التعريف القانوني للإضراب مع بيان أشكاله و عناصره
المؤلف : محمد سليم محمد امين – نوزاد احمد ياسين
الكتاب أو المصدر : مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية جامعة كركوك ، العدد17 المجلد 5
تعريف الإضراب
الاضراب لغة : مصدر للفعل الرباعي ) أضرب (، فيقال : أضربت عن الشيئ : كففت عنه وأعرضت ، وضرب عنه الامر صرفه ، قال تعالى : ” أفنضرب عنكم الذكر صفحا” (1)أي نهملكم فلا نعرفكم ما يجب عليكم (2). ويقال : ضربت فلانا عن فلان أي كففته عنه ، فأضرب عنه اض ا ربا إذا كف ، وأضرب فلان عن الامر فهو مضرب إذا كف (3)، ومن ثم فان الاضراب يأتي بمعنى الكف عن الشيء او الاعراض عنه. لذلك نرى ان الاضراب يختلف عن الامتناع من الناحية اللغوية ، في ان الامتناع ذو معنى اعم من الاضراب ، فهو يمثل الامتناع عن العمل وغيره ، بينما الاضراب خاص بالامتناع عن العمل ، والعلاقة بينهما عموم وخصوص ، فكل اضراب هو امتناع ، ولكن ليس كل امتناع هو اضراب ، فقد يمتنع الموظف عن عمله لسبب خاص به ، ولا يعد فعله انذاك اضرابا عن العمل .
أما إصطلاحا : فعرفه العلامة الجرجاني بأنه : ” الاعراض عن الشيء بعد الاقبال عليه .(4) ومن الناحية القانونية نجد ان المشرع العراقي عرفه في قانون العمل رقم 1لسنة5) 1958) كالاتي : ” اتفاق مجموعة العمال أو المستخدمين أو اكثرهم في مشروع معين ، على التوقف عن العمل بشأن امور تتعلق بشروط العمل والاستخدام واحوالهما ” .
ان هذا التعريف جعل الاتفاق اضرابا في حين ان الاضراب هو التوقف عن العمل ، كما أنه قصر المضربين عن العمل بالعمال والمستخدمين في القطاع الخاص ، الا انه حدد ضابطا مهما في تحديد المضربين عن العمل بكون الاتفاق على التوقف عن العمل في المشروع عن طريق جميع العمال او اغلبيتهم .وبالنسبة لتعريف الاضراب في احكام القضاء، فإننا لم نعثر على تعريف له في احكام القضاء العراقي رغم بحثنا الحثيث عنه . وقد عرفه مجلس الدولة الفرنسي في احدى احكامه بانه :” توقف منظم مسبق للعمل من اجل الدفاع عن المصالح المهنية “( 6). ان هذا التعريف موفق الى حد كبير، لانه أطلق في تعريف الاضراب والاشخاص القائمين به سواء بالعمال ام بالموظفين، وحدد الغرض بالمصالح المهنية المتعلقة بالعمل والوظيفة دون الاغراض السياسية .
اما الفقه ، فعرفه بتعريفات مختلفة ، بسبب اختلاف الزاوية التي نظر فيها كل منهم الى الاضراب من خلال اظهار عنصر معين او اخر من عناصر الاضراب او الاشخاص القائمين به او عددهم او الغاية المقصودة منه، نقتصر على ايراد تعريف جانب من الفقه العراقي حيث عرفه بانه : ” توقف العمال الجماعي المؤقت عن تنفيذ التزاماتهم المقررة بموجب عقود العمل ، بسبب وقوع نزاع جماعي يتعلق بالمطالبة بتحسين شروط وظروف العمل ، ويقصد بتوقف العمال الجماعي : جميع العمال او اكثرهم “(7). ان هذا التعريف قصر الاض ا رب على جانب العمال دون الموظفين ، لكنه حدد الغرض منه ، بتحسين شروط العمل وظروفه دون غيرهما من المطالب الاخرى كالمطالب السياسية مثلا .
ومن جانبنا يمكن ان نعرف الاضراب بانه عبارة عن : التوقف الجماعي للعمال والموظفين عن اداء اعمالهم الملزمة قانونا ، لمدة مؤقتة ، ومن دون ان يتخلوا عن وظائفهم ، من اجل ارغام السلطة العامة في الدولة أو اصحاب العمل ، على تلبية مطالبهم المهنية المشروعة وفق القانون .
من ما سبق من التعاريف ، نستنتج بان هنالك عدة سمات للأضراب ، وكالاتي :
أ- الاضراب هو امتناع عن العمل، فهو فعل سلبي ، يتمثل بترك العمل على الرغم من الزاميته .
ب – انه يمارس بصورة جماعية.
ت – انه يكون لمدة مؤقتة .
ث – انه احدى صور التعبير عن حرية ال ا ري .
ج – انه لا يمارس تحت صورة واحدة وانما تأخذ صورا واشكالا عدة .
ح – انه وسيلة استثنائية لا يمارس الا حينما يستنفد جميع الطرق الاخرى لحل النزاعات العمالية والوظيفية قانونا .
_____________
1- سورة الزخرف ، الاية 5
2- الموسوعة الفقهية الكويتية ، الجزء الخامس ، ط 2 ، وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية ، الكويت ، د.س.ط ، ص 107
3- ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم ، لسان العرب ، المجلد الاول ، دار صادر ، بيروت ، د. س.ط ، . ص 547
4- الجرجاني، معجم التعريفات، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة للنشر والتوزيع والتصدير، القاهرة، ب.س.ط ، ص 27
5- المادة 50 من قانون العمل العراقي رقم 1 لسنة 1958 ، منشور في الوقائع العراقية4115 في 16/3/1985
6- حكم مجلس الدولة الفرنسي في 25 يوليو1950 . نقلا عن : سامر احمد موسى ، اضراب العاملين في المرافق العامة )دراسة في النظام القانوني الفلسطيني والفرنسي والجزائري2007 ( ص 12منشورة على (www.alhewar.org/debate/show.at.asp?t ) : الموقع الاتي
7- د. عدنان العابد و د. يوسف الياس ، قانون العمل ، ط 2 ، مطبعة العمال المركزية ، بغداد ، 1989 ص 209
اشكال الاضراب
ان التوقف عن العمل من جانب المضربين لا تأتي بصورة واحدة ، بل تختلف باختلاف غاية المضربين ومكان عملهم والمطالب التي ينوون تحقيقها ، لذا عرفت الممارسات العملية للأضراب عدة صور أو أشكال بعضها مشروع والاخر غير مشروع ، سنشير الى بعض منها باختصار شديد :
1-الاضراب التقليدي ) العادي ( : وهو اكثر انواع الاضراب انتشارا في الحياة العملية ، حيث يترك فيه المضربون مكان عملهم ويلتحقون بالدوام بطريقة منظمة ومدروسة مسبقا من حيث الكم و المدى ، وتأخذ النقابات فيه كافة الاحتياطات اللازمة لبلوغ هدفها ، ونرى انه لا مانع من تطبيقه في المجال الوظيفي، لانه اضراب مشروع فهو لا يؤدي الى عرقلة سير المرافق العامة اوتعطيلها بالكلية.
2-الاضراب القصير والمتكرر : وهي عبارة عن توقفات عديدة ومتكررة مع البقاء في اماكن العمل، يتخللها انقطاع تام عن العمل احيانا ولفترة قصيرة ، ثم يستأنفون عملهم فيما بعد، وهذا الاضراب يتسم بالمشروعية عادة(1) .
3-الاضراب التضامني : ويحصل عندما لا يضرب العمال تأييدا لمطالب لهم قبل صاحب العمل او الدولة ، وانما يؤيدون عمالا او موظفين اخرين سواء انتموا الى نفس فئتهم ام الى مهن اخرى ، وهذا النوع من الاضراب يعد مشروعا اذا تعلقت بمطالبات مهنية وليست سياسية (2)
4-الاضراب الدائري ) الغلق ( : وهو يتطلب انسجاما وتخطيطا محكما ، حيث يتم بصفة فئوية متتابعة ، تمتنع فيه فئة معينة عن العمل لفترة محددة ، تأتي بعدها فئة اخرى بعد استعادة الفئة الاولى نشاطها ، ويمهد – في الوقت نفسه- الموظفين للانقطاع التام عن العمل، ومن ثم فان هذا النوع من الاضرابات اكثر ضررا من الانقطاع الجماعي عن العمل، وهو غير مشروع لدى القطاع العام في فرنسا بمقتضى قانون 31 يوليو 1963(3)
5-الاضراب المفاجئ : ويتم بدون اخطار الادارة مسبقا بالأضراب وموعده من قبل الموظفين او النقابات الممثلة لهم كي يستعدوا لمواجهته ، ولا يخفى ما لهذا النوع من الاضراب من نتائج خطيرة بسبب عنصر المفاجأة وتأثيرها السلبي في اعاقة المرفق العام عن اداء رسالته ، لذلك فهو يعد من اخطر انواع الاضراب ويعد من قبيل الاضرابات غير المشروعة في قوانين غالبية الدول(4) . وعلى هذا الاساس حرم بعض القوانين الاستقالة الجماعية او ترك العمل نهائيا بدون اخطار الادارة ، لاتحادها او لتوافقها مع ذلك النوع من الاضراب من حيث النتيجة ، وهي عرقلة سير المرفق العام بصورة مفاجئة .
6- الاضراب السياسي : وهو اخطر انواع الاضراب، حين يمارس من قبل العمال او الموظفين احتجاجا على سياسة الحكومة أو الدولة ، سواء فيما يتعلق بالتنظيم العمالي او تلك المتعلقة بموظفي الادارة العامة ، اي انها تمارس ضد سياسة معينة تتبعها الحكومة او الاحزاب المكونة لها وصراعاتها فيما بينها ، ومن ثم فان الهدف من هذا النوع من الاضراب ليس تحقيق الاهداف المهنية ، لذلك يعد امرا غير مشروع وفق راي الغالبية من الفقه .
والاصل في الاضراب هو كونه مهنيا ما لم يثبت انه قد اتخذ لغرض سياسي ، ويستنتج ذلك من واقع الممارسة والظروف التي مورس فيه (5). ويذهب البعض من الفقه العراقي الى انه اذا كان الاضراب ذي هدف مهني سياسي فانه يعد امرا مشروعا ، بسبب صعوبة التمييز بين المطالب المهنية والسياسية حينها (6)
ان صور الاضراب كثيرة ومتنوعة ، ضربنا الصفح عن أكثرها لضيق المقام ، انما المهم في هذا الصدد ، هو انه اذا ما حقق المضربون عناصر الاضراب وتوفرت نيته عندهم ، فلهم ان يختاروا الشكل الذي يتلاءم مع طبيعة التأثير في تحقيق مطالبهم لدى الجهة الموجه اليها الاضراب وفي حدود القانون المنظم له .
____________
1- للتفصيل، ينظر : سهيل الاحمد وعلي ابو مارية ، الاضراب عن العمل ) دراسة مقارنة بين القانون والفقه ) الاسلامي، بحث منشور بمجلة جامعة النجاح للأبحاث ) العلوم الانسانية ( ، المجلد ) 26 ، العدد 6، السنة 2012، ص 1300
2- د. عدنان العابد ، مفهوم الاضراب واثاره في تشريع العمل ، بحث منشور بمجلة الحقوق ، العدد الاول ، بغداد 1966 ، ص 16
3- سامر احمد موسى ، اضراب العاملين في المرافق العامة ) دراسة في النظام القانوني الفلسطيني والفرنسي والجزائري ( ،2007 ، ص 14
4- د. حمدي القبيلات ، القانون الاداري ، ج 7 ، ط 7 ، دار وائل للنشر ، عمان ، الاردن ، 2008 ، ص 298
5- مصطفى احمد ابو عمرو ، التنظيم القانوني لحق الاضراب ، دار الكتب القانونية ، القاهرة ، 2009 ص 103
6- عدنان العابد و د. يوسف الياس ، قانون العمل ، ط 2 ، مطبعة العمال المركزية، بغداد ، 1989ص 211
عناصر الاضراب
من اجل تكييف عملية توقف الموظفين في المرفق بانها اضراب ، لا بد ان تتوافر فيه نوعين من العناصر كالاتي :
الفرع الاول
العنصر المادي
ويعني وجود توقف جماعي عن العمل الوظيفي الملزم بصورة مؤقتة ، حيث يتطلب توافر الشروط الاتية :
الشرط الاول : التوقف الكامل عن العمل بصورة مؤقتة : ويتحقق ذلك من خلال الامتناع الجماعي للعمال والموظفين المستمرين في الدوام عن العمل الملزمين بأدائه مدة معينة من الزمن ، مع توافر النية لدى هؤلاء بعدم ترك وظائفهم بصورة نهائية ، ولذلك فان التوقف النهائي عن اداء العمل لا يعد اضرابا بل استقالة (1)
الشرط الثاني : ان يكون الامتناع عن عمل ملزم قانونا : اي ان يكون متعلقا بعمل ملزم قانونا على اختلاف نوعية مصدر الالتزام ، سواء أكان نصا قانونيا أم نظاما ام تعليمات ام عقد عمل فردي أم عقدا مدنيا.
الشرط الثالث : ان يكون الامتناع عن العمل جماعيا : ويقصد بذلك ان يمتنع كل العمال او غالبيتهم عن اداء اعمالهم بما يؤدي الى التوقف عن اداء الخدمة المطلوبة منهم للمرفق او المنشاة . وفي العراق لا يشترط ان يجري الاضراب بالنسبة للعمال عن طريق النقابة بل يكفي ان يكون جماعيا ، بشرط ان يبلغوا رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال بذلك ووزير العمل والشؤون الاجتماعية (2).
الشرط الرابع : توافق الارادات الكامل على موضوع الاضراب: اي ان توقف كل عامل او موظف عن العمل كان لنفس السبب الذي دفع الاخرين للتوقف عنه بحيث تتلاقى ارادات المضربين عن العمل على وحدة الهدف ، وبالتالي لا يعد في حكم الاضراب التوقف المتزامن عن العمل من جانب كل العمال أو الموظفين او غالبيتهم ، اذا كانت هنالك اسباب مختلفة لتوقفهم عن العمل بسبب عدم وحدة العمل المهني التي اضربوا عنها(3).
الفرع الثاني
العناصر المعنوية
وتتمثل في وجود قصد الاضراب ، وتدبيره ، وان تكون مطالب المضربين عن العمل مشروعة وكالاتي : الشرط الاول : نية الاضراب عن العمل : بمعنى ان تتجه الارادة الفعلية للعاملين في المرفق الى التحلل المؤقت عن تنفيذ العمل المكلفين بأدائه ، كي يجبروا صاحب العمل او السلطة العامة لمطالبهم المهنية والمشروعة او الدفاع عنها (4)، وبخلافه اذا توقف العمال والموظفون عن العمل من اجل الاخلال بسير العمل أو لأغراض شخصية غير مشروعة فان امتناعهم لا يعد اضرابا ، انما يعد جريمة جنائية معاقب عليها بموجب المواد 330 و 331
(5) من قانون العقوبات العراقي الذي عد امتناع الموظفين عن اعمالهم الوظيفية لأسباب خاصة وليست لمطالبات مهنية جريمة جنائية ، اذا كانت نتيجة لرجاء او توصية او وساطة او لأي سبب اخر غير مشر وع . او كان بقصد الاضرار بمصلحة احد الافراد او بقصد منفعة شخص على حساب اخر او على حساب الدولة.
الشرط الثاني : تدبير الاضراب : ويقصد به التوقف الجماعي عن العمل نتيجة الاتفاق بين العمال او الموظفين مع وحدة هدفهم من الاضراب او وحدة المطالب الجماعية لدى المضربين
عن العمل في المؤسسة (6) وهو ما أشار اليه المشرع العراقي في المادة 126 من قانون العمل
رقم 71 لسنة 1987 ، حيث يظهر ذلك العنصر في حالتين :
الاولى // الاتفاق السابق بين العمال او الموظفين على الاضراب بغض النظر عن كيفية هذا الاتفاق .
الثانية // الاتفاق اللاحق مع تلاقي الارادات (تلاقي النوايا ) .
الشرط الثالث : المطالب المهنية الممكنة والمشروعة : ويقصد به ان توقف العمال او الموظفين عن العمل كان بهدف ممارسة الضغط على صاحب العمل او السلطة العامة من اجل الاستجابة لمطالبهم المهنية المشروعة ، كتحسين الاجور او اعطائهم اياها او تحسين ظروف العمل او.( تعديل بعض الشروط والاجراءات التعسفية … الخ
_____________
1- عدنان العابد و د. يوسف الياس ، قانون العمل ، ط 2 ، مطبعة العمال المركزية بغداد 1989، ص 210.
2- م /136 فق 2 من قانون العمل النافذ رقم 71 لسنة 1987 الوقائع العراقية ، العدد 3163 في 17/8/1987
3- د. صلاح علي حسن ، تنظيم الحق في الاضراب ، دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية ، 2012 ، ص 45
4- المرجع السابق ، ص 43
5- مادة 330 يعاقب بالحبس كل موظف او مكلف بخدمة عامة امتنع بغير حق عن اداء عمل من اعمال
وظيفته او اخل عمدا بواجب من واجباتها نتيجة لرجاء او توصية او وساطة او لأي سبب آخر غير مشروع. “
. اما المادة 337 فنصت على انه : ” يعاقب بالحبس وبالغرامة او باحدى هاتين العقوبتين: كل موظف او مكلف بخدمة عامة ارتكب عمدا ما يخالف واجبات وظيفته او امتنع عن اداء عمل من اعمالها بقصد الاضرار بمصلحة احد الافراد او بقصد منفعة شخص على حساب آخر او على حساب الدولة” .
6- ابراهيم الدسوقي ابو الليل ، ابراهيم الدسوقي ابو الليل ، التنظيم القانوني لعلاقات العمل الجماعية وفقا للقانون الكويتي في ضوء القانون المقارن والقانون الدولي، بحث منشور بمجلة الحقوق الكويتية ، السنة 1 العدد الاول، سبتمبر ، 1994 ، ص 95
إعادة نشر بواسطة محاماة نت