حق التطليق للتضرر من زواج الزوج بأخرى :
قصة تعدد الزوجات فى التقنين المصرى :
من قواعد الفقه الحنيف أن “الضرر يزال” على أن تتقيد تلك القاعدة بقاعدة أخرى هى “الضرر لا يزال بالضرر”( ) .
وقد ارتأت – ولم تزل ترى – جماعات الضغط أن تعدد الزوجات فى ذاته ضرر ، ينبغى قطعه ، فألحت على ضرورة النص على منعه أو وضع العراقيل فى طريقه، وظهر ذلك فى مشروع قانون الأسرة الذى أعد سنة1967، ولكن النص على حق الزوجة فى طلب التفريق إذا عدد زوجها زوجاته ، أو تزوجها حال إخفائه عليها أنه متزوج من غيرها لم ير النور إلا بالقرار بقانون 44 لسنة 1979م ، ثم أعيد النص عليه فى القانون 100 لسنة 1985 ، مادة 11 مكررا.
ولا يخفى على باحث أن القرار بقانون 44 لسنة 1979 يعد المثال الأشهر للقوانين التى تصدر دون أن تتاح لها الفرصة الكافية لتقليب وجهات النظر بشأنها ، بل يبدو من طريقة إصداره والعجلة فى ذلك تحاشى سهام النقد التى ووجه بها ( )، وهو لم يزل مشروعاً لما تضمنه من أحكام بعضها لا يرعى الاستقرار الأسرى ويزيد من أعباء الرجال .
وقد بلغت العجلة أوجها بإغفال الشكلية الواجبة فى إصدار القرارات بقوانين ، فخولفت أحكام المادتين 108،147 من الدستور بحجة أن القانونين 25 لسنة 1920 ، 25 لسنة 1929 يحتاجان إلى تعديل ، وقد طال الأمد على استصدارهما ، وطول الأمد واستطالة المدة هى حالة الضرورة ، التى تستدعى –كما يقول وزير الدولة لشئون مجلس الشعب – أن يصدر ولى الأمر قرار ثوريا بإصلاح الأسرة ، ولوترك الأمر لاقتراح بقانون ، أو لمشروع بقانون وثارت حوله المناقشات ، وظل شهوراً وسنين فأين هى الحاجة التى تدعو إلى تحقيق إصلاح الأسرة بقرار ثورى مثل القرار بقانون المعروض للنظر فى إقراره ؟( )
ولما كانت هذه الحجة لا ترقى بالحاجة إلى “اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير” إلى حين انعقاد مجلس الشعب ، فإن المحكمة الدستورية العليا إذ اتصلت بالنزاع فى مدى دستورية القرار بقانون 44 لسنة 1979 فإنها حكمت بعدم دستوريته لتخلف سند إصداره بغياب ” الحالة الداعية لاستعمال رخصة التشريع الاستثنائية ، وهو ما لم تكن له قائمة بالنسبة للقرار بقانون المطعون عليه “.( )
ولكن القرار بقانون 44 لسنة 1979 صدر فى يونيه 1979 ونشر بالجريدة الرسمية فى 21/6/1979 ، ونص فى مادته السابعة على أن يعمل به من اليوم التالى لتاريخ نشره ، وقد صدر حكم الدستورية العليا بعدم دستوريته فى 4/5/1985 ونشر فى 16/5/1985 ، مما يعنى أن القرار الملغى قد طبقته المحاكم ما يقرب من ست سنوات كاملة .
ولما كان الظاهر من مراد المقنن أن مجرد الجمع يعد من قبيل الإيذاء، وهو ما أكدته المذكرة الإيضاحية لهذا القرار بقانون بقولها ” ولما كانت مشكلة الجمع بين أكثر من زوجة مشكلة اجتماعية فإن المشروع رأى اعتبار الجمع من قبيل إيذاء الزوجة السابقة فأعطاها الحق فى طلب التفريق ما لم ترض به ، كما أعطاها هذا الحق إذا أخفى الزوج عنها وقت الزواج أنه متزوج “.
لهذا فإن التطبيقات القضائية . لنص المادة الثانية من القرار بقانون ، والمضافة برقم 6مكرراً إلى القانون رقم 25 لسنة 1929- والمستبدلة فيما بعد بالمادة الأولى من القانون 100 لسنة 1985 ، والمضافة برقم 11 مكرراً إلى المرسوم بقانون 25 لسنة 1929 – جاءت مناسبة لهذا التوسع ، فقضى بحق الزوجة – الأولى – فى طلب الطلاق للزواج من أخرى بمجرد العقد ، حتى ولو قام الزوج بطلاق هذه الأخرى تفادياً للحكم ضده بالتطليق عليه ( ) . وأن اقتران الزوج بأخرى بغير رضا الزوجة الأولى التى فى عصمته يعتبر ضرراً بها ، يعفيها من إثبات هذا الضرر متى طلبت التفريق لأجله ( ).
وعلى الرغم من أن تعدد الزوجات ضئيل الحدوث فى المجتمع المصرى إلا أن النص على أن توقف حصوله مرهون بالزوجة أثار ثائرة الرجال ودوائر أخرى كثيرة ، حتى قيل إن المقنن قد نقل بهذا النص الحق فى التعدد من يد الرجل إلى المرأة ، إن شاءت أباحت له الجمع بينها وبين أخريات معها ، وإن شاءت حرمته من التعدد بأن تطلق عليه لهذا السبب ( ) .
بل بلغت النفرة من النص حدها بامتناع بعض الأحكام عن الأخذ بفكرة الضرر المفترض التى تضمنها هذا النص بغية تضييق تطبيقه ( ) وجاوزت محكمة شمال القاهرة الابتدائية الرغبة فى التضييق إلى رفض التطبيق كلية ( ) . إيمانا منها – وكما جاء فى حكمها الصادر بجلسة 21/4/1983 قضية رقم 207 لسنة 1982 – بأن النص حرم ما أحله الله ، وخالف الكتاب والسنة والإجماع ، وأن القول به ليشين النبى e والصحابة ، وحاشاهم أن يكونوا كذلك ، وأن المقنن اجتهد فيما لا مساغ للاجتهاد فيه ، وانتهى إلى ما ليس فى صالح الأسرة ، وحماية استقرارها ، وكان يكفى لعلاج الإضرار التى يمكن أن تنجم عن التعدد إعمال نص المادة السادسة من المرسوم بقانون 25 لسنة 1929 .
وحيث إن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع حسبما جاء بدستور 1971 ويجب إعمالها فى حالة تعارضها وأحد النصوص ، وحيث إن المدعية – طالبة الطــــلاق للتعدد – تؤسس دعواها على ما يعارض ما أنزل الله ، ومن ثم تضحى دعوى المدعية على غير سند من القانون ، ومتعارضة والشريعة الإسلامية ، الأمر الذى تقضى معه المحكمة برفضها ، لهذه الأسباب حكمت المحكمة غيابيا برفض الدعوى وألزمت المدعية المصروفات.
وفضلا عما يؤخذ على هذا النص مما جاء بحكم محكمة شمال القاهرة السالف الذكر فإنه أزال الضرر المحتمل مع التعدد بضرر أكيد الحصول ، إذ فتح بابا آخر لزيادة عدد المطلقات ، غافلا عن حقيقة زيادة عدد غير المتزوجات ممن تجاوزن سن الزواج والمطلقات والأرامل ، على النحو الذى بيناه تفصيلا فى الكلام الزواج ، ونظراً لأن القرار بقانون 44 لسنة 1979 قد جاء فى مادته الرابعة بحكم قصد به زيادة أعباء الطلاق ( ) حيث نص على أن “للمطلقة الحاضنة بعد طلاقها الاستقلال مع صغيرها بمسكن الزوجية المؤجر ما لم يهيئ المطلق مسكنا آخر منا سباً … ” موجباً نفقة سكنى المحضون على أبيه ولو كان للمحضون مال ينفق منه عليه( ). فقد كان هذا القرار بقانون مدخلاً فجا إلى أن يضار المولود له بولده ، فسيطرد من مسكنه ، أو يلزم بتهيئة مسكن آخر دون مقتضى شرعى( )، بعد أن أصبح ” حق المطلقة الحاضنة – فى الإقامة والاستقلال بمسكن الزوجية – طوال فترة الحضانة – أصبح يستند إلى نص تشريعى خاص قضى على كل اجتهاد فقهى ، أو افتراض قانونى حسب المسألة فى القانون الوضعى ، ولا يحد من أعمال هذا الحكم سوى أن يهيئ لها المطلق مسكناً آخر مناسباً ” ( ) وعندئذ حق لرجل الشارع أن يقول ” الشقة من حق الزوجة”.
وبتوسعة منافذ التطليق ، وتمكين المطلقة الحاضنة من مسكن الزوجية المؤجر ما لم يهيئ المطلق مسكناً آخر مناسباً ، يكون المقنن قد مكن الزوجة أن تعاقب زوجها العائل إن تزوج عليها بعقابين :
أولهما : أن تطلق عليه وإن لم يلحقها من الزيجة الثانية ضرر مادى .
والثانى : أن تجبره على ترك مسكنه لحضانة ولده فيه قسرا عنه فى ظل أزمة إسكان خانقة ، مما يضر به ضرراً لا يعاظمه ضرر .
وكلا العقابين يفتقران إلى السند الشرعى ، بل ويتعارضان مع النصوص الصريحة من الكتاب والسنة ( )
تعدد الزوجات فى القانون 100 لسنة 1985
صدر القانون 100 لسنة 1985 فى أعقاب الحكم بعدم دستورية القرار بقانون 44 لسنة 1979 ، بل ونص فى مادته السابعة على أن يطبق بأثر رجعى يعود إلى تاريخ نشر حكم المحكمة الدستورية العليا المذكور ، لا لسبب إلا أن لا تطبق المحاكم القانون 25 لسنة 1920 والمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 بحجة أن هناك مشكلات مازالت معروضة على المحاكم وأن احتمالات صدور أحكام فيها ، أو قرارات إدارية بالإخلاء قائمة . ( )
ومن هنا اتسمت الموافقة على الاقتراح بقانون رقم 100 لسنة 1985 بالاستعجال( )بل كما تبرز محاورات السادة أعضاء مجلس الشعب ورئيسه حول مواد الاقتراح فإنه استهدف بعث القرار بقانون 44 المحكوم بعدم دستوريته،( ) الأمر الذى حدا بالمنصة أن تغفل كثيراً من الاقتراحات البناءة التى استهدفت تحاشى العيوب التى أبرزها تطبيق نصوص القرار بقانون 44 لسنة 1979 .( )
وإن كان يحمد للاقتراح بقانون أنه أعاد صياغة المادة الأولى من القرار بقانون 44 لسنة 1979 – مادة 6 مكرراً من القانون 25 سنة 1929 – بما ينقيها من شائبة اقتراض الضرر بمجرد الزواج بأخرى ( ) ونص فى مادته الأولى – إحدى عشرة مكرراً من القانون 25 لسنة 1929 – على أنه ” ويجوز للزوجة التى تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادى أو معنوى يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالهما ، ولو لم تكن قد اشترطت عليه فى العقد ألا يتزوج عليها ، فإذا عجز القاضى عن الإصلاح بينهما طلقها عليه طلقة بائنة …. إلخ ” إلا أنه اعتبر الضرر الحاصل بالتعدد ذا ذاتية خاصة ( ) مستقلا عن المبدأ العام فى التطليق للضرر والذى تقرر بالمادة السادسة من المرسوم بقانون 25 لسنة 1929 ، وبما يخرج عن مفهوم الضرر فى المذهب المالكى ( ) الذى استند إليه الاقتراح فى تقرير هذا الحكم ، الأمر الذى جعله مستهدفا للطعن بعدم الدستورية أيضاً.( )
وقد كان ، إذ طعن على النص فعلاً بعدم الدستورية ، ومحكمتنا العليا وإن قضت بدستوريته ( ) إلا أنها ألزمت بألا يطبق إلا فى إطار من التفسير ، ودائرة هى دائرة المضار الفعلية إذا كان مرجعها فعل أو امتناع أتاه الزوج قبل – أى ناحية – زوجته ، مرتبطاً بالزيجة التالية ومتصلاً بما يكون عليه حال العشرة بينهما، بعد تزوجه عليها ، مما لا يأذن به الشرع أو يرخص فيه ، ومن ثم – كما تقول المحكمة – يكون هذا النص منطوياً على تطبيق خاص للتطليق للضرر ، لإفراده صوراً بعينها يكون ذلك النص منصرفاً إليها ودائراً حولها ، وهو باعتباره كذلك يعد فرعاً لأصل يرد إليه ، وليس للفرع امتياز على الأصل الذى يلحق به ، ويقتضى ذلك أن يفسر – النص المطعون فيه – على نحو يوفق بين أحكامـــــه وقولــــه تعالى ” وعاشروهن بالمعروف ” ( ) وكذلك على ضوء القاعدة الكلية “لا ضرر ولا ضرار ” .
وبعد أن أصلت المحكمة القاعدة ، واستعرضت القواعد الجزئية المتفرعة عنها ، والتى منها ” أن الضرر لا يزال بمثله كى لا يتفاقم مداه ” و “أن تزاحم ضررين يقتضى اختيار أهونهما دفعاً لأعظمهما ” بعدها عرضت لحدود قاعدة ” لا ضرر ولا ضرار ” فى المذهب المالكى الذى استقى منه المقنن حكم التطليق للضرر ، فتنقل عن المالكية ” توكيدهم أن الأضرار التى تخول الزوجة حل عقدة النكاح بينها وبين زوجها هى التى تكون كذلك بالمقاييس الشرعية ، ولا اعتداد فى توافرها وقيام سببها بما تراه هى – أى الزوجة – صواباً أو انحرافاً عن الحق ، أو بما يكون كامنا فى نفسها قبل زوجها ، بغضاً، أو ازدراء ، أو نفوراً ، وإنما مرده دوماً إلى ما تقرر الشريعة الغراء اعتباره ضرراً ” ثم قالت ” هذه القاعدة التى فصلها المالكية هى الأصل العام فى التطليق للضرر ، والنص المطعون فيه يعتبر من تطبيقاتها ، ويتقيد بإطارها العام الذى يخول كل زوجة حق التفريق بينهما وبين زوجها ، إذا لم يعد مستطاعاً – على ضوء الأضرار التى ألحقها بها – دوام العشرة بين أمثالهما .
ولأنه متى حددت المحكمة الدستورية العليا معنى معيناً لمضمون نص تشريعى فإن هذا المعنى يكون هو الدعامة التى قام عليها الحكم ، ولا يجوز لأية جهة – ولو كانت قضائية – أن تعطى هذا النص معنى مغايراً يجاوز تخوم الدائرة التى يعمل فيها ، محدداً إطارها على ضوء قضاء الدستورية العليا .
لهذا فإن محكمة النقض المصرية إذ اتصلت بمنازعة من هذا القبيل فإنها التزمت بالتفسير الذى أرسته المحكمة الدستورية العليا ، وقضت ( ) بأن ” حق الزوجة التى تعارض الزواج الجديد لا يقوم على مجرد كراهيتها لزوجها لتزوجه بأخرى، وإنما يجب عليها أن تقيم الدليل على أن ضرراً منهياً عنه شرعاً قد أصابها بفعل أو امتناع من قبل زوجها ، على أن يكون هذا الضرر حقيقياً لا متوهما ، مستقلاً بعناصره عن واقعة الزواج اللاحق فى ذاتها ، وليس مترتبا عليها ، وأن يكون هذا الضرر مما لا يغتفر لتجاوزه الحدود التى يمكن التسامح فيها شرعاً ، منافياً لحسن العشرة بين أمثالهما بما يخل بمقوماتها ، ويعد إساءة دون حق اتصلت أسبابها بالزيجة التالية ، وكانت هى باعثها ولا يعد ضرراً هذا الذى يعود إلى مجرد المشاعر الإنسانية التى تعمل فى صدر المرأة تجاه ضرتها”.
و لا شك أن التفسير الذى أرسته الدستورية العليا ، والتزمته محكمة النقض فى أحكامها من بعد ، قد أعاد الأمر إلى نصابه الصحيح ؛ حيث أفرغ لفظ ” الضرر المعنوى ” من بعض مضمونه الذى استهدفه الاقتراح كإصابة الزوجة بالوحشة نتيجة انقطاع الزوج عنها عدداً من أيــــــــام الأسبوع أو إحساسها بالغيرة والإحباط ، ونحو ذلك مما يؤذيها نفسياً ويسلب سكينتها ( ) الأمر الذى تسقط معه أوجه النقد والاعتراض ( ) ، التى ووجه بها نص المادة 11 مكرراً .
مع هذا فإن النص قد طبق لأكثر من تسع سنوات حتى قضى بعدم دستوريته ، مما يعنى أنه قد أسهم – مدة تطبيقه – فى زيادة حالات الطلاق ، كما أسهم فى مشكلة إسكان المحضون متى كانت المطلقة حاضناً ، لا سيما وأن من تطلق لبواعث نفسية تعتمل فى صدرها لا بد وأن تكيد لمطلقها متى وجدت إلى ذلك سبيلا .
ونحمد الله أن رزقنا قضاء ترأسه فى ظل هذه الأزمات رجل أتاه حكما وعلما ، ورزقه نفسا آبية مستقلة ، لم تخش فى الحق لومة لائم ، فأبطل – مع بقية الهيئة الموقرة- المكر السىء فى باب التعدد ، كما أبطلوه فى باب مسكن الحضانة ، على نحو ما شرحنا فى النفقات عند الكلام على المادة 18 مكرر ثالثا ، وبذا تدوركت الآثار الضارة التى كانت فى ظن أهلها مصالح لا يستقيم حال الناس إلا بها ، وصدق الله العظيم حيث يقول { وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون } ( ) رحم الله المستشار الدكتور عوض المر ، وجازاه عما قدم لدينه وأمته ووطنه خير الجزاء .
ضوابط التطليق للتضرر من الزواج بأخرى :
نص المادة 11 مكررا من القانون 25 لسنة 1929 كالتالى :
( على الزوج أن يقر فى وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية ، فإذا كان متزوجا فعليه أن يبين فى الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتى فى عصمته ومحال إقامتهن ، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب مسجل مقرون بعلم الوصول .
ويجوز للزوجة التى تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادى أو معنوى يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالهما ، ولو لم تكن قد اشترطت عليه فى العقد ألا يتزوج عليها .
فإذا عجز القاضى عن الإصلاح بينهما طلقها عليه طلقة بائنة ، ويسقط حق الزوجة فى طلب التطليق لهذا السبب بمضى سنة من تاريخ علمها بالزواج بأخرى ، إلا إذا كانت قد رضيت بذلك صراحة أو ضمنا ، ويجدد حقها فى طلب التطليق كلما تزوج بأخرى .
وإذا كانت الزوجة الجديدة لم تعلم أنه متزوج بسواها ثم ظهر أنه متزوج فلها أن تطل التطليق كذلك ) .
وعلى أساس النص وشروحه وتطبيقاته القضائية فإن شروط وضوابط التطليق للتضرر من تعدد الزوجات هى :
1– أن تكون واقعة الزواج قد وجدت وجودا فعليا صحيحا ، وكما عرفنا فى الزواج فإنه يوجد بمجرد العقد ، أما الوجود الصحيح فهو الذى يستوفى أركانه وشروطه.
و متى اختلت الأركان أو الشروط المعهودة فى الزواج ، وقع العقد باطلا أو فاسدا ، ومن ذلك مثلا الزواج بغير شهود فإنه يقع فاسدا ، ومن صوره أن يرتبط شخص بفتاة بموجب ورقة عرفية يقر فيها أنه يساكنها كزوج ، دون إشهاد على هذه الورقة – التى يتصور بعضهم جهلا وفسادا أن الارتباط بموجبها يسمى زواجا – فإن افترضنا أن هذا الرجل كان زوجا لأخرى ، ولما بلغها نبأ ارتباطه الفاسد هذا سارعت إلى رفع دعوى تطلب فيها التطليق عليه للتضرر من تعدد الزوجات ، وقدمت صورة من اعتراف الزوج بالارتباط ، وبسؤاله أقر بما فيها ، عندئذ تسمع دعوى الزوجة – لعدم إنكار الزوج – ولكن المحكمة لن تجيب الشاكية إلى طلبها التطليق لأن الارتباط المدعى ارتباط فاسد ، والشرط كما هو صريح نص المادة 11 مكـــــــــــررا ثانيا ” للزوجة التى تزوج زوجها ” وما وقع فى فرضيتنا هنا – وهى ماثلة فى واقع بعض الناس مع الأسف – ارتباط فاسد ، إذ لا نكاح إلا بشهود .
وقد يستوفى الزواج الشروط المتعارف عليها بالشروط الشرعية ، غير أنه يفتقد شروط سماع الدعوى ، كأن يفتقد التوثيق عموما ، أو التوثيق الرسمى ، فيقع كما يقال زواجا عرفيا ، وكما بينا من قبل فإن الدعوى بالزيجة العرفية لا تسمع عند الإنكار ، سواء كانت دعوى مجردة أو ضمن حق آخر ، باستثناء دعوى النسب ، كما أن هذا المنع يسرى على الدعاوى التى يقيمها أحد الزوجين – فى الزواج غير الموثق – على الآخر ، أو التى يقيمها الغير ، من الورثة وغيرهم بمن فى ذلك النيابة العامة فى الأحوال التى يجوز أن تباشر فيها الدعوى كطرف أصيل قبل أى من الزوجين أو ورثتهما ( ) . وعلى أساس ذلك فإنه لا سبيل أمام الزوجة التى تزوج عليها زوجها زواجا عرفيا ، أو تبينت – بعد زواجهما – أنه متزوج بأخرى عرفيا ، لا سبيل لها إلى الاستفادة من الحكم المقرر بالمادة 11 مكررا ، متى أنكر زوجها واقعة الزواج العرفى فدعواها به لن تسمع وإن كانت ضمن حق آخر .( )
2- أن يلحق الزوجة مِن تزوُج زوجها أخرى – عليها أو قبل زواجه منها ولم تكن تعلم – ضرر مادى أو معنوى بسبب هذا الزواج ، ويقع على عاتق المدعية إثبات هذا الضرر ،وفق قواعد البينة فى المذهب الحنفى ، وهى شهادة رجلين أو رجل وامرأتين عدول ” والحكم الذى يلتزم هذا النظر ، ويقضى برفض الدعوى لعدم توافر نصاب بينتها الشرعية على إثبات المضارة التى أجاز النص آنف البيان التفريق من أجلها يكون قد أعمل صحيح القانون ، ويكون النعى عليه على غير أساس “( )
ومن قبيل الضرر المادى التضييق عليها فى النفقة ، ومن قبيل الضرر المعنوى أن يسكن معها ضرتها إمعانا فى الكيد لها ، أو يهجرها دون مبرر شرعى ، ونحو ذلك .
3- أن يكون هذا الضرر اللاحق بالمدعية مما يتعذر معه دوام العشرة بين أمثال الزوجين ، وحيث أشارت المذكرة الإيضاحية إلى أن مصدر النص (هو مذهب المالكية ، وما توجبه القاعدة الشرعية فى الحديث الشربف لا ضرر و لا ضرار ، والتخريج على مذهب الإمام احمد وفقه أهل المدينة ) فإنه – وإن أغفلنا المجادلة فى صحة ما تدعيه المذكرة الإيضاحية من استناد إلى ما ذكرت – لابد كأولية أن يكون الضرر اللاحق بالمدعية مما يصح أن يسمى ضررا من منظور الاحتهاد المالكى فى هذا الباب ، وعندهم أن الضرر هو ما لا يجوز شرعا ، وأن الزواج بأخرى – فى ذاته – لا يعتبر ضررا شرعيا ، ومن ذلك أيضا الضرر العائد إلى مجرد المشاعر الإنسانية التى تعتمل فى صدر المرأة تجاه ضرتها .، فليس من الضرر عندهم تزوجه عليها .، وحسب قضاء الدستورية العليا فإنه لا يكون ضررا ذلك الذى ترتبه الزيجة الأخرى من واجب العدل بين الزوجات فى القسم والمبيت وإن استوجب ذلك غياب الزوج عن زوجه بعض الأيامى والليالى فى الأسبوع .
فإذا أثبتت الزوجة أن ضررا منهيا عنه شرعا قد أصابها بمناسبة الزواج الثانى ، أو اكتشفت أن مناسبة هذا الضرر أن الزوج متزوج بأخرى وهى لم تكن تعلم ، انتقلنا إلى تقدير الآثار التى يمكن أن تنجم عن الضرر الذى كانت مناسبته زواج الزوج من أخرى ، وقد بينت المادة 11مكررا أن معياره شخصى ،فينظر فى قبوله أو رده إلى شخص الزوجين ، وأمثالهما ، ونطاقه أن ” يتعذر معه – أى يشق – دوام العشرة بين أمثالهما ” .
4- أن ترفع الزوجة دعواها بطلب التطليق على الزوج للضرر الذى أصابها بمناسبة زواجه من أخرى – أو اكتشافها أنه متزوج من غبرها – حتما خلال سنة هجرية ( ) من تاريخ علمها بالزواج الآخر .
5- ألا تكون الزوجة قد رضيت بزواج زوجها من الأخرى صراحة أو ضمنا ، ويقع على عاتق الزوج إثبات رضاها بالزواج الآخر بكافة طرق الإثبات . مع مراعاة أن حقها فى الطلب يتجدد مع كل زيجة ، فلو كانت قد رضيت بواحدة ثم علمت بزواج زوجها بأخرى غير التى رضيت بزواجه بها يحق لها أن ترفع دعواها إن أصابها من هذا الزواج الأخير ضرر يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالهما ، وهكذا يتجدد حقها فى طلب التطليق كلما تجدد الزواج .
ومتى استوفت الدعوى شروط قبولها ، وأثبتت الزوجة ما تدعى من ضرر بمناسبة الزواج الآخر ، فإنه لمن المتعين على القاضى أن يتدخل للصلح بين الزوجين ، ويترتب على إغفال عرض الصلح على الزوجين أو كيليهما المفوضين فيه بطلان الحكم الصادر فى الدعوى بالتطليق .
ومتى استوفت الدعوى بالتطليق للضرر الحاصل بمناسبة التعدد ، وعجز القاضى عن الإصلاح بينهما طلقها عليه طلقة بائنة .
وإن رفضت الدعوى لمضى مدة السنة التى ألزم القانون الادعاء خلالها فإن الزوجة الراغبة فى الفرقة تستطيع أن تطلب التطليق علــى أساس المادة السادسة والتى تنظم ” التطليق للضرر ” وستمضى دعواها وفق الإطار الذى تنظمه المادة 6 على ما بينا فى البند السابق .
اترك تعليقاً