بموجب هذا الطريق أي طريق الدعوى غير المباشرة يستطيع الدائن ان يستعمل حقاً لمدينه ، بأسم هذا المدين لا باسم الدائن ، مادام الحق الذي يستعمله الدائن يدخل في الضمان العام ،وهذا بمقتضى ماله من الحق على عموم اموال مدينه . هذه الدعوى يستعملها الدائن لا بالنسبة للحقوق الناشئة عن العقد فحسب ، بل تتناول كل حقوق المدين ، سواء نشأت عن عقد او عن فعل ، فهي تتجاوز دائرة العقود . ان الحقوق التي يستعملها الدائن في هذه الدعوى هي من اموال المدين كما تقدم. وتوصف بأنها غير مباشرة لان الدائن يقتضي حقه بطريق غير مباشر هو العمل على المحافظة على عناصر الضمان العام للتنفيذ عليها فيما بعد ، ولان الدائن يستعمل حقوق المدين نيابةً عنه دون وجود علاقة قانونية مباشرة بين الدائن ومدين مدينه .
وهذا النوع من النيابة القانونية حتمها القانون على المدين وقررها لمصلحة النائب ، لا لمصلحة الاصيل ، فقد يكون المدين معسراً ، وهو في اقل تقدير مهمل في الحصول على حقوقه ، واهماله هذا يعود بالضرر على دائنيه ، فكان من العدل ان يعطي القانون سلطة للدائن لينوب عن المدين في استعمال هذه الحقوق . ومن هذا يتضح الغرض من هذه ىالدعوى ، اذ الغرض الاساس منها هو حماية الدائن من الضرر الذي يصيبه نتيجة اهمال المدين في استعمال حق من حقوقه ، والمدين هذا قد يتعمد الاهمال في استعمال حقوقه اذا كان في وضع مالي سيء ، وذلك لعلمه بأن اثر الاهمال لن يلحقه بل سيلحق دائنيه وانه لن يستفيد من استعمالها لان نتيجتها ستؤول الى ذمته الحالية ليستوفي الدائنون منها حقوقهم . الاصل ان كل ما يقع في الضمان العام للدائنين من دعوى وحقوق يستطيع الدائن استعمالها بأسم المدين ، اذا ثبت تقصير المدين في استعمالها ، وافضى تقصيره الى الاضرار بحقوق الدائنين ، فللدائن ان يقطع التقادم ضد المدين ، وان يطالب بحقوقه المتعرضة للسقوط بالتقادم ، وله ان يسجل عقود الشراء والرهن لترتبه له ، وله ان يطعن في الاحكام الصادرة ضده فيترافع ويتمسك بالدفوع نيابة عنه ، وله ان يباشر كل ما من شأنه صيانة حقوق مدينه من الضياع سواء كانت هذه الحقوق شخصيةً او عينية .
ومع ذلك فان الملاحظ على القانون انه قد حدد مجال استعمال الدعوى غير المباشرة . وبمقتضى ذلك ينبغي ان يكون ما يستعمله الدائن بأسم مدينه حقاً وليس مجرد رخصة . فالرخصة لا تمثل قيمة مالية وانما هي مكنة اكتساب الحق وليست حقاً ، سواء كانت عامة يشترك فيها المدين وغيره كمكنة البيع او التأجير او رفض صفقة ، او كانت مكنة خاصة تختص بالمدين وحده ،كمكنة اخذ عقار بالشفعة او قبول هبة ، ذلك لان استعمال المكنة يكون رهناً بمشيئة صاحبها . اذاً يجب ان يكون ما يستعمله الدائن حقاً ، ثم يجب ان يكون هذا الحق حقاً مالياً للمدين، وهذا ما يستنبع القول بالضرورة ان الحقوق غير المالية لا يمكن للدائن ان يستعملها بأسم مدينه كالحقوق العامة وحقوق الاسرة وان ترتب على استعمالها حقوق مالية ، وعلى هذا فليس للدائن ان يرفع نيابةً عن مدينه دعوى طلاق وان كانت تفضي الى تخفيف عبء مالي عنه وهو انقطاع التزامه بالنفقة . وكذا لا يجوز للدائن استعمال الحقوق المالية المتصلة بشخص المدين خاصة لانها تقوم على اعتبارات ادبية يناط تقديرها بالمدين وحده كحق الواهب في الرجوع عن الهبة ، وكذا لا يجوز للدائن استعمال حقوق مدينه المالية غير القابلة للحجز عليها ، لانها لا تدخل في الضمان العام ، ذلك لان الحجز هو طريق التنفيذ ، والتنفيذ هو وسيلة الدائن في استيفاء حقه ، وما لا يجوز حجزه لا يجوز للدائن استعماله لانعدام مصلحته .
وايضاً لا يجوز للدائن ان يباشر حقوقاً للمدين تكون مثقلة بحقوق للغير تستغرق قيمتها ، لانتفاء مصلحة الدائنين في مباشرتها، كاستعمال حق للمدين في استرداد عين يملكها من يد الحائز ، اذا كانت العين مرهونة لضمان دين يجاوز مقداره قيمتها(1)-(2). ولقد ضمن القانون المدني العراقي كل تلك الاحكام في المادتين ( 261 ) و ( 262 ) . فبموجب المادة الاولى ( 261 ) فأنه : ( يجوز لكل دائن ، ولو لم يكن حقه مستحق الاداء ، ان يستعمل بأسم مدينه حقوق هذا المدين الا ما اتصل منها بشخصه خاصة ،او كان فيها غير قابل للحجز، ولا يكون استعمال الدائن لحقوق مدينه مقبولاً الا اذا اثبت ان المدين لم يستعمل هذه الحقوق ، وان اهماله في ذلك من شأنه ان يسبب اعساره ، أو ان يزيد في هذا الاعسار ولا يشترط اعذار المدين ولكن يجب ادخاله في الدعوى ) وطبقاً للمادة الثانية ( 262 ) فانه : ( يعتبر الدائن في استعماله لحقوق مدينه نائباً عن هذا المدين ، وكل فائدة تنتج من استعمال هذه الحقوق تدخل في اموال المدين وتكون ضماناً لجميع دائنيه ) . إن ما جاء به القانون المدني العراقي هو مأخوذ أصلاً من القانون المدني المصري(3). وهو ما سار عليه كل من القانون السوري والقانون الأردني والقانون الجزائري(4).
وبناءاً على ما تقدم فأنه اذا توفي المدين ولم يكن قد استعمل حقه في المطالبة بالتعويض لا هماله او لعجزه عن ذلك فأما ان يكون الضرر قد اصاب المال كشخص قد توفي في حريق هو ومتاعه او متجره ، فللدائن الحق في هذه الحالة في المطالبة بمبلغ التعويض باسم مدينه عن الضرر الذي اصاب المتاع او المتجر ليدخل هذا المبلغ في الضمان العام ويستوفي منه دينه . اما اذا كان الفعل الضار قد مس المدين اوشرفه ، كسبٍ او قذف مثلاً فليس من حق الدائن رفع دعوى التعويض في هذه الحالة بأسم المدين وان كان ذلك في وسع الورثة ، وذلك لان المدين وحده وورثته من بعده هم الذين يقدرون ، هل يجب رفع الدعوى، او اسدال الستار على المسألة. واما اذا كان الفعل قد وقع على جسم المدين فأدى الى وفاته فأن هنالك من يقول بعدم انتقال هذا الحق الى الورثة ، وبذلك لايكون للدائن حق المطالبة بالتعويض عن وفاة المدين بأسم هذا المدين(5)، وهنالك من يفرق بين حالتين ، حالة الوفاة فوراً ، وهنا لا ينشأ للمدين حق في التعويض ، وحالة مضي فترة بين الاصابة والوفاة وهنا ينشأ للمتوفى الحق في التعويض . وهنالك من لا يأخذ بهذه التفرقة اصلاً (6).لان الوفاة مهما تكن عاجلة فانها لا تكون الا بعد وقت من وقوع الحادث . وهذا الوقت مهما يقصر يكفي لان يكسب المصاب حقاً في التعويض وهذا الحق يصبح جزءاً من تركته فينتقل من بعده لورثته(7) . وعلى اية حالة فسواء نشأ الحق في التعويض بمجرد الوفاة او نشأ في الفترة السابقة عليها فليس للدائن استعمال حق مدينه في المطالبة بالتعويض اذ لا يمكن ان يترتب على الجرح او القتل مزايا يستفيد منها الغرماء فضلاً عن ان جسم المدين ليس هو الضمان العام لدائنيه .
ويستثنى من ذلك الحالة التي ينشأ للمدين فيها حق المطالبة- قبل الوفاة- بالتعويض عما اصابه من عجز او انفقه من مال في سبيل العلاج والاطباء ، فيجب ان نقرر للدائن الحق في استعمال دعوى مدينه للمطالبة بمبلغ التعويض ، هذا لان الدعوى مالية لا شخصية الغرض منها المحافظة على الضمان العام ، واحلال مبلغ التعويض محل ما ذهب في سبيل الادوية والاطباء . ويبقى بعد ذلك ان للدائن دعواه الشخصية ، وهي دعواه المباشرة التي يستعملها بأسمه هو، ومبناها التزام مرتكب الفعل الخاطئ بتعويض الضرر الذي نشأ عن فعله ، ويجب على الدائن ان يثبت الخطأ والضرر ورابطة السببية وفقاً للقواعد العامة . من كل ذلك نخلص الى ان استعمال الدائن للدعوى غير المباشرة بأسم مدينه للمحافظة على الضمان العام او الزيادة فيه ،انما تكون اذا وقع الفعل الخطأ على مال، او وقع على جسم ، ولكن ترتبت عليه اضرار مادية ، او تغلب فيها هذه الصفة (8) .
__________________
1- العلامة الدكتور عبدالرزاق السنهوري ، نظرية العقد ، ص750 ، الدكتور عبدالمجيد الحكيم والاستاذ عبد الباقي البكري والاستاذ محمد طه البشير ، القانون المدني واحكام الالتزام ، طبعة جامعة بغداد ، 1980 ، ج2 ، ص90-96 .
2- هنالك الكثير من احكام الدعوى غير المباشرة، ومنها ان لها ضربين من الشروط ، الاولى وتسمى الشروط الموضوعية ، والثانية وتسمى الشروط الاجرائية ، والاولى بدورها تتفرع الى فئات ثلاث :
اولاها ، شروط متصلة بحق الدائن ، وثانيهما شروط متصلة بالمدين ، وثالثهما شروط متصلة بالحق الذي يستعمله الدائن ، واما الشروط الاجرائية ، فهما شرطان اثنان : اولهما ان يستعمل الدائن حق مدينه باسم ذلك المدين ، وثانيهما ان يدخل المدين خصماً في الدعوى .
كما ان لهذه الدعوى اثاراً بالنسبة لا طرافها وهم المدين ( الاصل ) ومدين المدين ( الخصم ) والدائن . وان كل تلك الاثار ترد اساساً الى فكرتي النيابة والضمان العام .
ولقد اعرضنا عن ذكر ذلك ، اذ ليس هو محل البحث، ولمن اراد التفصيل فليراجع الكتب التي تتحدث عن نظرية الالتزامات ونظرية العقد ففيها التفصيل الوافي.
3- تنظر :المادة (235) والمادة (236) .
4- لقد جاء كل من القانونين السوري والأردني بنفس النص الوارد في القانونين العراقي والمصري .تنظر : المادة(236) والمادة (237) من القانون المدني السوري ،والمادة (366) والمادة (367) من القانون المدني الأردني .أما القانونين الجزائري واليمني فإنهما جاءا بنصٍ مشابه لما سبق قي الحكم ،ولكن مع تغيير في بعض الألفاظ .تنظر : المادة (189) والمادة (190) من القانون المدني الجزائري، والمادة (373) من القانون المدني اليمني .
5- ذهب الى ذلك بلانيول وربير واسمان ، الالتزامات ، ج1 و ج6 ، ص890 ، فقرة 658 .
6- ذهب الى ذلك بوردي لاكنتزي وبارد ، الالتزامات ، ج4 ، ص585 ، نبذة 2884 .
7- ذهب الى ذلك الاخوان مازو ، المسؤولية المدنية ، ج2 ، ص722 ، نبذة 1912 ، نقلاً عن الرجال ، مصدر سابق ، ص226 .
8- ينظر : علي الرجال ، مصدر سابق ، ص286-287 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً