أهمية قطاع النقل والمرور في التنمية الاقتصادية والاجتماعية
إن أهم ثورة تكنولوجية في العصر الحديث هي الثورة التكنولوجية في قطاع النقل. ذلك أن وسائل النقل المعروفة من سكة حديد والنقل على الطرق البرية والنقل المائي والنقل الجوي قد شهدت في القرن العشرين تطورات تكنولوجية غير مسبوقة في التاريخ الإنساني.
ويأتي تأثير وسائل النقل في حياة المجتمع من زاويتين مهمتين هما:
الأولى: تعتبر وسائل النقل عاملاً محدداً له أهميته القصوى في تحديد اختيارات الأفراد وأسرهم للمكان الذي يسكنون فيه وكذلك مكان العمل.
الثانية: تؤثر وسائل النقل بدرجة كبيرة في قدرة الأشخاص على دفع أسعار السلع التي تنقلها هذه الوسائل حيث تدخل تكاليف النقل في أسعار بيع السلع وكذلك تؤثر تكاليف نقل المواد الخام والسلع الوسيطة في أسعار بيع المنتجات النهائية. وهذا يوضح الدور الكبير الذي يلعبه قطاع النقل في دائرتي الإنتاج والتوزيع في المجتمع.
وقد تم التطرق إلى أهمية النقل ودوره في إحداث التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المدن وتأثيره في عملية التحضر واختياره موقع السكن بعد ذلك تم التطرق إلى المشاكل التي تعانيها المدن العراقية وسبل معالجتها. وأخيراً تم التوصل إلى مجموعة من الاستنتاجات والتوصيات.
النقل وأهميته:
لقد عرف النقل بأنه الأداة التي عن طريقها يمكن توسيع السوق واستغلال الموارد البشرية والمادية التي لم تستغل سابقاً باتجاه زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته ويساهم في انتقال السلع واليد العاملة إلى الأماكن التي تكون فيها أكثر نفعاً.
وينظر إلى النقل بأنه العصب الحساس في الكيان الاقتصادي والاجتماعي على مستوى البلد باعتباره الوسيلة الفاعلة في تحقيق الاتصال المستمر بين النقاط المختلفة للعملية الاقتصادية والإنتاجية والمتمثلة بمواجهة التوسع الأفقي للمدن وتقليص المسافات بين المنتج والمستهلك بما يمثله من اختصار لعامل الزمن.
أو لنقل الأيدي العاملة إلى المواقع التي تكون فيها أكثر تأثيراً في العملية الإنتاجية لتحقيق الاستثمار الأفضل لهذه الطاقات البشريةن لذلك فقد شهد قطاع النقل من الاهتمام والتطور ما هو بالشيء الكثير.
أنواع النقل:
1- النقل البري بالسيارات: وسيلة مهمة يزداد الاعتماد عليها من سنة إلى أخرى ولعل السبب الواضح في زيادة الاعتماد عليها أو الحاجة إليها هو المرونة والاستجابة العالية التي تتصف بها لتلبية حاجات النقل سواء كان ذلك بالنسبة لنقل الأفراد أم البضائع.
إن أهمية النقل بالسيارات تأتي من خلال الترابط السهل والسريع ما بين المناطق الجغرافية المتناثرة والتي يصعب في الكثير من الأحيان على الوسائل الأخرى في تحقيق عملية الاتصال بنفس المرونة التي تتمتع بها السيارات.
إن تطور النقل بالسيارات يجب أن يواكبه تخطيط وتطوير الطرق لتوفير إنسيابية سليمة لهذه المركبات لذا اتجهت الدول إلى تطوير وتحديث شبكات النقل كي تحصل على كفاءة أعلى في العملية الإنتاجية والاجتماعية التي تحققها السيارة.
2- النقل بالسكك الحديد: تبرز أهمية النقل بالسكك الحديد من خلال قدرتها الكبيرة على نقل الحمولات الثقيلة ولمسافات بعيدة وبسرعة واضحة تفوق الكثير من الوسائل الأخرى حيث بلغت سرعة بعض القطارات 210كم/ساعة.
كما تبرز أهمية السكك من خلال تأثيرها المباشر في توزيع السكان وإيجاد التجمعات الحضرية الكبيرة جراء مرور شبكات السكك فيها وكما نلاحظ ذلك في العديد من المدن الأوروبية الصناعية التي نمت وازدهرت جراء وجود السكك الحديد فيها.
وتعتبر السكك الحديد في مقدمة وسائل النقل التي تعتمد عليها الدول اعتماداً كبيراً في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، وعلى ذلك تقوم العديد من الدول بإنشاء السكك الحديد وتحديثها بالوحدات المتحركة الحديثة.
والمنشآت الثابتة من الخطوط الحديدية على أساس مراعاة خصائص الاستثمار في قطاع سكك الحديد التي يتمثل أهمها في ضخامة الاستثمارات المطلوبة، ولأن سكك الحديد صناعة كثيفة بحاجة إلى رأس المال وتكامل الاستثمارات بمعنى أنه في حالة شراء قاطرات ذات سرعة عالية فلابد من تجديد الخطوط الحديدية لتتحمل هذه السرعات العالية.
وكذلك تعتبر السكك عاملاً من عوامل التوطن الصناعي حيث تبرز أهميته في مرحلتي الإنتاج والتوزيع حيث تتوفر فرص نقل للمواد الأولية وعنصر العمل والسلع الوسيطة وكذلك نقل الإنتاج إلى مناطق التخزين والاستهلاك.
3- النقل المائي:
يعتبر النقل المائي من أولى الوسائل التي استخدمها الإنسان في التنقل إذ إن المجاري المائية متوفرة بصورة طبيعية وبشكل كبير مما ساعد على استعمالها في التنقل ولمسافات طوال وخصوصاً إنها لا تحتاج إلى جهد كبير عند استخدام الزوارق الخشبية في الأنهار بالرغم من أشكالها البدائية.
إن الثورة الكبرى في ميدان صناعة النقل المائي قد حدثت بعد اختراع المحرك البخاري واستخدامه في الزوارق. واستمرت الاختراعات في بناء السفن على اختلاف أنواعها حتى وصلت قدرة بعض السفن على نقل (2-3) ملايين طن من البضائع. ولعل السر في الاهتمام باستخدام هذه الوسيلة في النقل هو الانخفاض الكبير في التكاليف التي تتحملها البضائع جراء انتقالها لمسافات بعيدة وخاصة عند الانتقال من قارة إلى أخرى.
4-النقل الجوي:
إن النقل الجوي أصبح في الوقت الحاضر ليس فقط واسطة النقل بين القارات والبلدان وإنما أيضاً بين المدن في البلد الواحد، على إن أهمية النقل بالطائرة لا تقف عند نقل الأفراد فقط بل نقل البضائع أيضاً حيث يعتقد بعض المراقبين بأن حجم البضائع المنقولة بواسطة الطائرة سيفوق حجم المسافرين من جهة ويفوق حجم البضائع المنقولة بواسطة البواخر والسكك الحديد من جهة ثانية وهذا ما سيحققه من انعكاسات إيجابية على مجمل الحركة الاقتصادية في العالم.
أدوار النقل في المدن
1- دور النقل في المنشآت الاقتصادية إن نقل البضائع من مواقع إنتاجها إلى الوسطاء أو المستهلكين يتطلب إيجاد نظام سهل وكفء للنقل باعتبار ما يحدث من اختناقات في هذه العملية له نتائج سلبية على العملية الإنتاجية متمثلة بالتأخير الحاصل في وصول البضائع في أوقاتها المحددة أو ارتفاع التكاليف المتحققة على البضائع المنقولة.
إن عملية اختيار الواسطة الخاصة بالنقل تتأثر إلى حد كبير بنوع البضائع المنقولة وخصائصها إذ تعتبر الشاحنات وعربات السكك الحديد أفضل الوسائل استخداماً لنقل معظم المنتجات إلى حد ما نسبياً وكذلك بالنسبة إلى مجاري الأنهر والبحار.
إلا إنه على أثر التطورات التكنولوجية الحاصلة في النقل خلال العقد الثاني من القرن الماضي والمتمثلة باستخدام الطائرات من جهة وإدخال مفهوم اقتصاديات النقل لهذه الوسائط من جهة أخرى والتي تحدد بشكل مختصر في إيصال البضائع بالوقت والكلفة المناسبة قد أدى إلى الاهتمام بشكل كبير بالنسبة للمنشآت في اختيار الواسطة الناقلة لبضائعها.
إن أهمية النقل بالنسبة للمنشآت وعلى اختلاف أنواعها سواء كانت صناعية أم خدمية أم زراعية تتضح عندما تسعى هذه المنشآت لاستخدام الأساليب الحديثة والمتطورة في التشغيل باتجاه تخفيض كلفة الإنتاج للوحدة الواحدة مما يستلزم بالمقابل أن يدعمه توافر وسائل نقل تمكنه من الوصول إلى الأسواق في الوقت المناسب والكلفة المناسبة. كذلك تبرز أهمية النقل بالنسبة للمشروع من خلال تأثيره على مكان توطنه.
نرى إن إنشاء السكك الحديد وتقدم استخدام الشاحنات في عمليات النقل أدى إلى توطن المشروع في المكان الاقتصادي الملائم لعمليات الإنتاج دون التقيد بالمفهوم القديم بإنشاء المشاريع المختلفة قرب مجرى الماء باعتباره أفضل وسيلة للنقل وبأقل كلفة.
2- دور النقل في مستوى الاقتصاد القومي: يعد قطاع النقل والمواصلات من البنى الارتكازية للاقتصاد ومؤثراً في الوقت نفسه بصورة مباشر أو غير مباشرة في الحياة الاجتماعية للأفراد من خلال ما يحققه من عملية اتصال وتغيير في السلوك الاجتماعي والحضاري لهم.
إن أي قصور يحصل في قطاع النقل سيؤثر في عملية التدفق السلعي والإنتاجي ما بين المراكز الإنتاجية والاستهلاكية لها وهذا ما يؤثر في الخطط القومية التنموية لذلك نهجت الدول ذات التخطيط المركزي بإبلاء هذا القطاع أهمية واضحة وكبيرة لما له من تأثير في زيادة وتائر عملية التنمية وتبرز أهمية النقل على مستوى الاقتصاد القومي من خلال ربطه المباشر ما بين القطاعات الإنتاجية المختلفة ورفدها بالمواد الأولية والأساسية في العملية الإنتاجية وبذلك يعتبر عامل النقل أحد العوامل الرئيسة المرتبطة بالإنتاج إذ إن إيصال المواد الأولية إلى المصنع أو البضائع الاستهلاكية إلى المستهلك أو البذور والأسمدة إلى المزرعة لا يمكنها أن تتم بدون نظام نقل يحقق الكفاءة المناسبة في سير العملية الإنتاجية من خلال تحقيق:
1- السرعة.
2- الأمان.
3- الاقتصاد في حجم الخدمات المطلوبة لإدامته.
4- التكييف لأي تغير خارجي يمكن أن يحدث.
3- دور النقل في توفير فرص عمل:
يعتبر العنصر البشري الأساس الذي تقوم عليه عملية النقل لما تتطلبه العملية من جهد بشري في إنجاح مهامها.
ولا تقتصر عملية النقل على قائد المركبة بل تتناول جوانب مختلفة ومتعددة كمساعدي السواق والمضيفين وموظفي إدارة وميكانيكيين وعمال صيانة وعمال خدمات ومنفذي مشاريع النقل ومهندسين بمختلف الاختصاصات.
إن توفير ملاكات بشرية كافية للإيفاء بمتطلبات التطور الحاصل في قطاع النقل باعتبار إن الزيادة في مهام هذا القطاع تستوجب أن تقابلها زيادة في العنصر البشري. وهذا يعني توفير فرص عمل كثيرة لمختلف الاختصاصات.
4- دور النقل في إحداث التغيير الاجتماعي: يساهم النقل إلى حد كبير في إحداث التغيير الاجتماعي بين أفراد المجتمع عموماً وذلك من خلال ربط الريف بالمدينة بطرق حديثة تسهل عملية الاتصال الاجتماعي بينهما.
وبذلك فكلما توسعت شبكات وخطوط النقل بين أرجاء البلد الواحد من جهة وبينه وبين الأقطار الأخرى من جهة ثانية ساهم ذلك بشكل فعال في زيادة تحقيق التطور الاجتماعي باعتبار إن المجتمعات المتخلفة هي التي تنغلق على نفسها بسبب صعوبة الاتصال مع المجتمعات الأخرى.
وهذا ما يلاحظ على بعض مجتمعات أفريقيا وآسيا حيث ما زالت هذه المجتمعات تعيش في مستوى الإنسان البدائي، ولعل السبب يرجع إلى انعدام الاتصال بين هذه المجموعات البشرية المنعزلة والمجتمعات الأخرى.
إن عملية التطور التكنولوجي الحاصلة في قطاع النقل والمواصلات تتطلب أن يصاحبها تغيير في نظام النقل المعمول به وهذا ما يستلزم بالمقابل أن يتم إحداث تغيير في سلوكية الفرد وعاداته باتجاه تحقيق الانسجام مع ذلك التغيير.
اترك تعليقاً