التأمينات الاجتماعية دراسة تطبيقية على المملكة العربية السعودية
إعــــداد
أ.د/ محمد بن أحمد بن صالح الصالح
الأستاذ بكلية الشريعة بالرياض وعضو المجلس العلمي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
فى الفترة من 13-15 أكتوبر 2002م
المحور الأول
مفهوم التأمينات الاجتماعية ودورها
فى مواجهة المخاطر الاجتماعية المستقبلية
أولاً: المفهوم:
يمكن تعريف التأمينات الاجتماعية بالنظر إلى اعتبارات ثلاثة هى:
الأول: الهدف العام الذى تسعى التأمينات الاجتماعية إلى تحقيقه.
الثانى: الوسائل والسياسات المتبعة لمواجهة المخاطر الاجتماعية.
الثالث: الأهداف الخاصة المبتغاة والوسائل المتبعة معاً.
وعلى ذلك :
* يمكن تعريف التأمينات الاجتماعية وفقاً للاعتبار الأول بأنها:
«تأمين ذو صبغة إجبارية يتقرر حماية للعاملين حال حياتهم من مخاطر إصابات العمل والمرض والبطالة، وحماية لمستقبل ذويهم من مخاطر وفاة عائلهم».
ووفقاً لهذا التعريف فإن حقيقة التأمين الاجتماعى لا تعدو أن تكون نظاماً شبه تعاونى للتخفيف من حدة المخاطر الاجتماعية فى ظروف معينة، غير أنه يبتعد كثيراً عن أن يكون نظاماً للمساعدات الاجتماعية أو للضمان الاجتماعي، وسوف تأتي معايير التفرقة بينهما.
* كما يمكن تعريف التأمينات الاجتماعية وفقاً للاعتبار الثانى بأنها:
«مجموعة الوسائل والسياسات المالية الوقائية والعلاجية المقررة نظامياً لحماية العاملين من المخاطر الاجتماعية، وتأمين مستقبلهم ومستقبل ذويهم الاقتصادي».
وواضح أن هذا التعريف يربط بين التأمينات الاجتماعية والوسائل العلاجية والوقائية لحماية الأفراد من المخاطر، مما يجعله تعريفاً واسعاً لدرجة إمكانية إدخال إقامة المستشفيات وحماية البيئة من التلوث وغيرها من السياسات العلاجية والوقائية، فى إطار شمولى ضمن نظام التأمينات الاجتماعية، وهو اتجاه غير واقعى وغير منطقى.
* كما يمكن تعريف التأمينات الاجتماعية وفقاً للاعتبار الثالث بأنها:
«نظام خاص بحماية العاملين حال تعرضهم لأحد المخاطر الاجتماعية التى يوليها اهتماماً خاصاً باستخدام مجموعة من الحلول والأساليب الفنية الخاصة بهذا النظام”.
والحقيقة أن اختلاف المعايير والمفاهيم والتعريفات التى قيلت فى شأن التأمينات الاجتماعية، يعد من وجهة نظرنا ظاهرة صحية لإلقاء المزيد من الضوء على نظام اجتماعى حديث النشأة نسبياً ويقع على درجة عالية من الأهمية بين سائر النظم الاجتماعية الأخرى.
غير أن نظام التأمينات الاجتماعية، وإن كان أحد النظم الاجتماعية السائدة والمطبقة فى غالبية دول العالم، إلا أنه نظام ذو طبيعة خاصة، وسمات مميزة عن غيره.
إنه نظام يضيق ويتسع متأثراً بخصوصيات كل دولة وطبيعة سياستها الاجتماعية، وحدود مقدرتها المالية، باعتباره نظام أعباء وتكاليف. وبناء على ذلك سوف نولى اهتمامنا الآن بإبراز طبيعة وسمات نظام التأمينات الاجتماعية السعودي.
ثانياً: السمات العامة لنظام التأمينات الاجتماعية السعودي:
تشتق تلك السمات من قرار مجلس الوزراء السعودي رقم 199، المؤرخ فى 17/8/1421هـ، ونوجزها فيما يلى:
1- الصفة الإلزامية:
فالتأمينات الاجتماعية بموجب نص المادة السابعة من النظام السعودي إلزامية أو إجبارية، بمعنى أنه لا يتوقف الخضوع للتأمينات الاجتماعية ولا الاستفادة منها، على موافقة أو إرادة أصحاب العمل أو العمال، بل يتوقف ذلك على قواعد النظام نفسه، وتطبيقاً لذلك فإنه إذا تراخى صاحب العمل فى تسجيل عماله لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، أو تراخى فى دفع قيمة أو حصة الاشتراك عنهم، فإن ذلك لا يحول بينهم وبين اقتضاء حقوقهم التى قررها النظام من المؤسسة، وللأخيرة الرجوع على صاحب العمل بمستحقاتها وفرض الغرامات اللازمة والرادعة له، وذلك بعد ما يثبت – بصفة نهائية – حق العامل وتراخى صاحب العمل.
2- الإشراف الكامل والمباشر للدولة على تطبيق النظام:
وذلك عن طريق المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والتى تتمتع بموجب أحكام المادة التاسعة من النظام بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإدارى والمالى، وهى مضمونة من الدولة وتخضع لإشرافها.
3- إسهام الدولة بحصة فى تمويل التأمينات الاجتماعية:
على الرغم من أن تمويل التأمينات الاجتماعية يأتى فى الأصل من اشتراكات العمال وأصحاب الأعمال إلا أن الفقرة الثالثة من المادة السابعة عشرة من نظام التأمينات الاجتماعية السعودي تتيح للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عند الحاجة حق الحصول على إعانة تتقرر لها فى الميزانية العامة للدولة، كما تلتزم الدولة بموجب الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة والعشرين من النظام بسد أى عجز اكتواري تظهره الدراسات بواسطة إعانة ترصد له فى الميزانية العامة للدولة.
4- وأخيراً فإن قواعد نظام التأمينات الاجتماعية السعودى قواعد آمرة ذات طابع حمائى لكل من الطبقة العاملة والنظامين الاجتماعي والاقتصادي للدولة، وبناء على الصفة الآمرة لقواعد هذا النظام فإنه لا يجوز الاتفاق بين أصحاب الأعمال والعمال على مخالفتها، ويقع باطلا كل اتفاق على مخالفتها، ولو كان ذلك فى مصلحة العامل.
وتطبيقاً لذلك قرر النظام عدداً من الجزاءات التى تفرض على صاحب العمل الذى لا يتقيد بأحكام النظام أو لائحته التنفيذية.
ثالثاً: أبرز وجوه التفرقة بين التأمينات الاجتماعية والضمان الاجتماعي:
إن ما يتميز به نظام التأمينات الاجتماعية من سمات وخصائص ذاتية تجعله يختلف تماماً عن أية مساعدات اجتماعية تأخذ شكل الضمان الاجتماعي النافذ فى المملكة العربية السعودية، وتبرز هذه الاختلافات فيما يلى:
1- يمكن أن يستفيد من إعانات الضمان الاجتماعى كل محتاج بصرف النظر عما إذا كان عاملاً أو موظفاً مدنياً أو عسكرياً، فالحاجة التى يثبتها البحث الاجتماعي عنه هى معيار استحقاقه لمساعدة الضمان الاجتماعي، أما التأمينات الاجتماعية فلا يستفيد منها إلا من يقع عليه أحد المخاطر الاجتماعية الواردة بالنظام، بصرف النظر عما إذا كان محتاجاً أو غير محتاج، طالما كان أحد المستفيدين نظامياً.
2- تتحدد قيمة مساعدات الضمان الاجتماعى وفقاً لموارد الدولة المتاحة ومقدار الحاجة التى يثبتها البحث الاجتماعى وهى غالباً ما تكون مساعدات رمزية، وذلك خلافاً لتعويضات ومعاشات التأمينات الاجتماعية فإنها تتحدد بأمرين هما: أجر العامل قبل تعرضه للخطر، ومدة اشتراكه فى التأمين.
3– وأخيراً فإن مساعدات الضمان الاجتماعي تنظمها الدولة من موارد الزكاة وغيرها.
وعلى وجه التحديد فإن موارد الضمان الاجتماعي هى التالية:
أ- كل ما يجىء من الزكاة.
ب- الأموال التى تخصص من الخزانة العامة.
جـ- التبرعات والهبات.
د- الدخول الناتجة عن سائر الأموال الواقعة تحت إدارة المؤسسة( ).
أما تعويضات ومعاشات التأمينات الاجتماعية، فإنها تموّل أساساً من الاشتراكات أو الحصص التى يدفعها كل من العامل ورب العمل إلى المؤسسة أو الهيئة المختصة، مع بعض الإعانات التى تقدمها الدولة فى حالة نقص موارد المؤسسة أو الهيئة المختصة عن تغطية استحقاقات المستحقين للتعويضات والمعاشات التأمينية.
رابعاً: المخاطر الاجتماعية التى تغطيها تعويضات ومعاشات التأمينات الاجتماعية:
أوردت الاتفاقية رقم (102) الصادرة عن منظمة العمل الدولية عدداً من المخاطر الاجتماعية التى ينبغى أن يغطيها نظام التأمينات الاجتماعية، مع السماح لكل دولة منضمة إليها وفقاً لظروفها بتغطية ثلاثة منها على الأقل.
وقد تناول النظام السعودى فى مادته السابعة والعشرين وما بعدها المخاطر التى تغطيها التأمينات الاجتماعية مقسماً إياها إلى طائفتين:
الأولى: وقد أطلق عليها الأخطار المهنية، وقد حدد منها اثنين على سبيل الحصر هما: إصابات العمل، والأمراض المهنية.
والثانية: وقد أطلق عليها التأمين ضد الشيخوخة والعجز والوفاة.
وفيما يلى تعريف موجز بالمخاطر الخمسة المشار إليها:
1- إصابات العمل:
وفقاً للنظام السعودى فإنه تعتبر إصابة عمل كل من الإصابات التالية:
أ- الإصابة التى تحدث بتأثير العمل أو من جراء ممارسته أى الناتجة عن حادث عمل.
ب- الإصابة الناتجة عن حادث طريق أثناء الذهاب إلى العمل أو العودة منه.
جـ- الإصابة الناتجة أثناء تنقلات المؤمن عليه التى يقوم بها بناء على تعليمات صاحب العمل.
د- الإصابة الناتجة أثناء سفر العامل المدفوعة تكاليفه من قبل صاحب العمل، أيا كانت وسيلة السفر، وأيا كان مكان وقوع الإصابة.
مع ملاحظة أن النظام السعودى وضع عدداً من الشروط فى كل إصابة، ورتب على وجودها أو انعدامها مستحقات تأمينية معينة، ونرى أن تناول هذه الشروط وما رتبه النظام عليها من مستحقات تأمينية قد يخرج بنا عن نطاق البحث.
2- الأمراض المهنية:
وهى كل مرض لا يصاب به عادة إلا الأشخاص الذين يعملون فى مهنة معينة، إذا كان المؤمن عليه ممن يعملون فى هذه المهنة وقت الإصابة، وقد حدد نظام التأمينات الاجتماعية السعودى الأمراض المهنية بطريقة الجدول المفتوح، بمعنى أنه حدد اسم المرض المهني فى جانب من الجدول وفى الجانب الآخر حدد الأعمال المسببة لهذا المرض، ثم ترك تعديل هذا الجدول لقرار يصدر من مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المسؤول. وعلى ذلك فإنه بمجرد إصابة العامل بمرض من الأمراض الواردة بالجدول أثناء ممارسته مهنة أو عملاً من الأعمال المسببة لهذا المرض وفقاً للجدول فإن مرضه هذا يعتبر مرضاً مهنياً.
وقد وضع النظام عدداً من الشروط اللازم توافرها لاعتبار مرض العامل مهنياً، وهى خارجة عن نطاق بحثنا. وعليه:
فإنه إذا تحقق أحد الأخطار التى يغطيها فرع الأخطار المهنية، كأن يصاب العامل المؤمن عليه بإصابة عمل أو بمرض مهنى، فإنه يستفيد من التعويضات المنصوص عليها فى النظام وفى لوائحة التنفيذية، وتتنوع هذه التعويضات فى النظام السعودى إلى نوعين هما:
أ- التعويضات العينية وتتمثل فى العلاج والعناية الطبية.
ب- التعويضات النقدية (الحقوق المالية) وتختلف هذه الحقوق بحسب الأثر المترتب على الإصابة، وما إذا كان عجزاً مؤقتاً أو دائماً أو وفاة، وفى إشارة سريعة إلى هذه الحقوق دون الخوض فى تفصيلاتها فإنه إذا أدت إصابة العامل إلى استحالة ممارسته لعمله وتعرضه لانقطاع أجره فإن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تلتزم نظامياً بتعويضه عن أجره خلال فترة انقطاعه عن العمل، ويمكن أن يدفع هذا التعويض فى صورة بدل يومى أو أسبوعى وفقاً لقواعد محددة.
فإذا ترتب على الإصابة عجز دائم – كلى أو جزئى – فإن المؤسسة تلتزم نظاماً – باختلاف الأحوال – إما بدفع تعويض مقطوع لمرة واحدة أو بدفع معاش دائم للعامل.
أما إذا ترتب على الإصابة موت المؤمن عليه فإن المؤسسة تلتزم نظاماً أمام المستحقين بثلاثة التزامات هى:
أ- منحة نفقات الجنازة.
ب- منحة الزواج لمن بلغ للاتى يعولهن المتوفى.
جـ- المعاش الشهرى الذى يصرف للمؤمن عليه كاملاً إذا كان المستحقون ثلاثة فأكثر، أو 75% إذا كانوا اثنين، أو 50% إذا كان المستحق واحداً.
ويستمر المعاش للبنات حتى الزواج، وللذكور حتى سن 26 سنة حتى يستكمل تعليمه، أو بلوغ 20 سنه لغير المنقطع للتعليم.
* الطائفة الثانية من المخاطر المغطاة فى نظام التأمينات الاجتماعية السعودي:
تغطى هذه الطائفة ثلاثة مخاطر اجتماعية هى:
أ- الشيخوخة.
ب- العجز غير المهنى.
جـ- الوفاة غير المهنية.
أ- الشيخوخة: ويراد بها بلوغ الشخص سن المعاش أو سن التقاعد وهو ستين سنة كاملة، مع توقفه عن ممارسة أى نشاط مهنى خاضع للتأمين، ولكفالة مستوى معقول من المعيشة لهذا الشخص فقد أقر نظام التأمينات الاجتماعية السعودي، تخويله حق الحصول على معاش دائم وفقاً لشروط وأوضاع محددة.
ب- العجز غير المهنى:
إذا أصيب المؤمن عليه بعجز يقعده عن مزاولة مهنته، لا ترجع أسبابه إلى مزاولة المهنة بما يمكن اعتباره إصابة عمل وذلك قبل بلوغه سن المعاش وهو سن الستين، وأثبت العجز بمعرفة اللجان الطبية المختصة، فإنه يستحق وفقاً لأوضاع وشروط حددها النظام معاشاً يسمى معاش العجز غير المهنى، وعلى ذلك فإن العجز غير المهنى هو: كل عجز يؤدى إلى فقدان المؤمن عليه لقدرته على العمل كلياً أو جزئياً فى مهنته الأصلية، أو قدرته على الكسب بوجه عام دون أن يكون ناشئاً عن إصابة عمل أو مرض مهنى مع حدوثه له قبل بلوغه سن الستين عاماً.
جـ- الوفاة غير المهنية: وهى فى مفهوم نظام التأمينات الاجتماعية السعودي على نوعين هما:
1- الموت الحقيقى بخروج الروح عن الجسد.
2- الموت الحكمى وهو خاص بالمفقود الذى طالت غيبته ولا تعرف حياته من مماته، وصدر بشأنه حكم من القاضى باعتباره متوفياً، وقد نظم قرار وزير العمل والشئون الاجتماعية رقم 73 لسنة 1403هـ، شروط وأوضاع معاملة المفقود فيما يتصل بالحقوق التأمينية المستحقة لأفراد عائلته، كما نظمت المادة 40 من نظام التأمينات الاجتماعية السعودي أوضاع وشروط استحقاق أفراد عائلة المصاب العجز غير المهنى والوفاة غير المهنية لمعاش الوفاة والعجز غير المهنيين.
خامساً: نطاق تطبيق نظام التأمينات الاجتماعية السعودي من حيث الأشخاص:
فرق النظام المشار إليه بين نوعين من التأمينات الاجتماعية هما:
1- التأمينات الاجتماعية الإلزامية.
2- التأمينات الاجتماعية الاختيارية.
* وفى شأن النوع الأول: فرق بين نوعين من المخاطر الاجتماعية المغطاة إلزامياً بالتأمينات الاجتماعية هما:
أ- الأخطار المهنية (إصابات العمل والأمراض المهنية) وهذه يطبق عليها نظام التأمينات الاجتماعية السعودى بصورة إلزامية على جميع العمال دون أى تمييز فى ***** أو الجنسية أو السن وذلك وفقاً للفقرة الأولى من المادة الرابعة من النظام.
ب- فرع المعاشات (التأمين الالزامى ضد الشيخوخة، والعجز غير المهنى والوفاة غير المهنية) ويطبق النظام المشار إليه على هذا الفرع بصورة إلزامية على جميع العمال السعوديين فقط دون أى تمييز فى ***** بشروط وأوضاع حددتها المادة الرابعة من النظام.
* وفى شأن النوع الثانى: وهو التأمينات الاجتماعية الاختيارية فإن النظام قد وضع فى قسمه الثالث بالنسبة لها أحكاماً خاصة، ووفقاً للفقرة الرابعة من المادة الرابعة من النظام فإنه يطبق بشأن فرع المعاشات بصورة اختيارية على المواطنين السعوديين المشتغلين بالمهن الحرة، أو الذين يزاولون لحساب أنفسهم أو بالمشاركة مع غيرهم نشاطاً تجارياً أو صناعياً أو زراعياً، أو فى مجال الخدمات، وعلى الحرفيين وعلى السعوديين الذين يعملون خارج المملكة دون ارتباطهم بعلاقة عمل مع صاحب عمل مقره الرئيس داخل المملكة، وذلك وفقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية للنظام من أحكام، وهذا يعنى تحملهم دفع الاشتراكات كاملة عن أنفسهم وعن رب العمل بآن واحد.
هذا وقد أخرجت المادة الخامسة من النظام، وعلى سبيل الاستثناء، عدة فئات عن نطاق تطبيقه وهى:
أ- موظفو الدولة المدنيون وأفراد القوات المسلحة والشرطة الذين يتمتعون بأنظمة معاشات خاصة.
ب- الموظفون الأجانب من أعضاء البعثات الدولية أو السياسية أو العسكرية.
جـ- العمال الذين يعملون بالأعمال الزراعية أو الحراجية أو الرعى.
د- خدم المنازل.
هـ- البحارة بما فيهم الصيادون البحريون وفقاً لأوضاع خاصة.
و- العامل الأجنبى المستقدم لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر.
ز- عمال الاستصناع الذين لا يستخدمون أى عمال ويكون مقر عملهم فى مسكنهم.
ح- أفراد أسرة صاحب العمل فى المنشآت العائلية التى لا يعمل بها سواهم من العمال.
المحور الثانى
تطور التأمينات الاجتماعية
فى النظام السعودى
أفقياً وتشريعياً ومؤسسياً
المقصود بالتطور الأفقى للنظام هو: تدرجه واتساعه من حيث عدد الفئات والطوائف العمالية التى تغطيها مظلة التأمينات الاجتماعية. وأما التطور التشريعى فيقصد به: تتبع ما صدر فى المملكة العربية السعودية من أنظمة خاصة بالتعويضات والتأمينات الاجتماعية، سواء كانت جزءاً من أنظمة العمل والعمال أو مستقلة عنها.
وأما التطور المؤسسى فإننا سوف نعنى من خلاله بتتبع الجهات المسؤولة عن تطبيق أنظمة التعويضات والتأمينات الاجتماعية. وفى إشارات موجزة عن تطور التأمينات الاجتماعية أفقياً وتشريعياً، نذكر مرحلتين متمايزتين: أولهما قبل نظام 1389هـ، والثانية بعد صدور هذا النظام.
أولاً: مرحلة واقع التأمينات الاجتماعية قبل صدور نظام 1389هـ:
فى النصف الثانى من القرن الرابع عشر الهجري، صدر أول نظام يتعلق بالتعويض عن مخاطر إصابات العمل، وذلك بسبب ظهور البترول فى المملكة والتطور السريع فى صناعات استخراجه وتكريره، وما يتعرض له عمال هذه الصناعات من مخاطر مهنية تقتضى تعويضهم، وهو الأمر الذى استدعى وضع أول نظام للتعويض عن إصابات العمل.
إذ فى تاريخ 18/7/1356هـ صدر المرسوم الملكى رقم 44 بإقرار نظام تعويض عمال المشاريع الصناعية والفنية عن إصابات وأمراض العمل المهنية.
ويلاحظ أن هذا المرسوم قد أوجب على صاحب العمل وحده تعويض العامل عن الإصابات التى تحدث له أثناء العمل لا بسببه، ودون إلزامه بالتعويض عن الأمراض المهنية.
ثم فى تاريخ 13/4/ 1360هـ، صدر أول نظام للعمل فى المملكة بمقتضى المرسوم الملكى رقم (5323)، ولم يتعرض هذا النظام بالتعديل لنظام التعويض الصادر بالمرسوم الملكى رقم (44) فى تاريخ 18/7/1356هـ، بل أقره على حالته قاصراً تطبيقه فقط على طائفة عمال المشاريع الصناعية والفنية دون غيرها من طوائف العمال، وقد استمر العمل بالنظامين المشار إليهما إلى أن حل محلهما نظام العمل والعمال الصادر فى 25/11/1366 الذى استحدث ولأول مرة قواعد جديدة تتعلق بالتعويض عن إصابات العمل إلى جانب القواعد المنظمة لعلاقات العمل.
ثانياً: مرحلة التنظيم الجديد للتأمينات الاجتماعية:
بعد أن تطورت مجالات الحياة فى شتى نواحيها فى المملكة على أثر الطفرة البترولية، كان لزاماً أن يواكب هذا التطور تطور مماثل فى شتى النظم فى المملكة، وعلى الأخص منها الأنظمة العمالية، باعتبار أن المملكة تسعى إلى سعودة الوظائف من جهة، وباعتبارها من الدول الجاذبة للعمالة الأجنبية من جهة أخرى.
ومن هذا المنطلق صدر نظام خاص بالعمل والعمال بمقتضى المرسوم الملكى رقم م/21 بتاريخ 6/9/1389هـ، كما صدر ولأول مرة فى المملكة نظام التأمينات الاجتماعية بمقتضى المرسوم الملكى ذى الرقم م/22 بتاريخ 6/9/1389هـ.
ولقد شهد نظام التأمينات الاجتماعية السالف الذكر تعديلاً له بمقتضى المرسوم الملكى رقم م/24 فى 28/6/1402هـ وبموجب ذلك التعديل اقتصر الحق فى المعاش التأمينى على السعوديين فقط، دون الأجانب، وقد تمت تصفية حقوق هؤلاء برد اشتراكاتهم إليهم وفقاً للنصوص النظامية.
ومنذ تاريخ إصدار نظام التأمينات الاجتماعية المشار إليه استقل عن نظام العمل والعمال بعد أن كان قد ارتبط به لفترة من الزمن، وجدير بالذكر أن نظام التأمينات الاجتماعية سالف البيان كان يتسم بخاصيتين رئيستين هما:
أ- أنه لم يطبق مرة واحدة على جميع العمال وأصحاب الأعمال فى جميع أرجاء المملكة، وإنما طبق على مراحل، صدر بكل منها قرار من معالى وزير العمل والشؤون الاجتماعية.
ب- إنه قصر نطاق تطبيقه على العمال المأجورين الذين يعملون بمقتضى عقد عمل، أما العاملون المدنيون (الموظفون) الخاضعون لنظام الخدمة المدنية بالدولة، وأفراد القوات المسلحة، والشرطة، والحرس الوطنى، فقد أخضعتهم الدولة لنظم خاصة.
ويشمل نظام التأمينات الاجتماعية عمال المؤسسات العامة، وكذلك العمال لدى الدولة الذين يخضعون لنظام العمل، وهو ما نصت عليه الفقرة (1/ج) من المادة الخامسة من نظام التأمينات.
كما استثنى هذا النظام من الخضوع لأحكامه العمال المستفيدين من القواعد المتعلقة بالتعويـض عـن إصابـات العمـل التى تضمنها نظام العمل والعمال الملغى الصادر فى 25/11/1366هـ.
وقد استمر العمل بنظام التأمينات الاجتماعية سالف البيان حتى صدر نظام التأمينات الاجتماعية الحالى بمقتضى المرسوم الملكى ذى الرقم م/33 بتاريخ 3/9/1421هـ، ولائحته التنفيذيـة الصـادرة بقـرار وزيـر العمل والشؤون الاجتماعية رقم 128 تأمينات وتاريخ 25/10/1421هـ، والمنشورة بجريدة أم القرى بالعدد رقم 3833 وتاريخ 7/12/1421هـ.
وقد نصت المادة التاسعة والستون على أن يحل هذا النظام محل نظام التأمينات الاجتماعية الصادر بالمرسوم الملكى ذى الرقم م/22 والتاريخ 6/9/1389هـ، ويلغى كل ما يتعارض معه من أحكام ويعمل به ابتداء من أول الشهر التالى لانقضاء ستين يوماً من تاريخ نشره.
وجدير بالملاحظة أن النظام الجديد وإن كان قد تضمن فرعين للتأمينات الاجتماعية، هما: فرع الأخطار المهنية، وفرع المعاشات، على النحو الذى أسلفناه فى المحور الأول، إلا أنه قد نص فى الفقرة الثانية من مادته الأولى على أنه: “يجوز أن توسع فروع التأمينات التى يكفلها النظام لتقديم أنواع أخرى من التعويضات، حسب الطرق النظامية”، وهو ما يعطى النظام مرونة كافية ومطلوبة لمد مظلة التأمينات الاجتماعية إلى طوائف عمالية أخرى بحسب ما تقتضيه ظروف تطور المجتمع السعودى.
ومما يدعم مرونة هذا النظام كذلك أنه قد نص فى مادته الثالثة على أنه: “يجوز للوزير (وزير العمل والشؤون الاجتماعية) أن يضع قواعد تجيز لأصحاب العمل بشكل منفرد أو مجموعة من أصحاب العمل، بإحداث منشأة خاصة للرعاية، غايتها منح عمالهم وعائلات عمالهم – إذا اقتضت الحال – منافع إضافية على تلك المنصوص عليها فى هذا النظام على أن تتضمن هذه القواعد شروط إحداث المنشأة وكيفية إدارتها وتصفيتها.
ومما يؤكد مرونة هذا النظام كذلك أنه استحدث نظام التأمين الاجتماعي الاختياري، لفئات من المواطنين تقدم ذكرها فى المحور الأول، تاركاً للمشترك اختيارياً حرية تحديد الشريحة التى يرغب فى الاشتراك على أساسها من بين الشرائح المرفقة بالنظام، مع السماح للمشترك اختيارياً عند توقفه عن دفع اشتراكه التأمينى، دون أن تبلغ مدة اشتراكه القدر الذى يؤهله للحصول على معاش، بإلغاء اشتراكه واسترداده أو أفراد عائلته – بحسب الأحوال- مجموع الاشتراكات التى سبق أن دفعها.
وحسناً ما أقره النظام فى مادته التاسعة والخمسين من إعفاء التعويضات المنصوص عليها فيه من كل الضرائب والرسوم ومن أى نوع من أنواع الجباية.
وبعد :
فإن هذه إطلالة سريعة على تطور نظام التأمينات الاجتماعية السعودى أفقياً وتشريعياً وهى تنقلنا إلى الفقرة التالية المتمثلة بالتطور المؤسسى.
ثالثاً: تطور نظام التأمينات الاجتماعية مؤسسياً:
رأينا فى البدايات الأولى لنظم التأمينات الاجتماعية السعودية أن نظام تعويض عمال المشاريع الصناعية والفنية عن إصابات العمل، قد أوجب على صاحب العمل وحده تعويض العامل عن إصابته، ومن ثم فإنه لم تكن هناك أية جهة مؤسسية رسمية تلتزم بتقدير التعويض ودفعه للعامل.
إلا أن النظام السعودى قد تدارك هذا القصور وأنشأ بمقتضى نظام التأمينات الاجتماعية الملغى الصادر بالمرسوم الملكى ذى الرقم م/22 بتاريخ 6/9/1389هـ، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، جهة رسمية تقوم على إدارة التأمينات الاجتماعية فى المملكة ومقرها الرياض، بحيث تشمل الدوائر الإدارية للمؤسسة مديرية عامة ومكتباً رئيساً فى كل منطقة من مناطق المملكة، ومكاتب فرعية يصدر بإنشائها قرارات من مجلس إدارة المؤسسة حسب الحاجة، على أن تتبع تلك المكاتب الفرعية المكتب الرئيس الذى تقع فى منطقة عمله.
وقد أقر النظام الجديد المعمول به حالياً الإبقاء على المؤسسة كجهة إدارية لإدارة التأمينات الاجتماعية وتطبيق أحكام النظام مع دعمها مالياً وفنياً، وإتاحة الفرصة لها فى استثمار حصيلة اشتراكات التأمين لديها، فى إنشاء شركات أو الاشتراك فى تأسيس شركات، أو تملك وحدات استثمارية خاصة، تكون مملوكة لها بالكامل، وتدار وفقاً للأساليب التجارية، التى تدار بها الوحدات المماثلة فى القطاع الخاص ووفق اللوائح التى يصدرها مجلس إدارة المؤسسة، وهو نشاط موافق لأحكام الشريعة الإسلامية لا يشوبه الربا المحرم شرعاً، والهدف من ذلك زيادة واردات المؤسسة، لتتمكن فيما بعد من توسيع نطاق الخدمات التأمينية.
وإذا كان معالى وزير العمل والشئون الاجتماعية بحكم منصبة رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة، فما ذلك إلا لكى يمارس مهمة إشراف الدولة على المؤسسة، من حيث إنها وإن كانت تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإدارى والمالى، فإنها فى ذات الوقت مضمونة من الدولة وتخضع لإشرافها.
المحور الثالث
الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية
لنظام التأمينات الاجتماعية
تسعى التأمينات الاجتماعية إلى تحقيق أهدافها المتمثلة فى مواجهة المخاطر الناجمة عن إصابات العمل والأمراض المهنية، والعجز والشيخوخة، وتخفيف آثار وفاة العائل، وذلك بالنسبة لفئة اجتماعية من ذوى الدخل الثابت والمحدود، فالهدف الإنسانى للتأمينات الاجتماعية هو تمكين هؤلاء من الحصول على ضرورات الحياة لهم أو لأفراد أسرهم بعد وفاتهم.
ومن خلال الأهداف النبيلة لهذا النوع من التأمين شبه التعاونى، وبإشراف الدولة، تظهر لنا آثار متعددة المضامين، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، نوجز ملامحها فيما يلى:
أولاً: الآثار الاجتماعية:
أ- تأمين العيش المستقر والحياة الكريمة للعامل عندما يصبح غير قادر على العمل بسبب إصابته أو مرضه أو تقدمه فى السن، وهو أثر طيب يدرأ عن العامل القلق على مستقبله فى ظروف من الضنك أو العسر.
ب- تأمين العيش المستقر والحياة الكريمة لأفراد أسرة العامل المؤمن عليه الذين كانوا يعتمدون عليه فى توفير متطلبات معيشتهم وذلك فى حالة وفاته، وهو أثر طيب كذلك، يزيل عن العامل الخوف الطبيعى والفطرى على عياله وصغاره، والذى أقره واعترف به القرآن الكريم فى قوله تعالى: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾.. النساء (9).
ونحن لا نبالغ إذا قلنا بأن الطبقة العاملة محدودة الدخل فى كل مجتمع، هى أكثر طبقات المجتمع انتماء ووطنية، بل وهى الأكثر حرصاً على التعليم، حيث ترى فيه الخلاص من الفقر والمعاناة، وهى فوق ذلك أكثر طبقات المجتمع تمسكاً بالعادات والأعراف الوطنية الأصيلة، وأن فى تأمين مستقبل حياة هذه الطبقة تأمين للحياة الاجتماعية فى المجتمع بكل أبعادها ومظاهرها، ومن ثم فنحن لا نبالغ إذا قلنا بأن المعاش أو التعويض التأمينى الذى يحصل عليه العامل المؤمن عليه فى حالة فقده لأجره، نتيجة تعرضه لأحد المخاطر الاجتماعية آنفة البيان، إنما يمثل تعويضاً له عن إسهامه فى حياة المجتمع ورفعته، وما بذله من جهد وعمل فى سبيله.
جـ- تمثل التأمينات الاجتماعية الآلية أو الأداة الرئيسة فى الوقت الراهن لتحقيق التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع، بما يعكسه هذا التكافل من تحقيق الأمن والسلام الاجتماعيين وإزالة التباغض والتحاسد بين الأفراد.
د- يمكن للتأمينات الاجتماعية إحداث أثر اجتماعى حرص الإسلام على تأكيده، وسن التشريعات اللازمة لتحقيقه، وهو إعادة توزيع الدخل لصالح الطبقات الفقيرة بما يسهم فى تقليل الفوارق بين طبقات المجتمع ورفع المستوى الاجتماعى للطبقات الفقيرة فيه.
ثانياً: الآثار الاقتصادية:
إن من أهم الآثار الاقتصادية التى يمكن أن تنتج عن التأمينات الاجتماعية أثرين هامين هما:
1- زيادة إنتاجية العامل خلال فترة خدمته من حيث إن عنصر العمل كأهم عنصر فى العمليات الإنتاجية يتحلل فى ذاته إلى مكوّنين رئيسين هما: الألم، والوقت.
أما عن المكوّن الأول للعمل وهو الألم، فكل عمل ينهض به الإنسان يكون عادة مصحوباً بالألم، لأن الإنسان وهو يعمل يقاوم ميله إلى البطالة والكسل، فهو يعمل مدفوعاً بأسباب خارجية مثل الرغبة فى تأمين مستقبل حياته وحياة بنيه من بعده، وكلما ازدادت درجة الاضطرار إلى العمل، كلما كان العمل أكثر ألماً، وبصفة خاصة عند العامل الأجير، الذى تفرض عليه ضرورات حياته اليومية بأداء عمله اليومى، وكلما عمل الإنسان، كلما ازداد ألماً مع مضى الوقت.
وأما المكوّن الثانى لعنصر العمل وهو الوقت، فإنه ملحوظ فى تحقيق النتيجة من أى عمل، فإنه لكى تتحقق هذه النتيجة، لابد من مضى شىء من الوقت، وعمر الإنسان قصير، وأقصر منه حياته الإنتاجية، فهو لا يستطيع أن يعمل كل ساعات اليوم، ولا كل أيام السنة، ولا كل سنين عمره، ولا فى أيام مرضه، وهو لا ينتج فى كل سنين عمره، فسنوات الطفولة والتدريب والكبر، سنوات غير منتجة والعامل لا يبدأ فى كسب معاشه عادة إلا إذا بلغ واشتد عوده وقوى على الكسب، وتأخذ قواه فى التراجع إذا قرب من الستين فإذا تجاوزها فقد ينقطع عن العمل، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ الروم (54).
فالألم والوقت إذن مكوّنان رئيسان للعمل المنتج، ولابد من أحدهما فى الاعتبار عند الرغبة فى زيادة إنتاجية العامل، بما يعنى أن إنتاجية العامل لا تحتمل إضافة مكوّن ثالث للعمل مثل الخوف على مستقبل حياته عند العجز أو المرض أو الشيخوخة، أو الخوف على مستقبل بنيه إذا فاجأة الموت أو داهمه المرض.
ومما لا جدال فيه أن إضافة الخوف أو القلق إلى مكوّنى العمل الرئيسين (الألم والوقت) يقلل من إنتاجية العمل والعامل معاً، بما يحدثه من تشتت الذهن وانصراف الهمة وفتور النشاط لدى العامل، والعكس فى كل الأحوال صحيح، ومن ثم فإنه لا غرر إذن إذا قلنا بأن للتأمينات الاجتماعية بما تبعثه فى نفس العامل من شعور بالطمأنينة على مستقبل حياته وحياة بنيه عند تعرضه لأية مخاطر اجتماعية، أثراً على زيادة إنتاجية العامل خلال مدة خدمته.
2- وأما الأثر الاقتصادي الثاني للتأمينات الاجتماعية فهو الاستقرار الاقتصادى من خلال ديمومة التوازن بين الطلب الكلى والعرض الكلى لكل من سلع وخدمات الاستهلاك والإنتاج معاً حيث من المعلوم وفقاً لقواعد النظرية الاقتصادية أن للطلب الكلى الفعَال شقّين أو جانبين،
أولهما ويتمثل فى الطلب العام أى المتحقق من جانب الدولة ومؤسساتها وهيئاتها العامة على سلع وخدمات الاستهلاك،
ويتمثل الثانى فى الطلب الخاص أو طلب مجموع الأفراد فى المجتمع على نفس السلع والخدمات، واختلال أى من جانبى الطلب المتقدمين بالزيادة أو النقص يؤدى بالضرورة إما إلى التضخم وإما إلى الانكماش، ولكلتا الظاهرتين انعكاسات سيئة على الاقتصاد القومى لأى دولة.
ومعلوم أن الطبقة العاملة فى كل مجتمع يتزايد لديها الميل الحدى للاستهلاك، وأن هذه الطبقة تشكل فى كل مجتمع نسبة كبيرة من حجم السكان، بما من شأنه ومن مقتضاه القول بتأثيرها الكبير والمتزايد على أحد شقى الطلب الكلى الفعال، وهو الطلب الخاص على سلع وخدمات الاستهلاك.
وعلى افتراض عدم وجود التأمينات الاجتماعية، فإن الطلب الخاص المشار إليه سوف يشهد حالة من عدم الاستقرار، لتوقفه من جانب كل من يتعرض لأحد المخاطر الاجتماعية سالفة البيان.
أما على افتراض وجود التأمينات الاجتماعية، فإن الطلب الخاص للطبقة العاملة سوف يعيش حالة من الاستقرار، على الرغم من توقف أجر نسبة من العمال نتيجة تعرضهم لأنواع المخاطر الاجتماعية، وتعليل ذلك هو أن الأداءات والمعاشات التأمينية الاجتماعية، سوف تعوضهم عن هذا الأجر الذى انقطع عنهم لإصابتهم، فيظل طلبهم الخاص على سلع وخدمات الاستهلاك ثابتاً دون ما تأثر بتلك المخاطر.
ولا شك فى أن استقرار الطلب الكلى الفعال فى أى اقتصاد وطنى سوف ينعكس إيجاباً على نموه المضطرد، ويمكن الدولة والمستثمرين الأفراد من وضع خططهم المستقبلية على هدى مرئيات وتوقعات قريبة من الواقع، وغنى عن البيان ما لانقطاع الدخل من آثار مدمرة على الصعيد الاجتماعي والتربوي والثقافي وغيره مما لا يحتاج إلى تعداد.
ثالثاً: الآثار السياسية للتأمينات الاجتماعية:
لا شك أن للتأمينات الاجتماعية انعكاسات إيجابية على استقرار النظام السياسى فى كل دولة، ويتضح تأثيرها على استقرار الحياة السياسية والنظام السياسى للدولة من الوجوه التالية:
1- إنها تنزع فتيل المواجهة بين العمال وأصحاب الأعمال فى حالة إصابة العامل بأى خطر اجتماعى، من حيث إن أصحاب الأعمال يسهمون بحصة يحددها النظام فى اشتراك التأمينات الاجتماعية تحسباً لما قد يداهم العامل من مخاطر اجتماعية.
2- إنها تغنى الدولة عن أية مواجهة محتملة مع أصحاب الأعمال فيما لو فرضت الدولة ضرائب تحويلية لصالح العمال الذين قد تداهمهم بعض المخاطر الاجتماعية.
3- أنها تدرأ عن الدولة ضغوط النقابات العمالية، استجابة لمطالب العمال الذين يقعون تحت طائلة الحاجة لما قد يصيبهم من المخاطر الاجتماعية.
4- أنها كذلك تدرأ عن الدولة شرور وتمرد الفئات العمالية التى قد تتعرض للمخاطر الاجتماعية، وتفقد بسببها مصادر رزقها حيث يمكن أن يدفعهم صراخ بطونهم الجائعة إلى الإخلال بالأمن العام والسكينة فى المجتمع.
خلاصة القول إذن فى هذا المضمار أن التأمينات الاجتماعية، كوجه من وجوه التكافل والتضامن الاجتماعيين، تؤدى دوراً هاماً وحيوياً فى تحقيق السلام الاجتماعي، واستقرار النظام السياسى فى كل دولة، ويجب العمل على تطوير خدماتها والله من وراء القصد.
قائمة بأهم مراجع البحث
1- د/ السيد عيد نايل – الوسيط فى شرح نظامى العمل والتأمينات الاجتماعية فى المملكة العربية السعودية – عمادة شئون المكتبات جامعة الملك سعود.
2- أ.د/ محمد حسين منصور – التأمينات الاجتماعية منشأة المعارف بالإسكندرية.
3- أ.د/ حسام الدين الأهوانى – أصول قانون التأمين الاجتماعي – دار النهضة العربية – القاهرة 1401هـ/1981م.
4- أ.د/ محمد فاروق الباشا – التأمينات الاجتماعية ونظامها فى المملكة العربية السعودية – معهد الإدارة العامة 1408هـ، طبعة 1416هـ (معدلة).
5- د/ غريب الجمال – التأمين التجارى والبديل الإسلامى – القاهرة 1979م.
6- الأستاذان د/ مصطفى الجمال، د/ حمدى عبد الرحمن – التأمينات الاجتماعية مؤسسة شباب الجامعة – الاسكندرية 1974م.
7- أ.د/ محمد لبيب شنب – دروس فى قانون التأمين الاجتماعي – دار النهضة العربية – القاهرة 1976م.
8- د/ فتحى عبد الصبور – الوجيز فى نظام التأمينات الاجتماعية السعودي – معهد الإدارة العامة – الرياض – 1396هـ.
اترك تعليقاً