الحقوق الزوجية
ا. تمهيد وتقسيم :
إذا وجد عقد الزواج مستوفيا جميع أركانه وسائر شروطه كان صحيحا نافذا لازما فتترتب عليه آثاره التى رتبها الشارع عليه ، أما إذا اختل ركن الزواج أو شرط من شروط انعقاده فقد وقع العقد باطلا ولم يرتب أى أثر من آثار العقد الصحيح ، وإن حدث بناء عليه دخول مع العلم ببطلانه كان ذلك زنا يستوجب الحد فى رأى كافة الفقهاء ، إلا أبا حنيفة الذى رأى مجرد العقد شبهة تمنع الحد ،ولأنه وطء محرم فلا ينشر المحرمية على رأى الشافعى وجماعة، وفى رأى أبى حنيفة وجماعة ينشرها ، ويجب شرعا التفرقة بين الرجل والمرأة.
وإن اختل شرط من شروط صحة العقد كان العقد فاسدا ، والفاسد بمجرده لا يثبت حقا ، ولكن إن حدث فيه دخول ترتبت على الدخول جملة من الآثار أظهرها : وجوب الأقل من المسمى أو مهر المثل ، وثبوت النسب ، وعدم الحد للشبهة ، ووجوب العدة ، وتستحق المدخول بها نفقة قبل فسخ العقد ، وينشر المحرمية بين كل من الرجل والمرأة وأصول الآخر وفروعه ، ومع هذا يجب فسخه لفساده .
وإن اختل شرط النفاذ كان موقوفا يتوقف على إجازة من يملكها ، فإن أجازه صار صحيحا نافذا ، وإن رده كان كأن لم يكن ، وقبل إجازته لا يترتب عليه أى أثر من الآثار ، وبإجازته تترتب عليه كل آثار الزواج الصحيح ، وإن حدث فيه دخول : إن أمكن حمله على الرضا فهو فى حكم الدخول فى الزواج الفاسد ، وإن وقع بعد الرد والرفض مع العلم بالبطلان كان زنا يوجب الحد .
وإن كان العقد غير لازم لفقده شروط اللزوم ، كالكفاءة مثلا ، فحكمه حكم الصحيح ، غير أنه يقبل الفسخ بالإرادة المنفردة ممن ثبت له هذا الحق ، ما لم يوجد منه ما يدل على رضاه بالزواج ، أو مضى المدة التى يمكن الفسخ فيها ، وصورتها المثلى كما قلنا أن تحمل المرأة التى تزوجت أو زوجت بغير إذن وليها غير العاضل .
وفى العقد غير اللازم : إن حدث الفسخ قبل الدخول والخلوة الصحيحة لا يجب شئ مطلقا ، وإن كان بعد الدخول وجب ما يلزم بالعقد الصحيح .
وفى الصفحات التالية نتقصى آثار الزواج الصحيح ، وهى فى الواقع جملة من الحقوق والواجبات والأحكام الشرعية وتظهر هذه الأخيرة فى أمور كالنسب ، والتوارث بين الزوجين ، وحرمة المصاهرة ، وقد تكلمنا عن الأخيرة منها ، وثبوت التوارث بين الزوجين له موضعه فى أحكام المواريث، أما النسب فسيأتى الكلام عنه تفصيلا فى موضع تال ، أما الحقوق والواجبات فهى جملة من الأمور المتكافئة ، بمعنى أن كل حق يقابله واجب ، فما يثبت من الحقوق لأحدهما يقع واجبا على الطرف الأخر .
ومن عظيم حكمة الله تعالى أنه رتب حقوق الزواج وواجباته بوضعه وجعله ، حفظا للحياة الزوجية من العبث ، وإخضاعها للأهواء ، وقد صنفت على ثلاث مجموعات :
1- حقوق مشتركة بين الزوجين
2- حقوق خاصة بالرجل
3- حقوق خاصة بالمرأة
وهذه الحقوق مقررة في الفقه الإسلامي حرصًا على استقرار الأسرة ، وبهذه الحقوق والواجبات التي يبذلها كل طرف للآخر، يتحقق الأمن والأمان الذي جمعه قولـه تعالى:)وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (.
أولاً: الحقوق المشتركة بين الزوجين:
حرصًا على سلامة الأسرة واستقرارها وضع الإسلام حقوقًا وواجبات لكلا الزوجين من أجل تحقيق الأمن والأمان، والحقوق المشتركة بين الزوجين هي:
1- حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر.
2- ثبوت التوارث بين الزوجين.
3- الحق فى ثبوت نسب ولد الفراش إليهما { وهو حق لا يخص النكاح الصحيح وحده ، وسنعود إلى ذلك فى الكلام عن النسب }
4- حسن المعاشرة.
5- ويضيف بعض مشايخنا إلى ما تقدم ثبوت حرمة المصاهرة بسبب الزواج ، وفى رأينا أن حرمة المصاهرة حكم شرعى خارج عن دائرة الاختصاص – التى يتميز بها الحق – ولا تتوقف مراعاته قضاء وديانة على طلب من أحد ، وقد تكلمنا عنه عند حديثنا عن المحرمات من النساء .
أ- حل استمتاع كل من الزوجين بالأخر:
أبرز الحقوق المشتركة بين الزوجين هو ذلك الحق الذى خف الكلام الصريح فيه وهو الاستمتاع والمعاشرة ، بيد أنه السبب إلى مصالح الزواج ، وأهمها كالتناسل والسكن والمودة والرحمة ، وكيف لا يكون وهو إرواء ” إحدى شهوتين عليهما تقوم الحياة ، ومن أجلهما كان التشريع كله ” (. )
والاستمتاع طلب التمتع ومعناه ” التلذذ ، يقال تمتع بالشئ أى تلذذ به ، والمتاع كل شئ يتمتع به ، وأصله من قولهم : حبل ماتع أى طويل ، وكل من طالت صحبته مع الشئ متمتع به ” ( )
1- ومع أن التعبير بالاستمتاع لم يبرز فى التبويب الفقهى القديم فإن بعض مشايخنا من المعاصرين أخذوه من تعبير الإمام الكاسانى الحنفى قى بدائعه حيث قال ” وهذا الحكم وهو حل الاستمتاع مشترك بين الزوجين فإن المرأة كما تحل لزوجها يحل لها ” ( ) وهو فى رأيى أفضل ما يعنون به فى هذا الباب .
وقد أنس الكاسانى فى استعماله بالتعبير القرآنى ” فما استمتعتم به منهم فآتوهن أجورهن ” ( ) وكــــــــــان رحمه الله موفقا إذا عول على هذا الاستعمال دون غيره ، لأن الاستعمالات الأخـــــــــرى الــــواردة فى القــــــرآن الكـــــــريم كالإفضاء ( ) والمس( ) والتغشـ ــى ( ) والإتيان ( ) واللمس ( ) والقرب ( ) كلها دون لفظة الاستمتاع فى العموم ، وهو يشملهــا جميعا ، ويفوقها فى إيحاءاته النفسية ، بحصول الألفة والمودة والسكن ، وهى مداخل الاستقرار والعفة.
2- ومواضع ذكر الاستمتاع فى القرآن الكريم تثير تأملات تصل إلى حد العجب ، فنجده فى سياق متصل بشرعة الصوم ، ونجده فى حديث القرآن عن الحيض – وكلاهما فى سورة البقرة ،وفى حديثه عن الطهارتين الأصلية و البدلية – فى سورة النساء – أما مرادفات لفظة الاستمتاع فى الدلالة عليه – بالاستعمال القرآنى – ففيها من الإيحاءات النفسية والمعانى الاحتماعية ما يتعجب منه أيما عجب .
وإذ يذكر الاستمتاع فى هذه المواضع وغيرها على نحو ما رأينا فلابد وأن يكون شأنا خطيرا تتعلق به الأحكام ، ومن ذلك :-
أ- أنه حق للرجل على زوجته يجب عليها أن تجيبه إليه إذا طلبه وإلا كانت عاصية لربها ، بشرط أن يكون طلبه للمحل المباح ، وفى الوقت المباح ، وهو ما عدا زمن حيضها ونفاسها وصومها المفروض وإحرامها بالحج ؛ مع ملاحظة أن الاستمتاع بغير الجماع فى الحيض والنفاس والصوم لا يحرم إن أمن نفسه وبشرط ألا يضــر بها فى حالى الحيض والنفاس ( ).
ب- أنه حق للزوجة على زوجها يلزمه ديانة ويجب عليه فى الحكم فى رأى أكثر العلماء.
ولم أجد من آئمة المذاهب من لم يوجبه فى الحكم إلا الشافعى رحمه الله، فقال : الجماع موضع تلذذ لا يجبر أحد عليه ( )، وبه قال بعض الحنفية ( ).
وقال الإمام مالك : يؤخذ الزوج بجماع زوجته كل مدة ليحصنها ويقطع شهوتها ، فإن أطال ترك جماعها وحاكمته إلى القاضى فسخ النكاح بينهما إن لم يجامع ( )، وهو قول بعض الأصحاب من الحنفية( ).
وقدر الحنابلة وبعض الحنفية المدة التى يؤاخذ بتركها الزوج بمدة الإيلاء، وهى أربعة أشهر ( ).
ويرى الإمام ابن حزم الظاهرى أن أقل الواجب على الرجل مرة كل شهر إن لم يكن له عذر ، لقول الله تعالى ” فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله “( ) حيث أمر بإيتائهن عقب الطهر والأمر للوجوب ( ).
وما دون الجماع فى الاستمتاع كالمبيت بمضجعها ومداعبتها وملاعبتها وإيناسها واجب مرة على الأقل كل أربع ليال ، وقال الشافعى لا يجب لأنه من دواعى الشهوة والمحبة التى لا يقدر على تكفلها ( ).
والصحيح الأول لما روى كعب بن سوار أنه كان جالساً عند عمر بن الخطاب فجاءت امرأة فقالت : يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجى ، والله إنه يبيت ليلة قائما ، ويظل نهاره صائما ، فاستغفر لها وأثنى عليها، فاستحيت المرأة وقامت راجعة ، فقال : يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها ، فقال : وما ذاك ؟ فقال : إنها جاءت تشكوه ، إذا كان هذا حاله فى العبادة متى يتفرغ لها ؟ ، فبعث عمر إلى زوجها ، وقال لكعب اقض بينهما فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهمه ، قال – كعب – : فإنى أرى أنها امرأة عليها ثلاث نسوة وهى رابعتهن – أى افترض أنها كذلك – فأقضى له بثلاثة أيام وليالهن يتعبد فيهن ، ولها يوم وليلة ، فقال عمر : والله ما رأيك الأول بأعجب إلى من الآخر ، اذهب فأنت قاض على البصرة ” قال البهوتى: هذه قضية اشتهرت ولم تنكر فكانت كالإجماع ( ).
حـ –والصحيح أن ليس للاستمتاع حد فيستمتع كل من الزوجين بالآخر بما يروى شبقه ويذهب نهمه ، على أى وضع كان ، وفى حرية تامة ، وليس لذلك فى الإسلام حد إلا أن يأتى الرجل المرأة فى الموضع المحرم ، أو فى علانية من أحد ، فالله سبحانه وتعالى يقول ” نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم “( ) أى من أين شئتم أو كيف شئتم ، وما يقال غير ذلك من تقييد حرية الزوجين فى النظر أو اللمس أو الهيئة فكلام ساقط لا يسنده دليل ( ).
ولعله من المعروف أن الاستمتاع بين الزوجين من السر ، بل هو بأمر الشارع عين السر ، ومن ثم فالكلام حوله لا يثور فى حال استقامة العلاقة بين الطرفين ، فإن تعكر صفو الاستمتاع طفت إلى السطح الشكاية ، وانتقلنا من حديث الزواج إلى حديث الطلاق والفرقة ، ومن ثم فالموضع المشتهر لأحكام العلاقة الخاصة بين الزوجية هو – مع الدهشة – باب الطلاق ، وقد قيل بحق ” الطلاق يبدأ من الفراش ” .
ب- حسن العشرة.
ظاهر القرآن الكريم أن حسن العشرة يلزم الأزواج لا الزوجات لورود الخطاب فيه للرجال ، كقوله تعالى ” وعاشروهن بالمعروف”( ) وقوله ” فإمساك بمعروف ” ( ) وقولــه ” فأمسكوهن بمعروف ” ( ) ولكن هذا فهم قاصر فالخطاب للجميع ( ) ولكن أوثر به الرجال لاحتمال وجود دواعى الإساءة من تملك القوامة وحق التعدد، فضلا عن إرث الجاهلية فى الإساءة إلى النساء .
وأبلغ دليل على ذلك أن غاية حسن العشرة حصول السكن ، وقد أمر الله به الرجل والمرأة فقال ” وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة ” ( ) ثم إن المرأة مأمورة فى الكتاب والسنة بطاعة زوجها ( ) وليس فى الإحسان أقوى من التزام الطاعة ومراعاة الغرض .
ولوازم حسن العشرة كثيرة ومتنوعة ، وحاصلها الحرص على إرضاء الآخر فى غير معصية ، واجتناب ما يسوؤه فى بدنه ونفسه وماله ، ليكون الزوجان على وفاق ومحبة .
وقد نبهت الدكتورة عائشة عبد الرحمن إلى بيان قرآنى غاية فى الروعة والإعجاز مفاده أن مسمى الزوجية فى القرآن لا يطلق إلا على الارتباط الذى يؤنس فيه سكن كل من الزوجين للآخر ومودتهما وتراحمهما ” فإذا تعطلت الزوجية من السكن والمودة والرحمة بخيانة أو تباين فى العقيدة فامرأة لا زوج”( ).
وبيـــــــان ذلك أن الله تعالى حين تحــدث عن آدم قــــــــال ” وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك ” ( ) وحين تحدث عن المتقين ذوى العشرة الحسنة قال ” والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ” ( ) وقال ” والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا ” ( ) أما الارتباطات الخربة التى لا سكن فيها ولا رحمة فليست زواجا ، وإن سماها الناس كذلك ، قال سبحانه ” وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ” ( ) وقال ” ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين . وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة ونجنى من فرعون وعمله ونجنى من القوم الظالمين ” ( ) .
وكالحال فى قضية الاستمتاع فإن أحكام العشرة بين الزوجين تثار عندما يتحقق هذا الحق للخلل، ومن ثم يظهر حق الزوجة فى حسن العشرة عند الكلام عن التطليق للضرر ، فهناك يختل التزام الرجل بحسن معاملة وعشرة زوجته ، ويظهر حق الزوج فى حسن عشرة زوجته له فى الكلام على النشوز ، وموضعه فى الطلاق أيضا .
ج : ثبوت حق الإرث بين الزوجين:
فإذا مات أحد الزوجين والزواج قائم حقيقة أو حكمًا فإن الآخر يرث من تركته ، ما لم يوجد مانع من موانع الإرث ، وينبغى أن يعلم أن الإرث لا يتوقف على الدخول أو الخلوة، فيرث الحى من الزوجين من تركة المتوفى ولو لم يكن قد تم دخول ، فالعبرة بالعقد الصحيح فقط .
أما قدر ما يستحق : فتستحق الزوجة في تركة زوجها الربع إذا لم يكن له ، منها أو من غيرها ، ولد ،وتستحق الثمن إن كان له ولد – منها أو من غيرها – وتنفرد بهذا النصيب إن كانت وحدها ، وتشترك مع الزوجات الأخريات إن كان للزوج أكثر من زوجة .
أما نصيب الزوج في تركة زوجته فعلى الضعف من ذلك. والكلام فى الإرث له موضعه الخاص .
ثانياً : حقوق واجبة للزوج على زوجته:
قبل تفصيل القول فى هذه الحقوق نرى من الأنسب أن نبرز الحقائق الآتية :
أولاً : حقوق الرجل قسم إلهي
يدرك المؤمنون بالإسلام دينا أراد الله به خير البشرية وبمحمد e رسولا خاتما إلى الناس أجمعين أن الحقوق والواجبات لم تتقرر على هوى الرجال أو النساء ، وإنما حكم الله فيها بما يصلح الدنيا ، ويكسب فلاح الآخرة ، ولأن الله يعلم أن من النفوس الإمارة بالسوء من قد تدعى يوما أن هذا الحق أو ذاك قد صنعه الاغتصاب ، أو قررته السلطة على هواها فقد أنزل فى ذلك قرآنا يتلى ويتعبد به ، فقال تعالى ” ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما ” ( ) .
قال المفسرون ” نهى الله عن التمنى لما فيه من دواعى الحسد ، ولأن الله أعلم بمصالحهم منهم فوضع القسمة بينهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم ” ( ) .
فإذا كان هذا حكم الله فى التمنى فما بالنا بحكم الله فى إبطال حق الغير بالكلية ، لا شك أنه سيكون بوبال فى الدنيا ونار فى الآخرة .
ثانياً : أطر حقوق الرجل محدودة بالنصوص
وإذا كنا ننتقد اللاتى ينكرن على الزوج حقه باعتدائهن على قسم الله فإن من الرجال من يسيئون استعمال الحقوق التى قدر الله لهم فيتعدون حدود الله ، غافلين عن تحذيره ، فحقوقهم كما أمر الله ليست تسلطا ، بل هى أعباء ، وواجب الزوجات ليس رقا بل عمل لا يقدر عليه سواهن .
وعلى ما تقرر فإن الحقوق المقررة للزوج على زوجته هى :
1- حق الطاعة فى المعروف :
حق الطاعة مقـــــــــرر بقول الله تعالى ” فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ” ( ) .
قال المفسرون ” هذا كله خبر ، ومقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه فى ماله وفى نفسها فى حال غيبة الزوج ” ( )
فهو إذا ليس مجرد احترام لأمر ، ولكنه حفظ لرغبة وتلبية لغرض لأن الغائب لا أمر له ، و لأن الطاعة قد تثقل على النفس ، خصوصا إذا كانت على غير هوى ما تهوى ، بشر النبى e المطيعات بالجنة ، قال ” أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة ” ( ) وتحذيراً لهن من التفريط فى ذلك قال e ” والذى نفس محمد بيده لا تؤدى المرأة حق ربها حتى تؤدى حق زوجها”( ) وعد المرأة الطائعة كنزا ، بل خير ما يكنزه المرء فقال لعمر رضى الله عنه ” ألا أخبرك بخير ما يكنزه المرء ، المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته ، وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنها حفظته ” ( ) .
هذا ما ينتظر القوانت من الزوجات ، وهو ثواب عظيم لمن تعيه ، وواضح من النصوص أنه حق مقرر للرجل دون نظر إلى شخصه ، او توقف على تقديرها لمراده ، مادام فى غير معصية الله ، فطاعتها له هو ظاهرا، وهى لله فى الحقيقة والواقع .
على أن هذه الطاعة مقيدة بمرضاة الله تعالى ، وبحياتهما الزوجية لا تتعداها ( ) ، وبما لا يضر بحقوق الغير ، فإن أمرها بمنكر فلا طاعة ، وإن أمرها فى مالها الخاص لا تلزمها طاعته ، وإن أمرها بما يضر بحقوق الغير كالولد مثلا فلا طاعة ، كما لا طاعة له عليها إن هو تعمد مضارتها بأن أساء إليها بالقول أو بالفعل أو استولى على مال لها بدون وجه حق ، ويجب فى مجال إثبات هذه المضارة الرجوع إلى أرجح الأقوال فى مذهب أبى حنيفة .( )
ومن الفطنة أن يعلم الرجل أن طاعة المرأة تبتدئ من عنده ، فإن وجدته هينا لينا محبا عطوفا متعقلا ، مقدرا لمشاعرها وهواها المشروع كانت على طاعته أحرص وعلى إرضائه أوفر ، وقد ضرب النبى e المثل فى ذلك ، فكان بالغ التودد إلى نسائه ، فعن عائشة t قالت ” كنت ألعب بالبنات (العرائس) عند النبى e ، وكانت عندى صواحب يلعبن معى فكان رسول الله e إذا دخل ينقمعن منه – أى يقفن إجلالا له – فيسربهن – أى يرسلهن سرا – ليلعبن معى” ( ) وعنها أيضا قالت ” دعانى رسول الله e والحبشة يلعبون بحرابهم فى المسجد فى يوم عيد ، فقال لى يا حميراء : أتحبين أن تنظرى إليهم ؟ فقلت نعم ، فأقامنى وراءه فطأطأ لى منكبه لأنظر إليهم ، فوضعت ذقنى على عاتقه ، وأسندت وجهى إلى خده ، فنظرت من فوق منكبه ، وهو يقول : دونكم يابنى أرفدة ، فجعل يقول : يا عائشة ” ما شبعت ؟ فأقول : لا لأنظر منزلتى عنده ، حتى شبعت .
قالت : وما بى حب النظر إليهم ، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لى ، ومكانى عنده ، فأقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو ” ( )
وروت أيضا أن النبى كان يدعوها إلى المسابقة فسبقته مرة، وسبقها فى الثانية وبين السبقتين زمن تغير فيه بنيان عائشة فجعل النبى يضحك ويقول هذه – أى السبقة الثانية – بتلك السبقة ” ( ) .
وتبرز أحكام الطاعة فى القانون عند الاختلاف حولها ، وينظمها القانون المصرى أساسا بالمادة 11 مكررا ثانيا من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100لسنة 1985 ، ونصها ” إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع ، وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها ، وعليه أن يبين فى هذا الإعلان المسكن . وللزوجة الاعتراض على هذا أمام المحكمة الابتدائية خلال ثلاثين يوما من تاريخ الإعلان ، وعليها أن تبين فى صحيفة الاعتراض الأوجه الشرعية التى تستند إليها فى امتناعها عن طاعته وإلا حكم بعدم قبول اعتراضها ، ويعتد بوقف نفقتها من تاريخ انتهاء ميعاد الاعتراض إذا لم تتقدم به فى الميعاد ، وعلى المحكمة عند نظر الاعتراض أو بناء على طلب أحد الزوجين التدخل لإنهاء النزاع بينهما صلحا باستمرار الحياة الزوجية وحق المعاشرة ، فإن بان لها أن الخلاف مستحكم وطلبت الزوجة التطليق اتخذت المحكمة إجراءات التحكيم الموضحة فى المواد من 7 إلى 11 من هذا القانون ” .
وأبرز ما يتضمنه نص المادة 11 مكررا ثانيا من أحكام هو :
1- حرص المقنن على ألا يصف الزوجة الخارجة عن طاعة زوجها بالنشوز، ولم يبرر حتى فى المذكرة الإيضاحية سر ابتعاده عن هذا المصطلح الشرعى ، ويبدو أن المقنن حرص على أن يأتى بصيغة تفرح النساء كحرصه – كما يقول أستاذنا الدكتور العطار – على أن يأتى بدعوى الاعتراض على طلب الطاعة ليفرحن بأنهن المدعيات لا المدعى عليهن .( )
2- اعتبر القانون امتناع الزوجة عن طاعة الزوج عام يشمل الزوجة المدخول بها فى الزواج الشرعى الصحيح ، والزوجة غير المدخول بها ، وكما يقول الأستاذ كمال صالح البنا فإن محكمة النقض أخذت برأيه معتبرة أن إنذار الطاعة يعتبر إجراء قضائيا ، ويصح للزوج غير المسلم اللجوء إليه ، ولا يجوز – لهذا- استثناء الزوجة غير المدخول بها من الأحكام المتعلقة بإجراءات هذا الإنذار .( )
3- أما متى توقف نفقتها فيفرق فيه حسب الحالات الآتية :
الحالة الأولى : إذا وجه الزوج لزوجته إنذارا بالطاعة فعادت إلى منزل الزوجية دون أن تعترض استحقت النفقة عليه فى هذه الحالة ، فإذا دفعت بذلك فى دعواها النفقة عليه وجب على قاضى النفقة تحقيق دفاعها فى هذا الخصوص وسماع أدلتها على أنها عادت إلى بيت الزوجية فور ورود الإنذار إليها ، فإن المقصود هو عودة الزوجة لا إسقاط نفقتها ، وإن تركت منزل الزوجية مرة أخرى فلابد من دعوتها للعودة مرة أخرى ، بإنذار جديد .
الحالة الثانية : إذا ثبت أنها لم تمتثل ولم تعترض وجب وقف نفقتها اعتبارا من تاريخ مضى ميعاد الاعتراض ، لا من تاريخ سابق عليه ، والزوج فى هذه الحالة هو المكلف بتقديم ما يدل على الإنذار وعدم الاعتراض عليه ، لأن المقرر فقها – والكلام للأستاذ البنا- وعليه أحكام النقض أن الدفع دعوى وعلى المدعى إثبات دعواه ، وأن الأصل فى الزوجة الطاعة وعلى من يدعى خلاف ذلك إثبات دعواه .
الحالة الثالثة : إذا اعترضت الزوجة وقضى برفض دعواها وتأيد الحكم بذلك استئنافيا وجب وقف نفقتها من تاريخ الإنذار لأنه التاريخ الذى ثبت بيقين أنها نشزت عن الطاعة من هذا التاريخ . .
” وبذلك يكون فى المادة ميعادان يعتد بهما فى وقت واحد لوقف نفقة الزوجة الخارجة عن طاعة الزوج ، وهما : تاريخ الامتناع عن الطاعة دون وجه حق ، والثانى : تاريخ انتهاء ميعاد المعارضـــة بعدم تقديمها فى الميعاد المحدد لها ، وهو ثلاثون يومـــا من تاريـــــخ الإعلان ” ( ) .
4- أورد القانون تنظيما خاصا لإثبات الامتناع الاعتبارى عن طاعة الزوج ، وهذا التنظيم أساسه الدعوة بإعلان على يد محضر لشخصها أو لمن ينوب عنها ، واشترط نص القانون أن يبين الزوج فى الإعلان مسكن الزوجية الذى يدعو زوجته للعودة إليه والطاعة فيه ، وأن يكون بيان المسكن نافيا لكل جهالة حوله ، مع مراعاة أن هذه الدعوة ليست هى الطريق الوحيد لطلب الطاعة ، وإنما يجوز للزوج أن يطلب زوجته لطاعته فى منزل الزوجية بطريق الدعوى ابتداء ، وذلك برفع دعوى طاعة أمام المحكمة الجزئية باعتبار أن الطاعة من المواد المتعلقة بالزوجية ، فإذا ثبت أحقية الزوج فى طاعة زوجته له حكم القاضى بطاعة الزوجة زوجها فى منزل الزوجية ، أو المسكن الشرعى الذى يعده لذلك تحت رقابة القضاء .( )
5- ينبه المستشار الجندى إلى أن الامتناع عن الطاعة قد يتحقق والزوجة فى منزل الزوجية فتوقف نفقتها من تاريخ هذا الامتناع ، مثال ذلك أن يتخذ الزوجان المنزل المملوك للزوجة محلا لسكناهما ، وتمنع الزوجة زوجها من دخوله عليها ، دون وجه حق قبل أن تسأله أن يحولها إلى منزله أو أن يكترى لها منزلا لتنتفع هى بملكها .( ) ويعتبر امتناعا أيضا خروج المرأة المتقطع بغير إذن الزوج ورضاه فى الأحوال التى لا يجــــوز لها الخروج إلا بإذنه ( )
6-أكدت المادة 11 مكررا ثانيا على نسخ ما كان متبعا من تنفيذ أحكام الطاعة بالقوة الجبرية قبل صدور منشور وزارة العدل فى 13/2/1967 .
7 – إذا استوفى الاعتراض على إنذار الطاعة شكله القانونى وجب على المحكمة عند نظر موضوعه التدخل لإنهاء النزاع صلحا بين الطرفين من تلقاء نفسها ، أو بناء على طلب أحدهما ، والمقصود بالصلح هو استمرار المعاشرة بالمعروف ، ومؤدى هذا أن لها أن تبحث شرعية المسكن إذا كان اعتراض الزوجة منصبا على انتفاء شرعيته ، ولها أن تأمر الزوج بإعداد المسكن المناسب إذا بان لها أن المسكن الذى حدده الزوج فى الإعلان غير مستوف لما يجب توافره شرعا أو عرفا ، فإذا اتضح من المرافعة أن الخلاف مستحكم بين الزوجين وطلبت الزوجة الطلاق اتخذت إجراءات التحكيم الموضحة فى المواد 7 إلى 11 من هذا القانون .( ).
وبقية الأحكام المرتبطة بالمادة 11 مكررا ثانيا سنتناولها فى النفقة عند الكلام عن مسكن الزوجية ، وفى علاج الشقاق بين الزوجين .
2- حق القرار فى البيت :
قرار المرأة فى البيت وعدم الخروج منه إلا لداع إلزام عام يلزم كل مسلمة زوجة كانت أو غير زوجة ( ) – هذا ديننا شاء بعض الناس أم أبوا – غاية ما هنالك من فرق أن على الزوجة أن تستأذن زوجها فى الخروج ، والأصل فى هذا الحكم قوله تعالى ” وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى” ( ) .
ويحاول بعض المتحمسين لقضايا المرأة على أساس المنظور الغربى أن يدخل على العامة – من الرجال والنساء – أن حق القرار الواجب بالآية خاص بزوجات النبى e ( ) وليس كذلك ، لأن الله خاطبهن بوصفهن مؤمنات، فشمل غيرهن من المؤمنات ، قال القرطبى ” وإن كان الخطاب لنساء النبى e فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى ، ولو لم يرد دليل يخص جميع النساء ، كيف والشريعة زاخـــــرة بلزوم النســــاء بيوتهن ، والانكفاف عن الخروج إلا لضرورة ” ( ) .
ومن أسف أنه بينما تغالى عصبة ” الاتحاد النسائى “فى قضية عمل المرأة ، ويروجون ويروجن أن قعود المرأة فى بيتها يعطل مرافق الدولة وينذر بموات المجتمع من جراء عيشته برئة معطلة، يعنين ويعنون هؤلاء الباقيات فى بيوتهن ، نجد كاتبة غـــــربية غير مسلمة تقول ” إذا كانت النساء المسلمات اليوم يرفضن بعض الحريات التى نشعر أننا قدمناها إليهن فلا يرجع سبب ذلك إلى العناد ، بل إلى التخبط فى النظرة الغريبة إلى المرأة ، وفى العلاقات بين الجنسين ، فنحن ندعوا إلى المساواة والتحرر ، ولكننا فى الوقت نفسه نستغل المرأة ونمتهنها فى الإعلانات وفى الكتابات والفنون الإباحية، وفى كثير من أشكال الفرجة الشعبية بأسلوب يستهجنه المسلمون ويتأذون به”( ).
وقد بلغ السخف بالعقول أشده عندما ينتقد بعض الكاتبين والمتحدثين صورة المرأة فى الكتب المدرسية على أساس أنها مبرزة لدور الأم الحانية والزوجة الصالحة ، مغيبة للدور الوطنى والاجتماعى العظيم – على حد قوله – الذى لعبته المرأة فى العصر الحديث ( ) .
وبعيدا عن تبصرة المرأة بما تيقن العقلاء أنه مكيدة تكاد لها ولأولادها ولمجتمعها المسلم ( )، فإن حق القرار فى البيت لا يعنى حبس المرأة ، وإنما يعنى أن يكون البيت هو همها الأول ، فقد كفاها الله مشقة الكدح وألزم الزوج النفقة عليها ، ولكن إن تهيأ لها عمل مناسب وأذن لها زوجها بذلك فليس عليها من سبيل ، على أن تلتزم فى خروجها بآداب الشرع وتعاليمه .
وثمة حالات لا ينبغى للزوج أن يمنع زوجته الخروج فيها كزيارة والديها وعيادتهما ، والخروج إلى المساجد لأداء الفرائض ، وصلة الأرحام ونحو ذلك مما لا تتأتى منه مفسدة ( ) وبمقتضى المادة الأولى – فقرة 5- من القانون رقم 25/1929 المعدل بالقانون 100 /1985 فإنه لا يجوز للزوج الاعتراض على خروج زوجته ، بل لا يتوقف خروجها من مسكن الزوجية على إذنه، فى الأحوال التى يباح فيها ذلك بحكم الشرع مما ورد به نص ، أو جرى به عرف ، أو قضت به ضرورة ، ولا خروجها للعمل المشروع ، ما لم يظهر أن استعمالها لهذا الحق المشروط مشوب بإساءة استعمال الحق ، ومنافيا لمصلحة الأسرة ، وطلب منها الزوج الامتناع عنه .
وقد أناط جمهور الفقهاء القرار فى البيت بحق النفقة ، فقالوا تسقط نفقتها إن خرجت بغير إذنه ، ورأى ابن حزم أن هذين حقان مستقلان لا تأثير لأحدهما على الأخر ( ) .
ويبدو لى أن الحق مع الجمهور لتتكافأ الحقوق والواجبات.وبه أخذ المقنن المصرى فى المادة الأولى من القانون 25/1929 المذكورة آنفا .
وكما يقول المستشار نصر الجندى فإن المرجع فى تحديد الأحوال التى يباح فيها الخروج بحكم الشرع هو فقه المذهب الحنفى ، وفى الأحوال التى يجرى بها العرف المرجع هو العرف الذى لا يتعارض مع الكتاب أو السنة ، فإن صح العرف شرعا فمعتبر ، وإن عارض نصا مذهبيا – فى مؤلفات الحنفية – نزولا على قاعدة ” لا ينكر تغير الأحكام- المبنية على المصلحة والعرف – بتغير الزمان ” ( ) أما تحديد ما إذا كان استعمال المرأة لحقها فى الخروج مشوبا أو لم يشب بإساءة استعمال الحق ، وينافى أو لا ينافى مصلحة الأسرة فيخضع لتقدير قاضى الدعوى متى كان تقديره قائما على أسباب تبرره .( ).
وتتمة أحكام القرار متصلة بأحكام الطاعة ، وقد بيناها .
ومما يتصل بهذا الحق أن يهيئ الزوج لزوجته المسكن الشرعى الذى تستقل فيه بنفسها وأولادها . مما يليق بأمثالها ، وعليه أيضا أن يكفيها حوائجها التى لابد منها ، فإن قصر فى هذين الحقين فخرجت بلا إذن منه للضرورة فلا سبيل له عليها ( ).
وأخيرا فإن مما يعين على الوفاء بهذا الحق أن يكون الزوج لزوجته كما يريدها لنفسه ، فيوفيها حقها عليه من الإيناس والاستمتاع والمشاركة فى الأعباء المنزلية ، والترويح عنها ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، فإن أغناها بنفسه استغنت عن غيره ، وإن انصرف عنها كلت ومالت إلى الخروج .، وهذا ما أكدت عليه أحكام النقض المصرى المتعددة من أن طاعة الزوجة لزوجها بشرطها أن يكون أمينا عليها وعلى مالها ، ولا طاعة له عليها إن هو تعمد مضارتها ، ( )
3- حق القوامة والتوجيه :
من البديهى أن يكون لكل سفينة ربانها الذى يدير عجلتها ويسأل عن سلامتها ، وقد قضى الله أن يكون زمام الزوجية بيد الزوج يدبرها كما أمر الله أن تدبر ، وفق أوامره ونواهيه ، فقال سبحانه ” الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ” ( ) . فالآية تقطع على أصحاب الأهواء أهواءهم وتقرر حكما أبديا أن لعموم الرجال القوامة على عموم النساء ، دون نظر إلى تدنى بعض الرجال ورفعة بعض النساء ، فقد كملت بنص حديث رسول الله e فاطمة بنت محمد e ولم ينزع هذا قوامة على كرم الله وجهه عنها ، وتميزت نساء بيت النبوة فاشتهرن بالعلم والحكمة فضلا عن مكانتهن من رسول الله e ولم تقل إحــــداهن مع تصدرهن فى الحياة العامة – إنها أنفة من قوامة الزوج عليها .
وقد قضى ربنا سبحانه وتعالى أن سبب قوامة الرجل أمران :
أولهما : ما ركبـــــه الله فيه من طبيعة خاصة تفضل طبيعة المرأة فى القيام بهذه المسئولية .
والثانى : التزامه بالإنفاق على الأسرة
والسبب الثانى تكليف يقبل الإعفاء أو الإبراء ، ومن ثم روعى فيه حال المراة كما سنرى ، وما يناط به من حكم فى الزوجية مرتبط بحال العدم لا حال الوجود ، فليس لامرأة أن تشكو زوجها لأنه واجد النفقة ، سخى العطاء ، وإنما تشكوه لامتناعه عن الإنفاق أو لعجزه .
والنفقة مال ومن طبع المال أنه غاد ورائح ، ولهذه الخصائص أخر الله هذا السبب ليكون مع الأول كالمكمل ، ولكنه لا يعود عليه بالإبطال ، لأن الأول فطرى والثانى مكتسب ، وهذا يعنى أن مشاركة الزوجة لزوجها فى الأعباء المنزلية خلق كريم وإحسان مجازى إن شاء الله ، لكن لا تأثير له فى القوامة لبقاء السبب الأصلى فيها .
أما السبب الأصلى وهو أن الرجل بحكم تكوينه البشرى وما جبله الله عليه من سجايا وخصال ، ودوافع وقدرات أقدر على القيام بهذه المهمة من المرأة ، ففضلا عن كونه حكما إلهيا فإنه واضح للعيان من نظرة فى البنيان ، وتأمل فى النبات والحيوان ، وقد ثبت بالتشريح الطبى ” أن كيان المرأة الجسدى قد خلقه الله على هيئة تخالف تكوين الرجل ، بل إن كل خلية من خلايا جسم المرأة تختلف فى خصائصها وتركيبها عن خلايا الرجل ، وآية ذلك الفروق الهائلة بين الأنسجة والأعضاء فى كل من الذكر والأنثى ” ( ) .
كما لوحظ فى علوم الأحياء أن القيادة والتوجيه لذكر الحيوان لا أنثاه إلا فى ندرة من المخلوقات تعتبر فى التصنيف العلمى أخس أنواع الأحياء ، وفيها فقط تكون القيادة للأنثى ، وفيما عداها فالذكر هو القائد ، يستوى فى ذلك الأليف الهادئ ، والمتوحش الهائج .
وفى علوم النبات وجد أن عضو التذكير فى الزهرة يعلو عضو التأنيث ، ويتطاول عليه وتبدو الملاحظة أوضح فى اللقاء بين الزوجين ، فأحب الأوضاع إلى الفطرة وضع ” التغشية ” الذى يعلــــو فيه الرجل المرأة ويحتويها احتواء تامــــا ، فــــإن ضعف احتواؤه نفرت منه زوجته ” ( )
فمع كل هذه الفوارق الظاهرة للعيان يقتضى العقل والمنطق والفطرة السليمة أن تكون مسألة قوامة الرجل خارج دائرة المناقشة ، لكن أعداء المرأة – وإن زعموا غير ذلك – من المتسلطين والمتسلطات عموا ، أو استعموا عن كل هذه الحقائق والمشاهدات وألحوا ومازالوا فى النيل من هذه الدرجة تحت دعوى المساواة ، وأظهر دعاويهم أن المرأة تعلمت وخرجت إلى العمل ، وتفوقت فى بعض ميادينه فغدت ندا للرجل فكيف تكون له عليها قوامة ؟
وهذه دعوى هابطة ردها الأستاذ العقاد منذ زمن بقوله ” فى تجارب الأمم شواهد ملموسة على الفارق الأصيل بين الجنسين ، فى الكفاية العقلية والكفاية الخلقية فإن المرأة على العموم لا تساوى الرجل فى عمل اشتركا فيه ، ولو كان من الأعمال التى انقطعت لها المرأة منذ عاش الجنسان فى معيشة واحدة، لا تطبخ كما يطبخ ، ولا تتقن الأزياء كما يتقنها ، ولا تبدع فى صناعة التجميل كما يبدع فيها ، ولا تحسن أن ترثى ميتا عزيزا عليها كما يرثى موتاه ، وهى منذ بدء الخليقة تردد النواح ، وتنفرد بأكثر مراسم الحداد ، ومن اللغو أن يقال هذه الفوارق إنما نجمت من عسف الرجل واستبداده ، فإن الرجل لم يكن ينهى المرأة أن تطبخ وأن تخيط الثياب وأن تتزين …. ” .
اترك تعليقاً