التعريف بعقد البوت (عقد البناء ثم التشغيل ثم إعادة الملكية) و أهميته
تهتم الحكومات دائما ببناء البنية التحتية للبلد وتهيئة الظروف المناسبة للمواطنين، ولكن كثيرا ما تواجه صعوبات في طريقها لهذا الهدف، ومن أهم تلك الصعوبات هي توفير السيولة الكافية لتلك المشاريع التنموية، فهل الطريق الأمثل هو تحمل الدولة لجميع تكاليف تلك المشاريع بشكل مباشر؟ أو تتحملها من خلال القروض والسندات؟ لا شك أن الإجابة عن التساؤل تختلف حسب طبيعة المشروع وجدواه الاقتصادية وخلافه، ولكن بشكل عام؛ ولأجل هذه المشكلة؛ نشأ كثير من الأفكار الحديثة، ومن أبرزها وأكثرها نجاحا، فكرة عقود البناء ثم التشغيل ثم التحويل للملكية التي تسمى بعقود البوت، وهي مترجمة من الإنجليزية BOT ولها مسميات وصور مختلفة حسب الحاجة.
وفكرتها باختصار، أنه بدلا من أن تقوم الدولة ببناء المشروع المكلف، فإنها تقوم بضمان امتياز لمستثمر ما؛ كي يقوم ببناء المشروع، ثم يستعيد ما أنفقه إضافة إلى ربح مقدر أثناء الدراسة من خلال تقديم الخدمة للناس بعد انتهاء المشروع لمدة معينة متفق عليها.
وتتأكد أهمية هذه الفكرة وتصبح حلا استراتيجيا، خاصة في حال مرور الدول بضائقة اقتصادية أو نقص في السيولة. نوع العقد ليس مقتصرا على الدولة، بل قد يكون بين الأفراد أيضا، وهذا النوع من العقود مفيد جدا لتنمية البلد وتعزيز الاستثمار فيه، إضافة إلى الإسهام في بناء البنية التحتية بشكل أسرع، كما أن له ميزة كبيرة في توفير ميزانية الدولة وتركيزها على الأمور الأكثر إلحاحا، أو تلك المشاريع قليلة العائد المادي على المستثمرين. الحقيقة أن كثيرا من الدول في العالم منها بعض الدول الغنية كبريطانيا وأستراليا وغيرهما، تقوم بتسليم كثير من مشاريع البنية التحتية ـــ مثل شبكات القطارات والجسور والأنفاق ـــ إلى القطاع الخاص ليقوم بذلك وبالشروط التي تم الاتفاق عليها.
هذه الطريقة من التعاقد توفر للمواطنين جودة الخدمة المقدمة وسرعة تطبيقها، الأمر الذي قد يأخذ سنوات طويلة فيما لو قامت به الدولة مباشرة. مبدأ مشاركة القطاع الخاص في البنية التحتية مطلب ضروري ملح لأجل الدفع بعجلة التنمية بأسرع وقت ممكن وبجودة عالية، ثم بانتهاء الفترة المتفق عليها ــــ وهي غالبا نحو عشر سنوات حسب الاتفاق ونوع المشروع ــــ يقوم المستثمر بتسليم المشروع للجهة الحكومية المشرفة. يشار إلى أن من أشهر المشاريع التي بنيت بناء على هذا النوع من العقود، مشروع قناة السويس ـــ تقريبا ـــ وبنما، ونفق القطار تحت البحر الممتد بين المملكة المتحدة والشطر الثاني من أوروبا. ولتحقيق هذا الأمر نحتاج إلى قاعدة قانونية لهذا النوع من العقود لدينا، من خلال نظام جامع يمكن من خلاله تسهيل عملية إنهاء إجراءات المشروع وتوحيد سياسة الدولة، إضافة إلى تسريع عملية إقرار العقود كما فعلت الكويت مثلا.
الإشكالات الشرعية والقانونية في عقود البوت
بعض الإشكالات القانونية التي تواجه مثل هذا النوع من العقود لدينا، وضرورة المعالجة التشريعية لها من خلال إصدار نظام خاص.
عقد البوت عبارة عن عدة اتفاقات داخل عقد واحد، وهي تعاقد على البناء للمشروع بما في ذلك من تفصيلات واشتراطات ومواصفات ذلك البناء وربما نوع المواد المستخدمة ومخططات وما إلى ذلك حسب اتفاق الطرفين، حيث غالبا يشترط ذلك المالك الأصلي سواء كانت الدولة أو مؤسسات وأفراد. وبعد ذلك هناك اتفاق آخر متصل بالعقد نفسه، وهو الاتفاق على حق المستثمر الباني للمشروع أن يستثمر ذلك الأصل لمدة معينة يحددها الطرفان في العقد، ويعبرون عنها أحيانا بملكية المنفعة في تلك الفترة، كما يتخلل هذه النقطة عديد من الاشتراطات والاتفاقيات من طبيعة الاستثمار وحدوده وربما حتى الاتفاق على حق المستثمر بالحصول على جزء معين من الدخل وليس كامل الدخل وغير ذلك من الاشتراطات بين الطرفين. ثم تأتي النقطة الأخيرة غالبا؛ وهي الاتفاق على إعادة الملكية للمالك الأصلي، وهنا أيضا عديد من الاتفاقيات التي بين الطرفين بخصوص الوقت المحدد للإعادة للملكية وطريقتها واشتراطاتها.
هذا التعقيد في عقود البوت جعلها من أكثر العقود صعوبة وتعقيدا، مما يجب مراعاة النواحي القانونية الدقيقة في العقد، إضافة إلى الجوانب الشرعية المرتبطة بالعقد التي قد تؤدي به أو بعض أجزائه إلى البطلان فيما لو اختلف الطرفان ولجآ إلى القضاء، فهناك عديد من الاشتراطات المؤثرة في رغبة الطرفين ربما، وقد لا يعلمون أنها في حال وصلت إلى القضاء فإن هذا الاشتراط سيكون باطلا، ما يجعل الاهتمام بصياغة هذه العقود مهما للغاية، ويحتاج إلى معرفة وخبرة قانونية وشرعية متراكمة في ذلك.
ومع كل ذلك؛ إلا أنه في بعض النقاط حول هذه العقود؛ لا يمكن لمستشار قانوني أن يجزم أن القضاء سيعتبر تلك النقاط كما اتفق عليه الطرفان، وذلك لسببين؛ الأول: عدم وجود قانون خاص بهذا النوع من العقود ليسد الفراغات التشريعية، والثاني: أن القاضي لدينا غير ملزم بمدونة معينة أو حتى مبادئ قضائية معينة، ما يجعل احتمال إبطال بعض الاشتراطات وارد جدا في حال وصل الأمر للقضاء، كون ذلك يعود إلى اجتهاد القاضي الشخصي طالما لا يوجد نظام ملزم، وعلى الرغم من ذلك؛ فإن المستشار الجيد يمكنه تخفيف هذا الاحتمال قدر الاستطاعة.
نقطة مهمة أخرى؛ وهي في المشاريع الحكومية الكبيرة، فقد يكون من المناسب إلزام المستثمر بطرح الشركة في مساهمة عامة بنسبة معينة، لأجل ضمان مشاركة المواطنين في بناء وطنهم، ولمزيد من الشفافية في مثل هذه العقود، وهذا ما يفعله عدد من القوانين الدولية المشابهة.
الخلاصة؛ إن سن نظام خاص بعقود البوت مصلحة ملحة للوطن، وتشجع الاستثمار في هذا النوع من العقود، كما تضمن الأمان للمستثمرين والمستفيدين على حد سواء.
اترك تعليقاً