الجزاءات العامة والجزاء التأديبي:
تقتضي القواعد العامة بانه اذا لم يقم العامل بتنفيذ التزاماته على النحو المحدد بالعقد او القانون ،فانه يكون مسؤولا عن ذلك في مواجهة صاحب العمل مسؤولية عقدية ، وبالرغم من كفاية القواعد العامة لتقرير هذا الحكم ،فانه مشروع القانون المدني قد حرص على تأكيده بالنص عليه صراحة، حيث قرر في المادة (909-2)،ان العامل مسؤول عن كل مخالفة لالتزاماته المقررة في فقرتها الاولى . ومقتضى ماتقدم ، ان لصاحب العمل ان يطالب العامل بتعويض مالي عن كل اخلال بالتزام عقدي ،ان هذا الجزاء المدني قد يكون غير مجد في اغلب الاحوال ، وذلك لان العامل في المعتاد يكون غير قادر على الوفاء بمبلغ التعويض لعدم يساره (1) كما ان المشرع يحيط اجر العامل بحماية كبيرة تجعل استيفاء التعويض من العامل بالاقتطاع من اجره امرا صعبا للغاية (2) ، ولهذا فان تطبيق القواعد العامة (المدنية)،يبدو غير عملي في اطار علاقات العمل في اغلب الاحوال ،وان كان تطبيق هذه القواعد اصلا عاما ، حيثما توافرت شروط تطبيقها . يضاف الى ما تقدم ان بعض ما يستوجب توقيع الجزاء على العامل ، قد لا تتوافر فيه كل اركان المسؤولية المدنية ،ومع ذلك ينطوي فعل العامل او امتناعه على مخالفة او ترتيب دون جزاء، لكانت خطرا على مصلحة المشروع ، ويمكن ان نلحظ ذلك في العديد من الحالات ،فأخلال العامل بالقواعد المقررة في انظمة العمل او بقواعد الامن الصناعي او عدم اطاعته اوامر صاحب العمل المباشرة ،او اخلاله بما يقتضيه التعاون مع رؤساء وزملاء العمل، كل ذلك قد لا تتوافر فيه اركان المسؤولية وفقا لقواعد القانون المدني ،لكي يمكن ان يلزم العامل بالتعويض ،ففي اغلب الاحوال المتقدمة قد لا يؤدي فعل العامل او امتناعه الى وقوع ضرر مادي او معنوي ،وبذلك يستحيل توقيع جزاء مدني على العامل . ولهذا فقد اقتضت الحال ،لضمان حسن سير العمل وانتظامه ، ان يوجد جزاء خاص في اطار علاقات العمل، هو الجزاء التأديبي ، يتولى صاحب العمل توقيعه على العامل نتيجة اخلاله ببعض التزاماته ،او بنظام المنشاة ، او عدم اطاعته اوامر صاحب العمل ،وهذا الجزاء يتميز عن الجزاء المدني في انه ليست له صفة التعويض ، كما ات توقيعه لا يتوقف على تحقق ضرر لصاحب العمل، وان القصد منه الزجر ،ومن ثم فانه يتناسب عادة مع جسامة المخالفة جزاء خطيرة للغاية ،لا مع جسامة نتيجتها(3). والجزاء التأديبي جزاء خطير للغاية ، وذلك لاستقلال احد طرفي العقد ،وهو صاحب العمل بتوقيعه على الطرف الاخر وهو العامل (4)،فصاحب العمل يجمع من حيث المبدأ بين سلطتي التشريع والقضاء داخل المشروع ، ومن ثم فهو الذي يضع القواعد التأديبية ، بما تتضمنه من اوامر ونواهي من ناحية ، فيبدو ازاء العامل وكأنه الخصم والحكم .
وسلطة صاحب العمل التأديبية ، هي احد مظاهر رابطة التبعية التي تتولد عن عقد العمل ،التي هي اساس سلطة صاحب العمل في اصدار الاوامر ، والتزام العامل تنفيذها ، مما يقتضي ان يكون لصاحب العمل ان يوقع الجزاء على المخالف ضمانا لا طاعة اوامر ه، ومن ثم فان هذه السلطة تثبت لكل صاحب عمل ، دون حاجة الى نص خاص يقررها ، طالما انها متفرعة من رابطة التبعية التي لا بد ان تقوم في كل عقد عمل (5). ومثل هذه السلطة الخطيرة في اثارها ، جديرة بان تنال اهتماما كبيرا من المشرع ، فيحرص على تنظيمها بما يضمن بيان حدودها على نحو واضح ،ويضع ضمانات تكفل سلامة استعمالها على نحو لا يخرجها من غرضها ، وتحقيقا لذلك افراد قانون العمل الفصل الثاني من بابه السابع لتنظيم احكام هذه السلطة تحت عنوان (الانضباط)(6).
ماهية الخطأ التأديبي:
أخطا كما هو معلوم ،أساس أية مسؤولية قانونية ، أيا كان وصفها ،مدنية كانت أم جنائية أم تأديبية، والخطأ الذي يقيم أية مسو ولية هو إخلال بالتزام ،إلا أن وصف هذا الخطأ يعتمد أساسا على نوع الالتزام الذي اخل به المخطئ فمتى كان الالتزام مدنيا سمي خطا مدنيا، ومتى كان مقررا في نص جزائي سمي خطا جنائية ،،إما اذاكان هذا الإخلال قد وقع تجاوزا على قواعد تكفل انتظام العمل في جماعة معينة ،فانه يكون خطا تأديبيا. غير ان ما تقدم لا يحل مشكلة تشابك أنواع الخطأ المتقدمة ، فمسالة وضع حواجز بينها ليست ميسورة (7) ففي الكثير من الأحيان نجد أن الخطأ الواحد يمكن أن يحرك أكثر من مسؤولية في الوقت ذاته ، كما أننا نواجه في أحيان أخرى حقيقة أن خطا من نوع معين يمكن أن تنشئ مسؤولية من نوعى مختلف ، وهذا ما نجده كثيرا في نطاق علاقات العمل ، حيث تقوم المسؤولية التأديبية في أحوال عدة على خطا مدني. على انه يمكن القول عموما بان الخطأ التأديبي يتحقق نتيجة الإخلال بالتزام بالقيام بالوجبات التي يقتضيها حسن انتظام واستمرار العمل في المنشاة ، والامتناع عن كل ما من شانه إلحاق الضرر بنظامها ، وهذا الالتزام بشقه الايجابي والسلبي لا يقتصر على الإخلال بما يقرره القانون والعقد من قواعد تكفل حسن سير العمل في المنشاة ،وإنما يمتد ليشمل كل ما يعد إخلالا بمصلحتها ، وبذلك تكون صور هذا الأخير معروفه صورة مقدما ، كما يختلف عن الخطأ الجنائي في أن هذا الخطأ الأخير محكوم بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، ولهذا فان دائرة الخطأ التأديبي واسعة ،إذا ما قورن بغيره من الأخطاء . والأصل إلا يشترط في الخطأ التأديبي الذي يقيم المسؤولية التأديبية . أن ينشا عنه ضرر مادي أو معنوي يلحق صاحب العمل ، ولهذا فهو يختلف عن الخطأ المدني الذي يقيم المسؤولية المدنية ،حيث لا تنهض هذه المسؤولية إلا إذا توافر ركن الضرر ،إلا انه إذا كان الأصل في الأخطاء التأديبية المحضة ما تقدم ،فان الأخطاء التأديبية المحضة ما تقدم ، فان الأخطاء التأديبية ذات الطابع المدني تشذ عن ذلك (8)،حيث نجد أن الضرر يعد ركنا أساسيا لقيام المسؤولية التأديبية فيها ،ومن ثم فرض الجزاء التأديبي على العامل (9).
قواعد الانضباط:
ضمن أساليب تقييد سلطة صاحب العمل التأديبية يلجا المشرعون إلى إلزام صاحب العمل بان يضع لائحة للجزاءات التأديبية تتضمن بيانا بالمخالفات التي إذا ارتكبها العامل تعرض للجزاء التأديبي ، كما تبين من ناحية أخرى ماهية الجزاءات التي يمكن أن تفرض على كل مخالفة ،وأخيرا الإجراءات التي تتبع في فرض الجزاءات التأديبية(10). ووضع هذه اللائحة له أهمية كبيرة ،فهو من ناحية يحقق العدالة بين العمال من خلال خضوعهم في التأديب لقواعد عامة مجردة ، وهو من ناحية أخرى ، يمكن العمال مقدما من ان يكون على بينة من المخالفات والجزاءات التأديبية ،وأخيرا فان وضع هذه اللائحة يقيد سلطة صاحب العمل بما ورد فيها من قواعد ،فلا يكون له الخروج عليها في إيقاع جزاء على العامل غير الذي تحدد فيها للمخالفة التي ارتكبها . على أن إلزام صاحب العمل بوضع لائحة الجزاءات ، لا ينطوي -ضمنا- على التسليم بمبدأ لا مخالفة إلا بنص على النحو المعمول بهدفي إطار القانون الجنائي ،إلا إذا قرر القانون ذلك صراحة (11)،إما إذا سكت عن ذلك فان سكوته هذا يعني انه يمكن لصاحب العمل أن يفرض جزاء على مخالفة تأديبية غير منصوص عليها ،متى توافرت فيها ما سبق أن اشرنا إليه من كون هذه المخالفة إخلالا بنظام العمل(12). وفي كل الأحوال يبقى تحديد ما يعد من قبيل المخالفات من سلطة صاحب العمل ، لأنه لا يمكن أن يحددها المشرع مقدما ،فهي تختلف باختلاف قطاعات العمل، ولهذا نجد أن بعض التشريعات تنص على أن تصدر السلطة التنفيذية (وزير العمل)،لوائح نموذجية (13)،ومثل هذه اللوائح ليست لها قوة ملزمة ، فلا يلزم أصحاب العمل بان تكون اللوائح التي يضعونها مطابقة تماما للوائح النموذجية(14) ،وكل مايقصد بها هو التيسير على أصحاب العمل بتقديم نموذج فني سليم من الناحية القانونية إليهم ، يعينهم في وضع اللائحة التي يرونها مناسبة لهم. وقد اخذ قانون العمل رقم (71) لسنة 1987 بالعديد من المبادئ المتقدمة ،إذ خصص المادة (125) منه للنص على إلزام أصحاب العمل بوضع (قواعد لانضباط العمال )وتقتضي دراسة إحكامها تفصيلا التطرق إلى المسائل التالية :
1 – القواعد النموذجية:
قضت المادة (125-أولا)من القانون بان يصدر وزير العمل قواعد انضباط نموذجية يسترشد بها أصحاب العمل . … فان هذه القواعد غير ملزمة لأصحاب العمل،وقد عبر القانون عن ذلك صراحة بان المقصود بإصدارها أن (يسترشد)بها هؤلاء في وضع القواعد الخاصة بمنشاتهم ، ولذلك فان الغرض من إصدارها هو التيسير عليهم من النواحي الفنية في الصياغة بتقديم نموذج يصوغون على شاكلته القواعد الخاصة بهم (15) .
2 – الإلزام بوضع قواعد الانضباط:
ألزمت المادة (125-ثانيا)من القانون (كل صاحب عمل يستخدم عشرة عمال فأكثر أن يضع قواعد لانضباط العمال ، يبين فيها المخالفات التي يعاقب على ارتكابها ).ومن هذا النص يتضح ما يلي :
أ – أن صاحب العمل الذي يستخدم تسعة عمال فاقل ، غير ملزم بان يضع قواعد للانضباط ،إلا أن هذا لا يمنعه متى أقدم مختارا على إصدار مثل هذه القواعد من أن يفعل ذلك ، ومتى أصدر قواعد التزام بإحكامها ولم يعد من الجائز له مخالفتها ، كما انه من ناحية أخرى لا يعني عدم إلزام أصحاب العمل الذين يستخدمون تسعة عمال فاقل بإصدار قواعد انضباط سلبهم سلطتهم التأديبية ، وإنما تظل هذه السلطة قائمة استناد إلى رابطة التبعية التي هي احد العناصر الأساسية لعلاقة العمل، على أن يمارسوا هذه السلطة في حدود النصوص الواردة في شانها في قانون العمل ،وما يقتضي به القواعد العامة للقانون (16). ويلتزم صاحب العمل بوضع هذه القواعد متى بلغ عدد عماله (الدائمين) العدد المطلوب ،لنوضع هذه القواعد يقتضي استقرار تطبيقها بعد ذلك ،وعليه فإذا انخفض عدد هؤلاء العمال بعد ذلك عن الحد المطلوب ،ظلت القواعد نافذة ،ولا يستطيع صاحب العمل التحلل من إحكامها بدعوى أن عدد عماله أصبح اقل مما اشترطه القانون لوضع قواعد الانضباط.
ب – أشار النص القانوني أن قواعد الانضباط يجب أن تبين (المخالفات التي يعاقب على ارتكابها)،وهذا النص في رأينا ناقص ،وكان على المشرع أن يستكمله بالنص على وجوب أن تحدد القواعد ،العقوبة التي تفرض على العامل عن كل مخالفة من المخالفات الواردة في القواعد .
3- إجراءات وضع القواعد :
وضع القانون جملة إجراءات الزم أصحاب العمل بإتباعها عند وضع قواعد الانضباط خلاصتها الأتي .
1 – يقوم صاحب العمل بعرض مشروع قواعد لانضباط الذي يضعه على مكتب العمل في المحافظة للمصادقة عليه، وقد خول القانون المكتب سلطة تعديل المشروع الذي وضعه صاحب العمل (وفقا لقواعد الانضباط النموذجية ومقتضيات العمل )،على أن يبلغ صاحب العمل بالموافقة على القواعد بصيغتها التي تقدم بها صاحب العمل إلى المكتب ، أو بصيغتها المعدلة من قبل المكتب ،وذلك خلال ثلاثين يوما من تسجيلها لديه ،وألا اعتبرت تلك القواعد مصادقا عليها بانقضاء تلك المدة (17). والنص بصياغته أعلاه معيب بتخويله المكتب سلطة تعديل المشروع الذي يتقدم به صاحب العمل في ضوء قواعد الانضباط النموذجية ومقتضيات العمل .فمن ناحية لا يجوز إلزام صاحب العمل بان تتطابق القواعد التي يضعها مع القواعد النموذجية لان هذه الأخيرة غير ملزمة ،وإنما توضع للاسترشاد بها فقط ،ومن ناحية ثانية لا يجوز ولا يعقل أن يتولى المكتب تقدير (مقتضيات العمل )،لان ذلك يدخل ضمن سلطة صاحب العمل في الإدارة ولا يجوز لغيره أن يشاركه فيه .وكما يتضح من النص فان مصادقة المكتب على القواعد إما أن تكون صريحة أو ضمنية ، والصريحة تكون بإشعار المكتب صاحب العمل بمصادقته على القواعد بصيغتها الأصلية أو المعدلة .إما المصادقة الضمنية فتتحقق بانقضاء المدة التي حددها القانون للمكتب ليقوم خلالها بالمصادقة ،وهي ثلاثون يوما من تاريخ تسجيل القواعد لديه،فإذا انقضت هذه ألمدة دون صدور إشعار من المكتب إلى صاحب العمل اعتبرت القواعد التي تقدم بها صاحب العمل إلى المكتب مصادقا عليها ،وسقطت سلطة المكتب في إدخال إي تعديل عليها بعد هذا التاريخ . ب – الزم القانون صاحب العمل بان( يستكمل إجراءات وضع قواعد انضباط
العمال خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدور قواعد الانضباط النموذجية )(18). وهذا النص غير موفق في تحديده المدة التي الزم أصحاب العمل باستكمال وضع القواعد خلالها ، فالثلاثون يوما لاستكفي البتة ،لان القانون ذاته حدد الفترة التي يتولى مكتب العمل في المحافظة النظر خلالها في المصادقة على مشروع القواعد الذي يضعه صاحب العمل بما يساوي هذه المدة ،فكيف يمكن والحال هذه لصاحب العمل أن يستكمل إجراءات وضع القواعد خلالها ؟ومن هنا كان حريا بالمشروع أن يوائم بين نصي الفقرتين الواردتين في المادة (125).
4- نفاذ قواعد الانضباط:
لم يعتبر القانون قواعد الانضباط نافذة بمجرد استكمال إجراءات وضعها ،وذلك سعيا منه الى ضمان تحقق علم العمال بها ،ولهذا فقد نص في المادة (125-رابعا)على إن (يعلن صاحب العمل قواعد انضباط العمال في لوحة الإعلانات بعد المصادقة عليها ،ولا تعتبر نافذة إلا بانقضاء خمسة عشر يوما على إعلانها ).ومن هذا النص يتضح إن القانون اشترط لنفاذ القواعد تحقق الشرطين التاليين :
ا – إعلان القواعد :حيث اجبر قيام صاحب العمل بإعلانها في لوحة الإعلانات بعد المصادقة عليها ،وذلك يطلع عليها العمال ويتحقق علمهم بها .
ب – انقضاء خمسة عشر يوما على إعلان القواعد :حيث يتاح للعمال خلال هذه الفترة إن يطلعوا على القواعد ويستوعبوا مضمونها ويتكيفوا مع مقتضيات الالتزام بها .
ومتى تحقق الشرطان أضحت القواعد نافذة اعتبار من اليوم السادس عشر على إعلانها .
العقوبات الانضباطية :
حددت المادة(126)من قانون العمل العقوبات التي يجوز لأصحاب فرضها على المخالفين ،وهي:
1- لفت النظر :ولم يورد القانون تعريفا محددا لها ،إلا إن مفهومها المستقر في التعامل يعرفها إلى أنها عقوبة تحذيرية تقوم على عنصرين :لفت نظر المخالف إلى الخطأ الذي ارتكبه ،وتحذيره من تكراره مستقبلا حيث يعاقب في حالة التكرار بعقوبة اشد .
ولم يرتب القانون على هذه العقوبة أية اثأر تبعية بالنسبة لما يستحقه العامل ،بسبب إخلاله ببعض التزاماته التعاقدية ،أو مخالفته أوامر صاحب العمل(19) ، وهي بهذا التصور تمثل خطرا حقيقا يهدد العامل ،لأنها تجعل أجره عرضة للاقتطاع بقرار ينفرد صاحب العمل بإصداره ،ولهذا تحرص التشريعات المعاصرة على فرض حماية لأجر العامل في مواجهة سلطة صاحب العمل في توقيع هذه العقوبة ،وتتخذ هذه الحماية عدة أوجه هي (20):
أ- تحديد حد اعلي لمقدار عقوبة قطع الأجر ، وذلك بتحديد الحد الأقصى لها بمبلغ معين ،او باجر فترة زمنية معينة .
ب – تحديد ما يقتطع من الأجر شهريا في مقابل هذه العقوبة ،وذلك بتحديد الحد الأقصى للمبلغ أو بالنسبة من الأجر التي تقتطع شهريا لهذا الغرض ،بحيث إذا تجاوز ما فرض على العامل من غرامات خلال الشهر هذا المبلغ ،أو هذه النسبة ،فان القدر الزائد يرجا اقتطاعه إلى الأشهر التالية .
ح – عدم تمكين صاحب العمل من الاستئثار بحصيلة الغرامات ،لان استئثاره بها يدفعه إلى الإسراف في فرضها ، وحيث إن قطع الأجر كعقوبة ليست جزاء مدنيا ، بل جزاء تأديبي يفرض لمصلحة انتظام العمل ،لهذا فان حصيلتها يجب إن تؤول إلى غير صاحب العمل ،ما دامت ليست تعويضا له عن ضرر لحقه(21). وقد عالج قانون العمل رقم (71)لسنة 1987 بعض أوجه الحماية المتقدمة واغفل بعضها الأخر حيث جعلت الفقرة ثانيا من المادة (126) عقوبة (قطع الأجر عن المخالفة الواحدة بما لا يزيد على اجر ثلاثة أيام ،وحدد الحد الأقصى لما يقتطع من اجر العامل الشهري مقابل هذه العقوبة إذا تعدد فرضها خلال شهر واحد بما لا يزيد على (20%) من الأجر إي اجر ستة أيام في الشهر ،فإذا زاد مجموع العقوبات على ذلك أرجئ اقتطاع المبلغ الزائد عن الحد المقرر إلى الشهر التالي . إلا إن المشرع اغفل معالجة أهم أوجه الحماية وهو الوجه الثالث ،حيث لم يورد نصا صريحا يحدد فيه مال حصيلة هذه العقوبة ،وإزاء خلو القانون من نص صريح يعالج ذلك ،فانه لا مناص من القول بان حصيلتها تؤول إلى صاحب العمل ذاته .وهذا أمر خطير ندعو المشرع إلى التدخل لتلافيه.
3 – تأجيل منح العامل الزيادة السنوية :حيث أجازت المادة (126-ثالثا)لصاحب العمل إن يعاقب العامل بتأجيل منحه الزيادة السنوية في موعد استحقاقها الدوري ،مدة لا تزيد على ستة اشهر .
4- حجب الزيادة السنوية ،حيث قضت المادة (126-رابعا )باعتبار انضباطية أصلية ،مؤداها حرمان العامل من الزيادة السنوية كجزاء من مخالفة ارتكبها ،وهي تتشابه في مضمونها مع سابقتها ،الاانها تختلف في المدة ففي حين تتحدد عقوبة تأجيل الزيادة السنوية بمدة قصوى هي ستة اشهر ،فان عقوبة حجب الزيادة تمتد إلى اثني عشر شهرا ،إي سنة كاملة .
5 – الفصل من العمل :وتعني إنهاء عقد العمل يصدره صاحب العمل بسبب ارتكاب العامل إحدى المخالفات التي وردت حصرا في المادة (127) من القانون -وسوف نرجئ دراسة هذه الحالات هنا ،لندرسها مع الإحكام الخاصة بانتهاء عقد العمل .
الإجراءات الانضباطية :
في إطار تقييد سلطة صاحب العمل الانضباطية ،وسعيا إلى ضمان عدم إساءة استعمالها في غير إغراضها ،يقرر القانون جملة نوجزها بما يلي(22).
1 – الاتهام والتحقق:
لاتترك القوانين المعاصرة سلطة صاحب العمل في توجيه الاتهام أو توقيع العقوبة مطلقة في الزمان بحيث تصبح هذه السلطة سيفا مسلطا على العامل يشه صاحب العمل في مواجهته متى شاء تهديده به. كما أن هذه القوانين لا تجيز معاقبة العامل دون التحقيق معه وإتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه .
وقد تضمن القانون إحكاما تنظم هذه الموضوعات خلاصتها الأتي:
أ- طبقا للفقرة أولا من المادة (128)من القانون (لايجوز اتهام العامل عن مخالفة مضى على كشفها أكثر من خمسة عشر يوما).ويبدأ سريان هذه المدة من التاريخ الذي تكتشف فيه المخالفة ،ويمكن تحديد مرتكبها على وجه التخمين(23).
ب – لا تجوز معاقبة العامل إلا بعد التحقيق معه والاستماع إلى دفاعه بحضور ممثل عن الجهة النقابية المختصة .والغرض من حضور هذا الممثل ليس الاشتراك في التحقيق ، وإنما مواكبة إعماله ضمانا لعدالته ودقته ،وتمام التحقيق في غيابه يجعله معيبا ،ويؤدي إلى إمكانية إبطال العقوبة التي تصدر استنادا إليه من قبل القضاء .
ج – وجوب صدور القرار بنتيجة التحقيق خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتهائه .والغرض من ذلك يتفق مع ما قلناه في (أ). وكان الأفضل في تقديرنا إن يجدد القانون حدا أقصى للمدة التي يمكن إن يستغرقا التحقيق مع العامل .لان صاحب العمل يمكن عن طريق إطالة هذه الفترة إن يحقق الغرض الذي أراد النص إن يتجنبه.
2 – كتابة قرار فرض العقوبة :
حظر القانون على صاحب العمل فرض العقوبة ، أيا كان نوعها ،شفاها .حيث أوجبت المادة (129 -أولا)إن (يصدر قرار فرض العقوبة كتابة ويبلغ به العامل). ولهذا فلكي يكون قرار فرض العقوبة صحيحا قانونا لا بد إن تتوافر فيه هذه الشكلية ،وهي الكتابة ،وألا كان باطلا . ولا توحي عبارة النص بوجوب إن يبلغ العامل بالقرار (كتابة)أيضا ،وكان ذلك أفضل لأنه ييسر إثبات الحالة عند النزاع حولها .
3 – الاعتراض على قرار فرض العقوبة :
أجاز القانون للعامل إن يعترض على قرار فر العقوبة ،خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغه بالقرار ،إمام محكمة العمل المختصة ،وهي محكمة العمل في المحافظة التي يعمل فيها إذا كانت هناك محكمة واحدة فيها ،او المحكمة المختصة مكانيا في حالة وجود أكثر من محكمة واحدة في المحافظة .
وقد اعتبرت الفقرة (أولا)من المادة (129)من القانون قرار المحكمة باتا ،باستثناء القرار الصادر عن صاحب العمل بتوقيع الفصل على العامل حيث يكون قرار المحكمة بشأنه خاضعا للطعن به تمييزا .
ومؤدى ذلك اعتراض العامل إمام المحكمة على العقوبات :لفت النظر وقطع الأجر وتأجيل منح الزيادة السنوية وحجب الزيادة السنوية يخول المحكمة إن تصادق على قرار صاحب العمل أو تلغيه أو تعدله باستبدال العقوبة المفروضة على العامل بعقوبة اخف ويكون قرار المحكمة باتا. إما إذا كانت العقوبة هي الفصل فان قرار المحكمة بالمصادقة يكون قابلا للطعن فيه تمييزا من قبل العامل ،إما قرارها بالإلغاء والتعديل فيكون قابلا للطعن فيه تمييزا من قبل صاحب العمل . وإذا قضت المحكمة بإلغاء عقوبة الفصل أو استبدال عقوبة أخرى بها فانه طبقا للفقرة ثانيا من المادة (129)(يعاد العامل إلى العمل ،وتعتبر المدة التي توقف فيها عن العمل خدمة له لكل الإغراض ، ويلزم صاحب العمل بدفع أجره المستحق عنها كاملا ،كما يلزم بدفع الاشتراكات عنها إلى دائرة الضمان الاجتماعي للعمال).والآثار التي قررها النص ،ماهي إلا تطبيق نظرية البطلان ،فبطلان قرار صاحب العمل بفصل العامل ،يجعل علاقة العمل قائمة -مادامت لم تنته -،ومن ثم فان توقف العامل عن العمل يكون بخطأ من صاحب العمل فيستحق حقوقه كاملة خلال فترة التوقف.
_____________
1- دوران وجوسو قانون العمل ج1باريس 1947 ص 449 ، محمد لبيب شنب ،شرح قانون العمل ،ط3،القاهرة سنة 1976 ،ص 221.
2- يوسف الياس:قانون العمل العراقي -علاقات العمل الفردية -بغداد 1980 ص 405 وما بعدها .وانظر ما سيردلاحقا في هذا الكتاب حول الموضوع .
3- تنبغي التفرقة بين الجزء التأديبي من ناحية ، واجراءات التنظيم الداخلي للمنشاة ، ومن ثم فأنه لا يقصد بها عقاب العامل ، ولهذه التفرقة اهمية كبيرة ،ذلك لان الجزاء التاديبي يحاط توقيعه بضمانات خاصة للعامل ، على النحو الذي سنبينه فيما يلي ،في حين ان تنظيم العمل في المنشاة يكون من اطلاقات صاحب العمل، مالم ينطو على تعسف – قرب ديران وجو ص347-439، حسن كيرة، أصول قانون العمل، الإسكندرية 1969 ، ص336، محمود جمال الدين زكي ، عقد العمل في القانون المصري ، الطبعة الأولى سنة 1956، القاهرة ، ص146.
4- وهذا بخلاف الجزاء المدني لا يوقع الا بالاتفاق او من قبل القضاء .والجزء الجنائي الي لا تملك سوى الدولة سلطة توقيعه.
5- اسماعيل غانم قانون العمل القاهرة 1968،ص277-278.حسن كيرة ص 338.عكس ذلك .
– اكثم الخولي ص 327 هامش 1.
وكانت محكمة العمل العليا الملغاة قد نصت بان :حق صاحب العمال في فرض العقوبات التأديبية مستمد من سلطته التأديبية على العامل ، والتي هي احد مظاهر التبعية القانونية التي يمليها عقد العمل ، ولما له من حق الارادة والاشراف على العامل ،والتزام العامل قبله بواجب الطاعة لأوامره ، واشرافه عليه في اداء العمل .الاضبارة 276عليا 21972 م في 25-10-1972 .قضاء محكمة العمل العليا ،ج 1 ،ص181.
6- وبهذا يكون المشرع قد تحاشى في القانون رقم (71) لسنة 1987 ، العيب الذي كان يكتنف احكام القانون الملغى رقم (151) لسنة 1970 ، الذي كان خاليا من احكام تنظيم هذه السلطة الاخيرة ، مما دفع في اطار علاج هذا النقص الى اصدار نظام مكافاة وانضباط العمل رقم (19) لسنة 1976 الملغى – انظر في نقدنا لكل من القانون والنظام .
يوسف اليأس :قانون العمل العراقي .الجزء الأول -علاقات العمل الفردية ،بغداد 1980 ص 163-165.
وكنا إزاء هذا النقص قد دعونا المشرع إلى التدخل لمعالجته ،وذلك بتضمن قانون العمل الإحكام الأساسية المنظمة لسلطة صاحب العمل التأديبية ،وإصدار لائحة نموذجية للقواعد الانضباطية ، المرجع ذاته ص 165 . وقد نتج المشرع هذا النهج في القانون النافذ على النحو الذي سنبينه فيما يلي .
7- وهي المخالفات التي تمثل أصلا إخلالا بالتزامات مدنية مصدرها قانون العمل وعقد العمل .
8- وهي المخالفات التي تمثل أصلا إخلالا بالتزامات مدنية مصدرها قانون العمل وعقد العمل.
9- ومن ذلك ما نعت عليه الفقرتان أولا وثانيا من المادة (127)من قانون العمل ، حيث أوحينا لتوقيع عقوبة الفصل على العامل، ترتب ضرر عن الخطأ الذي ارتكبه ،على الفصل الذي سيرد عند دراستنا لعقوبة الفصل .
10- انظر المادة (59)من القانون المصري ، المادة (77) من القانون الليبي ،المادتان 9و 125 من القانون السعودي ،المادة(54)من قانون الإمارات ،المادة (101)من القانون البحريني ،(50) من القانون الكويتي.
11- من القوانين التي تقرر ذلك صراحة :القانون المصري (60) ، وانظر في نقدها جمال الدين زكي ص 158-159.القانون الليبي (م 77-2) ، وانظر في حكمها :
د.فتحي المرصفاوي : النظرية العامة في عقد العمل.بنغازي 1973 ص 270 .والقانون السعودي (م 125)والبحريني (م 101)،وانظر بشان حكيمها :د.يوسف الياس ،استكمال الدراسة المقارنة عن قوانين وأنظمة لعمل بالدول الخليجية المقدمة إلى دورة مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بالدول العربية الخليجية المنعقد في الدوحة – قطر- كانون الثاني 1986-ص 82.
وفي رأينا انه مع ما يحقق هذا الحكم من حماية للعامل ،وما ينطوي عليه من عدالة ظاهرة ، إلا أن فيه تقيدا شديدا لسلطة صاحب العمل بتعارض مع ما يجب أن ينطوي عليه النظام التأديبي من مرونة بهدف تحق النظام داخل المشروع .
12- وبناء عليه فنحن نعتقد أن ما قررته المادة الثانية -أولا من تعليمات قواعد الانضباط النموذجية-العدد 17 لسنة 1987، بشان عدم جواز توقع الجزاءات المنصوص عليها في المادة (126)من قانون العمل ، إلا في الحالات الواردة في هذه القواعد، يفتقر إلى سند من القانون ، لان التعليمات تنشئ حكما لا أساس له في القانون .
13- المادة (99) من القانون المصري ، المادة (77)من القانون الليبي ،المادة (101)من القانون البحريني ،المادة (125) من القانون السعودي ،المادة (33)من القانون العماني.
14- إسماعيل غانم ص 283 ، حسن كيره ص 340 ،لبيب شنب ص 226.
15- لم تأت صياغة الانضباط النموذجية الصادرة عن وزارة العمل رقم (17) لسنة 1987 بمستوى دقيق من الصياغة الفنية التفعيلة التي تساعد أصحاب العمل فعلا في صياغة القواعد الخاصة بمنشاتهم .
16- إسماعيل غانم من 282،حسن كيره ص 340 ،جمال الدين زكي ص 159-160
17- المادة 125 – ثالثا من القانون .
18- المادة 125 – خامسا من القانون .
19- وتعرف في الكثير من القوانين العربية بالغرامة والنظر في مشروعيتها ، يوسف اليأس ،رسالته ص 413- 414.
20- المرجع السابق ص415 وما بعدها .
21- ومن استقراء إحكام القوانين المعاصرة ،نجد إن الجهات التي يمكن إن تؤول إليها حصيلة الغرامات ،إما إن تكون ،عمال المشروع أنفسهم ،وتنظيمهم النقابي ، أو مرفق عام يقدم خدمات مباشرة أو غير مباشرة للعمال .
22- خلا القانون من معالجة بعض الموضوعات التي تعالجها القوانين المعاصرة في هذا الإطار وعلى الأخص تحيد من له سلطة توقيع العقوبة :انظر يوسف اليأس ،قانون العمل العراقي ص 173-174 .كما خلا القانون النافذ من جهة أخرى من بعض الإحكام التي أوردها نظام مكافأة وانضباط العمال (91) لسنة 1976 الملغى التي كانت تهدف إلى تشجيع العمال إلى تقويم سلوكهم وحفزهم على الانضباط وأهمها تلك المتعلقة بالعود وسقوط العقوبة .انظر بشأنها المرجع ذاته ص 175-177 .وهذه الإحكام تعتبر من أهم ملامح النظام الانضباطي الهادف إلى الإصلاح لا الزجر ،وكنا نفصل إن ينص عليها القانون النافذ .
23- إسماعيل ص 209 -لبيب شنب ص 262.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً