التحليل العقاري
المؤلف : سلطان الشاوي
الكتاب أو المصدر : اصول التحقيق الاجرامي
معناه :
أسلوب خاص من التحليل النفسي يتم عن طريق حقن الشخص بجرعة معينة في الوريد من إحدى العقاقير المخدرة (1). والتي تؤدي الى حالة من الغيبوبة الواعية لفترة معينة حسب كمية الجرعة يستمر الشخص خلالها مالكا لقواه الإدراكية ولكنه يفقد في نفس الوقت القدرة على التحكم في إرادته واختياره مما يجعله اكثر قابلية للإيحاء وأكثر رغبة في الإفصاح والتعبير عما يختلج في كوامن نفسه (2).
استعمالاته :
لقد استخدم التحليل بطريق التخدير من قبل أطباء الجيش الامريكي خلال الحرب العالمية الثانية للعلاج السريع قصير المدى للجنود الذين يصابون بالقلق العصبي او الامراض النفسية او العقلية. وقد تطورت آلية التحليل العقاري ودخلت في نطاقها عمليات الايحاء تحت تأثير المخدر وعمليات التنسيق تحت تأثير التخدير، وتتكون العمليات الاولى من إقناع المريض بمرض عصبي بعدم وجود المرض الذي يعتقد أنه يعاني منه، اما العمليات الثانية فهي محاولة إعادة بناء الشخصية المعصابي (3).
وقد استعملت هذه العقاقير ايضا للتشخيص والتنبؤ بسير المرض إذ استخدمت للتمييز بين المرضى بالعصاب والمرضى بالفصام، كما ترجع لأسباب عضوية، كما ظهر أن الإميتال عقار ناجح لاختبار المرضى الذين سوف يستجيبون لطريقة العلاج دون أخرى.
التحليل العقاري وكشف الجريمة :
وبعد اكتشاف اثر العقاقير المخدرة التي تجعل الانسان في حالة عقلية خاصة لجأ بعض المحققين الى الاستفادة من هذه الطريقة للحصول على الاسرار التي يخفيها الشخص وهو في حالة وعيه الكامل (4).
ومما يجدر التنبيه إليه ان التخدير بهذه العقارات يجب ان يكون بكميات بسيطة ومعقولة لأن الكميات الكبيرة قد تؤدي الى نتائج خطيرة كالغيبوبة والموت حسب حساسية كل شخص. ولهذا يجب العناية التامة في اختيار الخبير الذي يقوم بهذا النوع من التحليل بحيث يجب ان تتوفر فيه الشروط الآتية.
1-خبرة فنية طويلة (نظرية وتطبيقية) بكل ما يتعلق بعملية التحليل ذاتها وخاصة فيما يتعلق في تحديد الجرعة المناسبة واختيار الوقت المناسب للشروع في الاستجواب.
2-خبرة واسعة بفن الاستجواب.
3-قدر كاف من المعلومات في مجال علم النفس بحيث تؤهله لتفهم الشخص موضوع الاستجواب (5).
ملاحظات حول التحليل العقاري من الناحية العملية :
لقد وجهت بعض الانتقادات الى التحليل العقاري باعتبار أن الاقوال التي يدلي بها الشخص الخاضع تحت تأثير العقاقير لا تعبر عن الحقيقة وذلك للأسباب الآتية :
1-ان بعض الاشخاص يسهل الايحاء اليهم تحت تأثير العقاقير المخدرة ويتمكن المحقق من استغلال هذا الاستعداد ضدهم اذ قد يوافق الفرد الذي يسهل الإيحاء إليه على اتهامات صيغت بشكل تم التلاعب فيه بالألفاظ (6).
2-هناك كثير من العصابيين الذين يعانون من شعور كامن بالذنب وكراهية الذات. ومما لا شك فيه ان المتهمين الذين يتمتعون بمثل هذا الشعور قد يتهمون انفسهم لإيقاع العقاب عليهم (7).
3-يجمع أغلب الخبراء على أنهم من الصعوبة بمكان الحصول على معلومات صادقة عن طريق استعمال العقاقير المخادرة من المتهم الذي يريد متعمدا إخفاء الحقيقة، لاحتفاظه بحواسه بدرجة كبيرة. ان العقاقير لا يمكن ان تؤدي الى الاعتراف بطريقة آلية. فالمتهم يستطيع بالرغم من تخديره الاحتفاظ بالمعلومات التي يعتقد بأن في إفشائها ما يضر بمصلحته (8).
ولقد وجد شارلون وهو أحد هؤلاء الخبراء، بان نسبة النجاح التي صادفها عند استخدامه طريقة التحليل العقاري لأغراض التحقيق الإجرامي لا تتعدى 20% من الحالات التي درسها، وأن 30% من الاشخاص الذين تم تخديرهم كانوا متحكمين جزئيا في إرادتهم وبالتالي فلم يكشفوا إلا عن جزء من أسرارهم اما الباقين والذين بلغت نسبتهم 50% فقد اصطدمت محاولات التحقيق فيها مع إرادة الاشخاص الذين بقوا بسيطرتهم التامة على أنفسهم (9).
4-قد يتعرض المتهم الخاضع للتخدير للإدلاء بأقوال لا تمت الى الحقيقة بصلة، وكل ما في الأمر ان هذه الأقوال تفصح عن رغبات جنائية مكتوبة لم يتمكن من تحقيقها، فيتكلم عنها على اعتبار أنها حقائق قام فعلا بارتكابها في الوقت الذي أنها ليست إلا أوهاما تتعلق بجريمة لم تتعد مرحلة التفكير (10).
ملاحظات حول التحليل العقاري من الناحية القانونية.
لقد اثير خلاف شديد حول مدى شرعية الاعترافات التي يحصل عليها المحقق عن طريق استخدام التحليل العقاري، فقد ذهب فريق من فقهاء القانون الجنائي الى ضرورة حظر استعمال هذه الوسيلة في التحقيق للأسباب الآتية.
1-يعتبر استخدام التحليل العقاري نوعا من الإكراه المادي، وعليه فإن الاعترافات التي تصدر نتيجة لاستخدامه تكون خالية من أي قيمة قانونية ولا يمكن الاستناد إليها كدليل قانوني يعول عليه في الإثبات اذ تعتبر كما لو أنها انتزعت من طريق التعذيب (11).
2-يؤدي استخدام التحليل العقاري الى الاعتداء على حق الانسان الطبيعي المطلق في سلامة شخصه وجسمه وعقله (12).
3-ان استخدام العقاقير المخدرة فيها اعتداء على حق المتهم في الصمت، أي حقه في ألا يرغم على إدانة نفسه بالكلام حيث تستدعي مصلحته ألا يتكلم (13).
4-ان المتهم الذي يخضع لهذه التجربة لا يمكنه وهو تحت نفوذها من أن يدافع عن نفسه او يقدم تبريراته (14). أما الفريق الاخر من الفقهاء فيرى ألا مانع قانوني من استجواب المتهم بواسطة التحليل العقاري في حالة رضاءه أو بناء على طلبه اذ من غير العدالة ان يرفض للمتهم طلب قد يحقق فائدة له. وقد ذهب بعضهم الى أكثر من هذا فقالوا بجواز في حالات الجرائم الخطرة كالقتل والاغتيال والحريق والنسف وقطع الطرق، .. إلخ استخدام التحليل العقاري حتى في حالة عدم رضاء المتهم المراد استجوابه وذلك بشرط ان يكون الاتهام واضحا والقرائن قوية، وان يقوم بهذا التحليل خبير اخصائي في حضور محامي المتهم، ويجب عند استجواب المتهم وهو تحت تأثير المخدر ألا يكون هدف المحقق الحصول من المتهم على اعتراف بالإدانة، ولا تؤخذ إلا الإقرارات التي تصدر من المتهم وهو في هذه الحالة كدليل إثبات ضده، ويستخدم هذا الإجراء في حالة الضرورة فقط حيث تفضل مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد (15).
ونحن نميل الى هذا الرأي.
موقف المشرع العراقي من التحليل العقاري :
تنص المادة (127) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه (لا يجوز استعمال أية وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على إقراره، ويعتبر من الوسائل غير المشروعة المخدرة والمسكرات والعقاقير) ويلاحظ من هذا النص ان المشرع العراقي قد اعتبر المخدرات والمسكرات والعقاقير انتهاكا للحرية الشخصية واعتداء على كرامة الانسان وإرادته لا يقل عن التعذيب وبالتالي فكل ما يحصل عليه المحقق نتيجة لاستخدام هذه المواد يعتبر باطلاً.
____________________________________
1-مثل البنتونال، والإميتال، والأنصيبان، والناركوفين، والميسكالين .. إلخ.
2-انظر سامي صادق الملا، المرجع السابق، ص165.
3-انظر زين العابدين سليم ومحمد إبراهيم زيد، المرجع السابق، ص35 – 36.
4-انظر محمد سامي النبراوي – المرجع السابق- ص 462 – 463.
5-انظر محمود التوني، المرجع السابق، 350.
6-انظر حسين محمد علي، المرجع السابق، ص259.
7-انظر سعد جلال المرجع السابق، ص403-404.
8-انظر محمد سامي النبراوي، المرجع السابق، ص464، 465.
9-انظر زين العابدين سليم ومحمد إبراهيم زيد، المرجع السابق، ص40.
ومن تجارب د. سكارلين في هولندا وجد أنه من بين 100 قضية استخدم فيها التحليل بطريقة التخدير كانت نتائجه كالآتي : 12% من الحالات كانت النتائج مرضية، 28% من الحالات ألقى التحليل بعض الأضواء الخافتة على تفاصيل قليلة الأهمية وفي 60% من الحالات لم يجد التحليل. انظر حسين محمد علي، المرجع السابق، هامش ص267.
10-فقد حدث أن امرأة تعمل مربية عند طبيب بقرية صغيرة اتهمت بسرقة خاتم سيدتها، وفي استجوابها في التحقيق أكدت براءتها مما هو مسند إليها، ولتأكيد صحة أقوالها فقد طلب محاميها سؤالها بعد تخديرها فاعترفت الجريمة ولكن بعد ستة اشهر من ذلك اتضح ان الخاتم لم يسرق إذ عثر عليه بالمنزل – انظر محمد سامي النبراوي – المرجع السابق ص466.
11-انظر سامي صادق الملا – المرجع السابق، ص164 – 168 محمود التوني المرجع السابق ص350.
12-انظر حسين محمد علي، المرجع السابق، ص263 – أحمد محمد خليفة مصل الحقيقة وجهاز كشف الكذب، المجلة الجناتئية القومية العدد الأول، مارس 1958، المجلد الأول، ص94.
13-انظر محمد سامي النبراوي، المرجع السابق، ص467.
14-انظر محمد سامي النبراوي، المرجع السابق، ص467.
15-انظر سامي صادق الملا، المرجع السابق، ص169- 170.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً