذكور( )، ولاشك أن هذه الأمية تلعب دورها فى تهميش الوعى أو تغييبه فيما يتعلق بإدراك المخاطر الصحية الناجمة عن ممارسات وسلوكيات غير سوية صحيا.

4- مستويات المعيشة المصرية :
أما عن مستويات الدخول ومدى قدرتها على تلبية الاحتياجات المعيشية الأساسية فيكفى تبيان أنه فى عام1990 – 1991 كان 7.6% من السكان يعيشون على أقل من دولار يوميا وأن 51.9% من السكان يعيشون على أقل من دولارين يوميا، وطبقا لتوزيع إنفاق الأسر فإن 35.9% من أسر الحضر أسرا فقيرة وبالريف فإن 54.5% من أسره تعتبر فقيرة، وطبقا أيضا لتوزيع إنفاق الأسر فإن 0.5% من أسر الحضر فقيرة فقرا مدقعا (دون أن تصل إلى حد المجاعة) بينما تبلغ تلك النسبة بالريف 22.2% من أسره.

(رابعا) الأمراض السائدة التى على نظام التأمين الصحى المصرى أن يواجهها:
وتتضافر عوامل البيئة المجتمعية العامة (خارج المنزل) والمجتمعية الخاصة ( داخل السكن ) ومستوى المعيشة لتنمية كل ما يهدد الصحة العامة للإنسان (جهازا تنفسيا كان أم جهازا هضميا /معويا، جهازا بوليا كان أم جهازا دمويا) ،

حيث تتضافر تلك العوامل مع العوامل القيمية التى يهن من فاعليتها عوامل الأمية وتدنى مستويات المعيشة لتكون المحصلة التأثيرية لكل تلك العوامل معدلات عالية من الإصابة بنمطى الأمراض: المتوطنة (وتمثل المعلمة الصحية الأساسية للدول الآخذة فى النمو) والعصرية المزمنة (وتمثل المعلمة الصحية الأساسية للدول المتقدمة) ، فالنمطين يمثلان معلمتى الأمراض المنتشرة بمصر والتى على النظام المقدم للخدمات الصحية والطبية فى مصرأن يواجهها.

1- مشاكل الصحة العامة:
101- التقزم والنحافة والسمنة:
ففى المسح الشامل على المستوى القومى الذى تم عام 1997 لعينة من النشئ مكونة من 9128 فتى وفتاة فى الفئة العمرية 10-19 عاما بالإضافة إلى آبائهم وأمهاتهم وجد أن 17% ممن فى تلك الفئة العمرية يتسموا بالتقزم الذى ينتشر أكثر بين الطبقات المتدنية أوضاعها الإقتصادية والاجتماعية وبالمناطق الريفية وبمناطق الصعيد.

وإن 9% ممن خضعوا للمسح من تلك الفئة العمرية يعانون من النحافة حيث تبلغ هذه النسبة بين النشئ الذكور 12.5% والإناث 6.3% وتبلغ هذه النسبة 11.5% بالمناطق الريفية مقابل 4.9% بالمناطق الذكور 12.5% والإناث 6.3% وفى صعيد مصر تبلغ نسبة إنتشار النحافة بين النشئ أكثر من أربع مرات قدر نسبة إنتشارها بين النشئ بالمحافظات الحضرية.

وهناك 10% من النشئ معرضون لمخاطر زيادة الوزن عن المعدل المرجعى حيث تبلغ نسبة الذكور المعرضون لمخاطر زيادة الوزن 5.9% والإناث 14.1% ، وأن من يزيد وزنهم فعلا يبلغون 4.2% من النشئ الممسوحين ( 3.3% من الذكور ، 5.1% من الإناث) وللمستوى الاجتماعى والاقتصادى تأثير فى التعرض لخطر زيادة الوزن حيث تتفشى زيادة الوزن أو مخاطر الوقوع فيه،

حيث أن النشئ الذين يزداد وزنهم عن المعدل المرجعى يبلغون بالطبقات الاجتماعية والاقتصادية العالية المستوى ضعف نسبتهم لدى النشئ المنتمون لطبقات إجتماعية واقتصادية متوسطة أو دنيا ، كما أن النشئ بالمحافظات الحضرية يعانون من زيادة الوزن أكثر منهم بمحافظات الدلتا أو الصعيد.

201- الإصابة بالأنيميا:
وباستخدام مستوى الهيموجلوبين بالدم لدى النشئ كمؤشر لقياس الأنيميا ولاسيما الأنيميا الناتجة عن النقص فى الحديـد وجد أن 47% من النشئ مصابون بالأنيميا وتبلغ تلك النسبة 48% بين النشئ الذكور و 46% بين النشئ الإناث إلا أن 85% من إجمالى النشئ الذكور المصاب بالأنيميا و 83% من النشئ الإناث المصاب بالأنيميا إصاباتهم ضعيفة أما الإصابة المتوسطة بالأنيميا فقد وجدت بين 16% من النشئ المصابين بالأنيميا حيث تبلغ 15% بين النشئ الذكور و17% بين النشئ الإناث

بينما أن الأنيميا الشديدة منتشر بين 1% من النشئ المصابين بالأنيميا حيث تبلغ 0.4% بين النشئ الذكور المصابين بالأنيميا و0.4% بين النشئ الإناث المصابين بها، والاختلافات فى الإصابة بالأنيميا بين مختلف الطبقات الاجتماعية والاقتصادية تكاد أن تكون ضعيفة إذ أن 52% من النشئ فى الطبقات المتدنية اقتصاديا واجتماعيا مصابة بالأنيميا بينما أن الإصابة بالأنيميا تبلغ 43 % بين النشئ المنتمين لطبقات ذات مستويات إجتماعية واقتصادية عالية.

وإذا كان تناول الأغذية الفقيرة فى الحديد هى السبب فى إنتشار الأنيميا بين النشئ بالطبقات الاجتماعية والاقتصادية الدنيا فإن العادات الغذائية هى السبب فى انتشار الأنيميا بين النشئ المقيمين بالمناطق الريفية مقارنة بالنشئ المقيمين بالمناطق الحضرية ، كما أن معدل انتشار الأنيميا بالصعيد أعلى منه بمحافظات الدلتا والمحافظات الحضرية.

2- الأمراض المتوطنة (الطفيليات):
أما الإصابة بالطفيليات Parasitic Infections فتمثل أهم مشاكل الصحة العامة حيث أن الافتقار إلى وسائل الإصحاح البيئى المنزلى كنقص خدمات الصرف الصحى بالمنزل ونقص المياه النقية وفقر الثقافة الصحية كل ذلك عوامل مؤدية لإنتشار الإصابة بالطفيليات ولاسيما داخل الجسم والتى تؤدى بدورها إلى الإصابة بمختلف أشكال سوء التغذية وما يتبعها من وهزال وأنيميا ونقص فى فيتامين A مما يؤدى بالتبعية إلى انخفاض فى الإنتاجية وفقر فى التحصيل المدرسى والثقافى لدى النشئ،

ويبلغ معدل إنتشار الإصابة بالطفيليات حوالى 56% بين النشئ الممسوحين صحيا ، وتبلغ نسبة الإصابة بالطفيليات المعوية 44.5% ، وفيما عدا البلهارسيا ( والتى يصاب بها الإنسان لإتصاله بماء الترع والقنوات الملوث) فإن كافة الإصابات بالطفيليات المعوية إنما مصدرها الطعام الملوث المرتبط بالسلوكيات والمستويات المتدنية للإصحاح البيئى ، وبطبيعة الحال تزداد الإصابة بالأمراض الطفيلية بين النشئ بالمناطق الريفية عنها بالمناطق الحضرية ، ومن بين النشئ المصابين بالأمراض الطفيلية فإن 34% منهم مصابين بطفيل واحد وأن 10% منهم مصابين بطفيلين.

كما أن مستوى الهيموجلوبين لدى 47% من النشئ المصابين بالطفيليات أدنى من المستوى اللازم للوقاية من الأنيميا.

وقد وجد أن 46% من النشئ الذكور القاطنين بالمناطق الحضرية مصابين على الأقل بمرض طفيلى واحد ، وأن 60% من النشئ الذكور القاطنين بالمناطق الريفية مصابين على الأقل بمرض طفيلى واحد ، كما وجد أن الإصابة بالأمراض الطفيلية أكثر إنتشارا بالوجهين القبلى والبحرى عنها بالمحافظات الحضرية (59.4% ، 57.8% ، 40.5% على الترتيب).

كما أن إنتشار الإصابة بالطفيليات لدى النشئ بالطبقات ذوات المستويات الإجتماعية والاقتصادية الدنيا والمتوسطة أعلى منها لدى هؤلاء النشئ بالطبقات ذوات المستويات الاجتماعية والاقتصادية العليا (58.3% ، 60% ، 50.3% على الترتيب).
كما وجد أرتباط بين أماكن إعداد الطعام والإصابة بالطفيليات ، فقد وجد أن النشئ الذين تعيش أسرهم بدون مطبخ معرضين أكثر للإصابة بالطفيليات من هؤلاء الذين لدى أسرهم مطابخ (60.1% مقابل 54.4% ).

كما وجد أن النشئ الذين ليس لأسرهم وصال مع مصدر عام للمياه عرضة للإصابة بالطفيليات أكثر من هؤلاء الذين لأسرهم مصدر عام للمياه (61% مقابل 53.9%) وكذلك فإن النشئ الذين لا صلة لهم بنظام صرف صحى مهددين بالإصابة بالطفيليات وبمعدلات أعلى من هؤلاء الذين لهم صلة بنظام صرف صحى (60.2% مقابل 49.7%).

3- الأمراض المزمنة (أمراض الجهاز التنفسى والقلب):
والإصابة بالتهابات الجهاز التنفسى والتهاب الميكروب السبحى تؤدى إلى الحمى الروماتيزمية التى تصيب الطفل من سن الرابعة وحتى سن العشرين من عمره فتسبب أمراض القلب لدى الأطفال ليستمر معهم المرض طوال حياتهم حيث أصبحت مصر تضم نصف مليون طفل مصابين بأمراض القلب ، لتصل معدلات الإصابة بهذا النوع من الأمراض إلى 26% من السكان ، أى أن هناك 10 مليون مصرى مريض بالقلب.

وهناك أمراض الجهاز التنفسى حيث أن حوالى 30% من وفيات الأطفال تكون بسبب أمراض الجهاز التنفسى ، كما أن معدل الوفيات بين الأطفال بسبب أمراض الجهاز التنفسى
وصل الآن إلى 8 أطفال لكل ألف ، بعد أن كان 13 طفلا لكل ألف فى عام 1986م.

كما أن نسبة المصابين بالإلتهابات الرئوية وصلت إلى 10% عام 1998 بعد أن كانت 13% عام1993م.

(خامسا) مقومات النظام الصحى الحالى فى مصر:
ومن ثم يتضح أننا فى مصر نعانى من نمطين من الأمراض أولهما ما تلقيه الظروف البيئية المجتمعية العامة والظروف السكنية الخاصة ومستوى المعيشة من أنواع من الأمراض التى تسمى بالأمراض المتوطنة وهو نمط الأمراض الذى تعانى منه معظم البلاد الآخذة فى النمو بالإضافة إلى النمط الثانى من الأمراض المزمنة الذى تعانى منه الدول الصناعية المتقدمة كأمراض الدم والقلب….ألخ.

ويقوم النظام الصحى فى مصر بمواجهة هذه المخاطر المرضية بما لديه من موارد مؤسسية بشرية ومالية وعينية وأجهزة ومعدات، فمؤسسيا ، هناك وزارة الصحة والسكان بما تقوم به من أنشطة وقائية فى مجال إصحاح البيئة ، وفى مجال التطعيمات ( الذى يشمل حاليا التطعيم ضد ثمانية أمراض : الدرن – شلل الأطفال – التيتانوس – السعال الديكى – الحصبة – الديفتريا – إلتهاب الكبد الوبائى – وأدخل مؤخرا طعم M.M.R. لمكافحة الحصبة الألمانى والحصبة العادية والغدة النكفية ، والمطلوب ضم طعم جديد إسمه ” هيموفلاس إنفلونزا بى “ المضاد لأمراض الجهاز التنفسى لمكافحة الحمى الروماتيزمية ،

وبالتالى أمراض القلب )، بالإضافة إلى الخدمات العلاجية التى تقدمها الوزارة من خلال الوحدات الصحية الريفية والوحدات المجمعة والمراكز الصحية الحضرية والمستشفيات العامة والمركزية ، حيث تمتلك الوزارة حوالى 57.8% من إجمالى الأسرة المتاحة بمصر عام 1996 ( 119463 سريرا)، وهناك أيضا المستشفيات الخاصة بالمؤسسات العلاجية لمحافظتى القاهرة والأسكندرية التى تمتلك 4% من إجمالى عدد الأسرة المتاحة فى نفس العام ، والمستشفيات الخاصة بهيئة المستشفيات التعليمية التى تمتلك 3.1% وهناك الهيئة العامة للتأمين الصحى بمستشفياتها وعياداتها التى تمتلك 5% من إجمالى عدد الأسرة المتاحة فى نفس العام وهناك المستشفيات الجامعية وعياداتها (تابعة لوزارة التعليم العالى) التى تمتلك 16.4% من إجمالى الأسرة المتاحة فى نفس العام ، وفى النهاية ، هناك القطاع الخاص الطبى الذى يمتلك 10.6% من إجمالى الأسرة المتاحة لمن يستطيع أن يدفع.

وفيما عدا مستشفيات التأمين الصحى وما تؤديه من خدمات علاجية فقط للعاملين بالحكومة ولأرباب المعاشات فإن كافة وحدات ومستشفيات وزارة الصحة والمؤسسات العلاجية وهيئة المستشفيات التعليمية والمستشفيات الجامعية كلها متاحة لكافة طالبيها وان كان يثور بشأنها العديد من علامات الاستفهام حول قدرتها على اعطاء خدمة صحية مجانية أو خدمة صحية يطمئن إلى جودتها طبقا للمعايير الدولية في هذا الصدد وهناك مظلة التأمين الصحى على التلاميذ التى أنشأت بمقتضى القانون رقم 99/1992 وتغطى خدماتها أكثر من 12 مليون تلميذا حيث يشرف على إدارة أداء هذه الخدمات قسم خاص بذلك بالهيئة العامة للتأمين الصحى.

وهناك بعض الجهات الحكومية التى تقدم الخدمة لعامليها من خلال مؤسسات طبية خاصة بها ، فهناك مستشفيات الشرطة ومستشفيات السجون التابعة للإدارة العامة للخدمات الطبية بوزارة الداخلية، وهناك مستشفى الكهرباء التابعة لوزارة الكهرباء، وهناك أيضا مستشفى السكك الحديدية ومجموع ما تمتلكه هذه الجهات 3% من إجمالى الأسرة المتاحة فى عام 1996م.

(سادسا) مقترح بآلية جديدة لنظام تأمين صحى مصرى:
1- الآلية الصحية الجديدة ضرورة للأمن القومى البشرى:
ومن ثم فإن تواجد نظام صحى ذو شأن وحيثية تنموية إنما هو فى واقع الأمر والحال بمثابة وثيقة التأمين القومية للحفاظ على ما تملكه مصر من بشر ، وبقدر متانة تصميم هذا النظام : مكونات وعناصر وآليات ومدخلات ومخرجات بقدر ما استطاعت مصر أن تحافظ على إنسانها وان تضمن إستمرار أدائه وعطائه ومن ثم فلم تعد الحاجة إلى إعادة النظر فيما هو قائم من نظام صحى ضرورة تفرضها مقتضيات مكافحة الأمراض حفاظا على الأمن والسكينة (وهما الركنين الأساسيين لمفهوم المصلحة العامة)

وإنما أضحى إعادة النظرفى هذا النظام بإعادة صياغته إستراتيجيا وأهداف ورؤى وأدوات وآليات ضرورة من ضرورات الأمن البشرى القومى المصرى فى عالم يسوده مفهوم التميز النسبى فى كل شئ وأولها الموارد البشرية وما إكتسبته إعدادا وتكوينا وتأهيلا بالتنشئة والتعليم والثقافة والرعاية بكافة أنواعها الأسرية منها والمجتمعية وما أستثمر فى ذلك من أموال وما إنقضى فى ذلك من أزمان ليست بالهينة ولم تكن وقع أحداثها إطلاقا باللينة.

وقد آن الأوان لإعادة تصميم نظام للخدمات الصحية يضم طرفيها الرئيسيين أى ليس فقط مقدمى الخدمة المتعددة مؤسسيا ولكن أيضا طالبى الخدمة متعددى الحاجات الصحية والطبية من حيث إختلافهم بيئيا وعمريا ونوعيا ومهنيا واجتماعيا.

2- طرائق إدارة نظام التأمين الصحى الحالي فى حاجة إلى إعادة نظر:
فالثابت حقا وعى المسئولين صحيا على مستوى إتخاذ القرار بالإستراتيجيات الواجب تبنيها من سياسات وأهداف وأدوات تحقيقها ، إلا أن طرق وأساليب وتقنيات إدارة النظام الصحى هو الذى فى حاجة إلى إعادة نظر دراسة وتحليلا وتقويما ، ثم تخطيطا وتنفيذا ومتابعة ، وذلك بدءا من المستوى المركزى إلى مستوى المحافظات حتى مستوى الوحدة (مستشفى كانت أم وحدات صحية ريفية كانت أم حضرية).

3- الوحدة الصحية وحدة إنتاجية تخضع لمعايير الجودة:
فقد آن الآوان لاعتبار الوحدة الصحية آيا كان نوعها بمثابة وحدة إنتاجية تخضع لمعايير الجودة فى أدائها لخدماتها الصحية بصفة عامة والطبية بصفة خاصة تزود كل منها بإدارة متمرسة ومزودة بكافة المهارات الإدارية اللازمة لتشغيل وتسيير أمورها على أسس إقتصادية وفنية رشيدة من ناحية تقديم الخدمة الصحية طبقا للمواصفات الدولية المتعارف عليها مهنيا وفنيا مقابل حصولها على الأجر العادل نظير تقديم خدمة صحية بالمستوى المنشود بثمن يضمن للموارد البشرية العاملة بالوحدة ان تحصل على أجرها نظير ما تؤديه من عمل

بحيث يكون هذا الأجر هو حافزها على تأدية واجباتها الوظيفية والمهنية طبقا للمعايير الفنية المأخوذ بها وبحيث يضمن هذا الثمن أيضا إستعاضة كافة عناصر التكاليف الفعلية الثابتة والمتغيرة من مواد ومهمات وعدد وآلات ومعدات وتجهيزات طبية أو غير طبية مما يلزم لتشغيل تلك الوحدات ، على أن يتضمن الثمن أيضا هامش من الفائض يضمن إمكانية تكوين إحتياطيات ومخصصات مالية للوحدة الصحية بحيث يمكنها من مواجهة عمليات الصيانة والإحلال والتجديد لكافة عناصر الإنتاج بالوحدة الصحية البشرية منها والعينية وبما يضمن لكل وحدة صحية أمر تسيير أمورها المالية ذاتيا من خلال قوائم مالية تعد طبقا للمعايير الدولية الصحية للمحاسبة والمراجعة ، وبحيث تحصل الوحدة الصحية آيا كان نوعها على الثمن العادل مقابل الخدمة الطبية التى تؤديها.

4- الوحدة الصحية شخصية إعتبارية مستقلة:
ولتحقيق ذلك ، فإن الأمر يقتضى إعتبار كل وحدة صحية بمثابة شخصية إعتبارية مستقلة قائمة بذاتها تدار طبقا للأسس الدولية المتعارف عليها فى الإدارة من حيث تشكيل مجلس إدارة يتم إختياره من خلال جمعية عمومية والتى تراقب أعمال المجلس ماليا وفنيا من خلال مراقب مالى خارجى ومراقب طبى خارجى ، حيث يكون الأول مسئولا عن متابعة سلامة الأداء المالى للوحدة ، ويكون الثانى مسئولا عن سلامة الأداء الطبى الفنى طبقا للمعايير الدولية الطبية ويختار مجلس الإدارة عضوا منتدبا لتسيير الأمور اليومية للوحدة الصحية .

5- تسعير الخدمة الطبية ضرورة أيا كان مقدمها:
ويقتضى الأمر أيضا تسعير الخدمة الصحية والطبية آيا كان مقدمها طبيبا فردا فى عيادته الخاصة أو وحدة صحية آيا كان مستوى ونوعية الخدمة التى تقدمها حيث أن الخدمة الصحية أوالطبية عبارة عن منتج واجب تسعيره ،

وكذلك تسعير كل مستوى من مستويات الموارد البشرية الصحية والطبية بدءا من الإستشارى مرورا بالأخصائى حتى الممارس العام وكذلك تسعير أجر كل نوع من أنواع العمالة الطبية الفنية المساعدة سواء أكان ممرضة / ممرضا أو فنى آشعة أو فنى معامل ، وكذلك الأمر بالنسبة للصيادلة ، وذلك سواء أكانت تلك العمالة تعمل لحسابها أو تعمل بوحدة صحية بحيث يمثل هذا السعر الأجر العادل الذى يجب أن يحصل عليه المورد البشرى.

6- صندوق قومى للتأمين الصحى:
وتأتى هنا مشكلة التمويل والتى تتمثل فيمن يدفع ثمن الخدمة الطبية هل يجب على من يحصل على الخدمة أن يدفع الثمن بالكامل ، بالطبع فإن الأمر يحتاج إلى نوع من التأمين الصحى والطبى ولكن ليس بالشكل الذى تمارسه الآن الهيئة العامة للتأمين الصحى ولكن يحتاج الأمر إلى إعداد وثيقة تأمين صحى قومية يمكن أن تتمثل فى صندوق يطلق عليه الصندوق القومى للتأمين الصحى.

وهذا الصندوق لا يجب أن يكون (كما هو الحال الآن بالنسبة للهيئة العامة للتأمين الصحى) مالكا لمستشفيات أو لوحدات صحية أيا كان نوعها كما لايكون مسئولا عن إدارة وحدات من هذا القبيل ، وإنما تكون مهمة هذا الصندوق هو تجميع الموارد التمويلية من مختلف مصادرها سواء أكانت إشتراكات تأمينية من القادرين عليها ولاسيما العاملين منهم أو موارد مالية يمكن للصندوق الحصول عليها من مصادر أخرى (كالهبات والزكاة وحصص أرباب الأعمال…ألخ) وبحيث تنحصر مهمة صندوق التأمين الصحى فى استخدامه لأمواله بعد تدبيرها .

7- آلية عمل الصندوق القومى للتأمين الصحى:
وتتمثل آلية العمل لهذا الصندوق أن يقوم طالب الخدمة الصحية والطبية بدفع قيمة ما يحصل عليه من خدمة بالكامل ويستعيض من الصندوق المذكور ، النسبة المقرر ردها من قيمة ما يدفعه طالب الخدمة لدى حصوله عليها وبحيث يتم تحديد تلك النسب فى شكل شرائح رد لطالبى الخدمة يتم إقرارها بعد دراسة إكتوارية متأنية للأمر ضمن نظام متكامل لصندوق الضمان الأجتماعى يكون صندوق التأمين الصحى أحدمكوناته كتأمين ضد المخاطر الصحية.

ومن ثم يكون دور صندوق التأمين الصحى هو فقط إدارة أموال وثيقة التأمين الصحى القومية ( كمكون أساسى ضمن نظام متكامل للضمان الإجتماعى ) ، سواء أكانت تلك الأموال موارد أو سواء كانت إستخدامات لتلك الأموال فى تمويل قيمة الخدمات الصحية والطبية المقدمة من الوحدات الصحية أو الأفراد قطاعا خاصا كانوا أم قطاع أعمال صحى ، ولا يكون الصندوق المذكور مسئولا عن إدارة أى وحدة صحية.

8- من يدفع ثمن الخدمة الصحية الباهظة التكاليف لغير المشتركين أو لغير القادرين؟:
والتساؤل الذى قد يثور يتعلق بمن يدفع ثمن الخدمة الصحية والطبية من طالبيها من غير القادرين على الأشتراك فى صندوق التأمين الصحى المقترح ، وهم بالطبع فئة من غير القادرين على دفع قيمة ما يحصلون عليه من خدمة طبية ؟ والإجابة تتلخص فى ضرورة البحث عن مصادر تمويل لقيمة ما يحصل عليه هؤلاء من خدمات طبية سواء تمثلت تلك المصادر فى هبات أو تبرعات أو أموال زكاة يمكن أن تساهم فى دعم صندوق التأمين الصحى لتغطية الأعباء الناجمة عن تقديم خدمات صحية وطبية لهؤلاء بمستوى من الجودة تماثل تماما الخدمة المقدمة للقادرين على الإشتراك فى النظام المقترح للتأمين الصحى.

9- مزايا التصميم المقترح لنظام التأمين الصحى المصرى الجديد :
ولاشك أن نظاما صحيا بهذا التصميم سيحقق العديد من المزايا التى يمكن أن نلخصها فى توفير الخدمة الصحية والطبية لطالبيها طبقا للمعايير الدولية فى هذا الشأن وعلى أن تقدم وفقا لهذه المعايير لكافة طالبيها سواء أكانوا قادرين أم غير قادرين على سداد الاشتراكات، إذ طالما ستحصل كافة عناصر إنتاج الخدمة الصحية والطبية لدى مقدميها على أجرها العادل وبالكامل من صندوق التأمين الصحى فليس لمقدم الخدمة الحق فى التمييز فى مستوى الخدمة التى يقدمها طالما يحصل على الثمن العادل للخدمة التى يقدمها ،

أى عليه أن يقدم الخدمة لطالبيها بالمستوى الفنى الرفيع دونما النظر إلى القدرة المالية أو إنعدامها لدى طالب الخدمة إذ سيتولى صندوق التأمين الصحى سداد قيمة الخدمة لمقدميها كما أن طالبى الخدمة الصحية والطبية سيحصلون عليها بنفس مستوى الجودة بصرف النظر عن قدراتهم المالية أو انتماءاتهم الاجتماعية والاقتصادية ، إذ سيتم تفتيت وتوزيع أعباء ونفقات المخاطر الصحية والطبية على عدد كبير من المشتركين ، وبحسابات إكتوارية دقيقة بما يضمن للجميع (قادرا وغير قادر) مستوى خدمة موحدة الجودة.

كما أن هذه الآلية المقترحة ستوفر للوحدات الصحية والطبية إمكانية التمويل الذاتى والأداء المستمر للخدمة الصحية والطبية إذ ستحصل من صندوق التأمين الصحى على قيمة كل ما تقدمه من خدمات طبية دون أن يثقل كاهلها بالبحث عن مصادر لتمويل نشاطاتها وبحيث يتوفر لها قدرات الإدارة الذاتية طبقا للمعايير الاقتصادية والمحاسبية والفنية المتعارف عليها ، كما أن التسعير العادل للخدمة الصحية والطبية المؤداة ، والتسعير العادل لخدمات مواردها البشرية يقضى على التمييز والمغالاة بين أسعار الخدمات الطبية بالقطاع الحكومى والقطاع الخاص وهو التمييز الغالب على السطح حاليا.

كما أن هذه الآلية المقترحة ستخلص وزارة الصحة من أعباء إدارة المستشفيات العامة والمركزية والتى وصلت إلى حد الاهتمام بنقل طبيب ناشئ من محافظة لأخرى ومن وحدة صحية لأخرى ، حيث سيترك إدارة كل وحدة كما سبق التنويه إلى إدارتها كما أن هذه الآلية المقترحة ستحد إن لم تنهى التعدد المؤسسى المشرف على العملية الصحية والطبية حاليا من مؤسسات علاجية وهيئة تأمين صحى وهيئة مستشفيات تعليمية ومستشفيات جامعية ولاشك أن ذلك كله إنما يمثل ترشيدا فى عملية تخصيص الموارد ،

وترشيدا لاستخدامها وقضاءا على ما يعانيه النظام الصحى من إختلالات هيكلية فى الآليات الصحية والطبية أدارة وتسييرا ، وفى الموارد تخصيصا واستخداما ، وفى الأموال تدبيرا وإنفاقا ، وفى الخدمة المقدمة جودة ونوعية، وفى الأسعار واقعية واعتدالا ، وفى الرؤية الاجتماعية لفئات السكان تمييزا أو تحيزا لا مبرر لـه بل وقضاءا على الترهل والانفصام المؤسسى الذى يمكن أن يجد ضالته فى تلك الآلية الصحية والطبية المقترحة التى سيؤدى تبنى الفكرة والأخذ بها وتصميمها وتطبيقها فى واقع الحال إلى الإرتقاء بمستوى الرعاية الصحية فى مصرنا الحبيبة.