مبادئ العدالة
تعرف مبادئ العدالة على انها القواعد التي يستوحيها العقل المصيب والنظر السديد من روح العدل والانصاف لتعديل احكام القانون وتكملتها باضافة نص جديد او الغاء النص القديم او تعديله . وبناء عليه فان اقرار مبادئ العدالة يغير حكم القانون ويتعرض لنصوصه بالالغاء او التعديل او الاضافة وقد كان هذه الوسيلة ناجعة عندما ضعف التمسك بالمعتقدات البدائية القديمة وانفصال تلك المعتقدات عن القوانين التي اصبحت قوانين وضعية لذلك كان التعرض الى نصوصها امرا مباحا فهي من صنع البشر ويمكن ان يعتريها النقص او الغموض فتم تعديلها او الاضافة اليها او الغائها .
ويعتبر اللجوء الى قواعد العدالة والانصاف لاحقا على استعمال الحيلة القانونية فهذه الطريقة كان يلجأ اليها حينما لم يكن احدا يتجرأ على تغيير نصوص القانون فكان ان تم الاحتيال عليها بافتراض امور غير حقيقية او القيام باعمال صورية للتوصل الى النتائج المبتغاة من دون ان يطال ذلك نص القانون .
وتقترب مبادئ العدالة بصفتها وسيلة مباشرة من وسائل تطور القانون مع التشريع اذ ان مبادئ العدالة والتشريع كلاهما يغيران نص القانون ويبدلا حكمه الا ان مبادئ العدالة تختلف عن التشريع في مصدر الزام كل منهما فمبادئ العدالة تستمد قوتها الملزمة من اعتقاد الناس بضرورتها لتحقيق مصالح المجتمع ومثله العليا بينما يستمد التشريع قوته الملزمة من السلطة التشريعية التي تصدره .
وتستخلص مبادئ العدالة بواسطة العقل الذي يستوحيها من مصالح المجتمع ومثله العليا ومن مفاهيمه عن العدل والحق وبما ان هذه الامور تتغير وتتطور تبعا لتغير حاجات المجتمع ومصالحه فبالنتيجة نجد ان مبادئ العدالة تظهر بصورة مختلفة بحسب اختلاف المجتمع الذي تنشأ فيه ومع اختلاف الازمان فهي عند اليونان يطلق عليها قانون الطبيعة ولدى الرومان ظل قانونهم القديم قانون الشعوب ثم ظهرت في صورة اخرى اطلق عليها القانون الطبيعي اما الانكليز فكانت مبادئ العدالة لديهم تنبع من ضمير الملك في حين انها في الشريعة الاسلامية فان مصدر مبادئ العدالة هو العقل الذي يستوحيها من حكمة التشريع .
وتعتبر مبادئ العدالة احدى الوسائل التي اوجدها المشرع امام القاضي ليمكنه من الفصل في النزاع المعروض عليه حينما لاتسعفه نصوص القوانين الوضعية في ذلك فالقاضي ملزم بالفصل في كل نزاع يعرض عليه اذ لايجوز له الامتناع عن اصدار الحكم في الدعوى المطروحة امامه والا اعتبر مرتكبا لجريمة انكار العدالة فكانت الوسيلة هي الرجوع الى مبادئ مستوحاة من العقل الانساني وتفرضها قواعد العدالة والانصاف التي تقضي الاخذ باقرب الحلول لموضوع واحد مع مراعاة جميع الظروف الشخصية التي ادت الى وجود هذه الحالة فالعدالة بهذا المفهوم هي المساواة في الحكم ، على العلاقات فيما بين الأفراد كلما كانت ظروفهم واحدة مع الاعتداد دائما بالجانب الإنساني ، وكذلك بالظروف الشخصية التي تحيط بالفرد في كل حالة.
وبناء على هذا التعريف يتبين ان مفهوم القانون الطبيعي لايختلف كثيرا عن مبادئ العدالة فهما شيء واحد لذلك قد يستعمل التعبيران كمترادفين لان القانون الطبيعي هو ايضا يستوحي مبادئه من العقل وهي لاتنفصل عن الكائن البشري اذ انه ياخذ بعين الاعتبار طبيعة الانسان وغايته في المجتمع ومن امثلة تلك المبادئ : العدالة ، النزاهة ، احترام الوعد ، الحاجة إلى الأمن والاستقرار ،اقتران الأجناس،العناية بالنسل ، حماية الضعيف ، محبة الغير ، التصدق على المحتاج . وقد نصت المادة (1) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 على وجوب الحكم بمقتضى مبادئ العدالة عندما لايوجد نص تشريعي وعرفي او مبدا ينطبق على الحالة في الشريعة الاسلامية اذ تقول : ( تسري النصوص الشرعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو فحواها .
فـإذا لم يوجد نص تشـريعي يمكــن تطبيقه حكـمت المحكــمة بمقتضى العـرف فـإذا لم يوجـد فبمقتضى مبادئ الشـريعة الإسـلامية الأكــثر ملاءمة لنصـوص هــذا القــانون من دون التقيـد بمــذهب معــين فـإذا لم يوجــد فبمقتضـى قواعـد العدالة . وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي أقـرها القضـاء والفقـه في العراق ثم في البلاد الأخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية).
ومن الجدير بالذكر ان قـواعـد العـدالـة ليسـت واضـحة المعـالم بـينة المـدلول إذ إن عـلى القاضـي أن يجتـهد برأيـه لحسـم النــزاع وفــق مـا يقتضـيه الشـعور بالإنصـاف مـن تقرير العـدل بـين الناس وعـلى القاضـي في رجوعـه إليهـا واجتهاده إن يصـدرها عـن اعتبارات موضـوعية لا عـن اعتقاده الذاتي فلا يحق له أن يبني حكـمه عـلى أفكـاره الخاصة أو أن يطبق ما كان يضعه من القواعد لو أنيط به تشريعها وإلا أصبح مشرعا ً.
فعلى القاضي اذن ان يتأثر في حكمه بالاعتبارات الموضوعية التي تحيط بمجتمعه وان يسترشد بالمبادئ الأسـاس للقانون التـي تسـتنبط منـها القواعـد التفصـيليـة سـواء أكـانـت المبـادئ العامـة التـي ترتكـز عليـهـا تشــريعـات بـلاده أم المبادئ المشـتركة بـين قوانين الأمم المختلفة التي يسـهل التعرف عليها عن طريق الإلمام بأحكام القانون المقارن والاتفاقات الدولية .
لذلك اثرت مبادئ العدالة في مجال القضاء وصار لها دورا كبيرا في تطور القانون المعاصر، فقد عمل القضاء عن طريق الاجتهاد عـلى تلافي قصور التشريع وسد نقص النصوص التشريعية بوضع عدة نظريات واحكام مثل (نظرية تحـمل التبعة وأحكـام المسؤولية التقصيرية المبنية عـلى خطأ مفترض قابل لإثبـات العكـس أو غير قابل له ، وأحـكـام الملكـية الأدبيـة والفنيـة والصناعيـة قبل أن يتولى المشـرع أغلـب هذه النظريـات والأحـكـام بالإقرار والحمايـة ويصـوغها في نصوص تشريعية كان اصلها اجتهاد القاضي واعمال عقله في استيحاء مبادئ العدالة والانصاف.
المحامية / سهى منذر
اترك تعليقاً