مكانة القانون الضريبي من النظام القانوني وطبيعة قواعده القانونية
المؤلف : علي هادي عطية الهلالي
الكتاب أو المصدر : تفسير قوانين الضرائب في العراق
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يتفق اغلب الفقه القانوني (1). على تقسيم القانون الوضعي إلى قسمين هما : القسم العام والقسم الخاص(2). ويقصد بالقانون العام : ” جميع القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تكون الدولة طرفاً فيها بصفتها صاحبة سيادة و سلطة (3). ويبدو على التعريف المتقدم تركيزه على أشخاص العلاقة القانونية لتمييز القانون العام من القانون الخاص ، وبالتالي فإذا كانت الدولة تظهر بمركز متميز من الطرف الثاني تتصف تلك العلاقة بكونها ضمن اطار القانون العام (4).
وينتقد جانب من الفقه القانوني _ بحق _ المعيار الذي يعتمده القائلون بالتعريف المتقدم ، إذ يرى فيه مجرد نقطة بداية للوصول إلى معيار سليم ويخفي وراءه المعيار الأصوب المتمثل بطبيعة العلاقة القانونية نفسها كون القانون العام يحكم العلاقات المتصلة بحق السيادة في الجماعة والمتعلق بتنظيم السلطات العامة فيها(5).
أما القانون الخاص فهو “ مجموعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقات التي تربط الأفراد فيما بينهم وتلك العلاقات التي تنشأ بين الأفراد والدولة ولكن ليست بصفتها صاحبة السلطة والسيادة بل باعتبارها شخصاً اعتيادياً (6) .
وهكذا فان قواعد القانون الخاص تنظم العلاقة القانونية التي يقف عندها أطرافها على قدم المساواة دون تمييز أو سمو من شأنه أن يميل كفة أحد على آخر فلا سيادة أو سلطان ولا علو أو رجحان بل تكافؤ وتوازي . ولكن هل ترجع القواعد القانونية جميعها إلى أحد قسمي القانون أعلاه ، أم هل توجد قواعد لا تنتمي إليهما وتبدو متميزة ومنفردة ؟ يبدو أن الفقه القانوني يقر بوجود قواعد قانونية تحمل في طياتها خصائص كلا القسمين ، إذ تظهر فيها خصائص القانون العام والخاص في الوقت نفسه ، ولكن وجود مثل هذه القواعد لا يدحض التقسيم المتقدم ذكره ، فنسبة القانون إلى القانون العام أو الخاص يكون استناداً إلى الغرض الأساس والصفة الغالبة عليه (7).
فإذا كانت صفة السيادة والأمر والنهي وقوة الدولة هي الغالبة على القواعد القانونية فأنها تنضوي في اطار القانون العام ، وعلى العكس فان كانت الصفة الغالبة والغرض الأساس على القواعد القانونية هو تنظيم العلاقات المتساوية فأنها تندرج في اطار القانون الخاص استناداً إلى ما تقدم يجدر التساؤل عن إلى أي قسمي القانون ترجع القواعد القانونية للقانون الضريبي _ سيما الضرائب المباشرة _ ؟ يبدو أن من الأمور المتفق عليها في الفقه القانوني عموماً والفقه المالي على وجه الخصوص بان القانون الضريبي ينتمي الى حقل القانون العام ، حيث تظهر فيه الدولة طرفاً متميزاً يمارس سلطة الأمر والنهي ، ولكن يبدو أن محل الخلاف هو الطبيعة القانونية لقواعد القانون الضريبي ، فهل هي قواعد أصلية أم استثنائية أم لها ذاتية خاصة ؟
الاتجاه الأول : يرى أن قواعد القانون الضريبي استثناءً من الأصل العام المتمثل بالقانون المدني ، لذا يجب الرجوع إليه وتطبيق أحكامه بكل ما لم يرد فيه نص في القانون الضريبي(8).
الاتجاه الثاني: لا يرى في قواعد القانون الضريبي استثناءً من أي قانون سيما القانون المدني ، كون طبيعة تلك القواعد وما ترمي إليه من أغراض لا تتفق مع طبيعة قواعد القانون الخاص وأغراضه(9).
الاتجاه الثالث: يعتقد باستقلال القانون الضريبي كونه لا يشكل استثناءً على القانون الخاص ، إلا انه في الوقت نفسه لا يرى مانعاً من الرجوع إلى قواعد القانون الخاص واستقاء أحكامه منها دون ان يشكل ذلك تعارضاً بين النصوص(10).
الاتجاه الرابع: يؤكد ذاتية القانون الضريبي واستقلاله بالرغم من كونه فرعاً مستقلاً من فروع القانون العام بالنظر لما يتمتع به من قدرة على تنظيم المراكز القانونية على وفق قواعده ومبادئه فإذا كان استقلاله من القانون العام على هذا النحو ، فان استقلاله عن القانون الخاص يصبح أمراً مؤكداً(11).
وقبل تبني أي من وجهات النظر السالفة يحق لنا السؤال عن ماهية القانون الاستثنائي ، وكيفية معرفة القانون الاستثنائي من عدمه ؟ يعطي الفقه القانوني طريقة مثلى للتحديد تتجسد بوضع كل قاعدة قانونية من النظام القانوني بأجمعه ، فإذا كانت القاعدة القانونية تخالف ذلك النظام القانوني فهي قاعدة استثنائية ، أما إذا كانت متـفقة وغيـر متعارضـة معه فهي قاعـدة أصلية(12).
تأسيساً على ما تقدم فأننا نؤيد الأتجاه القائل بذاتية القانون الضريبي واستقلاله عن فروع القانون العام والخاص ولو أن هذه الذاتية لم تتكامل بل أنها في طور البناء والأكتمال ، فقد بدأ القانون الضريبي مندمجاً مع القانون الاداري ، إلا انه أخذ بالاستقلال حتى بات متميزاً ومنفصلاً عنه ، أما بشان تطبيق بعض الأحكام التي تتضمنها التشريعات الأخرى على بعض العلاقات الضريبية سيما أحكام القوانين المدني والمرافعات والتجاري عند وجود نقص تشريعي في القانون الضريبي فان ذلك لا يعد إقراراً بان هذه القوانين تمثل الأصل العام أو الشرع العام الذي يجب الرجوع إليه عند وجود نقص تشريعي في القانون الضريبي، الذي يعد استثناءً على الأصل العام ..
بل نرى أن تطبيق أحكام هذه القوانين عند وجود نقص تشريعي في القانون الضريبي يعود إلى كونها تمثل الشريعة العامة لمسألة لم يستقل بتنظيمها القانون الضريبي بعد ، كونه آخذ باستكمال أحكامه وبناء ذاتيته واستقلاله (13). فالأمر- في نظري – لا يعدو أن يكون أن هذه القوانين قد سبقت القانون الضريبي بتنظيم هذه المسألة أو تلك.
__________________
1- تشير بعض الدراسات أن التقسيم الثنائي للقانون ينحصر بالقانون الداخلي في الدولة ، في حين يوجد قسم ثالث ينظم علاقات الدولة في الخارج هو القانون الدولي ، وبالتالي فان أقسام القانون ثلاثة هي : العام والخاص والدولي وتنطوي تحت هذه الأقسام فروع عدة ….لمزيد من التفصيل أنظر : د. منذر الشاوي . المدخل لدراسة القانون الوضعي ، دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد ، 1996 ،ص 18 وما بعدها .
2- يرجع هذا التقسيم الى نظرة رومانية قديمة ،الذين يرون في الدولة سلطة عامة تعمل للصالح العام ، وتوكد ذلك عند انتشار الحرية الفردية ، ولم تستطع موجة الأفكار الاشتراكية من ازالة هذا التقسيم .. لمزيد من التفصيل أنظر : د .حسن كيرة ، مصدر سابق، ص 57 _ 58 .
3- د. محمد جلال حمزة و د. خليل مصطفى ، مصدر سابق ، ص 20 .
4- د. منذر الشاوي ، المصدر السابق ، ص 12 وما بعدها .
5- د. حسن كيرة ، مصدر سابق ، ص 61 .
6- د. محمود جلال حمزة ، د. خليل مصطفى ، مصدر سابق ، ص 20 _ 21 .
7- د. حسن كيرة ،المصدر سابق ، ص 63 _64 . وكذلك د. منذر الشاوي ، مصدر سابق ، 26 .
8- د. مالك دوهان الحسن ، مصدر سابق ، ص 503 .
9- رأي الاستاذ ” تروتباس ” أشار إليه د. حسين خلاف ، مصدر سابق ، ص 19 -20.
10- د. حسين خلاف ، مصدر سابق ، ص 27 _ 28 .
11- د. قدري نقولا عطية . ذاتية القانون الضريبي ، بدون مطبعة ، 1960 ، ص 30 _ 47 .
12- د. مالك دوهان الحسن ،مصدر سابق ،502.
13- أنظر ما سقناه من أمثلة في موضوع النقص التشريعي
اترك تعليقاً