عقود المعاوضة و عقود التبرع
اورد القانون المدني الفرنسي بعض التقسيمات للعقود مع ان التقسيم هو عمل فقهي فهو أقرب إلى عمل الفقيه منه إلى عمل المشرع . في حين نجد ان التشريعات المدنية الاخرى لم تحذ حذو القانون الفرنسي اذ لم يرد فيها تقسيم للعقود ومثال هذه التشريعات القانون المدني المصري ، لا القديم ولا الجديد كذلك لم تعرض له التقنينات الحديثة كالتقنين الألماني والتقنين السويسري .
يعرف عقد المعاوضة على انه ( العقد الذي يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابلا لما يعطيه. فكل منهما يبحث عن مصلحة معينة يسعى للحصول عليها بإبرامه للعقد ) ومثال ذلك عقد البيع فهو عقد معاوضة يقوم المشتري فيه ببذل الثمن بمقابلة سلعة، على أن يكون الثمن قيمة بقدر السلعة، بحيث لا يزيد عليه ، والبائع كذلك، فهو يريد أن يبذل في سلعته ما يكون بقدر قيمتها أو أكثر .
وفي الفقه الاسلامي ظهرت عقود المعاوضة ايضا واهمها عقد البيع التي شدد الرسول (ص) على وجوب تحريرها كما انه ( نهى عن بيع الغرر ونهى عن بيع حبل الحبلة ونهى عن بيع الحصاة ) وكذلك روي عنه انه ( نهى عن بيع السمك في الماء والطير في الهواء ) .
واستنادا الى ذلك فان عقود المعاوضة بصورة عامة والبيع بصورة خاصة لايصح اذا لم يتم تحديد الثمن المقابل تحديدا نافيا للجهلة لان ذلك البيع سوف يشوبه الغرر وقد يقوم المشتري ببخس السلعة بان يقدر ثمنا اقل بكثير من ثمنها الحقيقي او يقوم البائع بتقديره باكثر من قيمته .
وقد اختلف العلماء في موقفهم ازاء من يقول انا اشتري بما انقطع السهر فهي عليه بما انقطع به السهر فقد ذهب بعض العلماء الى عدم نفاذ هذا البيع لان السعر غير معلوم لا للبائع ولا للمشتري (لان المشتري قد يكون في تقديره الثمن أقل بكثير مما انقطع به السعر، وكذلك البائع ربما يكون الثمن في تقديره أكثر بكثير مما انقطع به السعر ) . وهناك طائفة اخرى من العلماء من اجاز ذلك وقال فيه “إن النهي عن بيع الغرر، إنما كان خوف الغبن”.
وماينقطع به السعر لايعد غبنا وانما هو قيمة السلعة لدى الناس وعندها لاغبن .
اما تعريف عقد المعاوضة في الفقه القانوني ( هو العقد الذي يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابلا لما اعطاه ) .
ومن عقود المعاوضة هو عقد البيع فالبيع عقد معاوضة بالنسبة إلى البائع لأنه يأخذ الثمن في مقابل إعطاء المبيع ، وبالنسبة إلى المشتري لأنه يأخذ المبيع في مقابل إعطاء الثمن .
كذلك يعتبر القرض بفائدة عقد معاوضة بالنسبة إلى المقرض ، لأنه يأخذ الفوائد في مقابل إعطاء الشيء لأجل ، وبالنسبة إلى المقترض لأنه يأخذ الشيء لأجل في مقابل إعطاء الفوائد .
كما ان عقد الكفالة معاوضة بالنسبة إلى الدائن المكفول ، لأنه أخذ كفالة في مقابل إعطاء الدين ، ولكن بالنسبة الى الكفيل فهو يكون تبرعاً إذا لم يأخذ أجراً على كفالته فهو يكون قد أعطى دون أن يأخذ مقابلا لبذله .وبذلك فانه يصح ان يكون العقد الواحد معاوضة بالنسبة إلى أحد المتعاقدين وتبرعا ” بالنسبة إلى المتعاقد الآخر ، ذلك لأن المعاوضة لا يشترط فيها أن يكون المعاوض قد أعطى المقابل للمتعاقد الآخر ، كما أن التبرع لا يشترط فيه أن يكون المتبرع قد تبرع للمتعاقد الآخر .
ويعرف عقد التبرع على انه ( العقد الذي لا يأخذ فيه المتعاقد مقابلا لما اعطاه او لا يعطي مقابلا لما اخذه ) ومن امثلة عقود التبرع هي العارية او عقد الاعارة فهو يعد عقد تبرع بالنسبة الى المعير لان الاخير لاياخذ شيئا من المستعير مقابل الشيء المعار وهو كذلك بالنسبة الى المستعير لانه لايعطي شيئا للمعير مقابل الشيء المعار .
ومن عقود التبرع الاخرى عقد الهبة والقرض والوديعة والوكالة فهذه العقود كلها تكون بدون مقابل او عوضاً فهي عقود تبرع .
وبناء على ذلك فان العقود الملزمة للجانبين اما تكون عقود معاوضة كالايجار واما تكون تبرعاً كالعارية وكذلك فان العقود الملزمة لجانب واحد بعضها تبرع كالوديعة دون اجر وبعضها الاخر معاوضة مثل عقد الكفالة في حالة اذا قام الكفيل باخذ اجر على كفالته .
ويترتب على التمييز بين عقد المعاوضة وعقد التبرع نتائج مهمة هي : تكون مسؤولية المتبرع اخف عادة من مسؤولية المعاوض اذ نجد ان مسؤولية المودع عنده ايسر من مسؤولية المستاجر ( عقد الايجار من عقود المعاوضة ) كما ان مسؤولية المتبرع له اشد عادة من مسؤولية المعاوض كما ان مسؤولية المستعير اشد من مسؤولية المستاجر اذ ان هذه العقود الثلاثة وهي الوديعة والايجار والعارية تختلف فيها مسؤولية المتعاقدين قوة وضعفا وتتدرج من الضعف الى القوة طبقا لما كان المتعاقد يتبرع كالمودع عنده او يعاوض كالمستأجر او يتلقى التبرع كالمستعير.
كما ويختلف العقدان من حيث الضمان فضمان المتبرع اخف من ضمان المعاوض ففي عقد الهبة لايضمن الواهب الاستحقاق ولا العيب الا اذا تعمد اخفاء سببه او قصد ضمانه او اذا كانت الهبة بعوض في حين انه في عقد البيع يضمن البائع الاستحقاق والعيب حتى لو كان حسن النية لايعلم سبب الاستحقاق ولا وجود العيب .
وفي عقود التبرع يؤثر الغلط في الشخص ولكنه ليس له تاثير في عقود المعاوضة الا اذا كانت شخصية المتعاقد محل اعتبار كما في حالة عقد الشراكة والمزارعة .
واخيرا فانه يجوز الطعن بالدعوى في عقود التبرع دون ان تكون هناك حاجة الى اثبات سوء نية المتعاقدين مثال ذلك اذا وهب المدين المعسر شخصا اخر شيئا من ماله جاز للدائن الطعن في الهبة حتى وان كان الواهب والموهوب له حسن النية اما في عقود المعاوضة كالبيع مثلا فلا بد من اثبات تواطؤ البائع مع المشتري.
المحامية: ورود فخري
اترك تعليقاً