من الحقوق المقررة للمولى عليه في الشريعة الإسلامية، حقه في الإنفاق عليه مادام قاصرا وغير قادرٍ على الكسب ولم يكن له مال. ويدخل في النفقة كل ما يحتاج اليه المولى عليه من مأكل وملبس ومسكن، بما في ذلك أجر رضاعه وحضانته. حيث تلتزم الأم بإرضاع طفلها على نفقة أبيه أو غيره من الأولياء في حالة عدم الأب. وذلك لان الولد جزء أبيه، وكما تجب نفقة الإنسان على نفسه تجب على جزئه. ولاشك ان أجرة الرضاع من ضمن النفقة، فهي واجبة على الأب لإبنه لقوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)(1. فالأب يلتزم بنفقة الرضاعة، ضمن إلتزامه بالإنفاق على زوجته حال قيام الزوجية، أو باجر الرضاعة إذا كانا منفصلين، لقوله تعالى: (وان كن أولات حملٍ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن)(2). على إن إلتزام الأم بإرضاع طفلها مرهون بقدرتها على ذلك، وهي من الناحية الشرعية تلتزم بإرضاع الطفل إذا ما تعين عليها ذلك بصورة حتمية لا بديل لها، كما لو كان الطفل يرفض الرضاعة من ثدي غير ثديها، أولا توجد إمرأة غيرها ترضعه، أو إذا لم يكن للطفل ولا لأبيه مال يستأجر به مرضعاً ولم تكن هناك متبرعة بإرضاعه(3). وفي غير هذه الحالات لا تجبر الأم على إرضاع طفلها، وخاصة إذا كانت ظروفها الصحية لا تسمح به، فضلاً عما حققه التطور العلمي والاجتماعي من وسائل بديلة للرضاعة الطبيعية. وإذا قامت الأم بإرضاع ولدها- سواء كانت مختارة أم مجبرة على ذلك- حال قيام الزوجية حقيقة أو حكما، فلا تستحق أجرة على إرضاعه لقيام الزوج بالإنفاق عليها في هذه الحالة. أما إذا كانت الزوجية قد انقطعت بخروجها من العدة، فلها الأجرة على إرضاع ولدها منه لارتفاع نفقتها عنه، فتأخذ حكم المرضعة الأجنبية في إستحقاق الأجرة(4). وقد دل على ذلك قوله تعالى في المطلقات: (وأن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن، فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن)(5). فقد أوجبت الآية الكريمة على الازواج أن يعطوا مطلقاتهم أجرة الإرضاع إذا قمن به بعد العدة، لان المطلقة بعد ان تنقضي عدتها من الزوج لا نفقة لها(6).
أما إذا قامت الأم بارضاع ولدها وهي في عدة الطلاق البائن، فقد إختلف الفقهاء في ايجاب الأجر لها. فمنهم من يرى انها تستحق الأجرة على إرضاعه لانقطاع الزوجية بالإبانة، في حين يرى آخرون انها لا تستحق الأجرة على ذلك، إكتفاء بما تأخذه من النفقة مدة العدة(7). وبالرأي الأول، أخذ كل من المشرع السوري والأردني، حيث جاء في المادة (152/2) من قانون الأحوال الشخصية السوري ما يلي: (لا تستحق الأم أجرة الرضاع حال قيام الزوجية أو في عدة الطلاق الرجعي). وجاء في المادة (152) من قانون الأحوال الشخصية الأردني ما يلي: (لا تستحق أم الصغير حال قيام الزوجية أو في عدة الطلاق الرجعي أجرة على ارضاع ولدها وتستحقها في عدة الطلاق البائن وبعدها). وبهذا ايضاً أخذ المشرع العراقي في قانون الأحوال الشخصية في المادة (57) منه فيما يتعلق بأجرة الحضانة، حيث جاء فيها: (3… ولا يحكم باجرة الحضانة مادامت الزوجية قائمة، أو كانت الزوجة معتدة من طلاق رجعي). وهذا النص وان كان وارداً في أجرة الحضانة إلا انه لا فرق في هذا الخصوص بين أجرة الحضانة وأجرة الرضاع، فالأم سواء أكانت مرضعاً أم حاضناً وكانت زوجيتها قائمة بينها وبين أبي الرضيع (أو المحضون) أو مطلقة وفي عدة طلاق رجعي، فلا تستحق أجرة على الرضاع (أو الحضانة) لانها تستحق على الزوج نفقة في حال الزوجية، وفي حال عدة الرجعي(8). وبناء على ذلك لو أبرأت الزوجة زوجها من نفقة العدة نظير طلاقها منه إستحقت عليه أجرة ارضاع ولدها منه، لانه لا نفقة لها في زمن العدة فيكون حكمها حكم الأجنبية وحكم من إنقضت عدتها(9). ولو تبرعت إمرأة أجنبية بارضاع الصغير، أو رضيت أن ترضعه باقل من أجر المثل وكانت أمه لا ترضى أن ترضعه في الصورة الاولى إلا بأجر، وفي الصورة الثانية لا ترضعه بأقل من أجر المثل ، فالأجنبية احق منها في الإرضاع في الحالتين، الا انها تلتزم بإرضاعه عند أمه حتى لا تفوت على الأم حقها في الحضانة(10). وقد إستدل الفقهاء على ذلك بقوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده)(11). أي لا ينبغي ان يتخذ أحد الوالدين من الطفل سبباً لمضارة الآخر، فلا يضار الأب بإلزامه بالأجرة التي تطلبها الأم مع وجود من تتبرع بالإرضاع أو تأخذ أقل من أجر الأم، كما لا يجوز الأضرار بالأم بإنتزاع ولدها منها مع مالها من حق الحضانة، لذا على المرضعة أن ترضعه عندها(12). ويدخل في نفقة المولى عليه كذلك أجرة حضانته، وشأن الحضانة في ذلك شأن الرضاع، إلاّ فيما يتعلق بالتبرع بالحضانة. فالمتبرعة بالحضانة ان كانت من أهل الحضانة، بان كانت قريبة للصغير قرابة محرمية وتتوفر فيها شروط الحضانة، فلا يسلم اليها الصغير إلاّ في حالتين هما، ان تكون الأجرة واجبة على الأب مع اعساره، والحالة الثانية ان تكون الأجرة واجبة في مال الصغير. فان اعطاء الصغير للأم بأجر مع وجود المتبرعة الصالحة للحضانة، يترتب عليه الزام الأب بالأجرة مع إعساره، وفي هذا أضرار بالاب بسبب ابنه، يتعارض
مع قوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده)(13).
وفي الحالة الثانية، فان إعطاء الصغير لمن تتبرع بحضانته إعفاء له من الأجرة وفيها حفظ لماله(14). وفي غير هاتين الحالتين فإن الأم هي الأولى بالحضانة، وفي هذا تختلف الحضانة عن الإرضاع. فان المتبرعة بالإرضاع أولى من الأم التي تطلب أجراً، حتى ولو كانت أجنبية عن الصغير سواء كان للصغير مال أو ليس له مال، وسواء كان الأب موسرا أم معسراً. وهذا الاختلاف يرجع الى المقصود من كل منهما، فالمقصود من الحضانة تربية الصغير وتعهده بالرعاية والعناية، وتلك أمور قائمة على الحنان، والشفقة والعطف وهي لا تتحقق في البعيدات إلا قليلاً وتزيد قوة كلما قويت درجة القرابة من الصغير. أما المقصود من الرضاع فهو التغذية، وهذه كما تتحقق من القريبات تتحقق من غيرهن، فلا يكون في تقديم من تطلب أجراً أقل مما تطلبه الأم، أو تقديم المتبرعة أضرار بالصغير(15). ويدخل في النفقة أيضاً ما يصرف في تعليم المولى عليه وتطبيبه، وكل ما يحتاج اليه من مستلزمات الحياة الضرورية. ويراعى في تقدير النفقة وسع مال الأب الى جانب حال الصغار، وعلى ذلك نص المشرع التونسي في الفصل (50) من مجلة الأحوال الشخصية التونسية، بقوله: (تشمل النفقة الطعام والكسوة والمسكن والتعليم وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة). كما نص في الفصل (52) من المجلة، على انه (تقدر النفقة بقدر وسع المنفق وحال المنفق عليه وحال الوقت والأسعار). وهذا ما نص عليه أيضاً المشرع المصري في المادة (18 مكررا ثانياً) من القانون الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية(16). حيث جاء فيها: (3- ويلتزم الأب بنفقة أولاده وتوفير المسكن لهم بقدر يساره وبما يكفل للأولاد العيش في المستوى اللائق بأمثالهم). ولم يرد في القانون العراقي نص بشأن كيفية تقدير نفقة الأولاد، وما تشتمل عليه هذه النفقة. وعليه يكون المرجع في ذلك الى أحكام الشريعة الإسلامية(17).
_____________________
[1]- سورة البقرة/233. وقد عبر صاحب شرح فتح القدير عن ذلك بالقول: (وجه الاستدلال انه أوجب على الأب رزق الوالدات وعبر عنه بالمولود له للتنبيه على علة الايجاب عليه وهو الولاد له. وان نفقة الوالدة هي نفقة الولد لان الولد يحتاج اليها في الخدمة والتربية والرضاع، حتى ان اللبن الذي هو مؤونته انما يستحيل لبناً من غذائها فايجاب نفقتها عليه إيجاب نفقته عليه). أنظر: ابن الهمام- شرح فتح القدير 3/344.
2- سورة الطلاق/6.
3- أنظر: الكاساني- بدائع الصنائع 4/40، أبو اسحق ابراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آباذي الشيرازي- المهذب في فقه مذهب الإمام الشافعي- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه- مصر- ج2- ص167، ابن قدامة- المغني 8/225، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير2/525، عبد الكريم رضا الحلي- الأحكام الجعفرية في الأحوال الشخصية- مكتبة المثنى- بغداد- ط2- 1366هـ- 1947م- ص95.
4- الكاساني- بدائع الصنائع 4/ 40، حاشية ابن عابدين2/929، الشيرازي- المهذب 2/168، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/525. وقد ذكر الدسوقي في حاشيته، بأنه إذا كانت الأم المتزوجة بأبي الرضيع أو الرجعية من أشراف الناس وقامت بإرضاع الصغير فانها تستحق الأجرة على ذلك، ومثل الشريفة المريضة.
5- سورة الطلاق/6.
6- الطبرسي- مجمع البيان 10/308.
7- أنظر: حاشية إبن عابدين 2/930، إبن نجيم- البحر الرائق 4/220.
8- وبهذا الصدد قضت محكمة التمييز بأنه: (لا يحكم بأجرة الحضانة مادامت الزوجية قائمة أو كانت الزوجة معتدة من طلاق رجعي). مجموعة الأحكام العدلية- س9- ع4- 1978- رقم القرار:2270/ شخصية/78- تاريخه: 21/12/1978- ص43. وانظر في هذا المعنى أيضاً: القرار رقم: 2740/ شخصية/ 79- تاريخه: 16/7/80 مجموعة الأحكام العدلية- س11- ع3- 1980- ص21.
9- أنظر: د. عبد العزيز عامر- الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية- فقهاً وقضاء- النسب- الرضاع- الحضانة- نفقة الاقارب- دار الكتاب العربي- مصر- ط1- 1381هـ- 1961م- ص368. وراجع في ذلك حكم للمحكمة الشرعية المصرية حيث جاء فيه: (إمتناع فرض أجرتي حضانة وإرضاع الصغير خاص بالمعتدة التي تستحق النفقة على مطلقها، أما من لا تستحق النفقة فحكمها حكم منقضية العدة والأجنبية في أستحقاقها للأجرة). المحاماة الشرعية- س2- ع3- 1929- 1930- تاريخ القرار: 17/11/1928- ص269.
0[1]- وقال الجعفرية لا يجب إرضاعه في هذه الحالة عند الأم، بل تسقط حضانتها، أنظر: الحلي- الأحكام الجعفرية /95 ، حاشية ابن عابدين2/930، ابن نجيم -البحر الرائق 4/221، ابن قدامة- المغني 8/228، الشيرازي- المهذب 2/168.
1[1]- سورة البقرة/233.
2[1]- أنظر: الألوسي- روح المعاني 2/126 وما بعدها.
3[1]- سورة البقرة/233.
4[1]- ابن نجيم- البحر الرائق 4/221، محمد حسين الذهبي- مصدر سابق- ص375.
5[1]- أنظر: محمد الحسيني حنفي- مصدر سابق- ص197، محمد حسين الذهبي- المصدر السابق- الصفحة نفسها. وبهذا الصدد قضت محكمة التمييز عندنا بأنه: (لأم الصغير المطلقة ان تطالب بأجرة حضانة مطلقا ولا تسلب حضانتها بحجة وجود متبرعة مادام الصغير في سن الحضانة). قرار رقم: 141/ شخصية/ 76- تاريخه: 5/2/1976- مجموعة الأحكام العدلية- س7- ع1- 1976-ص81.
6[1]- رقم 25 لسنة 1929 والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985.
7[1]- ومن قرارات محكمة التمييز في هذا الخصوص، جاء فيه: (ان نفقة الصغير تقدر بقدر حاجته الفعلية). قرار رقم: 881/ شخصية/ 76- تاريخه: 2/6/1976- مجموعة الأحكام العدلية- س7- ع2_ 1976- ص57. وفي قرار آخر لها جاء فيه: (يراعى عند فرض نفقة الصغير مقدار حاجته التي يقدرها الخبراء). قرار رقم: 1650/ شخصية/ 76- تاريخه: 20/10/1976- مجموعة الأحكام العدلية- س7- ع4- 1976- ص116. وقد قيدت محكمة التمييز زيادة نفقة الأولاًد بتغير الظروف المعاشية ومدى تقدم الأولاًد في العمر. حيث قضت بانه: (تزداد نفقة الأولاًد على ابيهم إذا زادت حاجتهم بالنظر لتقدم اعمارهم وتقدم مراحلهم الدراسية وتغير الظروف الاقتصادية، ولو لم يتغير مورد الأب مادام موسراً). قرار رقم: 180/ شخصية/ 82- 83- تاريخه: 14/8/1982- ابراهيم المشاهدي- مصدر سابق- ص324.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً