دور القضاء الدولي في حماية البيئة
د. معاش سارة، جامعة الحاج لخضر باتنة.
Abstract :
Le développement de l’être humain dans le domaine technologique et industriel a contribué à faciliter la vie humaine dans divers domaines, mais en même temps causant les lésions causé par l’industrie des résidus de pollution de l’environnement, les produites chimiques et d’autres, cette pollution n’a pas causé des dommages que pour les humains et les animaux, mais a changé aussi la nature des composants pour contrer les états graves retombées de la pollution ont travaillé à adopter une législation visant à protéger l’environnement et réduire les comportements et les actions qui augmentent le risque de contamination, mais les lois ne suffisent pas, il n’a pas été nécessaire de construire une dépense internationale soutient les efforts de protection de l’environnement est consacré à la coopération internationale efficace dans ce domaine, bien que les autorités judiciaires internationales ont un rôle important dans la résolution des différends internationaux, mais ses dispositions ne faisaient pas de différence significative dans l’arrêt du tronçons dangereux de la pollution et ses conséquences, ce qui conduit à revendiquer l’existence diun tribunal international de l’environnement.
الملخص:
إن التطور الذي تشهده البشرية في الميدان التكنولوجي والصناعي ساعد على تسهيل حياة الإنسان في شتى الميادين، ولكنه في الوقت ذاته تسبب في آفات أخطرها التلوث البيئي بمخلفات الصناعة والمواد الكيماوية وغيرها، هذا التلوث لم يتسبب في ضرر للإنسان والكائنات الأخرى فحسب، بل أدى إلى تغيير في مكونات الطبيعة. ولمواجهة التداعيات الخطيرة للتلوث عملت الدول على سن تشريعات تهدف لحماية البيئة والحد من الأفعال والسلوكات التي تزيد من مخاطر التلوث، إلا أن القوانين وحدها لا تكفي، فكان لا بد من بناء قضاء دولي يدعم جهود حماية البيئة ويكرس التعاون الدولي الفعلي في هذا المجال، وعلى الرغم من أن الجهات القضائية الدولية قامت بدور ملحوظ في حل بعض النزاعات الدولية، إلا أن الكثير من الأحكام لم تحدث تغييرا كبيرا في وقف امتداد التلوث وتداعياته الخطيرة، الأمر الذي أدى إلى المطالبة باستحداث جهاز قضائي دولي يتمثل في محكمة تعرض أمامها كل القضايا البيئية.
مقدمة
يعد موضوع حماية البيئة من أهم المواضيع التي حظيت باهتمام كبير، سواء على مستوى التشريعات الوطنية أو المواثيق الدولية وحتى على مستوى الأفراد، ذلك لأن الجرائم البيئية لها آثار متعددة لا يستثنى منها أي من مكونات المحيط الطبيعي للإنسان الأمر الذي يعود عليه بالضرر.28
ويزداد الاهتمام بموضوع التلوث البيئي والآثار الناتجة عنه بالموازاة مع التطور العلمي والتكنولوجي، وتوسع المنشآت الصناعية، والاستمرار في إفراز الملوثات التي تؤثر بالسلب على الإنسان والحيوان والبيئة الطبيعية بكل عناصرها.
ومن الناحية القانونية، سعت الدول المتحضرة إلى صياغة قوانين تهتم بالجانب الوقائي للبيئة، حيث تعمل العديد من المنظمات والجهات المعنية بحماية البيئة بما فيها التشريعات في مختلف الدول، على التوعية بآليات الوقاية من الأضرار البيئية على اعتبار أن الوقاية خير من العلاج، وذلك بسن قوانين تحدد السلوكيات المحظورة الماسة بالبيئة، وتحديد العقوبات المناسبة لكل فعل يساهم في إحداث ضرر بيئي. والجرائم البيئية شأنها شأن الأنواع الأخرى للجرائم، يعتبر الجانب الوقائي فيها مهما وأساسيا، لمنع الأفعال التي تهدد صحة وسلامة الإنسان، نظرا لما يحدثه التلوث البيئي من آثار مدمرة على المدى القريب وعلى المدى البعيد أيضا.
أهمية البحث:
بالنظر إلى كون الجرائم البيئة ذات طبيعة عالمية، كان من الضروري أن تتم معالجتها على الصعيد الدولي من خلال المواثيق الدولية والاتفاقيات المبرمة في هذا الشأن، والتي تؤسس لقوانين ومبادئ راسخة في مجال حماية البيئة. ويعد موضوع القضاء الدولي في مجال حماية البيئة من المواضيع المهمة نظرا لطبيعة القضايا البيئية الدولية التي تتسم بالتعقيد لارتباطها بأطراف وعوامل متعددة، إضافة إلى كون هذا الموضوع من المواضيع المتجددة التي تشهد تطورات في كل فترة، حيث يتم استحداث آليات جديدة لمسايرة تطور القضايا الدولية في مجال حماية البيئة ومواجهة الأضرار التي تفتك بها.
وبالرغم من الاهتمام بالجانب التشريعي للحماية من الجرائم البيئية على المستويين الدولي والوطني، إلا أن التشريعات وحدها لا تكفي لمواجهة أي نوع من الجرائم، بل لا بد من اتخاذ إجراءات ردعية، ووجود جهاز قضائي يتكفل بمحاسبة المسؤولين والمتسببين في هذه الجرائم وتطبيق العقوبات المناسبة عليهم، وفي هذا السياق تعد الجرائم البيئية من أكثر الجرائم تشعبا على المستوى الدولي، وذلك لصعوبة تحديد مرتكبيها ومساءلتهم وصعوبة تطبيق الجزاءات عليهم خاصة فيما يتعلق بجانب التعويضات. وعلى مدى السنوات الماضية، تم رفع العديد من القضايا البيئية على المستوى الدولي أمام الجهات المكلفة بنظرها، إلا أن هذه الجهات القضائية ظلت في نظر الكثيرين قاصرة عن معالجة كافة القضايا التي تمس بالبيئة وذلك لعدة أسباب، ما جعل الدعوات تزداد يوما بعد يوم للمطالبة بإنشاء محكمة خاصة بالقضايا البيئية، يمتد اختصاصها إلى جميع قضايا الاعتداء على البيئة بكل مكوناتها.
إشكالية البحث:
بناء على ما سبق ذكره، سيتم التطرق في هذه المداخلة إلى موضوع القضاء الدولي ودوره في حماية البيئة، وذلك من خلال الإجابة على الإشكالية الآتية:
ما مدى فعالية القضاء الدولي في حل النزاعات البيئية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تحدث المحكمة الدولية لحماية البيئة أثرا في هذا المجال؟
خطة البحث: لمناقشة هذه الإشكالية تم تقسيم الموضوع إلى محورين: المحور الأول يتضمن تعريف الجرائم البيئية وتصنيفها، والمحور الثاني يتضمن القضاء الدولي وتأثيره في حل النزاعات المتعلقة بالبيئة.
المحور الأول: أصناف الجرائم البيئية
تعرف الجريمة البيئية على أنها “أي سلوك إيجابي أو سلبي سواء كان عمدا أو غير عمدي يصدر عن شخص طبيعي أو معنوي، يضر أو يحاول الإضرار بأحد عناصر البيئة سواء بطريق مباشر أو غير مباشر[1]. أي أن مفهوم الجريمة البيئية يشمل كل سلوك من شأنه أن يحدث أثرا سلبيا على أحد عناصر البيئة مهما كانت طبيعة الفعل عمدا أو عن غير قصد، ودون تمييز بين الأشخاص الطبيعية والمعنوية فكل منهما يكون مسؤولا عن الأفعال أو النشاطات التي تمس بالبيئة.
وقد اهتمت معظم التشريعات بسن قوانين لمكافحة الجرائم البيئية وحماية البيئة من كافة أشكال الاعتداء. وقد تم اعتماد تصنيف الجرائم البيئية من أجل تنظيم أكبر للجرائم المتعلقة بكل صنف على حدا. وتختلف تقسيمات الجرائم البيئية باختلاف أساس التصنيف، حيث تنقسم حسب طبيعتها إلى جرائم ماسة بالبيئة الجوية، جرائم ماسة بالبيئة البحرية والمائية، وجرائم ماسة بالبيئة البرية. وهناك تصنيفات أخرى للجرائم البيئية تعتمد على طبيعة سلوك مرتكبها و على أساسها تصنف الجرائم البيئية إلى جرائم بيئية بالامتناع وجرائم بيئية بالنتيجة.
كما أن هناك تصنيفات أخرى تركز على النشاط المؤثر على البيئة مثل : جرائم ناتجة عن التصنيع، جرائم ناتجة عن تجارب البحث العلمي، جرائم ناتجة عن الحروب واستخدام الأسلحة. وفي هذه الدراسة سيتم اعتماد التصنيف الأول الذي يقسم الجرائم البيئية بحسب طبيعتها أي صنف البيئة التي تعرضت للتلوث، وذلك بتقسيمها إلى جرائم ماسة بالبيئة الجوية، جرائم ماسة بالبيئة البحرية والمائية، وجرائم ماسة بالبيئة البرية.
الجرائم الماسة بالجو: إن البيئة الجوية أو ما يصطلح عليه بمفهوم “المناخ” هي نتيجة تفاعل بين عناصر البيئة الطبيعية من جهة، والعنصر البشري من جهة أخرى، من خلال معادلة مناخية أوجدها الله سبحانه وتعالى وجعل ما يخص العنصر الطبيعي فيها آية في الإحكام والتوازن، ويعتبر تكامل هذه العناصر الطبيعية للبيئة هو السبب الأساسي لتوازن النظام المناخي فإذا اختل هذا التكامل لسبب أو لآخر تحدث مشكلات بيئية تصل لحد الكوارث ومنها مشكلة تغيير المناخ مع ما يترتب عليها من تداعيات تهدد الإنسان والكائنات الأخرى[2].
يحدث التلوث الهوائي عندما تتواجد جزيئات أو جسيمات في الهواء وبكميات كبيرة عضوية أو غير عضوية بحيث لا تستطيع الدخول إلى النظام البيئي وتشكل ضررا على العناصر البيئية. ويعتبر التلوث الهوائي أكثر أشكال التلوث البيئي انتشارا نظرا لسهولة انتشاره وانتقاله من منطقة إلى أخرى وبفترة زمنية وجيزة نسبيا. ويؤثر هذا النوع من التلوث على الإنسان والحيوان والنبات تأثيرا مباشرا ويخلف آثار صحية وبيئية واقتصادية واضحة تتمثل في التأثير على صحة الإنسان وانخفاض كفاءته الإنتاجية، كما أن هذا التأثير ينتقل إلى الحيوانات ويصيبها بالأمراض المختلفة ويقلل من قيمتها الاقتصادية [3].
وقد عرفت الاتفاقية المتعلقة بتلوث الهواء بعيد المدى عبر الحدود، المنعقدة في جنيف بتاريخ 13 نوفمبر 1979 في المادة الأولى منها تلوث الهواء بأنه إدخال الإنسان بشكل مباشر أو غير مباشر لمواد أو طاقة في الجو أو الهواء يكون له مفعول ضار يعرض صحة الإنسان للخطر، ويلحق الضرر بالموارد الحيوية والنظم البيئية والفساد بالأحوال المادية ، ويمس أو يضر كل من يتمتع بالبيئة أو باستخداماتها المشروعة[4].
وتحدث الجرائم الملوثة للجو عندما تدخل مركبات خارجة عن الطبيعة بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى الجو أو الفضاءات المغلقة، كما يحدث عندما تختل نسب الغازات المكونة للغلاف الجوي مما يحدث تأثيرا على التغيرات المناخية أو إفقار طبقة الأوزون[5].
ويؤثر التلوث الجوي أيضا على النباتات ويتسبب في انخفاض الإنتاجية الزراعية للمناطق التي تعاني من زيادة تركيز الملوثات الهوائية، إضافة إلى ذلك هناك تأثيرات غير مباشرة للتلوث تتمثل في التأثير على النظام المناخي العالمي، من حيث زيادة تركيز بعض الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون الذي يؤدي إلى احتباس حراري وما يترتب عنه من تغيرات طبيعية ومناخية لها عواقب خطيرة[6]. بالنظر إلى اتساع رقعة الجرائم البيئية المؤثرة على الهواء وسهولة انتشارها، فقد لقي هذا النوع من جرائم التلوث البيئي اهتماما كبيرا لدى مختلف الدول، وكان محور مؤتمرات دولية توجت بمواثيق واتفاقيات تهدف إلى مكافحة التلوث ووضع استراتيجيات للحد من التقلبات الناتجة عن وتأثيره السلبي على المناخ.
الجرائم الماسة بالبيئة البحرية والموارد المائية: يمس هذا النوع من الجرائم بالمسطحات المائية العذبة أو المياه البحرية، وتعرف البيئة البحرية بأنها ” مسطحات الماء المالح المتصلة ببعضها اتصالا حرا طبيعيا وقاعها وباطن تربتها وما تحتويه من كائنات حية حيوانية ونباتية وثروات طبيعية تشكل في مجملها عناصر الحياة البحرية وباعتبارها نظاما بيئيا متكاملا[7].
وتعرف جريمة التلوث البحري بأنها ” إدخال أي مواد أو طاقة بواسطة الإنسان في البيئة البحرية سواء تم ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مما ينتج عنه أثر ضار بالأحياء المائية أو يهدد صحة الإنسان أو يعيق الأنشطة البحرية بما في ذلك صيد الأسماك وإفساد صلاحية الماء للاستعمال وحفظ مزاياه”[8].
وقد حدد المشرع الجزائري الأفعال المحظورة قانونا والتي تشكل جريمة تلويث البيئة البحرية، وذلك في المادة 52 من القانون رقم 03-10 وتتمثل في: كل صب أو غمر أو ترميد داخل المياه البحرية الخاضعة للقضاء الجزائري لمواد من شأنها:
الإضرار بالصحة العمومية والأنظمة البيئية البحرية.
عرقلة الأنشطة البحرية بما في ذلك الملاحة والتربية المائية والصيد البحري.
إفساد نوعية المياه البحرية من حيث استعمالها.
التقليل من القيمة الترفيهية والجمالية للبحر والمناطق الساحلية، والمساس بقدراتهما السياحية.
يتضح من نص هذه المادة أن الأفعال المكونة للجرائم البيئة لا تقتصر على الإقدام على تخريب أو تلويث المياه البحرية بمواد تغير من طبيعتها، بل يمتد إلى كل فعل ينقص من جماليتها ويعيق تحقيق الغرض الأساسي منها.
ويقصد بالتلوث المائي من المنظور العلمي إحداث خلل وتلف في نوعية المياه ونظامها الإيكولوجي، بحيث تصبح المياه غير صالحة لاستخداماتها الأساسية وغير قادرة على احتواء الجسيمات والكائنات الدقيقة والفضلات المختلفة في نظامها الإيكولوجي، وبالتالي يبدأ اتزان هذا النظام بالاختلال، حتى يصل إلى الحد الإيكولوجي الحرج، والذي تبدأ معه الآثار الضارة بالظهور على البيئة[9].
وتواجه الموارد المائية في العالم إشكالات لا حصر لها، تتمثل في التدهور المستمر في نوعيتها وفي صلاحيتها للوفاء بالاستخدامات المقصودة منها، بسبب التلوث الناشئ عن الأنشطة البشرية المختلفة وعن الانقلاب الصناعي الهائل، وغير ذلك من الأسباب التي أدت إلى تلويث المياه وجعلها غير صالحة تماما للاستخدامات اللازمة للحياة[10].
وكان موضوع البيئة البحرية محل اهتمام العديد من الدول سواء من حيث تنظيمه في تشريعاته الداخلية، أو على الصعيد الدولي من خلال الاتفاقيات المبرمة في هذا المجال والتي نذكر منها:
الاتفاقية الدولية لمنع تلوث البحار بالزيت (1954).
اتفاقية جنيف الخاصة بأعالي البحار (1958).
الاتفاقية الدولية المتعلقة بالتدخل في أعالي البحار في حالات الكوارث الناجمة عن التلوث بالنفط ، المنعقدة (بروكسل 1969).
اتفاقية قانون البحار المنعقدة في مونتجو (1982).
الجرائم الماسة بالأرض (التلوث الأرضي): يقصد بالتلوث الأرضي ذلك التلوث الذي يصيب الغلاف الصخري والقشرة العلوية للكرة الأرضية، ويعتبر الحلقة الأولى والأساسية من حلقات النظام الإيكولوجي[11].
وتمثل التربة العنصر البيئي الأكثر حيوية في الوسط البيئي لكونه أساس الدورة العضوية التي تجعل الحياة ممكنة، وقد تسببت التأثيرات التي أحدثها الإنسان وكذا الزيادة السكانية السريعة في العالم وما صاحبها من تزايد الحاجة إلى المزيد من الغذاء والطاقة، كل ذلك أدى إلى الإسراف الشديد في استخدام الأرض استخداما مكثفا، وإلى الإفراط الهائل في استعمال كل ما من شأنه زيادة الإنتاج الغذائي من أسمدة كيماوية ومبيدات حشرية وغيرها الأمر الذي أدى إلى استنزاف التربة وتدهورها[12]. ويندرج هذا الاستغلال المفرط لعناصر الأرض ضمن الأفعال التي تضر بالبيئة بشكل غير عمدي نتيجة قلة الوعي بضرورة المحافظة على موارد الأرض وترشيد استهلاكها.
ولذلك أولت التشريعات هذا العنصر البيئي اهتماما خاصا، من حيث إصدار القوانين المتعلقة بترشيد استخدام التربة والمحافظة على توازن مكوناتها ومنع تلويثها وحمايتها من التجريف وغيره من الأضرار[13].
وإدراكا بأهمية حماية الموارد الطبيعية والبيئة الأرضية، سعى المجتمع الدولي إلى توحيد الجهود لمواجهة الجرائم البيئية الماسة بالأرض، وكان من بين أهم الاتفاقيات التي أبرمت في هذا المجال:
الاتفاقية الإفريقية لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية المنعقدة في مدينة الجزائر عام 1968.
الاتفاقية المتعلقة بحماية الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية المنعقدة في مدينة رامسار الإيرانية عام 1971.
الاتفاقية المتعلقة بحماية التراث الثقافي والطبيعي المنعقدة في باريس عام 1972.
الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر لعام 1994[14].
وبالرغم من حرص الدول على صياغة التشريعات المتعلقة بحماية البيئة ، وبالرغم من الاتفاقيات الدولية التي أبرمت في هذا المجال، إلا أن القوانين والاتفاقيات لا يمكن أن تكون لها فعالية لوحدها إلا إذا اقترنت بإجراءات صارمة تساعد على الحد من النشاطات المضرة بالبيئة.
المحور الثاني: دور القضاء الدولي في حماية البيئة
كانت بداية الجهود الدولية لوضع أسس حماية البيئة على الصعيد الدولي بانعقاد مؤتمر ستوكهولم سنة 1972، حيث شكل هذا المؤتمر أول استعراض دقيق للأثر البشري على البيئة،و يعتبر بمثابة محاولة لصياغة نظرة عامة على الأساليب التي تتيح تحقيق التحدي للحفاظ على البيئة البشرية وتعزيزها، وبعد مؤتمر ستوكهولم زاد الوعي العالمي بالقضايا البيئية زيادة مشهودة، كما اتسع نطاق صنع القانون الدولي البيئي[15].
وكان بعده مؤتمر ريو الذي طرح الأسس القانونية والسياسية التي تقوم عليها التنمية المستدامة، وتمت صياغة ميثاق الأرض من خلاله ليشكل إعلانا رسميا يتصل بالالتزامات والحقوق القانونية التي تتعلق بقضية البيئة والتنمية على غرار الميثاق العالمي للطبيعة الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة[16]. لتتوالى بعدها الاتفاقيات والمواثيق التي كرست حماية البيئة بمختلف مكوناتها، وتوحيد الجهود من أجل تحمل المسؤوليات لكل طرف في مجال حماية البيئة، منها مؤتمر التنمية المستدامة “جوهانسبورغ 2002″.
ومصطلح القضاء الدولي البيئي لا يعني وجود جهاز قضائي أو محكمة دولية مختصة بالفصل في المنازعات البيئية حاليا، بل هو مصطلح يشمل كافة المحاكم والجهات القضائية الدولية التابعة للأمم المتحدة أو المنبثقة عن اتفاقيات ذات صلة بحماية إحدى العناصر البيئية، يضاف إليها مشروع المحكمة الدولية للبيئة الذي لم ير النور إلى يومنا هذا. إذ أنه في عدة مناسبات وخلال العديد من المؤتمرات، تكررت الدعوات لإقامة قضاء دولي خاص بالمنازعات في القضايا البيئية، من خلال إنشاء محكمة دولية بيئية، تعرض أمامها القضايا البيئة ذات الطابع الدولي. وقبل التطرق إلى فكرة المحكمة البيئية الدولية، ستتم الإشارة إلى بعض الجهات القضائية الدولية التي تم اللجوء إليها على مدى السنوات الماضية في قضايا تتعلق بالبيئة.
محكمة التحكيم الدائمة: يعتبر التحكيم من الناحية التقليدية طريقة سهلة القبول للدول نظرا لمرونته النسبية، حيث تحتفظ الدول المتنازعة عادة بحق اختيار أعضاء هيئة التحكيم والقواعد التي تفصل بمقتضاها في النزاع وأن تتقيد بها، أو تطبيق هيئة التحكيم القواعد الثابتة والمتعارف عليها في القانون الدولي[17].
تأسست المحكمة الدائمة للتحكيم عام 1899 بهدف تسهيل اللجوء إلى التحكيم وتسوية المنازعات بين الدول، وقد تطورت هذه المحكمة لتصبح مؤسسة تحكيمية معاصرة لها أغراض متعددة بحيث تلبي الطلب المتزايد لتسوية المنازعات في المجتمع الدولي عن طريق التحكيم. تم إنشاء محكمة التحكيم بموجب اتفاقية التسوية السلمية للنزاعات الدولية التي تم إبرامها في لاهاي عام 1899 خلال مؤتمر السلام الأول، حيث تمت الدعوة إلى هذا المؤتمر عن طريق قيصر روسيا (نيكولا الثاني) وذلك من أجل السعي إلى تحقيق السلام العالمي، وكان من أبرز أهدافها تدعيم نظم تسوية المنازعات الدولية في إطار التحكيم الدولي[18].
تتكون هذه المحكمة من 121 دولة عضوا، ويتولى العمل فيها مجموعة أعضاء يرأسهم الأمين العام، وقد تولى هذا المنصب منذ سنة 1900 إلى غاية يومنا هذا 13 أمينا عاما آخرهم Hugo H.Siblesz . وعن هيكلها الإداري تتضمن حكمة التحكيم الدولية: المجلس الإداري، المكتب الدولي، مكتب موريشيوس، أعضاء المحكمة (خبراء ومحكمين)، صندوق مساعدات مالية[19].
في بداية عهد المحكمة الدائمة للتحكيم، كانت لا تتولى التحكيم إلا في النزاعات بين الدول القومية، غير أنها لم تمارس أي عمل لها عبر فترة طويلة من الزمن. وللحفاظ على وجودها، قامت المحكمة بتوسيع نطاق التحكيم الخاص بها ليشمل النزاعات بين الدول القومية والقطاعات الخاصة[20].
لدى هذه المحكمة خبرة في حل النزاعات المتعلقة بالموارد الطبيعية، فقد تم إعداد قائمة بأسماء محكمين مختصين في مجال المنازعات البيئية، وأيضا قائمة بأسماء خبراء فنيين وتقنيين في ذات المجال. وتقوم محكمة التحكيم الدائمة بإدارة عدد من المنازعات البيئية التي تنشأ بين دولتين وذلك بموجب العديد من الاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف مثل معاهدة 1992 بشأن حماية البحرية لشمال شرق الأطلسي ( OS par convention 1992) ومعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار 1982 واتفاقية مياه السند 1960 ومعاهدة كلورايد الراين 1976، كما قامت المحكمة بإدارة بعض المنازعات البيئية التي نشأت بين الدول بموجب اتفاقيات دولية ثنائية ومشارطات تحكيم.
كما تقوم هذه المحكمة بإدارة النزاعات التي تنشأ بين الدول وأشخاص القانون الخاص بموجب عدد من الاتفاقيات الدولية الثنائية ومتعددة الأطراف والعقود وغيرها من الأدوات التعاقدية، حيث يكون موضوع النزاع في العديد من تلك المنازعات هو القواعد الداخلية المنظمة للبيئة داخل الدولة أو التزامات الدولة المضيفة وفقا لقانون البيئة الدولي[21].
ومنذ نشأتها، تمكنت هذه المحكمة من النظر في حوالي 50 قضية رفعت أمام المحكمة منذ سنة 1902، وانتهت إلى 43 حكما. وقد أشرفت المحكمة أيضا على خمس لجان للتحقيق وأدارت ثلاث لجان توفيق.
وقد لعبت هذه المحكمة دورا في تسوية النزاعات عن طريق التحكيم، بإصدارها قرارات التحكيم في العديد من القضايا، وغالبا ما تكون هذه القرارات سرية ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك. ومن بين القضايا التي فصلت فيها المحكمة واتفق الأطراف على السماح بنشر معلومات عنها:
] 06-2017[ النزاع بشأن حقوق الدولة الساحلية في البحر الأسود وبحر آزوف ومضيق كريتش (أوكرانيا ضد روسيا).
] 28-2015[ حادث إنريكا ليسكي (إيطاليا ضد الهند).
] 07-2014[ تحكيم نزاهة دوزجيت (مالطا ضد ساوتوميوبرينسيي).
] 02-2017[ التحكيم في منطقة القطب الشمالي سونرايس (هولندا ضد روسيا)[22].
وقد ساهمت محكمة التحكيم بصفة خاصة وأسلوب التحكيم الدولي بصفة عامة في حل العديد من النزاعات البيئية، فهو أسلوب يساهم في وضع أسس لتنمية وتطوير التشريعات الدولية البيئية اللاحقة، وغالبا ما تلجأ الأطراف إلى المشاركة فيه بفعالية. وما يفسر عدم اعتماده أحيانا هو كونه أقرب إلى الآلية الدبلوماسية منه إلى الآلية القضائية، ومن ناحية أخرى يسجل لصالح التحكيم كونه وسيلة متاحة للدول للاستعانة به للفصل في المنازعات البيئية[23].
وقد استطاعت محكمة التحكيم الدائمة، ومن خلال سجلها في تسوية المنازعات البيئية أن تتوصل في ضوء هذه الخبرة إلى وضع مجموعة من القواعد المتعلقة بالمنازعات البيئية، وذلك بتاريخ 19 جوان 2001، حيث مكنت المحكمة من أن تصبح منتدى بيئيا يساهم في الفصل في المنازعات القضائية البيئية، وقد عرفت هذه القواعد بالقواعد البديلة للتحكيم الخاصة بالمنازعات المتعلقة بالموارد الطبيعية و/أو البيئية، وقد تم تبنيها بالإجماع من طرف المحكمة، وكانت ثمرة لبذور تم وضعها من قبل المكتب الدولي والمجلس الإداري لمحكمة التحكيم الدائمة،في مبادرة لتجديد المحكمة في التسعينيات[24].
ويتم اللجوء إلى هذا الأسلوب في حالة اتجاه إرادة الأطراف إلى حل دبلوماسي بعيدا عن المنازعات واللجوء إلى القضاء، أما عند استحالة ذلك، هناك محكمة أخرى يمكن أن ترفع أمامها المنازعات البيئية وهي محكمة العدل الدولية.
محكمة العدل الدولية: هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، تتولى هذه المحكمة الفصل طبقا لأحكام القانون الدولي في النزاعات التي تنشأ بين الدول، كما تختص في تقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة[25].
تأسست محكمة العدل الدولية سنة 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة وبدأت نشاطها سنة 1946، يقع مقرها في قصر السلام بهولندا، هي محكمة دائمة تختص في حل النزاعات القانونية المرفوعة أمامها من طرف الدول وفقا للقانون الدولي من جهة، ولها أيضا دور استشاري في المسائل القانونية التي يمكن طرحها من طرف أجهزة هيئة الأمم المتحدة من جهة أخرى. وقرارات محكمة العدل الدولية غير قابلة للاستئناف من قبل المعنيين بالأمر[26].
بالنسبة للجهات المخول لها عرض قضايا أمام محكمة العدل الدولية، لا يجوز سوى للدول رفع قضايا أمام هذه المحكمة، وذلك بحسب نص المادة 34/1 من النظام الأساسي للمحكمة الذي جاء فيه: ” يحق للدول وحدها أن تكون أطرافا في الدعاوى التي ترفع أمام المحكمة”، إذ أنه عند إعداد واعتماد النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية سنة 1920، تم الاقتصار على بعد (مابين الدول) لممارسة المحكمة لوظيفتها الدولية القضائية في مسائل المنازعات[27]. وتعد هذه النقطة محل انتقادات وجهت لدور محكمة العدل الدولية، والذي يبقى قاصرا طالما أن الأشخاص المخول لهم التقاضي أمامها هم فقط من الدول، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا البيئية والتي يتأثر بها الأفراد والمنظمات النشطة في المجال البيئي إلى جانب الدول، وكلها أطراف لها الحق في رفع دعوى ضد انتهاكات تحدث على البيئة بالنظر إلى الضرر المباشر الذي تتعرض له أو كونها من المدافعين عن الحق في سلامة البيئة، وهذا النقد هو ما جعل دور محكمة العدل الدولية في نظر الكثيرين مقيدا في مجال حماية البيئة.
كما هو الحال في محكمة التحكيم الدائمة، اعتمدت محكمة العدل الدولية على إرادة الأطراف في إحالة المنازعات إليها، مع إضافة إمكانية جديدة بأن تعترف الدولة مقدما باختصاص المحكمة الإلزامي فيا يتعلق بأي نزاع يمكن أن ينشأ في المستقبل مع دولة أخرى قد أعلنت ذلك أيضا، إضافة إلى ذلك فإن للمحكمة رأيا استشاريا[28]. وذلك يعني أن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية يكون اختياريا على أن تعترف الأطراف اختياريا باختصاص المحكمة الإلزامي في النزاعات المستقبلية، ولا يكون للمحكمة الحق في التدخل للفصل في قضايا لم تعرض عليها من قبل أطرافها.
غير أن هناك بعض المنازعات التي تقر فيها المحكمة بولايتها الجبرية، ويتعلق الأمر بجميع المنازعات القانونية التي تقوم بينها وبين دولة تقبل هذا الالتزام الجبري متى كانت هذه المنازعات تتعلق ب:
تفسير معاهدة من المعاهدات.
أي مسألة من مسائل القانون الدولي.
التحقيق في واقعة من الوقائع إذا ثبت أنها كانت خرقا لالتزام دولي.
تحديد نوع التعويض المترتب على خرق التزام دولي (المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة). ويمكن أن تنطبق الحالتان الأخيرتان على القضايا البيئية من حيث إمكانية تدخل المحكمة عند ثبوت خرق التزام دولي أو لتقدير تعويض عن خرق معين وذلك طبقا للشروط الواردة في هذا السياق.
وتختص المحكمة في النظر في جميع القضايا التي يعرضها عليها المتقاضون، وكذلك جميع المسائل المنصوص عليها خاصة في ميثاق الأمم المتحدة أو المعاهدات و الاتفاقات المعمول بها (المادة 36). وفي هذا السياق تعتبر القضايا المتعلقة بالبيئة من بين القضايا التي تم تنظيمها في شكل معاهدات ثنائية أو متعددة الأطراف والتي أبرمت بشكل متزايد، وبالتالي تدخل ضمن اختصاص محكمة العدل[29].
وبالنسبة للاختصاص الاستشاري للمحكمة الدولية، تعتبر الآراء الاستشارية التي تصدرها المحكمة مجرد فتاوى غير ملزمة للجهة التي طلبت الفتوى، لكن تبقى لها القيمة القانونية التي تتميز بها باعتبار الجهة المصدرة لها. ومن أمثلة هذه الآراء الرأي الاستشاري الذي أصدرته المحكمة في مسألة مشروعية الاستعمار والتهديد بالأسلحة النووية لعام 1996[30].
وعن تشكيل محكمة العدل الدولية – بحسب المادة 2 من النظام الأساسي للمحكمة- تتكون من قضاة مستقلين ينتخبون من الأشخاص ذوي الصفات الخلقية العالية، الحائزين في بلادهم على المؤهلات المطلوبة للتعيين في أرفع المناصب القضائية، أو من المشرعين المشهود لهم بالكفاية في القانون الدولي، وهذا بغض النظر عن جنسيتهم. ويقدر عدد أعضاء المحكمة ب 15 عضوا، بحيث لا يجوز أن يكون بها أكثر من عضو واحد من رعايا دولة بعينها (المادة 3 من النظام الأساسي للمحكمة)[31]. وينتخب أعضاء المحكمة لمدة 9 سنوات، ويجوز إعادة انتخابهم مرة أخرى (المادة 13 من القانون الأساسي للمحكمة).
وقد نص النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية على ما يسمى بأسلوب الغرف أو الدوائر التي تنشأ وفقا لأسلوب معين لمعالجة قضايا معينة. حيث تشكل من وقت لآخر دائرة أو أكثر تتألف كل منها من ثلاث قضاة أو أكثر حسبما تقرره، وذلك لمعالجة قضايا خاصة كقضايا العمل وتلك المتعلقة بالترانزيت والمواصلات (المادة 26/2 من القانون الأساسي للمحكمة) وينحصر الاختصاص في هذه الدوائر في القضايا التي يلجأ فيها أطراف الدعوى إليها طلبا للحكم، (المادة 26/3 من القانون الأساسي للمحكمة) بمعنى ليس لها اختصاص جبري على أي نوع من القضايا. ويعد كل حكم صادر عن هذه الدوائر كأنه صادر عن المحكمة ذاتها (المادة 27 من القانون الأساسي للمحكمة).
ومن بين غرف المحكمة الدولية والتي تعنى بقضايا البيئة ” غرفة محكمة العدل الدولية لشؤون البيئة” وهي غرفة خاصة ودائمة أنشأتها المحكمة بتاريخ 19 جويلية 1993 تتشكل من 7 قضاة للتخصص البيئي[32]، وقد لاقت فكرة إنشاء الغرفة استحسان الكثير من الملاحظين، واعتبرت بمثابة خطوة جادة نحو بناء قضاء بيئي متخصص، إذ يعد إنشاء هذه الغرفة بمثابة تشجيع للدول على الإدلاء بالقضايا البيئية بعيدا عن حالة الامتناع الفعلي أو المزعوم الذي تبديه بعض الدول تجاه تقديم مثل هذه القضايا أمام المحكمة، كذلك نظرا لما يتميز به نظام الغرف من سرعة الفصل في القضايا وسهولة إجراءاتها[33].في حين شكك آخرون في مدى إقبال وإرادة الدول في اللجوء إليها. وبالفعل منذ سنة 2006 توقفت إجراءات إعادة الانتخابات الخاصة بعضوية الغرفة، وهو ما يدل على عدم ورود أي قضية للفصل فيها أمام هذه الغرفة البيئية[34].
وتبقى الإشكالات التي واجهت محكمة العدل الدولية في مجال حماية البيئة، هي ذاتها الإشكالات التي تواجه مختلف الجهات القضائية الأخرى في هذا المجال، والتي من بينها كون الأحكام التي تقضي بها قد تشكل ضغطا عاما لتحديد حقوق وواجبات الدول، مما يجعل الدول غير راغبة بعرض منازعاتها إلى هذه الهيئة التي يصعب السيطرة عليها أو توجيهها، ويؤكد ذلك رفض كندا السماح لمحكمة العدل الدولية الاستماع لأية منازعة تتعلق بتشريعها لمنع تلوث مياه القطب الشمالي، وفي الدفاع عن قرار كندا لربط التحفظ المتعلق بمسائل التلوث مع إعلانها القبول بحكم محكمة العدل الدولية الإجباري[35].
ونظرا لكون غرفة محكمة العدل الدولية لم تعالج الكثير من القضايا منذ نشأتها، فقد أدى ذلك إلى تخوف من أن تكون عديمة الأثر في مواجهة حجم الجرائم البيئية التي تنتشر بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، ولذلك لم يتم الاعتماد كلية على هذه المحكمة في معالجة هذا النوع من القضايا واستمرت المحاولات في إنشاء قضاء مختص بحماية بعض عناصر البيئة، كما استمرت المطالبة بإنشاء محكمة دولية بيئية تعالج القضايا المتعلقة بالمناخ.
المحاكم المنشأة بموجب اتفاقية قانون البحار: لم يكن اللجوء إلى غرفة محكمة العدل الدولية لشؤون البيئة يتم على نطاق واسع ، وفي الوقت نفسه ظهرت هيئات قضائية أخرى على المستوى الدولي تهدف إلى حل النزاعات البيئية الدولية، وكان بعض هذه الهيئات متخصصا في القضايا المتعلقة ببعض عناصر البيئة دون غيرها، من بين هذه المحاكم تلك التي أنشئت بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982، حيث ترفع أمام هذه المحاكم القضايا المتعلقة بالجرائم الماسة بالبيئة البحرية. وتتمثل المحاكم المنشأة بموجب اتفاقية قانون البحار في : المحكمة الدولية لقانون البحار، محكمة التحكيم المشكلة وفقا للمرفق السابع ومحكمة التحكيم المشكلة وفقا للمرفق الثامن لاتفاقية قانون البحار لسنة 1982.
المحكمة الدولية لقانون البحار: ساهم ميلاد هذه المحكمة في خلق آليات قضائية تتيح لأطراف الدعوى إمكانية تسوية المنازعات العارضة والمتعلقة بتفسير أو تطبيق أحكام الاتفاقية، مقرها مدينة هامبورغ بألمانيا. تتكون المحكمة من هيئة مؤلفة من 21 عضوا مستقلا، ينتخبون من بين أشخاص يتمتعون بشهرة واسعة ومشهود لهم بالكفاءة في مجال قانون البحار (المادة 2 من النظار الأساسي للمحكمة الدولية لقانون البحار)[36].
بالنسبة لاختصاص هذه المحكمة، يحق للدول الأطراف اللجوء إلى المحكمة في القضايا المخول لها الفصل فيها، كما يمكن أن يتم اللجوء إليها من قبل كيانات أخرى غير الدول الأطراف حسب الحالات المحددة في القانون الأساسي لهذه المحكمة ( المادة 20 من القانون الأساسي للمحكمة). ويشير مصطلح ” كيانات أخرى” إلى أن اللجوء إلى المحكمة لا يقتصر على الدول بل يحق لجهات أخرى رفع قضاياها أمام المحكمة، الأمر الذي يجعل اختصاصها موسعا.
ويشمل اختصاص هذه المحكمة جميع المنازعات وجميع الطلبات المحالة إليها وفقا لهذه الاتفاقية، وجميع المسائل المنصوص عليها تحديدا في أي اتفاق آخر يمنح الاختصاص للمحكمة (المادة 21 من القانون الأساسي للمحكمة). وما يلاحظ من خلال نصوص القانون الأساسي لهذه المحكمة أنها لم تملك حق إصدار الآراء الاستشارية كما هو الحال في محكمة العدل الدولية، فكل قراراتها ذات طابع قضائي.
فقد استطاعت المحكمة الدولية لقانون البحار أن تفصل في العديد من القضايا منذ بداية عملها في شهر أكتوبر سنة 1996، وأصدرت أحكاما مختلفة فيما يتعلق بتفسير البنود الواردة في اتفاقية جامايكا لسنة 1982 حول قانون البحار. وكانت أول هذه القضايا التي فصلت فيها، النزاع المتعلق بسفينة سان فينسن وغرينادين، فقد أقدمت هذه السفينة على تزويد ثلاث سفن صيد بالوقود في المنطقة الاقتصادية الخالصة لدولة غينيا حيث قامت زوارقها التابعة للجمارك بتفتيش السفينة واقتيادها إلى أحد موانئها واحتجازها وتفريغ حمولتها والقبض على أفراد طاقمها، وهنا لجأت دولة علم السفينة سان فينسن وغرينادين إلى المحكمة الدولية لقانون البحار مطالبة بالإفراج عن السفينة وطاقمها عملا بأحكام المادة 292 من اتفاقية عام 1982م. وبعد النظر في القضية قررت المحكمة اتخاذ مجموعة من التدابير التحفظية ومنها إلزام دولة غينيا بالامتناع عن اتخاذ أي تدبير قضائي أو إداري ضد السفينة وطاقمها ومالكيها[37].
وبذلك شكلت المحكمة الدولية لقانون البحار، نموذجا لحل النزاعات البيئية المتعلقة بقانون البحار، وكان لها صدى واسع بالنظر إلى عدد من القضايا النوعية التي أصدرت أحكاما بشأنها.
محكمة التحكيم المشكلة وفقا للمرفق السابع من اتفاقية قانون البحار: من خلال المرفق السابع من اتفاقية قانون البحار تم تحديد النظام الأساسي لمحكمة التحكيم. وقد وجدت هذه المحكمة بغرض إتاحة فرصة لإخضاع النزاعات المتعلقة بقانون البحار لإجراءات التحكيم وإتاحة الفرصة لحل سلمي للنزاع. ويتم اللجوء إلى هذه المحكمة عن طريق اختيار أحد أطراف الدعوى للتحكيم لدى هذه المحكمة ومن ثم يقوم بإخطار الأطراف الأخرى. (المادة 1 من المرفق السابع)[38] .
تتكون محكمة التحكيم من 5 قضاة يتم تعيينهم من قبل أطراف الدعوى، وتضع محكمة التحكيم قواعد إجراءاتها على نحو يكفل لكل طرف فرصة للإدلاء بأقواله وعرض قضيته (المادة5).
تصدر محكمة التحكيم أحكاما تنصب على مضمون المسألة محل النزاع مع التسبيب، ويكون حكمها قطعيا ما لم يقرر أطراف الدعوى إمكانية استئنافه (المادتان 10، 11). وكان وجود هذه المحكمة بغرض استكمال الدور الذي جاءت من أجله المحكمة الدولية لقانون البحار، وذلك بإضافة محكمة تحكيم مختصة بالقضايا المتعلقة بقانون البحار من أجل إتاحة الفرصة لأطراف الدعوى لاختيار طريق التحكيم وحل النزاعات بطرق سلمية قبل اللجوء إلى القضاء، فكان استحداث هذه المحكمة خطوة إيجابية في مجال حل النزاعات المتعلقة بالبيئة.
المحكمة الجنائية الدولية: محكمة العدل الدولية هي محكمة دائمة أنشأت بموجب نظام روما الأساسي حيث وضع هذا الميثاق سنة 1998 وهو مكون من 128 مادة، وقد بدأت هذه المحكمة أعمالها في 1 جويلية 2002، هذه المحكمة تابعة للأمم المتحدة وهي الجهاز الوحيد من أجهزة الأمم المتحدة الذي لا يقع في نيويورك بل مقرها لاهاي بهولندا[39].
والمحكمة الجنائية الدولية هي محكمة دائمة ومستقلة، تختص بمحاكمة مرتكبي الجرائم الشديدة الخطورة، حيث يمتد اختصاصها بموجب المادة 5 [40]من نظام روما الأساسي إلى النظر في الجرائم التالية:
– جريمة الإبادة الجماعية.
– الجرائم ضد الإنسانية.
– جرائم الحرب.
-جريمة العدوان.
ومع تحديد تعريف كل من هذه الجرائم بحسب نص المادة 5 يتضح أن كل الجرائم التي تتسم بالخطورة وتنطوي على اعتداء جسيم على الحقوق الأساسية للأفراد تعتبر من قبيل الجرائم التي تختص بنظرها المحكمة الجنائية الدولية.
وتختلف المحكمة الجنائية الدولية عن محكمة العدل الدولية فهما نظامان منفصلان، إذ أن الأولى ليست جهازا من أجهزة الأمم المتحدة على عكس الثانية، التي تعد أحد أجهزة الأمم المتحدة التي تتميز بسلطة حل النزعات بين الدول، بين تقتصر سلطة المحكمة الجنائية الدولية على الجرائم التي يرتكبها الأفراد[41].
وتعمل هذه المحكمة على إتمام دور الأجهزة القضائية الموجودة، فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها القضائي ما لم تبد المحاكم الوطنية رغبتها، أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الإدعاء ضد تلك القضايا، فهي بمثابة المآل الأخير. ويعد ” توماس لوبانجا” من جمهورية الكونغو الديمقراطية، أول شخص تدينه المحكمة الجنائية الدولية بتهمة إشراك أطفال تحت سنن 15 سنة واستغلالهم في أعمال عدائية، حيث قررت الدائرة الابتدائية في يناير 2007 البدء في إجراءات محاكمة “لوبانجا”[42].
وفيما يتعلق بأثر المحكمة الجنائية الدولية في حل النزاعات البيئية وكذا في حماية البيئة، فإنه سابقا وفي ظل ما نص عليه نظام روما، كان اختصاصها ينحصر في الجرائم التي تشكل اعتداء عمدا يؤثر بشكل كبير على البيئة من ذلك ما نصت عليه المادة 8 من نظام روما عند تحديد مفهوم جرائم الحرب والأفعال المحددة لهذه الجرائم، حيث نصت المادة 8 الفقرة /ب على أن ” الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي أي فعل من الأفعال التالية:….. تعمد شن هجوم مع العلم أن الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح، أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة….”
إذ يتضح من هذا النص أن الجرائم البيئية التي تدخل ضمن نطاق اختصاص المحكمة هي تلك الناتجة عن حروب واعتداءات عسكرية تتسبب في إحداث أضرار جسيمة على البيئة، يمتد أثرها على المدى الطويل. ومن بين الحالات التي تحدث أضرارا على المدى القريب والبعيد استخدام الأسلحة الكيماوية أو النووية والتجارب النووية التي تقوم بها الدول المحتلة في الأراضي المستعمرة والتي من تحدث آثارا لا تزول على الإنسان وعلى عناصر المحيط الطبيعي. ومن ثم يكون اختصاص المحكمة الجنائية الدولية فيما يخص القضايا البيئية محدودا ويقتصر عن الأفعال الجسيمة الناتجة عن اعتداءات أثناء حروب أو عدوان.
ونتيجة للاختصاص المحدود للمحكمة الجنائية فيما يتعلق بالجرائم البيئية، فقد امتنعت هذه المحكمة عن الفصل في العديد من القضايا التي رفعت أمامها والتي تشتمل على عناصر تتعلق بتدمير البيئة والمعالم الثقافية النادرة، وذلك بسبب عدم اختصاصها في نظر هذه الجرائم[43].
وقد تغير هذا الوضع بداية من شهر سبتمبر من سنة 2016، حيث تم الإعلان عن تمديد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل الجرائم التي تمس بالبيئة وتشكل تدميرا لها، وكان ذلك بإعلان المحكمة الجنائية الدولية ICC أنها ستبدأ بتصنيف الجرائم التي تؤدي إلى تدمير البيئة وسوء استخدام الأراضي، والانتزاع غير القانوني لملكية الأراضي من أصحابها على أنها جرائم ضد الإنسانية . ويشكل هذا التصنيف نقلة نوعية في مجال القضاء الدولي البيئي يمنح اهتماما للجرائم الماسة بالبيئة ويضعها في مصاف الجرائم الماسة بالإنسانية التي نظمتها اتفاقية روما في المادة 7 منه.
وبخصوص جرائم الاستيلاء على الأراضي التي ضمتها المحكمة الجنائية إلى اختصاصها، ترتكب هذه الجرائم من قبل الشركات الاستثمارية الخاصة، بمساندة وتسهيل من قبل الحكومات الأمر الذي أدى إلى مصادرة الكثير من الأراضي خلال السنوات الماضية، الأمر الذي أدى إلى تهجير الآلاف من الأشخاص وارتكاب جرائم إبادة ثقافية لمجتمعات السكان الأصليين لتلك الأراضي. ومن بين القضايا التي من المتوقع أن يتم النظر فيها من قبل المحكمة الجنائية الدولية بعد توسيع صلاحياتها، تلك القضية التي رفعها المحامي Richard Rogers بالنيابة عن 10 مواطنين كمبوديين يدعون أن شركات القطاع الخاص في البلاد وبالتواطؤ مع الحكومة المركزية قد ارتكبت جرائم بيئية أدت إلى مصادرة أراضي ما يقارب 250 ألف شخص منذ سنة 2002 ومن المتوقع أن تشكل هذه الدعوى في حالة نظرت فيها المحكمة أولى الدعاوى التي تناقش في محكمة لاهاي من منظار الجرائم البيئية التي صنفت ضمن الجرائم ضد الإنسانية. إضافة إلى ذلك هناك الكثير من الدعاوى والملفات التي تنتظر أن تقبل المحكمة النظر فيها من بينها تلك التي رفعتها السلطة الفلسطينية سنة 2015 مطالبة بالتحقيق في أعمال الاستيطان التي يقوم بها الكيان الصهيوني وما تبعها من جرائم بيئية مثل مصادرة الأراضي الزراعية وتجفيف مياه الينابيع وتسميمها واقتلاع الأشجار لا سيما أشجار الزيتون المعمرة[44].
يعد هذا الإجراء الذي يقضي بتصنيف بعض الجرائم البيئية ضمن الجرائم ضد الإنسانية، خطوة هامة نحو التصدي لأكثر الجرائم خطورة على البيئة ووضعها ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ما يعني توسيع صلاحيات هذه المحكمة من جهة وتوسيع دائرة الجرائم البيئية من جهة أخرى.
مشروع المحكمة الدولية للبيئة: بسبب تزايد القضايا البيئية المعروضة أمام القضاء الدولي، ظهرت دعوات تنادي بضرورة إنشاء محكمة دولية خاصة بالمناخ، وذلك ليتمكن ضحايا التغيرات المناخية من مقاضاة المتسببين في تلوث البيئة وظاهرة الاحتباس الحراري[45].
وقد طرحت هذه الفكرة في مؤتمر ري ودي جانيرو الذي انعقد في 2- 4 جوان 2012، حيث تم عرض فكرة إنشاء محكمة دولية في بداية المؤتمر، إلا أن هذه الفكرة لم تتجسد وتم سحب المشروع في نهاية المؤتمر من جدول الأعمال والوثائق الختامية، وكان نقص الإرادة السياسية سببا في عدم خروج المشروع إلى النور آنذاك[46].
وتعود أسباب المطالبة بإنشاء محكمة دولية للبيئة إلى القصور الذي يشوب القانون الدولي للبيئة، إذ أنه بالنسبة للكثير من القضايا مثل التغير المناخي من الصعب مقاضاة العالم بأكمله بسببها لإثبات مسؤولياته والتزامه تجاه هذه القضايا[47]. ولذلك كانت فكرة إنشاء محكمة بيئية دولية لتصبح وسيلة لتسوية المنازعات البيئية ذات الطابع الدولي، والاستفادة من العلوم البيئية والقانون الدولي للفصل بشكل نزيه فيما يعرض عليها من قضايا، وكذا تشجيع التوصل إلى اتفاق بين الدول حول الإشكاليات القائمة[48].
وقد وضعت أول خطة مفصلة للمحكمة الدولية البيئية سنة 1989 وذلك في مؤتمر أقيم برعاية المحكمة الدولية لمؤسسة البيئة(I.C.E.F)، حيث تقدمت هذه المؤسسة والتي تعتبر منظمة غير حكومية دولية ومعترف بها ومعتمدة من طرف منظمة الأمم المتحدة (المجلس الاقتصادي والاجتماعي) و منظمة الزراعة والتغذية، وكذا المجلس الأوروبي بمشروع يتعلق بالمحكمة الدولية للبيئة، وبحسب المشروع المقدم تم عرض أهم الأسباب القانونية لدعم إنشاء محكمة بيئية دولية، ومن بين ما جاء فيه: ” على الرغم من استحداث آليات سياسية لتجنب النزاعات بين الدول، كمؤتمر الأطراف وآليات الامتثال والتي أصبحت منتشرة في أكثر الصكوك القانونية، وهي آليات غير تصادمية من حيث الممارسة العملية لكنها تفشل أحيانا في الوصول بالنزاع إلى نهايته، وهنا تبرز الحاجة إلى أداة قضائية مستقلة لا غنى عنها لحل النزاع..”[49]. ويتضح من ذلك أن الآليات القضائية التي استحدثت في مجال البيئة، لم تكن على قدر من الفعالية بما يمكنها من الفصل في النزاعات البيئية والتوصل إلى أحكام نهائية بشأنها وذلك لأسباب عديدة، الأمر الذي جعل من إنشاء محكمة بيئية أمرا ملحا.
ولم تقتصر دعوات المطالبة بمحكمة بيئية على الهيئات والمنظمات وتوصيات المؤتمرات، بل إن هذا الموضوع أخذ حيزا كبيرا في الآونة الأخيرة، وأصبح مطلب مختلف الفعاليات الاجتماعية والثقافية والسياسية في مختلف دول العالم، وكذا الشخصيات العامة والمشاهير. وكمثال عن هذه الأصوات المطالبة، التحالف الذي أنشأته منظمات دولية خاصة والمسمى ” التحالف لإنشاء محكمة دولية بيئية” (ICE Collection) حيث يهدف هذا التحالف إلى إنشاء محكمة بيئية دولية تهتم بالأمور البيئية، وتعمل على تعزيز وتطوير القانون البيئي وتنفيذه على المستوى الدولي، ويركز هذا التحالف على المشاكل البيئية ذات الطابع العالمي وآثارها على جميع الدول، ويأمل هذا التحالف في أن ينجح كما نجح التحالف المنشئ لمحكمة جنائية دولية[50].
أسباب المطالبة بإنشاء محكمة دولية للبيئة: تعددت أسباب المطالبة بإنشاء المحكمة البيئية الدولية، ومن بين الأسباب التي أوردها التحالف من أجل محكمة دولية بيئية C.E مايلي :
إيجاد مؤسسة قانونية عالمية من شأنها أن تكون مجهزة للاستماع إلى الأدلة العلمية والتقنية المشتركة بين القضايا البيئية والجرائم الدولية.
النظر والفصل في المنازعات البيئية.
التأمل في أن تلعب المحكمة دورا فعالا في تنفيذ القانون البيئي على النحو المنصوص عليه[51].
أهداف مشروع المحكمة الدولية البيئية: يهدف إنشاء المحكمة البيئية الدولية إلى جعلها بمثابة منتدى لتسوية المنازعات البيئية ذات الطابع الدولي، والاستفادة من العلوم البيئية والقانون الدولي للفصل بشكل نزيه ومستقل فيما يعرض عليها من قضايا.
تشجيع التوصل إلى التوافق بين الدول حول الإشكالات البيئية القائمة.
تسهيل التواصل وتبادل الخبرات بين الدول.
الاعتماد على قضاة ذوو خبرة عملية وقانونية وكذا الاستعانة بمستشارين قضائيين ولجان مستقلة عند الحاجة.
توفير سبل الوصول إلى العدالة الفاعلة لجميع الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي[52].
بالرغم من الإيجابيات الواضحة في إنشاء محكمة بيئية دولية، وعلى الرغم من إجماع الكثير من الدول على أهميتها، إلا أن ذلك لم يعجل بميلاد هذه المحكمة، وإلى غاية كتابة هذه الأسطر لا يزال مشروع المحكمة الجنائية الدولية حبيس الأدراج، يحظى باهتمام إعلامي كلما اقترب موعد انعقاد قمة للمناخ أو مؤتمرات ذات صلة بقضايا البيئة، ثم ينتهي ذلك بنهاية القمم دون إعلان جديد في هذا الصدد.
وهناك العديد من الأسباب التي أدت إلى عرقلة إنشاء هذه المحكمة، منها أن بعض الدول الكبرى (على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين) تتجنب الوقوع في مساءلة قضائية سببها تلويث البيئة، لكونها الملوث رقم واحد للبيئة في العالم، نظرا لحجم انبعاث الغازات الدفيئة والملوثات الناتجة عن تسارع وتيرة التصنيع، وغالبا ما تعيق هذه الدول التوصل إلى قرارات تحملها المسؤولية، فكيف بالموافقة على إنشاء محكمة دولية تحاسب فيها على ما تقوم به. وعلى سبيل المثال بعض الدول لم تقتنع بالالتزامات الواردة في اتفاقية قمة المناخ التي تم إقرارها في باريس (ديسمبر 2015) إلا بعد ، تم التأكيد على أن الاتفاق لا يترتب عنه إدانات أو مطالبات بالتعويض[53].
هناك أسباب سياسة أيضا تتمثل في اتجاه الإدارة الأمريكية الجديدة ممثلة في الرئيس ترامب، الذي يعتبر فكرة الاحتباس الحراري برمتها أكذوبة هدفها عرقلة التطور الصناعي والتكنولوجي، فأصبح من الصعوبة بمكان التوصل إلى اتفاق في هذا المجال مع معارضة طرف مهم، ويتضح ذلك من خلال تلويح الرئيس ترامب بالانسحاب من اتفاقية قمة المناخ المنعقدة في 01 يونيو 2017 في ألمانيا والتي كان يعول عليها في مسألة الإعلان محكمة بيئية دولية. ولذلك يبقى مشروع المحكمة الدولية رهنا للظروف السياسية والاقتصادية إلى أجل غير معروف.
الخاتمة
من خلال هذا العرض الموجز لأهم الأجهزة القضائية الدولية المختصة بالنزاعات البيئية، يمكن القول أن القضاء الدولي قطع شوطا كبيرا قبل أن تأخذ القضايا البيئية اهتماما كافيا على الصعيد الدولي.
إن تطور القضاء الدولي لا يرتبط بالإمكانيات المتاحة بقدر ارتباطه بوجود إرادة حقيقة للدول من أجل الحد من التلوث البيئي وخاصة الناتج عن تطور سياسة التصنيع، وقد يكون من الصعب الحديث عن إنشاء محكمة بيئية دولية على عكس المحكمة الجنائية الدولية، لأن المنازعات البيئية ترتبط بشكل وثيق بالتطور الصناعي للدول الكبرى، وهذه الأخيرة لم تبد جميعها استعدادا لتقبل الشروط وتحمل مسؤوليتها تجاه الأضرار البيئية، لذلك فإن نجاح القضاء الدولي في مهمته، وفرصة إقامة محكمة بيئية دولية يتوقف بشكل كبير على مدى استعداد الدول الصناعية الكبرى لمنح أولوية لقضايا البيئة وتحمل مسؤولياتها بالتساوي.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة من أجل وضع أسس لقضاء دولي بيئي يكفل حماية عناصر البيئة من أي اعتداء، ومع تنوع الجهات القضائية المختصة في هذا المجال وتوسع صلاحياتها في الفترة الأخيرة يبقى الإشكال في تنفيذ أحكام هذه القضايا قائما، الأمر الذي يستوجب إيجاد آليات فعالة للتنفيذ، إذ أن الإشكال لا يتمثل في غياب جهات قضائية تنظر في قضايا البيئة بقدر ما يتجسد في عدم تنفيذ فعال لهذه الأحكام.
من جهة أخرى يتعين على الدول دعم دور الجهات القضائية الدولية الأخرى في مجال حماية البيئة في انتظار الإعلان عن إنشاء محكمة دولية خاصة بالبيئة.
[1] – أشرف هلال، جرائم البيئة بين النظرية والتطبيق، بدون ناشر، الطبعة الأولى، 2005، ص 36.
[2] – محمد عادل عسكر، القانون الدولي البيئي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2013، ص 27.
[3] – www.greenline.com: وداد العلي، التلوث البيئي (مفهومه مصادره، درجاته، أشكاله) تاريخ الدخول إلى الموقع 3/10/2017 الساعة 09:50
[4] – http://www.startimes.com: تاريخ الدخول إلى الموقع 29/10/2017 الساعة 23:00
[5] – المادة 44 من القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة، الجريدة الرسمية الجزائرية، عدد 43 المؤرخ في 20 جويلية 2003.
[6] – www.greenline.com: Op.cit.
[7] – صلاح هاشم محمد، المسؤولية الدولية عن المساس بالبيئة البحرية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1991، ص 16.
[8] – أحمد سكندري، أحكام حماية البيئة البحرية من التلوث في ضوء القانون الدولي العام، رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه، معهد الحقوق والعلوم الإدارية، بن عكنون، جامعة الجزائر، 1995، ص 24.
[9] – www.greenline.com: Op.cit.
[10] – سناء نصر الله، الحماية القانونية للبيئة في ظل القانون الدولي الإنساني، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، كلية الحقوق، جامعة باجي مختار، 2010، عنابة، ص 21.
[11] – حسونة عبد الغني، الحماية القانونية للبيئة في إطار التنمية المستدامة، أروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه علوم في الحقوق تخصص قانون أعمال، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2013، ص 18.
[12] – فرج صالح الهريش، جرائم تلويث البيئة، (دراسة مقارنة)، المؤسسة الفنية للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1998، ص 43.
[13] – المرجع نفسه، ص 44.
[14] – http://www.startimes.com: Op.cit.
[15] – www.legal.un.org: غونتر هاندل، إعلان مؤتمر الأمم المتجدة بشأن البيئة البشرية إعلان ستوكهولم 1972 وإعلان ريو بشأن التنمية
[16] – Op.cit.
[17] – صلاح عبد الرحمن عبد الحديثي، النظام القانوني الدولي لحماية البيئة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة الأولى، 2010، ص 270.
[18] – www.pca-cpa.org: Permanent court of attribution تاريخ الدخول إلى الموقع 19/10/2017 الساعة 21:00
[19] – Ibid.
[20] – www.arabic.news.cn: مقال بعنوان: محكمة التحكيم الدائمة.. لا دائمة ولا محكمة تاريخ الدخول إلى الموقع: 04/10/2017 الساعة 10:00
[21] – www.pca-cpa.org: Op.cit.
[22] – Ibid.
[23] – رابحي قويدر، القضاء الدولي البيئي، رسالة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق، جامعة تلمسان، 2016، ص 38.
[24]- Dane P. Ratliff, The P.C.A optional rules for arbitration of disputes relating to natural resources and / or environment, LJIL, 2001,Kluwer law international.
[25] www.icj-cij.org/ ar: موقع محكمة العدل الدولية، ترايخ الدخول إلى الموقع 20/10/2017 الساعة 9:30
[26] – Ibid.
[27] – www.legal.un.org: النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، إعداد أنطونيو أغوستو كانسادو، تاريخ الدخول إلى الموقع 08/11/2017 الساعة 10:00
[28] – وليد عكوم، محكمة العدل الدولية (نشأتها، أهدافها، اختصاصاتها)، جامعة نايف للعلوم الأمنية، الرياض، 2010، ص 5.
[29] – رابحي قويدر، المرجع السابق، ص 40.
[30] – هاني حسن العشري، الإجراءات في النظام القضائي، دار الجامعة الجديدة، مصر، 2011، ص 84.
[31] – www.icj-cij.org/ ar: المرجع السابق
[32] – http://www.icj-cij.org/files/annual-reports/2000-2001-ar.pdf: تاريخ الدخول إلى الموقع 30/10/2017
[33] – هاني حسن العشري، المرجع السابق، ص 77-78.
[34] – رابحي قويدر، المرجع السابق، ص 48.
[35] – Richard Bilder, « The Settlement of dispute in the Field of International Law of the Environment » in Hague Academy of international law in international Recuell des cours, 1975.
[36] – http://www.un.org/depts/los/convention_agreements/texts/unclos/unclos_a.pdf: القانون الأساسي للمحكمة الدولية لقانون البحار، تاريخ الدخول إلى الموقع 28/10/2017 الساعة 23:00
[37] – www.arab-ency.com: الموسوعة القانونية المتخصصة، تاريخ الدخول إلى الموقع 19/10/2017 الساعة 13:00
[38] – http://www.un.org/depts/los/convention_agreements/texts/unclos/unclos_a.pdf: op.cit.
[39] – – www.crin.org: 11:00 الموقع الالكتروني للمحكمة الجنائية الدولية، تاريخ الدخول إلى الموقع 08/11/2017 الساعة
[40] – Op.cit.
[41] – www.arn.ps: تاريخ الدخول الى الموقع 11/11/2017 الساعة 11:00
[42] – www.crin.org: تاريخ الدخول إلى الموقع 10/11/2017 الساعة 13:00
[43] – www.greenarea.me: تاريخ الدخول إلى الموقع 09/11/2017 الساعة 11:00
[44] – Op.cit.
[45] – www.startimes.com: عادل الوقداني، مقال بعنوان الاحتباس الحراري، تاريخ الدخول إلى الموقع 02/10/2017 الساعة 16:00
[46] – رابحي قويدر، المرجع السابق، ص 56.
[47] – www.startimes.com: op.cit
[48] – www.books.google.com: يوسف بوغالم، المساءلة عن الجرائم البيئية تاريخ الدخول إلى الموقع 20/10/2017 الساعة 21:00
[49] – Amedeo Postiglione, Global Environmental Governance( BRUXELLES: BRUYLANT, 2010), p 170-190 .(نقلا عن رابحي قويدرن المرجع السابق، ص 57- 58)
[50] -www.greenline.com : مقال بعنوان: دول عربية توقع نظام اتحاد محاكم حماية البيئة، تاريخ الدخول إلى الموقع19/10/2017 الساعة 13:00
[51] – www.un.org/law: غونتر هاندل، إعلان مؤتمر الأمم المتحدة بشأن البيئة البشرية تاريخ الدخول إلى الموقع: 12/10/2017 الساعة 16:00
[52] – Ibid.
[53] – www.aljazeera.net/encylopedia: تاريخ الدخول إلى الموقع 27/10/ 2017 الساعة 16:30
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً