المساواة المفقودة وحقوق النساء العاملات
يعمل نحو ثلثى العاملات فى العالم النامى فى الاقتصاد غير المنظم، واغلبهن يعملن فى المزارع والمنازل والشوارع ويتسم العمل غير المنظم بعدم الامان وضعف الحماية والاجور، وحتى فى العمل الرسمى تظل النساء اقل حظاً من الذكور فى الحصول على اجر متساو أو الصور المختلفة للحماية ، وذلك على الرغم من ان معظم التشريعات تحض على المساواة فى الاجور وفرص العمل اللائقة
وبالرغم من ذلك تواجه النساء صعوبات اكبر من الرجال فى العثور على عمل لائق ، وعندما تحصل عليه تعمل تحت شروط اقسى وظروف سيئة من شروط عمل الرجال
وتتساوى نسب النساء تقريباً مع نسب الرجال فى معظم دول العالم بينما تصل نسبة النساء العاملات 40 امرأة لكل 100 رجل فى بلدان الشرق الاوسط وتصل معدلات البطالة فى هذه المنطقة بين النساء الى 16.5 % وعادة ما تتقاضى النساء أجوراً تقل عن اجور الرجال
ويشكل عدد النساء حوالى 60% من العمال الفقراء الذين يعيشون بأقل من دولار امريكى واحد فى اليوم ، والذين يبلغ عددهم فى العالم حوالى 550 مليون شخص، وتشكل نسبة النساء العاملات حوالى 40 % من العمال فى العالم ، والذين يبلغ عددهم حوالى 2.8 مليار عامل. اما فى مصر فلا تزيد معدلات النشاط الاقتصادى للنساء عن 20% بينما تصل نفس النسبة عند الرجال الى 73.8% ،فى نفس الوقت الذى تحرم فيه المرأة العاملة فى قطاع الزراعة من الحماية القانونية بنص قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 على الرغم من ان اكثر من 70% من النشاط الزراعى يقوم على عمل النساء
حقوق النساء فى المساواة والعمل اللائق
بذلت جهود كبيرة على المستويات الدولية والوطنية لمعالجة عدم التمييز بين المرأة والرجل فى العمل ، ولكن مازال هذا التمييز يلاقى وجوداً فى عدة مجالات ،ورغم اثاره السلبية الواضحة على صحة وحياة النساء والنمو الاقتصادى واستقرار العمل وما زال العالم يحتاج لمزيد من الجهود للقضاء على كل اشكال التمييز ضد المرأة فى العمل وكافة حقوقها الانسانية.
وتحرص معايير العمل الدولية على تعزيز المساواة بين الجنسين فى العمل والاستخدام ، وقد اصدرت منظمة العمل الدولية ذلك اربع اتفاقيات اساسية هى اتفاقية المساواة فى الاجور رقم 100 لسنة 1951 ، واتفاقية التمييز فى الاستخدام والمهنة رقم 111 لسنة 1958 ، واتفاقية العمال ذوى المسئوليات العائلية رقم 156 لسنة 1981 التى ” تطبق على العمال من الجنسين الذين لديهم مسئوليات تتعلق باطفالهم عندما تحد هذه المسئوليات من امكانية مزاولة نشاط اقتصادى أو الترقى فيه” وواتفاقية حماية الامومة رقم 183 لسنة 2000.
وتعتبر المهارات الدراسية والمهنية المتاحة للنساء مطالب اساسية يجب توفيرها لضمان ارتقاء المرأة للوظائف المهنية والادارية الاعلى، ومساعدتها على تجاوز العقبات للقضاء على كل صور التمييز فى مجال العمل
ويشكل التوفيق بين مسئوليات العمل والعائلة ركناً اساسياً فى عمل النساء ، ويتطلب ذلك تدعيم حماية الامومة بين العمل والمسئوليات العائلية وما يرتبط بذلك من تحديد ساعات العمل والراحات وشروط وظروف العمل الاكثر مناسبة للمرأة وواجباتها العامة، وما يرتبط بذلك ايضاً من توسيع نطاق التأمين الاجتماعى ليشمل اعانات الامومة ورعاية الاطفال سواء للام العاملة أو الزوجة العاملة.
وللموازنة بين مسئوليات العمل والمسئوليات العائلية، كثيراً ما تضطر المرأة لدخول سوق العمل والخروج منه عدة مرات خلال حياتها ، فتفقد المزيد من المساحة والمساواة مع الرجال ، ليس فقط من حيث الضمان الاجتماعى المتراكم بل وايضاً فى مجالات فرص التعليم والتدريب والترقى
كما ان الاوضاع الثقافية تقف كعائق لتقدم المرأة فى ممارسة بعض الوظائف والاعمال ،وتؤدى احياناً الى التمييز بين النساء والرجال فى بعض الوظائف وتجبر هذه الاوضاع بعض النساء على هجر العمل والاكتفاء بالحياة العائلية ، أو تقوم بالعمل بشكل جزئى لبعض الوقت، مما يؤدى لحرمانهن من فرص الترقى والتقدم
فرغم زيادة حصة المرأة فى الاستخدام الاجمالى فى العمل فى مصر الا ان حصتها فى مناصب الادارة العليا مازالت فى تناقص مستمر
حقوق النساء فى القانون المصرى
تتعرض النساء فى العمل لصور عديدة من التمييز ضدهن ، مما يجعلهن الاكثر تعرضاً للفقر والحرمان من فرص العمل اللائقة لأسباب اجتماعية وثقافية، وحرص المشرع المصرى ان يساير احكام المواثيق والاتفاقيات الدولية التى صدقت عليها مصر ، وجاء فى الفصل الثانى بعض الاحكام لحماية حقوق النساء منها
– لا يجوز تشغيل النساء فى الاعمال الضرة بهن صحياً واخلاقياً (مادة90).
– تمنح العاملة اجازة 90 يوم (فى حالة الحمل والوضع) بتعويض يساوى الاجر الشامل لها ، متى كانت امضت 10شهور فى خدمة صاحب عمل أو اكثر ، وفى كل الاحوال لا يجوز تشغيل العاملة خلال الـ45 يوماً التالية للوضع، وذلك لمرتين على الاكثر طوال مدة خدمة العاملة (مادة 91) .ويستثنى من ذلك العاملات بالدولة( موظفى الحكومة) اللاتى ينطبق عليهن القانون 47 لـ1987، حيث تمنحهم المادة رقم 71 من القانون المذكور الحق فى الحصول على اجازة الحمل والوضع بنفس المدة ولكن لمدة ثلاث مرات طوال خدمتها الوظيفية
– يحظر فصل العاملة أو انهاء خدمتها (لأى سبب من الاسباب) اثناء اجازة الحمل والوضع (المادة 92).
– تمنح العاملة فترتين راحة اضافيتين (بخلاف فترات الراحة المقررة) للرضاعة لا تقل عن نصف ساعة خلال يوم العمل ، وللعاملة الحق فى ضم هاتين الفترتين ،وتحتسبان من ساعات العمل الفعلية،وذلك خلال السنتين التاليتين لتاريخ الوضع ، دون أى تخفيض من الاجر (المادة 93).
– تستحق العاملة – فى المنشأة التى تستخدم خمسين عاملاً فأكثر – اجازة بدون اجر لمدة لا تتجاوز سنتين لرعاية طفلها –لمرتين على الاكثر طوال مدة خدمتها ، وذلك فى منشأت القطاع الخاص ( المادة 94). اما فى منشآت الدولة وطبقاً لنص المادة 70 من القانون رقم 47 لسنة 1978 ، تستحق العاملة اجازة بدون مرتب لرعاية طفلها وذلك بحد اقصى عامين فى المرة الواحدة لثلاث مرات طوال حياتها الوظيفية ، واستثناء من احكام قانون التأمين الاجتماعى رقم 79 لسنة 1975 ، المادة رقم 125،126، تحمل الجهة الادارية اشتراكات التأمين المستحقة عليها وعلى العاملة وفق احكام القانون، ان تمنح تعويضاً عن اجرها يساوى 25% من المرتب الذى كانت تستحقه فى تاريخ بدء مدة الاجازة وذلك وفقاً لاختيارها .
– على صاحب العمل الذى يستخدم مائة عاملة فأكثر ،فى مكان واحد ان ينشئ دار للحضانة اطفال العاملات ، فاذا كان عدد العاملات فى المنشأة اقل من 100 عاملة ، يشترك صاحب العمل مع غيره من اصحاب العمل فى المنطقة فى تنفيذ هذا الالتزام .(مادة 96)
استثناء النساء العاملات فى قطاع الزراعة من الحماية القانونية
الشئ المؤسف ان قانون العمل المصرى استثنى العاملات فى الزراعة من الحماية القانونية رغم انهن الاولى بالرعاية لتردى اوضاع العمل فى الزراعة حيث اخرجهن من نطاق تطبيقه وبالتالى ترك هؤلاء النساء يعملن فى ظل ظروف تشغيل سيئة من حيث تدهور اوضاعهن وحقوقهن فى الاجور العادلة والاجازات والتأمين الاجتماعى والصحى والعمل النقابى (مادة 97).هذا فى الوقت الذى يعمل فيه اغلب النساء فى مصر فى الزراعة، وعلى الرغم من المطالبات المتعددة بضرورة تعديل نصوص القانون لحماية حقوق النساء والعاملات فى قطاع الزراعة الا ان الحكومة المصرية لم تلتفت لكل الدعاوى التى اطلقتها العديد من منظمات المجتمع المدنى
ولتحسين وضع المرأة العاملة في مصر يجب العمل على الاتى
• الزام الحكومة المصرية بتطبيق اتفاقية التمييز ضد المرأة بإزالة كافة العوائق التى تحرم المرأة المصرية من المشاركة الفعالة وفرص العمل اللائقة والترقى والمساواة .
• تعديل قوانين المشاركة السياسية والنقابات المهنية والعمالية لاتاحة فرص أوسع لوصول المرأة لمراكز اتخاذ القرار والعمل بنظام الكوتة لضمان تحسين مشاركة النساء في كافة المجالس والنقابات واللجان والاتحادات و مجالس ادارة كافة منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاهلية والحكومية
• إلغاء التمييز ضد المرأة الريفية فى قانون العمل الموحد 12/2003، وتعديل نصوصه بحيث يضمن دخول النساء العاملات فى الزراعة البحتة تحت مظلة الحماية التشريعية القانونية ويضمن تمتعهن بالاجر العادل المتساوى مع الرجال وبالتأمين الاجتماعي والصحي والعمل النقابى
• دمج المرأة فى سوق العمل والائتمان وادماجها في كافة المشروعات التنموية التي يتم تنفيذها بخلق فرص عمل مستدامة مع ربط هذه المشروعات التنموية التى تقوم بها المرأة بنظام السوق مع تطوير قدراتها وتمكينها لمواجهة توحش نظام الاسواق الحرة
• تطوير نظم التأمين الصحي والاجتماعي على نحو يكفل الحماية الاجتماعية والصحية والتعليمية للمرأة العاملة فى قطاع الزراعة والقطاع غير الرسمى
• توفير العلاج المجانى بالمستشفيات العامة والوحدات الصحية التى تقدم خدمات مجانية خاصة بالصحة الانجابية مع تطوير هذه المستشفيات والوحدات لكفالة الحق في الرعاية الصحية للنساء.
• دعم ومساندة الأسر الفقيرة التى توجد بها فتيات لتمكين الأسرة من استمرار بناتها فى التعليم مع إقامة فصول محو الأمية بالقرب من سكن العاملات والفتيات التى لم تلتحق بالتعليم وفى أوقات مناسبة تتوافق مع عملهن وظروفهن الاجتماعية والاقتصادية وحل مشكلات التعليم بداية من تكدس الفصول الي رفع مرتبات المدرسين الي تطوير المناهج بحيث نضمن جودة عملية التعليم في مصر
ويجب تضامن مؤسسات المجتمع المدني لتنفيذ تلك التوصيات للعمل على تحسين اوضاع المرأة العاملة وذلك للمساهمة في صنع مستقبل افضل لبلادنا تحصل فيه نصف المجتمع ” المرأة” على حقوقها في الامان والعمل اللائق والحياة الكريمة
اترك تعليقاً