محيط بحالة الحمل كثير من الاحتمالات تبعاً لواقعة الولادة التي تحصل بعد مرور مدة الحمل ، وهذه الاحتمالات تتمثل في ان الحمل أما ان يولد حياً او ميتاً أي موجوداً او معدوماً ، واما ان يولد واحداً او متعدداً في بطن واحدة ، أي الوحدة او التعدد ، واما ان يولد ذكراً او انثى ، أي تتحقق الذكورة او الانوثة . هذه مجمل الاحتمالات التي تخضع لها حالة الحمل ، والتي يجب ان تعالج بالترجيح بينها وذلك للوصول الى الحكم الاكثر استقراراً وتنظيماً وعدالة يمكن الاستناد اليه في قسمة التركة قبل ولادة هذا الحمل . لذا سنتناول هذه الاحتمالات الواحد تلو الاخر ، ونرى كيف رجح بينها الفقهاء المسلمون ، ومدى جدوى هذا الترجيح ، في ضوء موقف التشريعات المقارنة ، وذلك للتوصل الى حكم جدير بالتأييد في التشريع العراقي وكما يلي : –
أولاً: تردد حال الحمل بين الوجود او العدم (1).
ان هذا التردد لا يؤثر في ميراث الحمل في شيء ، ولا في القواعد التي تحكم هذا الميراث كما اقرها الفقه الاسلامي ، وذلك لان هذا الفقه غلب جانب الحياة على جانب القدم تغليباً تاماً ، حتى صار هذا التغليب هو الدافع الاساس لتنظيم المركز الشرعي الخاص بالحمل ، وذلك حرصاً على حقوق هذا الحمل واتقاء للحرام والشبهات ، فكم كانوا متقين اولئك الرجال ؟ فجعلوا للنطفة حكم الحياة باعتبار المال ، واقروا الحياة التقديرية للحمل (2). وبنوا عليها الاحكام الشرعية المتعلقة بها . لذا فان هذا الاحتمال يعتبر محسوماً ولا يعول عليه في اقرار الميراث للحمل . بل انه يعتبر معياراً للتمييز بين الارث بالتقدير والارث بالاحتياط (3).والذي يقوم أساساً على هذا الاحتمال دونما سواه ، في حين الارث بالتقدير لا يتأثر بهذا الاحتمال ويبنى على ما سوف يليه منها .
ثانياً : تردد حال الحمل بين الوحدة او التعدد(4).
ان المقصود بهذا التردد هو ان الحمل في بطن امه لا يعلم أهو جنين واحد ام توأم (اثنان) ام أكثر ، حيث ان الاحتمال في التعدد وارد في كل لحظة سواءً أكان توأم أم أكثر ، مثلما الاحتمال شبه مستقرٍ على وحدة الجنين في البطن الواحدة. لذا فإن الفقهاء المسلمين قد قدروا لهذا التردد تقديرات متعددة ، فمنهم من يرى انه اذا أريد تقسيم تركة الميت الذي في ورثته حمل فانه يوقف له نصيب اربعة (5).(بنين او بنات ايهما أكثر) ، وهو مذهب الامام ابي حنيفة والمالكية(6). ومنهم من يرى ان الحمل يوقف له نصيب ثلاثة(7). (بنين او بنات ايهما اكثر) ، وهي رواية عن محمد بن الحسن ، والذي يرى في رواية ثانية انه يوقف له نصيب اثنين (8).(ابنين او بنتين أيهما أكثر) ، وهي أيضاً احدى الروايتين عن ابي يوسف(9). ومذهب الامام احمد(10). واخر هذه الاراء يرى انه يوقف الحمل نصيب واحد(11).(ابن او بنت ايهما اكثر) وهي الرواية الراجحة عن ابي يوسف(12). رواها عنه الخصاف على اساس ان الغالب المعتاد هو ان المرأة لا يلد في بطن واحد إلا واحداً فعلى ذلك يبنى الحكم ما لم يعلم خلافه . اما عن موقف التشريعات المقارنة من هذا التردد ، فانه يتمثل في ان قانون المواريث المصري ذهب الى انه يوقف للحمل نصيب واحد ، وذلك بقوله ” يوقف للحمل من تركة المتوفى أوفر النصيبين على تقدير انه ذكر او انثى ” . وبنفس الاتجاه جاء موقف قانون الاحوال الشخصية اليمني بقوله ” يؤخر للحمل من تركة المتوفى نصيب ذكر …” وموقف قانون الاسرة الجزائري بقوله ” يوقف من التركة للحمل الاكثر من حظ ابن واحد او بنت واحدة …” وقانون الاحوال الشخصية السوري بقوله ” يوقف للحمل من تركة المتوفى اكبر النصيبين على تقدير انه ذكر او انثى” ومجلة الاحوال الشخصية التونسية ، ومشروع القانون العربي الموحد للاحوال الشخصية(13). أما قانون الاحوال الشخصية الصومالي فقد نص في المادة (170) فقرة (1) على ” يوقف للحمل نصيبه من التركة بعد تقسيمها ” ، وبهذا فانه أمر توقيف نصيب الحمل ، ولكنه لم يحدد مقدار هذا النصيب هل هو نصيب واحد (ابن او بنت) ام نصيب اثنين او اكثر ، وهذا يعرض النص للانتقاد . اما عن قانون الاحوال الشخصية العراقي فانه لم يتعرض لهذه المسألة أيضاً ، لذا فانه يتوجب علينا اقتراح النص في هذا الموقف ، والذي يكون بناءً على الترجيح بين الاراء والمواقف. وللترجيح بين تلك الاراء نقول ان الرأي الذي يذهب الى توقيف نصيب اثنين (ابنين او بنتين ايهما اكثر) للحمل هو الرأي الجدير بالتأييد في التشريع العراقي وذلك للأسباب الاتية:-
1.ان قسمة التركة بين الورثة تؤدي الى امكان تصرف هؤلاء الورثة بحصصهم من هذه التركة او تؤدي الى هلاك تلك الحصص في أيدي الورثة، فاذا كان ما قد وقف للحمل يقل عن استحقاقه بعد تبين حاله بالولادة ، فانه يتعذر الرجوع الى اولئك الورثة ، او يتعذر الحصول على ما تبقى من نصيب الحمل في أيديهم .
2.إن مما لا شك فيه ان بناء الاحكام يكون على اساس الكثير الغالب وليس على اساس القليل النادر ، الا ان حالتنا هذه لا تدخل ضمن نطاق تطبيق هذا المبدأ ، وذلك لان هذا المبدأ ينطبق على المراكز القانونية المستقرة لا المراكز الطارئة او المترددة كالمركز القانوني للحمل الذي يقوم أصلاً على الاحتمال وتبنى احكامه بناءً على الاحوط والاضمن لمصلحته ، والاحوط هنا توقيف نصيبين اثنين بدلاً من نصيبٍ واحدٍ خاصة وان ظاهرة ولادة التوأمين اصبحت ظاهرة طبيعية شائعة وليست نادرة . لذا فالنص المقترح يمكن ان يكون بالشكل الاتي : ( يوقف للحمل من تركة مورثه نصيب ذكرين او اثنين ايهما اكثر الى حين ولادته …) .
ثالثاً : تردد حال الحمل بين الذكورة او الأنوثة(14).
ان تردد حال الحمل بين الذكورة او الانوثة يمثل تردد بين احتمالين متعادلين من حيث النسبة ، لذا فلا يمكن تغليب احدهما على الاخر ، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى حتى لو تمكنا من تغليب احدهما على الاخر فما الذي يدرينا انه الافضل للحمل ام الأسوأ له ، وذلك لاختلاف الورثة واصنافهم باختلاف المسألة الارثية . لذا فان الفقهاء المسلمين بحثوا عن الافضل للحمل سواءً أكان هذا الافضل في احتمال ذكوريته أم في احتمال أنوثيته ، لذا فقد جاءت اراؤهم بصيغة (نصيب ذكر او انثى ايهما اكثر). وكذلك جاءت مواقف التشريعات المقارنة بذات الصيغة (نصيب ذكر او انثى ايهما اكثر) أو (أوفر النصيبين على تقدير انه ذكر او انثى).باستثناء قانون الاحوال الشخصية اليمني الذي اعتبر نصيب الذكر هو الافضل دائماً ، وهذا غير دقيق حيث قد يكون نصيب الانثى هو الافضل. اذن فان الرأي مستقر على توقيف الافضل للحمل وتوقيف الاقل لبقية الورثة ….
_______________
[1]- محمد ابو زهرة ، المصدر السابق ، ص203 .
2- الصفحات 43 وما بعدها من هذه الدراسة .
3- الفصل الثاني من هذه الدراسة .
4- الخرشي على مختصر سيدي خليل ، وبهامشه حاشية الشيخ علي العدوي ، ج8 ، دار الفكر ، 1318هـ ، ص224.
5- وقد حكى الماوردي قال : اخبرني رجل من اهل اليمن ورد طالباً للعلم وكان من أهل الدين والفضل ان امرأة ولدت باليمن شيئاً كالكرش فظن ان لا ولد فيه فألقي على قارعة الطريق فلما طلعت الشمس وحمى بها تحرك فاخذ وشق فخرج منه سبعة اولاد ذكور وعاشوا جميعاً وكانوا خلقاً سوياً إلا انه كان في اعضادهم قصر ، قال وصارعني احدهم فصرعني فكنت أُعير به فيقال صرعك سبعُ رَجُل . الامام شمس الدين عبد الرحمن بن محمد بن احمد بن قدامة المقدسي، الشرح الكبير على متن المقنع ، ج6 ، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع ، دون سنة طبع ، باب ميراث الحمل ، ص130.
6- ابن عبادين ، رد المحتار على الدُر المختار (حاشية ابن عابدين ) ، المصدر السابق ، ج6 ، ص800؛ والخرشي على مختصر سيدي خليل ، المصدر السابق ، الجزء 8 ، ص224.
7- وعن ابن عرفة قال : سمعت من غير واحد ممن يوثق به ان بني العشرة الذي بنى والدهم مدينة سلا بأرض المغرب ، كان سبب بنائه اياها انه ولد له عشرة ذكور من حمل واحد من امرأته فجعلهم في مائدة ورفعهم الى أمير المؤمنين يعقوب المنصور فاعطى كل واحد منهم الف دينار ذهباً وأعطى والدهم أرضاً بوادي سلا فبنى بها مدينة تعرف الى الان بمدينة بني العشرة . شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل ، المصدر السابق ، ج4 ، ص758.
8- ولقد أضحت ظاهرة ولادة التوائم في وقتنا الحاضر ظاهرة طبيعية شائعة .
9- شمس الدين السرخسي ، المبسوط ، المصدر السابق ، ج30 ، ص52.
0[1]- ابن قدامة ، المغني ، المصدر السابق ، ج6 ، ص314.
1[1]- ان الاصل في الحمل هو انه ينتج عنه وليد واحد في الاعم الغالب ، ولقد تم التوصل الى هذه النتائج بناءً على الاستقراء الذي اجراه الباحث .
2[1]- شمس الدين السرخسي المبسوط ، المصدر السابق ، ص52.
3[1]- المواد (42 المصري ، 329 اليمني ، 173 الجزائري ، 299 السوري ، 147 التونسية ، 285 المشروع الموحد) .
4[1]- احمد قاسم محمد ، الدلائل الفنية في المواريث الشرعية ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، العراق ، 1981م ، ص102.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً