واقع التشريعات العراقية ذات العلاقة بالأراضي الزراعية

القاضي ناصر ياسين حمود
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

المقدمة
لم تعد التشريعات الزراعية _ بمفهومها الواسع _ مجرد تطلعات فلسفية مثالية لما يجب أن يكون عليه السلوك الاجتماعي فقد أصبحت في المجتمعات الحديثة علما واقعيا ومنهجيا يستخدمه العالم المتمدن لتنظيم أوضاعه وعلاقاته المختلفة بحيث ان أي مجتمع ما لم يعن بها ويضعها في مكانها اللائق ويستخدمها استخداما صحيحا فأنه لن يجد الحلول الصحيحة والامنة لمشكلاته من اي طبيعة كانت.

أن منطق الفطرة ومنطق العقل لا يمكن أن يتصور المجتمع الامن الا على اساس من التقارب النسبي من المعيشة وكذلك أيمان الغالبية العظمى منه بملائمة القانون لواقع المجتمع وايمانه أيضا بشرعية الهيئات النظامية القائمة على تطبيقه أن العراق وهو يشهد الان تغيرات جذرية فيأسس النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وفي كل المجالات لأحوج ما يكون الى القانون يستخدمه في تنظيم العلاقات الجديدة وارساء البناء الاجتماعي الجديد على أسس علمية ومبدأيه ضمن اطار من الشرعية والالتزام .

ومن هذا التصور لا بد من ابراز أهمية القانون ودوره في عملية البناء والتنمية عموما ودور القانونيين ومكانهم منها ، كذلك القاء نظرة فاحصة على واقع مجموعة التشريعات الزراعية الخاصة بالأراضي الزراعية ومحاولة تقييمها لاستظهار مدى أثرها وتأثيرها على البناء القانوني والاجتماعي .

وقبل الاسترسال في الموضوع لا بد من توضيح المقصود بالتشريعات الزراعية اذ لا توجد تسمية متفق عليها في فقه القانون بهذا الاسم ، لكن اطلاقها هنا لغرض تسهيل وتوضيح مهمة البحث ، ويمكن القول انها تنصرف الى مجموعة من التشريعات تشترك بمجموعها في تنظيم جوانب مختلفة لموضوع واحد وهو مرفق الزراعة وهذه التشريعات تتألف من شقين الشق الأول ويعنى بالثروتين النباتية والحيوانية أي تتعلق بتنظيم الانتاج النباتي والتقاوي والمشاتل والمخصبات والوقاية الزراعية وتداول المواد الزراعية والمتاجرة بها وتنمية المراعي الطبيعية وتنمية الثروة الحيوانية والسمكية

وحمايتها وتغذيتها ومكافحة أمراضها وحجرها وتنظيم ذبحها وتسويق المنتجات الزراعية والحيوانية والعقوبات التي توقع على مخالفي أحكام تلك التشريعات وتتولى الجهات الادارية تطبيق هذا النوع من التشريعات (وزارة الزراعة ووزارة الري) وسوف لن نخوض في الشرح والتعليق على هذا الجانب من التشريعات نظرا لطابعها الفني والاداري.

أما الشق الثاني ( وهو نطاق موضوع بحثنا ) فيعنى بالتشريعات المتعلقة بالملكية الزراعية وحيازة الأرض وما يتفرع عنها وقوانين الاصلاح الزراعي نظرا لطابعها الاجتماعي وخضوع قسم كبير منها للاختصاص القضائي .

ومن المفيد ايضا أن نعرف الأراضي الزراعية بما عرفها المشرع العراقي في قانون تنظيم الحد الاقتصادي للأراضي الزراعية رقم 137 لسنة 1979 (الملغي) بانها ( كل ارض تستغل بالفعل أو تصلح في واقع حالها لإنتاج المحاصيل الحلقية أو العلفية أو الأشجار غير الثمرية أو لتنمية الثروة الحيوانية ).

واذا كان القانون عموما بمثل هذه الأهمية فهل ان التشريعات الزراعية الخاصة بالأراضي الزراعية بوضعها الراهن هي بالمستوى المطلوب لتحقيق التنمية الزراعية والاستقرار الاجتماعي ؟ وهل انها متسقة مع النظام القانوني بصورته العامة ؟، سوف نجيب على هذا التساؤل وغيرة في ثلاث أقسام :

القسم الأول دور القانونيين في تطوير تشريعات الأراضي الزراعية ؟.

القسم الثاني الجانب التشريعي النظري لتشريعات الأراضي الزراعية .

القسم الثالث الجانب التطبيقي لتشريعات الأراضي الزراعية .

القسم الأول
دور القانونيين في تطوير تشريعات الأراضي الزراعية
أن تقدم أي مجتمع ولو على الصعيد الاقتصادي أو التقني مرتبط بمدى ما يتمتع به ذلك المجتمع من استقرار وما تشيع فيه من ضمانات المن والمحافظة على الأرواح والممتلكات وكرامة المواطن ، وبالقدر الذي تقتضيه مشاركتهم في الحياة العامة فالأمن والعدل والطمأنينة شروط أساسية لمشاركة الأفراد في النشاط الأجتماعي بدونها لا يستطيع المواطن أن ينصرف الى أداء الدور المحدد له في عملية التنمية والبناء وما ينطوي عليه القانون من ضمانات كفيل بتحقيق هذه الشروط حيث تساهم في تكريس هذه الضمانات كافة التشريعات الدستورية والعقابية والمالية والادارية وحتى التنظيمية منها ، وتبرز ، أهمية القانون كوسيلة لتعجيل بلوغ أهداف التنمية وتحسين أحوالها وتطوير مستوياتها بسد الهوة التي تفضل بين المستويات الاقتصادية ولو نسبيا بما يساعد في حل التناقضات وتغيير جوهر النظام الاجتماعي مع المحافظة على التوازن القيمي للمجتمعات بدون مقاومة عنيفة وبدون الوقوع في الفوضى أو التجاوزات على الحقوق العامة وضمان تحقيق تنمية ناجحة.

أن نجاح ذلك يتطلب اولا ادارة كفوءة واعية لمهماتها والتخلص من البيروقراطية الادارية وضعف الكادر الاداري فلا بد من تغيير واقع حال الأجهزة واستبدالها بغيرها شكلا ” ومضمونا ونجد القانون هنا ايضا عاملا فعالا ووسيلة مهمة في بناء هيكل الاجهزة التنموية وتحديد مستوياتها واختصاصاتها واحكامها وعلاقتها بغيرها وفق احدث التطورات للتجربة الادارية في العالم .

هذه أمثلة على اهمية القانون وهو بطبيعته يتطلب التجديد دائما لأن القاعدة القانونية جامدة في القالب التشريعي الذي وضعت فيه بينما وقائع الحياة في تغيير مستمر وحيث أن المهنة القانونية تتصل بجميع النشاطات وتتعاطف مع كل الوظائف فان للقانوني دورا مهما يتمثل في أيجاد الأطر الشرعية للأوضاع والعلاقات الجديدة

ودمجها وتنسيقها ببعضها بشكل يجنب الوقوع في أي ارباك أو عدم توازن قد يؤثر بسلبياته على البناء الاجتماعي اضافة الى خدمات أخرى يستطيع تقديمها باعتباره مخططا ومنفذا للنظام القانوني في البلد فبحكم اتصاله بمختلف طبقات المجتمع يستطيع أن يتحسس أحتياجاتهم وينقلها الى السلطتين التشريعية والتنفيذية بأمانة لمعالجتها واحداث الاصلاحات المهمة

كذلك يستطيع القانوني أن يبث الوعي والفكر المتطور اللازمين لتقبل التغيرات الجذرية في الأدوار المرسومة لكل الطبقات ويعمل على تطوير التشريعات وينظم عمل الادارة وتطويره ويدخل الطمأنينة والارتياح بين المواطنين وبالتالي فأن دور القانونين في التنمية ومشاركتهم هي في الحقيقة دعم لدور القانون وأعتراف بأهميته.

ورغم أهمية دور القانونين في تطوير التشريعات فان هناك من يشكك بهذا الدور الى حد الدعوة الى تنحيتهم وابعادهم . ومنهم من يرى منهم خطرا على عملية التغيير القائمة بحجة أن تكوينهم الفكري مرتبط بدراسات وتطبيقات قديمة وممارسات قانونية ترتبط بزمن معين في الماضي ولا شك أن مجارات هذا الرأي على علانه تجاهلا كبيرا لدور القانونين واغفالا واضحا للحافز الحقيقي في تطوير التشريعات ، فلا ينكر أن من القانونين من يضع نفسه فعلا في مثل هذا الدور السلبي لسبب أو لأخر ولكنه لا يمثل كل رجال القانون ولا حتى الأقلية منهم ، ومن الممارسات الحديثة اثبتت التجارب أن من رجال القانون من هم على درجة عالية من المعرفة والادراك لجوهر وأسس الفلسفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والشعور بالمسؤولية واثبتوا جدارات فائقة في تطور المجتمع وأسهموا مساهمات جديرة بالاعجاب والثناء ومن التعسف اغفال دورهم الايجابي في تطوير القانون .

وما سيذكر لاحقا في هذا البحث من ملاحظات هي نماذج فقط على بعض القصور في التشريعات وليس كلها . وعلى أية حال فأن هذه الدراسة قد تكون نقطة لأنطلاق أفكار قانونين اخرين لا عأدت دراسة التشريعات الزراعية وتطويرها .

واذا كانت الصورة النهائية للأحداث والتحولات الجوهرية في العراق لم تظهر بوضوح وجلاء بعد وعدم وجود سياسة زراعية واضحة ، فأن هذا لا يمنع من عرض القواعد القانونية واعادت تقييمها وعرض ما فيها من اشكالات قانونية على بساط البحث والمناقشة وتناول نتائجها بالتحليل ، وتأصيل وبناء قواعد جديدة لتشريعات الأراضي الزراعية ربما سيكون مختلفا عما ألفناه منذ ما يقارب المائة عام وليكون كل مهتم بالشؤون القانونية على اطلاع بها وتنشيط البحث والحوار حولها ولربما التأثير بقدر أو باخر في نتائجها النهائية .

القسم الثاني
الجانب التشريعي النظري لتشريعات الأراضي الزراعية
ان العراق ليس حديث عهد التشريعات الزراعية فتاريخ العراق يؤكد أن شريعة حمورابي والشرائع الأخرى الموغلة في القدم قد تضمنت أحكاما لتنظيم أصول الزراعة بدرجة عالية من الاتقان نسبيا .

لكننا هنا وان كان من حقنا أن نفاخر برسوخ الشرعية في الأمور الزراعية في بلدنا وانغراس جذور أحكامها في تلك الحقبة الزمنية البعيدة ، فأنه ليس من حقنا أن نربط علما حديثا بماض سحيق تقطعت الأسباب بينه وبين الحاضر القريب ببعد زمني وحوادث شكلت تاريخ العراق القديم والحديث وما عاناه من غزوات واستعمار وحصار اقتصادي واحتلال وما تلاه من أحداث ، لذلك سنحصر البحث في التشريعات النافذة في الوقت الحاضر الصادر من سنة 1925 وهو تاريخ تأسيس الدولة العراقية بمفهومها السياسي حيث اقر الدستور (القانون الأساسي )حتى العصر الراهن تاركين جانبا التتبع التاريخي لمراحل تطور التشريعات .

والمقصود بالجانب التشريعي النظري عموما النصوص التشريعية بحالة السكون (صياغتها، معطيات تشريعها ، مبادئها ، علاقتها ببعضها وعلاقتها بالنظام القانوني وبالدستور ، والمستوى العلمي والفني الذي تمثله ) وبصورة عامة تحليل النصوص القانونية النظرية ، وهنا يمكن أن نورد الملاحظات التالية بشأنها :-

أولا- تعدد التشريعات والجهات المنفذة لها وتنازع الاختصاص

لا يعتبر تعدد التشريعات التي تنظم موضوعا واحدا عيبا بذاته أذا أمكن تلافي عيوب التعدد في عدم تكرار الأحكام وضمان عدم التعارض والتناقض وان كان ذلك مدعاة لبعثرة الجهود وتشتت الأحكام بشكل يجعل تطبيقها غير دقيق لكن التشريعات الخاصة بالأراضي الزراعية اضافة الى تعددها أصابتها عيوب التعدد ويعزى ذلك الى تباين ومراحل صدورها على مدى فترة زمنية طويلة ومحاولة أشباع حاجات انية تقتضي تشريعها مجارات للتطورات المختلفة دون الاهتمام بمركزية الهدف ووحدة الموضوع حيث بلغ عدد التشريعات الزراعية والري للفترة من 1922 لغاية 1987 ، فقط ( 263) قانونا ونظاما.

فمثلا قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 181 لسنة 2002 نص على اختصاص محكمة بداءة موقع العقار بالنظر في دعوى أطفاء حق التصرف في الأراضي المشمولة بقانون توحيد أصناف أراضي الدولة المرقم 53 لسنة 1976 وتقدير التعويض وفق الأسعار السائدة وقت اجراء الكشف ، لكنه لم يتضمن نصا بالغاء قرار مجلس القيادة الثورة المنحل رقم 131 لسنة 1981 المعدل بالقرار 542 لسنة 1984 الذي نص على تشكيل لجنة في كل محافظة برئاسة معاون المحافظ وعضوية ممثل من وزارة الدفاع ومدير بلديات المحافظة ومدير التسجيل العقاري في المحافظة ورئي شعبة الأراضي تتولى أيضا اطفاء حق التصرف في الأراضي المملوكة للدولة وتعويض أصحاب الحقوق التصرفية أو المنشاءات والمغروسات والمزروعات ويكون قرارها بهذا الشأن قطعيا ، مما يجعل تنازع الاختصاص بين اللجان المذكورة ومحاكم البداءة أمرا واردا ؟.

وكذلك فان النص القانوني ( التعهد بنقل ملكية عقار يقتصر على الالتزام بالتعويض اذا اخل الطرفين بتعهده سواء اشترط التعويض في التعهد أم لم يشترط فيه ) فأنه ورد في المادة 1127 القانون المدني والقرار 1198 لسنة 1977 والقرار 1426 لسنة 1983 مع بعض الاضافات ومع ذلك تركت كثير من الجزئيات بدون

معالجة وخضع ذلك لاجتهاد المحاكم مما أدى الى تعدد الاراء والاجتهادات بشأنها ، ولا يقتصر التعدد على التشريعات الخاصة بالأراضي الزراعية بل يتعداه الى جهات تطبيق هذه التشريعات فهي متعددة أيضا بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية مما يؤدي الى تنازع الاختصاص وتجاوز بعض الجهات الحدود المرسومة لها في تطبيق تشريع معين أو اهمال تطبيقه بسبب عدم وضوح حدود الاختصاص ، وأسباب ذلك هو اختلاف جهات اقتراح التشريعات بين وزارة الزراعة ووزارة الزراعة ووزارة الاصلاح الزراعي ( الملغاة ) ووزارة الري والمجلس الزراعي الأعلى .

وفي مثل هذا الوسط الواسع المتطور المتغير موضوعيا وتنظيميا فأن تنازع الاختصاص واحتمالات التداخل فيما بينها يصبح نتيجة طبيعية ومن امثلة ذلك ما نصت عليه الفقرة (2) من المادة (33) من قانون الأصلاح الزراعي برئاسة موظف يرشحه المحافظ وعضوية ممثل عن الاصلاح الزراعي وممثل عن اتحاد الجمعيات الفلاحية للنظر في الاعتراضات على قرارات لجان الفصل في المنازعات الخاصة بالعلاقات الزراعية ويكون قرارها نهائيا باستثناء قرار انهاء العلاقة الزراعية حيث لا يعد نهائيا الا باقترانه بموافقة وزير الاصلاح الزراعي ، حيث يلاحظ عدم وجود ضوابط محددة لتحديد اختصاص اللجان وما يدخل ضمن اختصاصها وما يخرج عنه.

ويلاحظ ان لجان فض المنازعات الزراعية التي يترأسها عادة رئيس الوحدة الادارية يتصدون للفصل في منازعات تتعلق بتجاوز الاغيار على المساحات المتعاقد عليها رغم أنها من اختصاص محاكم البداءة بسبب الجهل بأحكام القانون حيث ان اختصاص اللجنة قانونا ينحصر في الفصل في المنازعات الخاصة بالعلاقات الزراعية كما ذكرناه اعلاه .

ثانيا “: تشتت التشريعات

تواجه القائمين على تطبيق التشريعات المتعلقة بالأراضي الزراعية صعوبات عملية في الوصول الى الحكم القانوني المطلوب نتيجة تشتت هذه الأحكام وتفرقها في

المجموعات الرسمية والمصادر ، فبالإضافة الى كثرتها وطول فترة صدورها نجد كثيرا منها قد الغي أو عدل وبمعزل عن التشريعات الأخرى التي لها علاقة بها فأحكام حقوق الارتفاق مثلا التي نص عليها القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 في المواد 1271-1284 عدلت بالقوانين الخاصة ومن تلك القوانين قانون بيع وتصحيح صنف الأراضي الاميرية رقم 51 لسنة 1959 وتعديله بالقانون رقم 14 لسنة 1960 وتعديله الثاني بالقانون رقم 45 لسنة 1960 وقانون حق اللزمة في الأراضي الزراعية رقم 153 لسنة 1959 وقانون اطفاء حق الحكر رقم 138 لسنة 1960 وقانون اطفاء حق العقر رقم 28 لسنة 1960 وقانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 اضافة الى ذلك تم الغاء بعض القوانين مع الابقاء على الانظمة والتعليمات الصادرة بموجبها لحين اصداء ما يحل محلها ولكن عمليا تبقى في النفاذ ولا تستبدل.

ثالثا / غير مرتبطة بسياسة زراعية واضحة الاهداف

صدرت التشريعات الخاصة بالأراضي الزراعية على مدى ما يقارب القرن من الزمان كما ذكرنا وبظل حكومات مختلفة الاهداف والغايات وكل منها كان يصدر لأشباع حاجة انية لذلك لا توجد مبادئ عليا مركزية محددة تراعيها تلك التشريعات فمتى ارتبطت هذه التشريعات المختلفة بهدف مركزي وسياسة زراعية واضحة فانها بذلك تصبح كيانا وليس مجرد رغبات اصلاحية لنظام قانوني

رابعا “: اغلبها قديمة

عند النظر في قائمة التشريعات النافذة يتضح ان اغلبها قديم صدر منذ عشرينات القرن الماضي وان مجرد وصف التشريعات بالقدم يترتب عليه ما يلي من النتائج

ارتباطها بمعطيات وحاجات المجتمع التي صدرت بظلها
المتعارف عليه في فقه القانون أن القاعدة القانونية انما تصدر تلبية لحاجة اجتماعية انية وان هذه الحاجة تنبع من واقع ذلك المجتمع وترتبط بمبادئه العليا وفلسفته الايدلوجية . فمثلا قرار مجلس قيادة الثورة المنحل ذي الرقم 286 لسنة 1987 الذي وضح الحد الادنى لافراز ملكية الاراضي الزراعية حيث كان القطاع الزراعي انذاك من القطاعات الاساسية حيث يمد السكان بالشطر الاكبر من احتياجاته الغذائية ويمد القطاع الصناعي بجزء كبير من احتياجاته وسوق رائجة للايدي العاملة .

فان القرار لم يعد يتلائم مع المتغيرات الجديدة فالواقع المعاصر يشير الى زيادة سكانية كبيرة وخاصة في الارياف جعلت المواطنين مضطرين الى تشييد دور سكن في اراضي زراعية مثقلة بحقوق تصرفية وعلى الشيوع في اغلب الاحوال والكثير من هذه الدور باهضة الكلفة وان حل النزاعات بين الشركاء على الشوع يقتضي ازالة شيوعها قسمة حيث يختص كل شريك بجزء من الاراض بحيث تبقى المشيدات التي تم انشائها ضمن حصصهم وان مثل هذا الحل المنطقي يصطدم دائما بقيود الحد الادنى للافراز بموجوب القرار المشار اليه انفا ونرى ضرورة صدور تشريع يعالج هذه الحالة ونقترح تخفيض الحد الادنى للافراز خاصة بعد دخول المكننة الزراعية والوسائل العلمية الحديثة في الزراعة التي يمكن بوجودها انتاج محاصيل زراعية بكيمة كبيرة باقل ما يمكن من مساحة في الأرض .

ومن نافلة القول نذكر أن العراق خلال السنين المنصرمة وفي بداية عهده بالتشريع كان قد تخلص لتوه من السيطرة الاستعمارية البريطانية ومن ثم جاء النظام الملكي الذي تبنى فلسفة النظام الرأسمالي واتسع فيه النظام الاقطاعي وبعد سنة 1958 تغيرت معالم النظام الساسي والاجتماعي وقامت أسس ومبادئ تختلف جذريا عن تلك التي ذكرناها أما بعد سنة 1968 فقد جرت تحولات كبيرة نحو الاشتراكية وصدر كم هائل من التشريعات المتعلقة بالأراضي الزراعية. أما بعد تاريخ 9/4/2003 فنلاحظ ندرة التشريعات المتعلقة بالأراضي الزراعية والمتصفح لدستور جمهورية العراق لعام 2005 لا يجد فيه عبارة واضحة الى طبيعية النظام الاقتصادي هل هو رأسمالي أو اشتراكي وان ما ورد في الفصل الاول /ثانيا منه ( الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ) يقتصر على حرية التملك وصيانة الملكية الخاصة .

ولا يفوتنا أن نذكر بأن الكثير من التشريعات اصبحت معطلة عمليا بسبب التغيرات الكبيرة على الصعيد السياسي والاقتصادي ولاجتماعي فمثلا جمعيات التعاون الزراعي والمزارع الجماعية لم يعد لها وجود من الناحية الواقعية منذ عقود . ولم تعد تنشر قرارات المجلس الزراعي في الجريدة الرسمية كما نص على ذلك القانون.

2 – أرتباط بعض منها بمستوى تشريعي معين

في أوائل القرن العشرين لم تكن الدول وحتى على الصعيد العالمي قد ادركت بعد مستوى جيدا في العلوم القانونية فلا تتوفر الدراسات القانونية أو الخبرات التشريعية ولا الكوادر القانونية الواعية لأهداف التشريع والامور المتعلقة به لذلك فما وجد من تشريعات في تلك الحقبة والسنين التالية لها ليس بالمستوى المطلوب نسبيا ، وفي كثير من الدول وخاصة العراق فقد كان حديث عهد بالتشريع ( بمفهومه المعاصر ) ولم يرث من الدوله العثمانية المنحلة الا تركة قليلة من التشريعات الخاصة بالزراعة ، وهي قديمة شرعت لتطبق في امبراطورية ذات ظروف جغرافية ومناخية وسكانية متباينة ليس العراق الا ولاية منها اضافة الى قلة الكادر القانوني انذلك وحتى الانسان المثقف . ونتيجة لهذا الواقع جاءت هذه التشريعات ركيكة غامضة وبصياغة والفاظ غريبة يصعب تطبيقها في بلد كالعراق والابقاء عليها فيه مجانبة للواقع واغفال للحاجات الحقيقة للمجتمع الحديث كما ان بعض منها لم يعد يستعمل في لغة القانون ولا في الكلام المألوف تداوله بين الناس في الوقت الحاضر كما توجد الفاظ ومصطلحات استبدلت بغيرها من الالفاظ والمصطلحات الحديثة وربما يؤدي استعمالها الى اشكالات ( كمتصرف ) أي محافظ ، و(لواء) أي محافظة. (سركال) وهو احد رجالات الاقطاع والذي لم يعد له وجود بعد هدم النظام القطاعي.

خامسا – الاطناب وتفصيل الاحكام الجزائية غير الضرورية

يلاحظ أن بعض أحكام التشريعات الخاصة بالأراضي الزراعية مبتسرة ولا تكشف بوضوح عن الغرض من تشريعها فمثلا قوانين الاصلاح الزراعي رغم أخذها بمبدأ الامتداد القانوني في التوزيع وعقود الايجار بعد وفاة الموزع عليهم أو المستأجرين الا انها لم تحدد طبيعة حق ذويه بشكل واضح بحيث أذا قامت خصومة بين ذوي المستأجر أو ذوي الموزع عليهم والاغيار هل يكون سند هذه الخصومة وفق القسام الشرعي أم وفق القسام القانوني ؟ .

المرجح عندنا أن يجري الاعتماد على القسام الشرعي لتحديد الاشخاص الذين يخلفوا صاحب العلاقة الزراعية والدليل على ذلك أن القسام القانوني خاص بحق التصرف كما ورد ذلك في نصوص القانون المدني هذا من جهة ، كما أن قانون الاصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1970 وفي المادة (26) منه أورد كلمة ( ورثة). كما وردت كلمة (ورثة المستأجر ) في المادة (7) خامسا من قانون القرى العصرية الزراعية رقم 59 لسنة 2012 . كما أنه جاء في التعليمات رقم 100 لسنة 1985 المادة السادسة المعدلة بالتعليمات رقم (1) لسنة 2012 الصادرة من وزارة الزراعة بشأن مزارع تربية الاسماك الفقرة (4) منها L( للمستأجر أو ورثته التنازل عن العقد الى الغير بموافقة وزير الزراعة أو من يخوله بعد مضي (3) سنوات في الاقل ابرام العقد )) . وهذ كله يدل أن المقصود بـــ ( الورثة) هم أصحاب الحصص الارثية بموجب القسام الشرعي الذي تصدره محكمة الاحوال الشخصية .

وينطبق ما ذكرناه اعلاه على قانون ايجار اراضي الاصلاح الزراعي رقم 35 لسنة 1983 حيث جرى العمل على ان ورثة المستأجر يحلون محل مورثهم في الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد الايجار .

وبالعكس من ذلك نجد نصوص أخرى من نفس التشريع أو من تشريعات أخرى فيها ميل للاطناب وتحشية النص بعبارات زائدة لا جدوى من اقحامها في صلب القانون فقد يفرد المشرع مادة كاملة لتحديد اسم القانون اضافة الى عنوانه وبالتالي لا تعطيه الرقم الذي يميزه عن غيره كما في التشريعات الحديثة ويسترسل المشرع أحيانا بحيث ياتي النص كاملا عاديا بعيدا لغة القانون يوضح امور جزئية وبديهية لا تحتاج حتى الى تعليمات لتوضيحها.

كما يلاحظ أن بعض التعليمات تشكل تعديل للقانون الذي صدرت لتوضيحه مثال ذلك بيان وزير الزراعة والري رقم (1) لسنة 1989 المنشور في الوقائع العراقية العدد 3257 في 29/5/1989 التي منع فيها قبول طلبات تثبيت حقوق المغارسة بعد صدور قانون الاصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1970 رغم أن المادة 14 من القانون اعلاه جاءت مطلقة ولم تميز فيما أذا كانت حقوق المغارسة نشأت قبل صدوره أم بعده وان ما ورد في المادة 14/5 يخص المغارسات المكتسبة قراراتها الدرجة النهائية المسجلة بعد نفاذ القانون ، وحسنا فعل المشرع عندما أصدر قراره المرقم 182 في 21/8/2002 الذي اعطى محكمة بداءة موقع العقار النظر في دعوى طلب تثبيت حق المغارسة وفق أحكام المادة 14 من قانون الاصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1970 .

سادسا – تنظيم المواضيع بصورة ناقصة :-

بعض القوانين تنظم المواضيع التي تتناولها ناقصة وبشكل يؤثر على النتيجة التي ارادها المشرع نفسه وتؤدي الى تعدد الاجتهادات في تطبيقها مثال ذلك :

1- لم يحدد القرار 1426 لسنة 1983 عدد المغروسات في الدوانم الواحد والذي عنه تتوفر شروط التمليك وكذلك الحال لطبيعة المشيدات ان تكون مسقفة او غير مسقفة ونوع البناء بحيث فتح المجال واسعا لاجتهادات المحاكم بهذا الشان كما ان المشرع أعتبر الحكم القضائي الذي تصدره محكمة البداءة بدرجة اخيرة قابل للطعن تمييزا امام محكمة استئناف المنطقة وحرم الخصوم من الطعن الاستئنافي رغم اهمية العقارات من الناحيتين المادية والمعنوية

2- لم يوضح القانون بعض المصطلحات التي يصعب ادراك معناها حتى على كثير من رجال القانون (كالتجنيب)(1) و(الارض المجنبة)(2)

3- لم يحدد قانون الاصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1970 المقصود ب (الوحدة الزراعية) هل هي الوحدة العقارية المنصوص عليها في قانون التسجيل العقاري ام المساحة المتعاقد عليها .

4- يلاحظ ان ( وزارة الشؤون البلدية والقروية ) لم يعد لها وجود المنصوص علها في المادة (6) من قانون تمليك الاراضي الاميرية الواقعة ضمن حدود البلدية الى الوحدات الادارية (البلديات ) رقم 80 لسنة 1970 الذي لا زال نافذا .

ونتسائل ما هي الوزارة التي حلت محلها هل وزارة البلديات والاشغال العامة ام وزارة أخرى .

سابعا- لا تنسجم مع الدستور النافذ وطبيعة العلاقات الاجتماعية الحديثة .

وبتعبير اخر لا تراعي الحقوق والحريات العامة بما يتلائم والعلاقات الجديدة فاغلبها يجيز للسلطة الادارية اتخاذ أجراءات قهرية بحق المخالفين سالبة للحرية كالحجز والتوقيف ومالية كالمصادرة والغرامة كما انها ، تضمنت نصوص تمنع المحاكم من سماع الدعاوى الناشئة عن تطبيقها .

فقد خولت الادارة سلطات قاضي جزاء بتطبيق الكثير من التشريعات المتعلقة بالاراضي الزراعية وتمارس هذه السلطة بشكل غير مدروس ولا دقيق وتطبق من اشخاص ليس لديهم خبرة قانونية .

وقد قيل في تبرير ذلك أن قواعد المرافعات في القضاء العادي قد لا تتفق مع ما تتطلبه بعض الامور من السرعة والعجالة في التنظيم والردع وازالة المعوقات أو عندما تكون القوانين الخاصة تتصل بتنظيم مسائل وثيقة الصلة بأعمال الموظف الاداري لرفع مستوى الانتاج الزراعي وحماية الثروة القومية وتحصيل الديون الحكومية.

فهذه الاجراءات أذا كانت مألوفة قبل سنوات حيث الحريات العامة والشخصية غير واضحة ولا مصونة فأنها اليوم حيث العلاقات الاجتماعية المتطورة والديمقراطيات السياسية والاجتماعية بحيث لا يمكن قبول تلك الاجراءات وينبغي تقليل الخروج عن سلطة القضاء الى صلاحيات الادارة لكون سلة القضاء الأقدر على تحقيق العدالة وتؤمن طرق التظلم والطعن بعد أن وصلت دور العدالة الى كافة الأقضية والنواحي في العراق بمختلف انواعها (مدني ، جزائي) ، ووجود القضاة يمارسون مهامهم الوظيفية وفق القانون نظرا لما يتمتع بع حكم القاضي من ضمانات دستورية تكفل حماية المصلحة العامة والفردية في ان واحد كما يقتضي الامر اعطاء الدور الحقيقي لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات المهنية والجماهرية للمساهمة في حل الخلافات وتسوية النزاعات الزراعية ، فهذه نقاط يجب أن تراعى في التشريعات الحديثة .

وبعد صدور الدستور العراقي لسنة 2005 فقد منع توقيف احد او التحقيق معه الا بموجب قرار قضائي (المادة 35/اولا) كما منع تحصين أي قرار اداري من الطعن .

كما صدر القانون رقم 17 لسنة 2005 ( الغاء النصوص التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوى) . ومع ذالك فان القانون المذكور لم يلغ اختصاص اللجان القضائية كاللجان الخاصة بدعاوى شركات النفط العامة بالنسبة لدعاوى اجر المثل او التعويض او منع المعارضة في المواقع التي تمارس فيه اعمالها بموجب قانون تخصيص مناطق الاستثمار لشركة النفط الوطنية رقم 97 لسنة 1967 حيث شكلت اللجان بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 1018 لسنة 1982 وتعديله القرار – 544 لسنة 1983 وكذلك لجان تثبيت المللكية المنصوص عليها في قانون التسجيل العقاري . كونها لجان قضائية يراسها قاضي بترشيح من رئيس الاستئناف وحددت طرق طعن قانونية لها . وهذا نا استقر عليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية.

كما أننا ندعو الى تفعيل اللجان الزراعية ولجان حل الاراضي المملوكة للدولة المثقلة بحق التصرف المستثمرة كمقالع بدون عقد استثمار وذلك لكثرة المقالع غير المجازة للأراضي الزراعية . وذلك لتجنيب القضاء الخوض في حل منازعاتها والتي يفترض ان تكون الحقوق التصرفية محلولة وتعود لوزارة المالية وحتى لا يفضي الامر الى صدور أحكام قضائية برفع التجاوز منع المعارضة ويعطي حق القرار عليها للأفراد رغم مخالفتها لقانون الاستثمار المدني رقم 91 لسنة 1988.

ثامنا – تخلفها عن مسيرة التطور العلمي .

لا ترتبط التشريعات بالاوضاع الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية وحسب بل ترتبط بالمستوى العلمي وتطوراته وخاصة الزراعية منها ويجب ان لا تقف عند مستوى معين في وقت معين .

لقد أحرزت العلوم الزراعية خلال السنوات الاخيرة تقدما هائلا بعد ان استخدمت فيها التكنلوجيا الحديثة والوسائل العلمية في النتاج مما جعل بعض التشريعات الخاصة بالأراضي الزراعية الحالية متخلفة علميا الى حد يخل بقيمتها ، فقوانين الاصلاح الزراعي لم تتضمن نصا بالزام دوائر الزراعة بأعداد مرتسمات للمساحات المتعاقد عليها من قبل الافراد أو الموزع عليهم فكانت بعض من اقرارات التوزيع (شهادة التوزيع المؤقتة ) جعلت مجموعات من الفلاحين بالعشرات طرف واحد في استغلال عشرات أو مئات الدوانم بحيث يكون الاستغلال على الشيوع وهذا انعكس سلبا في كثرة المنازعات بينهم وتجد المحاكم صعوبة بالغة في البت في دعاوى رفع التجاوز أو دعاوى منع المعارضة سواء بين الشركاء على الشيوع أو بين أحد هؤلاء والاغيار عن العقار كون المساحة المتعاقد عليها غير محددة على الارض ويعتذر تحديد المساحة المتعاقد عليها لكل واحد على انفراد كونه من قرار التوزيع الجماعي وقد استقر القضاء على رد مثل هكذا دعاوى.

ولنا أيضا عدة ملاحظات على قانون تقدير بدل ايجار الاراضي الزراعية المشغولة للأغراض العسكرية رقم 37 لسنة 1968 المعدل بالقانون رقم 21 لسنة 2002 منها :-

1– أن تسمية القانون بــــ (تقدير بدل ايجار ) غير دقيقة لأن كلمة ( ايجار) تقتضي وجود عقد ايجار مبرم بارادة حرة بين صاحب الارض ووزارة الدفاع في حين ان الاراضي الزراعية المشمولة بأحكامه هي التي تم الاستيلاء عليها عنوة واشغالها من قبل الوحدات العسكرية والمفروض تبديل التسمية بـــ (قانون تقدير اجر المثل للأراضي الزراعية المشغولة للأغراض العسكرية ).

2 عدم وجود اللجنة المختصة بتقدير بدل ( الايجار ) من النحية الواقعية المنصوص عليها في القانون وغياب الالية الواضحة لتشكيل اللجنة وكيفية اجراء عملها .

3- أن رئيس لجنة التقدير من وزارة الدفاع هو الخصم في النزاع وهذا لا يجوز بالمنطق القانوني

4- أن الحدود العليا لبدل ( الايجار) التي حددها القانون في المادة (3) منه لا تزيد على خمسة عشر الف دينار للدونم الواحد لكل عام لم تعد تتناسب مع المتغيرات الاقتصادية ومستوى الاسعار .

5- القانون حرم مالك الأرض أو صاحب حق التصرف من اقامة الدعوى المدنية على امر الوحدة العسكرية للمطالبة باجر المثل في حالة مخالفته لشروط استخدام الارض اذا كانت الارض خاضعة لمناورات الدفاع الجوي ونرى أنه لم يعد هنالك مبرر للأستثناء المذكور .

القسم الثالث – الجانب التطبيقي لتشريعات الاراضي الزراعية

أن التشريعات الخاصة بالاراضي الزراعية تمر بمرحلتين الأولى أصدار التشريع والثانية تطبيقه لذا تناولنا هذا الموضوع في أولا : الية اصدار التشريعات وثانيا : تطبيق التشريعات كما يلي :

أولا – الية اصدار التشريعات

قبل استحداث المجلس الزراعي الاعلى بالقانون رقم 116 لسنة 1970 ولفترة قصيرة بعد استحداثه كانت القوانين والانظمة الزراعية تقترح من قبل الدوائر الفنية المختصة في وزارات القطاع الزراعي ومؤسساته وتصاغ بشكل لائحة من قبل الدوائر الفنية فيها وبعد تدقيقها تدوينيا من قبل ديوان التدوين القانوني ترسل الى رئاسة ديوان رئاسة الجمهورية ثم الى مجلس قيادة الثورة المنحل تشريعها أما التعليمات والبيانات فتصدر من قبل الوزارة المختصة أستنادا الى قوانينها .

لكنه بعد قيام المجلس الزراعي الاعلى أضيفت الى سلسلة التشريع المذكورة مرحلة أخرى حيث تعرض اللوائح التي تعدها الوزارات عليه ليقرها أولا أستنادا الى احكام قانونه والمفروض هنا أن يكون هذا الاجراء ايجابيا في صالح التشريع والسياسة الزراعية … فهل كان كذلك عمليا ؟.

باعتقادنا انها يجب ان تكون كذلك لو أن المجلس الزراعي التزم بفكرة النظر في موضوع مشروع القانون ومدى أرتباطه وتأثيره بالسياسة الزراعية لكن الواقع لم يكن كذلك انما كان دوره كمدون قانوني في بحث الاخطاء اللغوية والمطبعية والصياغة التدوينية اضافة الى اعادة دراسة مواضيعها من الناحية الفنية والاجتهاد في تغيير طبيعة التشريعات المقترحة من مستوى الى اخر لاعتماده على الفنيين فقط في اعداد التشريعات الزراعية بما في ذلك صياغتها واغفال دور القانونين وهذا يؤدي حتما الى عدم الدفة والكمال في تلك التشريعات ويقلل من فاعليتها في تحقيق الغرض من التشريعات .

والان بعد التغيير الذي حصل فالية اصدار التشريعات تتم باقتراح يقدم من رئيس الوزراء أو من رئيس الجمهورية أو أقتراح يقدم من عشرة من اعضاء مجلس النواب أو من احد لجانه الخاصة . ويقدم الاقتراح الى مجلس النواب من رئاسة الوزراء عادة ويصوت عليه الاغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب ( حضور الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه ).

ويرسل القانون الى رئيس الجمهورية للمصادقة عليه ويعد مصادقا عليه بعد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمها ، وبعد المصادقة على القانون ينشر في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية ) ليدخل حيز النفاذ .

ويلاحظ قلة التشريعات الخاصة بالاراضي الزراعية بعد أحداث 9/4/2003 نذكر منها قانون الغابات والمشاجر رقم 30 لسنة 2009 ، وقانون القرى العصرية الزراعية رقم 59 لسنة 2012 .

ثانيا- تطبيق التشريعات

تطبق أغلب التشريعات الزراعية فيما يخص الاراضي الزراعية من قبل الاداريين والفنيين وتشريعات يسيرة أو احكام محدودة من بعض التشريعات يطبقها قانونيون ، وتطبيقها يلاقي مصاعب في الحالتين فبالنسبة للفنيين من مهندسين زراعيين ومرشدين ومراقبين زراعيين تنقصهم الخبرة القانونية وابسط المبادئ المتعلقة بتطبيق القانون كقواعد التفسير وكيفية سريان القوانين والاجراءات الشكلية بتعديلها وما شاكل ذلك فبحكم دراستهم واختصاصهم في الأمور الأدارية والفنية فانهم لم يتلفوا دروسا في مبادئ تطبيق التشريعات التي سيشرفون عليها بعد تخرجهم وبذلك سيظل تطبيقهم ناقصا وغير دقيق ويثير كثير من الاشكالات ، أما بالنسبة للقانونيين في القطاع الزراعي فأستطيع القول بثقة انهم غير مؤثرين ولا فعالين في ضمان احترام القانون ومراقبة تطبيقه بدقة ولم يستطيعوا أن يترفعوا بمستواه تشريعا و تطبيقا لعدة أسابا يعود بعضها اليهم ذاتهم والبعض الاخر يعزى للظروف العامة السائدة في البلد المعروفة للكافة .

فالتي تعود اليهم أهمها عدم اهتمامهم بتحسين مستوياتهم القانونية علميا بالمتابعة لمسيرة تطور العلوم القانونية والادارية والفكرية العامة واكتفائهم بما توفره لهم مراكزهم من حصانة وعدم محاسبة ومراعاتهم الزائدة للمجاملات الشخصية للمسؤولين وعدم التنبيه الى المخالفات القانونية في تصرفاتهم وقراراتهم . وتاثرهم بالعواطف والمجاملات أيضا عند الافتاء بمواضيع تتعلق بزملائهم الموظفين أما الاسباب التي تعزي الى الظروف المحيطة فأهمها قلة عدد القانونيين قياسا الى عدد الفنيين في مراكز الوزارات والمؤسسات بحيث يطغى رأيهم على رأي القانونيين ويستسلمون لأرائهم وكذلك الظروف الامنية التي المت بالبلد بعد أحداث 9/4/2003 والتي غلت أيدي السلطة التنفيذية عن أداء الكثير من المهام الوظيفية المناطة بها .

نتائج و توصيات
من شرح واقع التشريعات الخاصة بالاراضي الزراعية تلمسنا عيوبها ونواقصها فظهر انها ترتبط بمعطيات وفلسفات مجتمع شرعت له وهو مغاير تماما للمجتمع الذي تطبق فيه اليوم اضافة الى مستواهم التشريعي شكلا وموضوعا وعجز بعض نصوصها عن مسايرة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية الحديثة والتحولات التي شهدها العراق ، كما أن تطبيق تلك التشريعات ليس بمستوى الطموح .

ولما كان التشريع في كل زمان ومكان يعبر عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للطبقة السائدة في المجتمع وتطلعاتها وتؤكد فلسفتها وافكارها فأن الدعوة الى اعادة النظر في بعض التشريعات التي تخص الاراضي الزراعية أصبح مبررة وضرورية لتساير واقع المجتمع وخاصة في مرحلة التحول التشريعي التي يمر بها العراق .

أن أصلاح التشريعات المذكورة يجب أن يراعي المبادئ التالية

1- رفع المستوى التشريعي شكلا ومضمونا وذلك باعتماد صياغة فنية دقيقة مبسطة وأستعمال الفاظ ومصطلحات مفهومة وسهلة وتجاوز الاسهاب والتفصيلات الجزئية للأحكام . وذلك بالنص على القواعد الاساسية في القانون وترك وتنظيم التفصيلات الجزئية بأنظمة وتعليمات لتسهيل متابعة التطور العلمي وتوفير المرونة لمعالجة الامور المتغيرة بالسرعة التي تقتضيها .

2- ربط التشريعات بالمستوى العلمي وبالمرحلة الحاضرة بحيث تحقق الفائدة من استعمال العلم والتكنلوجيا والمكننة في الزراعة والانتاج .

3- مراعاة الاوضاع الزراعية الجديدة وتعديل النصوص القائمة على فكرة الاستغلال الجماعي والمزارع الجماعية لعدم وجودها من الناحية الواقعية .

1- ربط التشريع بمعطيات المجتمع الجديد وترجمة مبادئه وفلسفته الاجتماعية والاقتصادية ومراعاة حالة الفلاح وتهيئة اسباب ارتباطه بارضه .

2- تكثيف التشريعات الزراعية بصورة عامة وتشريعات الاراضي الزراعية على الاقل أو توحيدها وبشكل لا يخل بالغاية من تشريعها وذلك عن طريق اصدار بضعة تشريعات زراعية ودمج القوانين المتقاربة أو المتشابهة في الموضوع الذي تنظيمه في قانون واحد على سبيل المثال أصدار قانون ( أحكام الاراضي الزراعية ) أو أي تسمية تفيد المقصود منها .

3- تحديد دقيق لجهة تنفيذ القانون وصلاحية كل منهما مما يحول دون التنازع والتداخل في الاختصاص وأخضاع جميع المنازعات الزراعية لاختصاص السلطة القضائية .

وأخيرا لا بد أن يمتد الاصلاح القانوني الى أجهزة التنفيذ في القطاع الزراعي وغيره وذلك برفع الكادر القانوني فيه نوعيا وعدديا ودعمه ماديا ومعنويا وتزويد الكادر الفني بحد ادنى من العلوم القانونية لجعلهم اداريين جيدين ومنفذين مدركين ايضا للقواعد القانونية الاساسية للتشريع وكيفية تطبيقه وتفسيره .

وبعج أن انهيت بحثي هذا ورغم الجهد المتواضع الذي بذلته في سبيل اعطاء هذا الموضوع حقه أرجو من الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في اظهاره بالشكل المناسب . فأن أصبت فمن الله العون والتوفيق . وأن أخطأت فأنه غفور رحيم . وفوق كل ذي علم عليم .

مراجع البحث

1- ابراهيم المشاهدي – معين القضاة –ج1- توزيع المكتبة القانونية – بغداد -2000.

2- الدكتور عبد الوهاب الداهري – التنمية الزراعية في المجتمعات التقليدية – دار الطليعة – بيروت الطبعة الاولى -1968

3- د. عصمت عبد المجيد ( مشكلات اعداد التشريع وصياغته ) بحث منشور في مجلة القضاء والتشريع العدد الاول السنة الخامسة 2013.

4- القاضي عواد حسين العبيدي – الاختصاص القضائي في منازعات الاراضي الزراعية منشورات مكتبة الجيل العربي – الموصل -2011.

5- الدكتور – فؤاد عبد المنعم رياض – مقالة بعنوان ( تدريس القانون في الدول النامية ) منشورة في المجله المصرية للقانون الدولي المجلد 26 لسنة 1970 .