ان تحديد العناصر المؤثرة في دولية عقد العمل يستلزم تحليل العناصر التي تدخل في تكوين هذا العقد للوقوف على طبيعتها وبيان مدى التاثير الذي يدخله العنصر الاجنبي فيها. وتبعا لذلك سنقسم هذه العناصر الى عناصر شخصية واخرى موضوعية.
أ-العناصر الشخصية:
تتجسد العناصر الشخصية لعقد العمل في كل من الجنسية(1). والموطن(2). وبخصوص هذين العنصرين فانه يمكن القول بانهما يعدان من العناصر غير المؤثرة في اضفاء الصفة الدولية على هذا العقد. اذ ترى الاستاذة (Simon Depitre) (3). بان مسألة جنسية الاطراف او موطنهم في مجال العقود الدولية ليست إلا عنصرا من عناصر الاسناد التابعة وليست الاصلية، وان هذين العنصرين – الجنسية والموطن – لا يستخدمان إلا نادرا في عقد العمل الفردي. فضلا عن ذلك فان هذين العنصرين يعدان من العناصر غير المؤثرة ليس فقط في نطاق عقد العمل بل في غالبية العقود الدولية(4).
ب-العناصر الموضوعية:
تتمثل العناصر الموضوعية بكل من محل الابرام، ومكان التنفيذ، ومركز ادارة الاعمال. وتختلف اهمية كل عنصر منها عن الاخر على نحو ما سنرى.
ففيما يخص محل الابرام، فانه يعد عنصرا قليل الاهمية في عقد العمل، ذلك ان ابرام العقد في دولة اجنبية قد يكون امراً عارضاً او مصادفة، كما ان مكان الابرام ليس له من علاقة مع جوهر المعاملة(5). مثال ذلك، ان يبرم صاحب العمل عقدا مع العامل في دولة اجنبية اثناء وجودهما بصورة عرضية هناك، ثم يعودا الى بلدهما لتنفيذ العقد فيه، فهنا يكون العقد داخليا لان الصفة الاجنبية فيه المتمثلة بمكان الابرام، تعتبر غير مؤثرة في مثل هذا العقد. اما العنصر الاخر المتمثل بمحل التنفيذ – فبحسب الفقه الراجح (6). يعد من العناصر المؤثرة والفعالة في اضفاء الطابع الدولي على عقد العمل.
ويعود هذا لعدة اسباب هي:-
1.ان محل التنفيذ يعتبر المكان او الحيز الذي تطبق فيه القواعد الآمرة و المتعلقة بالنظام العام في نطاق قانون العمل(7). فلا يمكن للقاضي الذي ينظر النزاع في بلد غير بلد التنفيذ ان يعتبر مثل هذا العقد داخليا كون المتعاقدين من جنسية واحدة او موطن واحد، اذ طالما ان التنفيذ في الخارج – في دولة اجنبية – فالعقد يعتبر دوليا وليس داخليا، ومهما تركزت عناصره الاخرى في دولة واحدة.
2.ان قانون بلد التنفيذ يعتبر هو القانون الاكثر ارتباطا بعقد العمل(8). حيث يتركز في هذا المحل موطن العامل ونشاطه اضافة الى ان صاحب العمل يكون متواجداً في الاغلب في هذا المكان لمراقبة صحة تنفيذ العمل.
3.ان عنصر محل التنفيذ يعد من العناصر الحاسمة والمؤثرة في اضفاء الصفة الدولية على العقد، ليس فقط في نطاق عقد العمل بل في عقود المعاملات المالية والتبادل التجاري كافة(9).
ولهذه الاسباب فقد عدّ محل التنفيذ من العناصر المؤثرة والحاسمة في اضفاء الصفة الدولية على عقد العمل. وتطبيقا لذلك فقد قضت محكمة استئناف باريس بتاريخ 3/ 5/ 1965 بأن عقد العمل – موضوع الدعوى – المنفذ في غينيا، يعد عقدا دوليا، وبالتالي فانه يخضع لقواعد تنازع القوانين، لأن مكان التنفيذ يقع في دولة اجنبية وهي غينيا(10). اما بخصوص العنصر الثالث، المتمثل بمركز ادارة الاعمال، فانه من الممكن ان يعد ايضاً من العناصر المؤثرة في اضفاء الطابع الدولي على عقد العمل، وذلك في الفرض الذي تتعدد فيه اماكن التنفيذ بالنسبة لعمل تابع الى شركة او مشروع يوجد مركز ادارته الرئيس في دولة اجنبية، فهذا المركز يعد في مثل هذه الحالة عنصرا فعالا ومؤثرا في اضفاء الصفة الدولية على العقد، باعتبار ان العمل المنفذ في اكثر من مكان خارج نطاق الدولة التي يوجد فيها مركز ادارة المشروع يعد امتدادا لنشاط هذا الاخير، بوصفه المركز الحقيقي لكافة علاقات العمل المتعلقة بهذا المشروع(11). يتضح مما سبق بأن عنصري مكان التنفيذ – عند تنفيذ العمل في دولة واحدة -، ومركز إدارة الأعمال – عند تنفيذ العمل في عدة دول – هما اللذان يعدان من العناصر المؤثرة في إضفاء الصفة الدولية على عقد العمل، متى ما تطرقت لهما الصفة الاجنبية.
_____________________
– يقصد بالجنسية، كل رابطة قانونية تنظيمية تربط شخصا بدولة. انظر: د. حسن الهداوي، ود. غالب الداودي، القانون الدولي الخاص، الجزء الاول، الجنسية والموطن ومركز الاجانب، بغداد، 1988، ص 31.
2- يقصد بالموطن، المكان او المأوى الذي يتخذه الشخص مركزاً لاعماله ومصالحه وصلاته العائلية بحيث ان غاب عنه لا ينوي تركه. د. حسن الهداوي، المصدر نفسه، ص 172.
3- انظر تعليق الاستاذة (Simon Depitre) على قضية:
Cass. 1-7 – 1964، Rev. Crit، 1966، N.1، P.48.
-4Pierre Louis- Lucas، Porte’ De La Distinction Entre Droit Prive’ Interne Et Droit International Prive’، Clunet، 1962، N.4، P.885.
-5Ibid.، P.885.
6- د. هشام علي صادق، عقود التجارية الدولية، المصدر السابق، ص 63. وفي نفس الرأي:
Pierre louis – Lucas، Op.Cit.، P.885.
Toubian، (A.)، Le Domaine La Loi Du Contrat En Droit International Prive’- Contrat Internationaux Et Dirisme Etatique، Dalloz، 1973، P.272، Note (5).
Simon Depitre، Note. Pre’c، P.48.
7- د. عدنان العابد، المصدر السابق، ص 33. وكذلك انظر المادة/ 11 من قانون العمل العراقي ، التي تعد احكام هذا القانون من النظام العام الذي لا يجوز الاتفاق على خلافه.
– 8Adolf F.Schintzer، Les Contrats En Droit International Prive’ Suisse، Recueil Des Cours، 1968، Part.1، P.558 Et S.
9- د. هشام علي صادق، عقود التجارة الدولية، مصدر سابق، ص 63.
10- Cour D’Appel De Paris 3- 5- 1965، Rev. Crit.، 1965، P.556 Et S.
11- Gamillscheg، (F.)، Op.Cit.، P.274- 284.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً