تعديلات قانون الإجراءات الجنائية حق المعتقل في المثول أمام قاضي التحقيق
بقلم نبيل أديب عبدالله
” إننا نؤمن أن الحقائق التالية ثابتة بذاتها: وهي أن جميع الناس قد خلقوا متساوون. أن خالقهم قد منحهم حقوق معينة غير قابلة للإنتزاع، وأن من بين هذه الحقوق الحق في الحياة، وفي الحرية، وفي السعي لتحقيق السعادة” توماس جيفرسون
رغم الحاجة الملحة لذلك، يبدو أنه من الصعوبة بمكان ان تقبل السلطة الحالية بإصلاح قانوني يجعل القوانين متفقة مع الدستور. لقد رأينا ذلك الأمر يتكرر مع عدد من القوانين التي تم تعديلها أو إعادة إصدارها في الفترة الإنتقالية، بدعوى ضرورة موافقة أحكامها مع أحكام الدستور، فإنتهى بنا الأمر، كما نعلم جميعا، بصدور قوانين تحمل نفس الأحكام المخالفة للدستور، أو أحكاما أكثر مخالفة للدستور منها.
لعل قانوني الصحافة والمطبوعات لعام 2009 وقانون الأمن الوطني لعام 2010 مثلين واضحين لذلك. ورغم أن القانونين قد أعيد صدارهما كنتاج لمطالب حركة مجتمع مدني ومعارضة نشطة، في حضور قوي للمجتمع الدولي في قلب البلاد، إلا أن كل ذلك لم يفلح آنذاك، إلا في إعادة إصدار القانونيين بكل ما يحملان من عوار دستوري. الآن يناقش البرلمان مشروع التعديلات المقترحة على قانون الإجراءات الجنائية، فهل يا ترى نحن مقبلون الآن على مشاهدة ذلك الفيلم مرة أخرى؟ هذا ما لا مناص منه إذا تمت إجازة التعديلات بالأغلبية الميكانيكية للمؤتمر الوطني.
حق المعتقل في المثول أمام قاض في قانون الإجراءات الجنائية قبل وبعد التعديل
رغم أن الدستور يقضي بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، إلا أن ضرورة منع الجريمة والعقاب على إرتكابها، تقتضي في ظروف معينة إخضاع المشتبه فيهم لإجراءات تحقيق وتحري تفقدهم حريتهم.
الحق في الحرية لا يتعارض مع تلك الإجراءات، ولكن يقيدها بحدود ضرورتها. وبالتالي فإن أحكام القانون يجب أن لا تتيح لسلطات الضبط تقييد حرية المشتبه فيهم، إلا حال وجود إشتباه معقول بتورطهم في جريمة إرتكبت، أو يُحتمل أن تُرتكب، ويكون ذلك التقييد في الحدود التي تقتضيها ظروف النحقيق أو التحري ودون أن ينال ذلك من إفتراض البراءة في حق المشتبه فيه، ولا حقه في الحرية والأمان.
وهذه الأحكام يتولاها بصفة رئيسية قانون الإجراءات الجنائية ولكن هناك أيضاً قوانين أخرى تفرض قيودا على حرية المشتبه فيهم، وبعضها كقانون الأمن الوطني يفرض قيوداً أشد وطأة من تلك التي يفرضها قانون الإجراءات الجنائية.
بالنسبة لقانون الإجراءات الجنائية فقد كانت المادة 79 قبل تعديلها تنص على ما يلي:
1) يجوز أن يبقي المقبوض عليه للتحري بوساطة الشرطة في الحراسة لمدة لا تجاوز اربعاً وعشرين ساعة لاغراض التحري.
(2) يجوز لوكيل النيابة اذا اقتضي الامر تجديد حبس المقبوض عليه لمدة لا تجاوز ثلاثة ايام لاغراض التحري.
(3) يجوز للقاضي بموجب تقرير وكيل النيابة أن يامر بحبس المقبوض عليه لاغراض التحري كل اسبوع لمدة لا تجاوز بمجملها اسبوعين وعليه أن يدون الاسباب في محضر التحري.
(4) يجوز للقاضي الاعلي في حالة المقبوض عليه الذي وجهت اليه التهمة أن يامر بتجديد حبسه لاغراض التحري كل اسبوعين علي الا تجاوز مدة الحبس يجملتها ستة اشهر الا بموافقة ريئس الجهاز القضائي المختص.
بقيت الفقرتان الأولى والثانية على حالهما مع إضافة كلمة التحقيق لكلمة التحري. ولكن التغيير الحقيقي قد أصاب الفقرة 3 من المادة والتي إستبدلت بفقرة تمنح سلطة تجديد الحبس بعد ذلك لوكيل أول النيابة بدلا من القاضين لمدة لا تزيد عن سبعة أيامن ويجوز له تجديدها لمدة لا تزيد عن عشرة أيام. مما يعني أن التعديل أرجأ مثول المعتقل أمام القاضي لمدة سبعة عشرة يوما يظل فيها تحت إشراف النيابة. أضاف التعديل بعد ذلك حكما غير مسبوق يقضي بأنه إذا رفض القاضي تجديد الحبس، فعلى النيابة العامة الإفراج على المتهم بالضمانة أو الكفالة في خلال سبعة أيام. وهذا يعني أن سلطة النيابة العمومية في إحتجاز المتهم قد إمتدت من ثلاثة أيام في القانون الحالي إلى 27 يوما في التعديل المقترح.
حق المعتقل في المثول أمام قاض وفقا للدستور
تنص المادة 29 على أنه لكل شخص الحق في الحرية والأمان، ولا يجوز إخضاع أحد للقبض أو الحبس، ولا يجوز حرمانه من حريته أو تقييدها إلا لأسباب ووفقاً لإجراءات يحددها القانون. وتنص المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على انه لا يجوز إعتقال الإنسان تعسفا. كما وتنص المادة 6 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب على أنه “لكل فرد الحق فى الحرية والأمن الشخصى ولا يجوز حرمان أى شخص من حريته إلا للدوافع وفى حالات يحددها القانون سلفا، ولا يجوز بصفة خاصة القبض على أى شخص أو احتجازه تعسفيا”. والمادة 9 (3) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. على ما يلي:
3) يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه. ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم على ضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في أية مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية، ولكفالة تنفيذ الحكم عند الاقتضاء.
وقد تم ضم مجموع نصوص العهود الثلاثة للدستور الإنتقالي بواسطة المادة 27 (3) منه.
وقد نصت على هذا الحكم الوارد في تلك العهود عدد من القرارات الدولية، وأحكام محاكم حقوق الإنسان الإقليمية، والدولية، وأساسها وضع الإعتقال تحت إشراف القضاء. والغرض من وضع الإعتقال تحت إشراف القضاء هو حماية الحق في الحرية والأمان، وضمان تطبيق المبدأ القانوني الذي يقوم على إفتراض البراءة، ولكنه أيضاً يهدف إلى منع وضع المعتقل تحت رحمة السلطة التي تحتجزهم بشكل حصري منعاً للتعذيب وغيره من ضروب إساءة معاملة المعتقلين.
على ضوء ذلك كله هل يلبي التعديل المتطلبات الدستورية لإلزام الدولة بتوفير الحق في الحرية والأمان؟ يجدر بنا أولاً أن نسأل نفسنا هل كانت المادة في شكلها الأصلي تلبي تلك المتطلبات؟ لقد كانت إجابتنا على هذا السؤال بالنفي وكنا نعتقد أن مدة الأربعة أيام التي كانت تتيحها المادة قبل تقديم المشتبه في إرتكابة جريمة إلى القاضي فترة طويلة جدا وشاطرنا في هذا الرأي مؤتمر الحوار الوطني، فرأى الإكتفاء بثلاثة أيام ولكن الأهم من ذلك وضع على عاتق السلطات عبء الإسراع بالمحاكمة بحيث لا تزيد فترة الحبس عن ثلاثة أشهر في كل الأحوال. وحين أدرج المؤتمر الشعبي تلك المقترحات في التعديلات الدستورية رُفِضت بدعوى أن مكانها القانون وليس الدستور وها نحن أتينا إلى ما قيل أنه مكانها فلم نجدها بل وجدنا عكسها.
إذا عدنا إلى سؤالنا الأول فالإجابة عندي بالنفي فالتعديل قد عمد إلى إنتهاك الحق في الحرية والأمان على ما سنفصل فيما يلي:
الغرض من حق المثول أمام قاض
“سلطة الاعتقال – والتي تعني حرمان مواطن من الحرية – يجب استخدامها بشكل منصف ومسؤول ودون تحيز” لوريتا لينش
الغرض من تقديم الشخص المحتجز على وجه السرعة أمام قاض، أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية أمرين.
الأول هو تقدير ما إذا كانت هناك أسباب قانونية كافية للقبض على الشخص أو إحتجازه، فإن لم يجد ذلك يفرج عنه. وهذا يلبي متطلبات الحق في الحرية.
والثاني هو ما يوفره ذلك بصفة خاصة من ضمان سلامة الشخص المحتجز، وعدم تعرضه لإساءة المعاملة، وهذا يلبي متطلبات الحق في الأمان. لذلك فإن إبقاء المحتجز رهن الإحتجاز فترة طويلة دون عرضه على سلطة قضائية يخرق حقه في الحرية والأمان، لأنه يجعل طول فترة الإحتجاز، و المعاملة التي يخضع لها المحتجز، وشروط الإحتجاز الأخرى مسألة تقررها السلطة التي تحتجزه. وهذا يحول الإحتجاز بشكل تلقائي إلى إحتجاز تعسفي، حيث يصبح للسلطة ان تحدد بمطلق حريتها أسباب وشروط حرمان المشتبه فيه من حريته مما يجعله أعتقالا لا يخضع لأي معايير، ولا لأي رقابة لفترة طويلة. معلوم أن السلطة التعسفية تفقد الخاضع لها الأمان وتعرض حقه في الحرية للإنتهاك.
لذلك فإن المثول أمام القاضي أو الموظف القضائي الآخر يجب أن يكون بغرض فحص قانونية الإحتجاز. أما إذا كان الغرض تسجيل إقرار قضائي، أو أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق، فإن ذلك لا يلبي متطلبات حق المثول أمام القاضي. وقد أوضحت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في دعوى أكويلينا ضد مالطة أن حق المثول أمام سلطة قضائية لا يتحقق بمثول الشخص المحتجز أمام قاض، بل يتطلب هذا الحق أمرين الأول هو أن يكون القاضي مختصا بأن يراجع الظروف التي تبرر ذلك الإحتجاز، أو تمنعه. والثاني أن يكون المثول بغرض أن يقرر القاضي بالرجوع للمعايير القانونية ما إذا كان ذلك الإحتجاز له ما يبرره، وأن يأمر بإطلاق سراحه في حالة التوصل لقرار بعدم وجود ما يبرر ذلك الإحتجاز أو إستمراره. وهذا يعني أنه يتوجب على الموظف القضائي المكلف بهذه المهمة أن يتوصل لقرار موضوعي حول مشروعية الإحتجاز.
وفقاً للتعديل المقدم فإن المعتقل لا يقدم لقاض إلا بعد واحد وعشرين يوما من إعتقاله ونحتاج لخيال جامح لكي نصف تقديمه بعد كل هذه المدة بأنه تم على وجه السرعة. ومع ذلك فإن القاضي لايملك السلطة المطلوبة دستوريا عند فحص مشروعية الإبقاء رهن الإعتقال، وهي سلطة إطلاق سراح المعتقل، لأن أمر القاضى بإطلاق سراح المعتقل غير قابل للتنفيذ إلا بموافقة النيابة، أو بمرور سبعة أيام على صدوره!!!!!!!
حق مختلف عن حق التقدم بطلب إطلاق السراح
كما ميزت المحكمة في دعوى أكويلينا المذكورة، بشكل واضح بين حق المثول أمام موظف قضائي وبين حق المقبوض عليه في أن يتحدى مشروعية إعتقاله، وهو الإجراء المعروف بالإسم اللاتيني habeas corpus Writ of. فهذا الحق الأخير يتطلب فعلا إيجابيا من المتهم، يتمثل في أن يتقدم بطلب إلى المحكمة المختصة متحدياً فيه شرعية إعتقاله. في حين أن حق مراجعة أمر القبض بواسطة سلطة قضائية هو حق يوجب على السلطة التي أوقعت القبض أن تعرض المحتجز على محكمة أو مسؤول قضائي آخر، بغض النظر عن ما إذا كان المحتجز قد طعن في إحتجازه أو لم يطعن.
ورغم أهمية الدور الذي تلعبه طلبات ال habeas corpus Writ of في إنهاء الإعتقال التعسفي، إلا أن هذه التفرقة تكتسب أهمية كبرى في بلادنا حيث يتفشى الفقر والجهل وكلاهما يلعب دوراً كبيراً في تحويل الحق في تحدي مشروعية الإعتقال إلى حق نظري بحت، لأن أغلبية الخاضعين للإعتقال لا علم لهم بحقوقهم، ويفتقدون المقدرة المالية على الإستعانة بمحام لتقديم الطلب. ومعلوم أن طلبات ال habeas corpus Writ of تحتاج صياغتها لدراية قانونية رفيعة. أما وقد قلنا ذلك، فيجدر بنا أيضاً أن ننبه لضرورة أن يشمل قانون الإجراءات الجنائية مادة تمنح هذا الحق للمتهم منذ لحظة إعتقاله، لأن القانون الحالي لا يتضمن حكماً كهذا.
صحيح أن هذا الحكم يندرج تحت سلطة القاضي الطبيعية، لكن عقب تكوين النيابة العمومية تكونت لدى القضاة عقيدة خاطئة بأن مسائل ما قبل المحاكمة، بشكل عام، تستقل بالقرار فيها النيابة العمومية، مما يجعل حتى معالجتهم لأوامر التجديد تتم وفق هذا المنظور الخاطئ، لأن الصحيح هو أن يكون القضاء هو المهيمن بشكل أساسي على المسائل المتصلة بمشروعية الإعتقال وظروفه.
كذلك فإن وجود الإجراء في قانون المحكمة الدستورية لا يمنع من السماح للقاضي العادي بالفصل في طلبات إطلاق السراح، حيث أن تجربة المحكمة الدستورية في هذه المسألة تشير إلى أن معالجتها لتلك الطلبات يحتاج لزمن أطول مما يتطلبه هذا الإجراء من زمن لأنها بسبب الإمكانيات المتاحة لها، والتي اشرنا من قبل لنقصها المريع، لا تستطيع أن تفصل في تلك الطلبات بالسرعة المطلوبة. يجب أن يتضمن قانون الإجراءات الجنائية نصا ينظم إجراء إصدار ال habeas corpus Writ of بالإضافة للحكم الذي يوجب تقديم المعتقل لقاض لفحص مشروعية إعتقاله.
الإجراء يجب أن يمنح الحق غير المقيد لكل من يفقد حريته، بأن يطلب من قاضي أن يفحص مشروعية إعتقاله، وذلك بأن يصدر أمراً بإحضاره فوراً. وجملة Habeas Corpus تعني أرني جسم الشخص المطلوب إحضاره. والمقصود بالطبع إحضار المعتقل بشخصه، والإسم مأخوذ من الجملة التى تتصدر الأمر باللغة اللاتينية، والتى تذكر” بهذا أنت ملكف بإحضار السجين(الإسم) سالماً ومعه سبب إعتقاله لهذه المحكمة فى التاريخ المحدد في الأمر” ويكون ذلك فى أسرع وقت تسمح به المدة التي يأخذها نقل السجين من مكان إعتقاله إلى المحكمة التي أصدرت الأمر. وهذا الأمر يجب ألا يُكبل بأي إجراءات أو قيود، تحول دون إصداره. فمجرد أن يصل إلى علم القاضي أن شخصاً ما قد فقد حريته، ويطلب فحص مشروعية ذلك، عليه أن يستجيب فوراً لذلك الطلب.
ويتم ذلك بأن يطلب مثول السجين وسجانه أمامه، حتى ولو كان هذا الطلب قد قدم إليه خارج زمن لعمل. والغرض من ذلك أن لا يظل أي شخص فقد حريته على غير مقتضى القانون فى يد معتقله لأي زمن، و أن يصبح مقدم الطلب تحت رعاية القاضي أثناء فحص مشروعية الإعتقال، ولا يخرج من تلك الرعاية إلا شخصاً حراً أو معتقل بمسوغ قانوني .
حضور المتهم بنفسه أمام القاضي
إذا فإن المطلوب هو أن يلزم القانون السلطة التي تحتجز المعتقل بتقديمه للقاضي للفصل في مشروعية الإعتقال. وهذا يتطلب أولا حضور المتهم بنفسه أمام القاضي، كما ويتطلب السماح له بالإستعانة بمحامي على نفقته أو على نفقة الدولة إذا توفرت شروط ذلك. وظهور المقبوض عليه بشخصه أو بواسطة ممثله القانوني عند التقرير في أمر تجديد الحبس هو ضمان مهم لم ينص عليه القانون ولم يعالجه التعديل. و لا يكفى منشور رئيس القضاء الذى يلزم بذلك، إذ أنه لا يُتبع في أغلب الدعاوي. فنحن نحتاج لمادة كالمادة 128 (أ) من قانون 1980 الإنجليزى التي تمنع تجديد الحبس غيابياً.
بمعنى ضرورة إتاحة الفرصة للمقبوض عليه أو محاميه في الظهور لدى طلب تجديد الحبس، والنظر في دفوعه وبيناته قبل إصدار الأمر. ورغم أن القانون في إنجلترا لم يكن قبل ذلك ينص على حق المقبوض عليه أن يحضر شخصياً أمام القاضي عند فحص الإفراج بالضمان إلا أن القضاة كانوا بشكل عام يتعاملون مع المسألة بإعتبار أنه من حق المقبوض عليه ذلك. ولذلك فإنه عندما يكون المقبوض عليه من النوع الذي قد يحدث فوضى في المحكمة فإن القضاة كانوا ينتقلون إليه في السجن لسماعه، كما كانوا يعلمون أن إتخاذ قرار بدون حضور المقبوض عليه شخصياً- ما لم يكن ذلك برضاه – يشكل سبباً لإلغاء القرار الصادر في الأمر .
وفقاً لقانون 1998 في إنجلترا، فإن المقبوض عليه يعتبر حاضراً الإجراءات إذ كان في السجن، وتم توصيله بالفيديو بقاعة المحكمة التي تتم فيها الإجراءات، بحيث يمكنه أن يرى ويسمع ما يدور في المحكمة، ويمكن أيضاً لمن في المحكمة أن يروه ويسمعوه .
وقد ذهبت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية إلى أنه ليس ضرورياً حضور المقبوض عليه شخصياً في السماع حول الإفراج بضمان طالما أنه ممثل بمحامي، وبشرط أن يكون ذلك بإرادة المقبوض عليه. وذكرت في دعوى جروزينيس ضد ليتوانيا أن وجود المقبوض عليه شخصياً كان مهم لمساعدة محاميه في السماع بمده بالمعلومات اللازمة .
لم تحمل المادة 79 من قانون الإجراءات الجنائية أيا من تلك الضمانات ولم يشر إليها التعديل وهو ما يجعل التعديل في هذه الجزئية بغير جدوى.
الزمن المتطلب لمثول المعتقل أمام القاضي
صحيح أنه لم يتم تحديد الزمن المتطلب لمثول المعتقل أمام القاضي بشكل قاطع في النص الدولي والدستوري، وترك الأمر لكي يتم تحديده وفق ظروف كل دعوى على حدة، ولكن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ذكرت أن الأمر لا يحتمل سوى القليل من المرونة. أما لجنة حقوق الإنسان، فقد ذكرت أنه لا يجوز أن يزيد التأخير في هذا الأمر عن عدة أيام. وقد إعتبر في معظم القضايا التأخير لأكثر من 48 ساعة تأخيراً مفرطاً.
وقد أعربت لجنة حقوق الإنسان عن القلق بالنسبة للقوانين في بعض البلاد التي تسمح بإحتجاز الشرطة للمشتبه بهم لأكثر من 72 ساعة قبل عرضهم على القاضي، نذكر منهم أوزبكستان وأوكرانيا . أما في المكسيك حين تبين أن تعذيب المعتقلين يتم بشكل منهجي فقد أوصت اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب، بتعديل القانون كي يتطلب تقديم المعتقلين للمحكمة خلال 24 ساعة من القبض عليهم، وأوصت بأن يكون القضاة حاضرون في جميع الأوقات للنظر في الإفراج عنهم.
على ضوء ذلك لا يجد المرء تفسيراً لأن يعدل القانون لزيادة مدة الإعتقال السابقة لتقديم المتهم للقاضي لتصبح 27 يوماً بدلاً من الأربعة أيام التي ضجرنا منها كمدافعين عن حقوق الإنسان، وضجر منها مؤتمر الحوار الوطني الذي تعهدت الحكومة في أعلى مستوياتها بتنفيذ مخرجاته. ولعل أكثر ما يجعل هذا التعديل مثيرا للجدل أنه لأول مرة في تاريخ قوانين الإجراءات الجنائية تمنح جهة غير قضائية سلطة مخالفة أمر القضاء. إذ أن التعديل لم يمنح النيابة فقط سلطة الإحتجاز لمدة متطاولة، ولكنه منحها سلطة تجاهل أمر القاضي برفض تجديد الحبس. وهذا لا يعني فقط تأخير مثول المشتبه فيه أمام القاضي لفترة تحرمه من الحرية والأمان، بل تجريد مثوله أمام القاضي من أهم شروطه، وهو ان يكون للقاضي سلطة فحص مشروعية إحتجازه، وما يترتب على ذلك من إطلاق سراحه إذا لم يكن إحتجازه مشروعا. ويصل الأمر لأن يمنح التعديل النيابة سلطة إرجاء تنفيذ أمر القاضي بإطلاق سراح المشتبه فيه لمدة سبعة أيام، وهذه المدة أكثر من ضعف المدة التي كان يمكن للنيابة أن تحتجز المشتبه فيه قبل تقديمه للقاضي .
لا يوجد قانون على ظهر هذه البسيطة يمنح سلطة غير قضائية سلطة إبقاء معتقل رهن الإعتقال بعد أن قرر قاض عدم مشروعية إعتقاله، وهي سلطة ترقى للترخيص للنيابة بإرتكاب جريمة الحجز غير المشروع المعاقب عليها بموجب المادة 164 من القانون الجنائي.
إذا كان التعديل المطلوب إصداره هو تعديل لحكم يقضي بضرورة عرض المعتقل للقاضي في خلال أربعة أيام من إعتقاله، لحكم يسمح بإبقاء المتهم سبعة أيام رهن الإعتقال بعد صدور قرار قضائي بالإفراج عنه، ألا يحول ذلك الحق في المثول أمام قاضي إلى هزل في مقام الجد؟
شرط الحيادية أو الإستقلال
رغم أن المادة تشير إلى الحق في المثول أمام قاض أو مسئول قضائي آخر، إلا ان ذلك المسؤول يجب أن تتوفر فيه الحيادية، والإستقلال عن السلطة التنفيذية، لذلك فإن عرض المعتقل للنيابة لا يلبي إحتياجات المادة.
فقد قررت اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان أن أعضاء النيابة العامة، والمحققين، وضباط الجيش، وقضاة التحقيق، لا يتمتعون بالأهلية اللازمة التي تؤهلهم للقيام بدور الموظف المخول له السلطة القضائية في هذا المقام حيث أنهم فاقدو الحيادية المؤسسية والموضوعية اللازمة للقيام بدور الموظفين القضائيين المنوط بهم أن يقرروا في مدى قانونية الإحتجاز بالنظر لكونهم مخولين صلاحية التدخل في الإجراءات اللاحقة .
وقد أشرنا من قبل لدعوى Brincat v. Italy لدى محكمة حقوف الإنسان الأوروبية حيث رأت المحكمة ان النيابة تفتقد الحياد الموضوعي وذلك لا ينفيه إستقلالها عن السلطة التنفيذية، ولا يتطلب إثباته أن تتصرف بتحيز لطرف في النزاع، بل يكفي أن القانون يخوله أن يتدخل لاحقاً في الإجراءات كعضو في هيئة الإتهام، فهذا يجعل حياديته موضوعياً محل شك مبرر.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً