منذ اكتشاف الإصابة بفيروس الإيدز ، لم يتوقف هذا الوباء عن الانتشار فى كل دول العالم . فزادت حالات الإصابة بالفيروس ، وزاد عدد الوفيات ولا يزال فى تزايد مستمر(). وطبقا لتقارير منظمة الصحة العالمية لا توجد دولة واحدة فى العالم خالية تماما من حالات الإصابة بفيروس الإيدز فى الوقت الحاضر .
ومن المعلوم أن الإيدز لا يشكل فقط مشكلة صحية ، بل هو فوق ذلك يمثل تحديا خطيراً لجهود التنمية ، لاسيما فى دول العالم الثالث ، بما يخلقه من مشاكل اجتماعية واقتصادية تعوق الجهود التنموية لهذه الدول .
يضاف إلى ذلك أن هناك انعكاسات واضحة لأساليب التعامل مع هذه المشكلة على حقوق الإنسان ، سواء كان مريضاً أو حاملاً للفيروس أو متأثراً به أو كان غير مصاب به ، وسواء كان مواطناً أو أجنبياً .
والوضع الحالى للفيروس على مستوى العالم يشير إلى حجم المشكلة من الناحية الصحية والاجتماعية والاقتصادية .
كما أن معدل انتشار الإصابة به فى بعض الدول الافريقية يتزايد بصورة تثير القلق ، بالنظر إلى واقع هذه الدول وظروفها من النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية التى تحد فى ذاتها من مقدرتها على مواجهة المتطلبات الصحية (الوقائية والعلاجية) ، وكذلك مواجهة المشاكل المرتبطة بتنظيم الجوانب الاقتصادية لحياة حامل الفيروس أو المريض وما يترتب على وفاته من آثار ، وأخيراً ضمان أن تكون تلك المواجهة متفقة مع المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان والحريات العامة والقيم الحضارية التى لا غنى عن التمسك بها فى المجتمع الحديث .
ومن هذا المنظور تبدو أهمية دراسة موضوع الإطار القانونى لفيروس نقص المناعة المكتسب / الإيدز وحقوق الإنسان فى مصر ، كما تبدو أيضا الصعوبات التى تحيط بهذه الدراسة والمعوقات التى تحول دون الوصول بها إلى الهدف المنشود .
وأهمية الدراسة لا تحتاج إلى بيان ، وتبدو واضحة إذا أدركنا حقيقة هامة مؤداها أن تدعيم حقوق الإنسان فى مجال مرض الإيدز ، يدخل ضمن استراتيجيات مواجهة هذا الوباء، وأن حقوق الإنسان التى نعنيها بالنسبة لمريض الإيدز أو حامل فيروس الإيدز تشكل اطاراً قانونياً ومجتمعياً مترابطاً وغير قابل للتجزئة ، وأنه يجب كفالة تمتع المرضى والمصابين تمتعاً كاملاً غير منقوص بهذه الحقوق جميعاً .
أما صعوبة الدراسة فى مصر فلها جوانب وأسباب متعددة ، ومهما بذل من جهد ، فإن هذه الدراسة لا يمكن أن تعالج الموضوع برمته ومن كافة جوانبه . لذلك نشهد قصوراً واضحا فى الدراسات الوطنية التى تناولت موضوع فيروس الإيدز من منظور حقوق الإنسان التى ينبغى ضمانها للمريض أو المصاب بالفيروس . ويمكن أن نشير إلى بعض الجوانب والأسباب التى تفسر صعوبة هذه الدراسة :
1- حداثة الاهتمام الوطنى بموضوع حقوق الإنسان ، وبصفة خاصة الإنسان المريض . وعلى الرغم من اكتشاف فيروس الإيدز منذ بداية الثمانينات من القرن الماضى وبداية المواجهة المصرية له منذ منتصف الثمانينات ، إلا أن المواجهة بدأت ولا تزال على أنها مسألة صحية وليست قانونية اجتماعية .
لذلك تركز الاهتمام منذ البداية على حماية المجتمع ، وفى سبيل ذلك تكون التضحية بحقوق الفرد أسهل قبولاً . ولم يدرك الكثيرون من المهتمين بمكافحة وباء الإيدز أن حماية المجتمع لا تكتمل إلا بإعلاء وتدعيم حقوق الإنسان المريض أو حامل الفيروس. ويقتضى الانصاف أن نشير إلى أن ضعف الوعى على المستوى الوطنى بأهمية تدعيم حقوق الإنسان المريض عامة وفى مجال مرض الإيدز خاصة يعزى فى جانب كبير منه إلى وجود مشكلات عديدة اقتصادية واجتماعية وصحية تجعل الاهتمام بموضوع حقوق مريض الإيدز أو حامل الفيروس زخرفاً من القول وزينة .
2- عدم وضوح مفهوم حقوق الإنسان بالنسبة لمريض الإيدز أو حامل الفيروس . ذلك أن كل الدراسات رغم قلتها وكافة الجهود الوطنية المبذولة للوقاية تركز على حماية المجتمع من انتشار الفيروس ، ولا تعنى بحقوق المصاب إلا قليلاً .
والفكرة السائدة عن الإيدز كانت إلى وقت قريب أن حماية المجتمع تكون من حامل الفيروس بحسبانه مصدر عدوى للغير ، وهو ما يفسر ويدعم ثقافة الاستبعاد والتهميش والوصم ، ويضفى فى الوقت ذاته المشروعية على كل الاجراءات والممارسات التمييزية الفردية والاجتماعية التى تتخذ فى مواجهة حامل الفيروس ، طالما ظلت النظرة إليه بوصفه مصدر الخطر الذى ينبغى حشد كل التدابير والممارسات لتهميشه ووقاية المجتمع منه . لذلك لم تترسخ بعد فى الاذهان حقيقة أن حماية المجتمع ووقاية أفراده من انتشار العدوى لا تتعارض بالضرورة مع الاعتراف بحقوق الإنسان لحامل الفيروس ، وتقديم الرعاية والعلاج والدعم المادى والمعنوى له ، كيما يكون هو ذاته عونا للمجتمع وعاملاً من عوامل الوقاية من انتشار العدوى .
3- من الصعوبات التى واجهت هذه الدراسة عدم توفر المادة العلمية الكافية واللازمة، سواء من التطبيقات القضائية أو الدراسات الفقهية أو التشريعات . فعلى الرغم من وجود بعض الأحكام القانونية العامة أو الخاصة المتعلقة بحقوق الإنسان ، إلا أنه لا توجد معلومات كافية عن الكيفية التى تطبق بها هذه الاحكام من الناحية العملية .
لذلك يصادف الباحث عن الممارسات الحقيقية والتطبيقات العملية لحقوق الإنسان المريض أو حامل فيروس الإيدز عزوفاً من المختصين عن الخوض فى هذا الموضوع ، ومنهم من يحتمى خلف الادعاء بأن المشكلة لدينا لم تبلغ من الخطورة الوبائية ما بلغته فى مجتمعات أخرى ، ولا تتطلب بالتالى انشغالاً بها كما تنشغل المجتمعات التى ينتشر فيها المرض انتشاراً وبائياً .
وللحقيقة نؤكد أن الاهتمام بالمشكلة يكاد ينحصر فى القائمين على البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز .
أما الهيئات والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان فى مصر ، والتى تتلقى شكاوى متعددة عن انتهاكات حقوق الإنسان ، فلم ترد لها شكاوى عن انتهاكات حقوق الإنسان من مريض أو حامل فيروس الإيدز .
وبالبحث فى أحكام القضاء لم نجد أثراً لأحكام أو تطبيقات قضائية تعرضت للمسؤولية عن الاعتداء على حقوق الإنسان المصاب بالإيدز .
4- من الصعوبات التى واجهت هذه الدراسة شمولها لكل فروع القانون . فكل فروع القانون معنية بحقوق الإنسان المصاب بالإيدز ، ويتطلب الأمر الاحاطة بكل فروع القانون الداخلى والدولى ، وهو أمر يبدو صعبا إن لم يكن مستحيلاً بالنسبة لباحث مهما تعددت معارفه وتنوعت مصادر ثقافته .
فالوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان تمثل تراثاً فكرياً كبيراً ومتنوعاً ، بدأ مع الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ولم يتوقف حتى يومنا هذا . يضاف إلى ذلك تعدد وتنوع القوانين والممارسات الوطنية فى مجال حقوق الإنسان . وبقدر تعدد حقوق الإنسان وتنوعها ، تكون صعوبة الاحاطة بها فى الوثائق الدولية ، وتكون الصعوبة أكبر عند محاولة بيان انعكاسات هذه الحقوق المؤكدة والمحمية دولياً فى القوانين الوطنية . لذلك قد يكون من الاوفق مستقبلاً فى مثل هذه الدراسات مراعاة تمثيل كل فروع القانون ، كى تكون الدراسة شاملة ومتعمقة .
تقسيم الدراسة :
بالنظر إلى الاعتبارات السابقة ، وحيث أن الدراسة تتعلق بالإطار القانونى لفيروس نقص المناعة المكتسب / الإيدز وحقوق الإنسان فى مصر ، يلزم فى البداية أن نحدد المصدر المنشئ لحقوق الإنسان فى النظام القانونى المصرى .
وفى ضوء تحديد المصدر المنشئ لحقوق الإنسان فى النظام القانونى المصرى ، وبيان الموقف الدستورى والتشريعى والقضائى من الصكوك الدولية بصفة عامة ، والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على وجه الخصوص ، يمكننا أن نعرض لمدى التزام القوانين والسياسات المحلية القائمة باحترام المبادئ والقيم العامة المعلنة فى الادوات الدولية لحقوق الإنسان ، ومدى تطبيق هذه المبادئ والقيم العامة فى اطار تناول الجوانب القانونية التى يثيرها فيروس نقص المناعة المكتسب / الإيدز .
من أجل ذلك يكون من الضرورى تحديد المبادئ والقيم العامة التى تقرر الضوابط القانونية للتعامل مع مرض الإيدز . هذه الضوابط تشكل اطاراً عاماً تدور فى فلكه القواعد القانونية التى يمكن استحداثها لمواجهة المشاكل القانونية التى يثيرها المرض ، وتتطلب لذلك تدخلاً من المشرع ، كما انها تشكل اطاراً عاما يمكن من خلاله تقدير مدى توافق القواعد القانونية القائمة مع متطلبات ومفترضات الحماية القانونية للمصابين بالمرض أو حملة الفيروس أو المتأثرين به أو بالتدابير الصحية التى تفرضها الوقاية من العدوى .
وبعد أن نحدد هذا الإطار العام بما يتضمنه من ضوابط ، يكون من اللازم التعرض لتطبيقه على كافة الجوانب القانونية لمرض الإيدز . ونعنى بها القواعد القانونية المتعلقة بالجوانب الصحية للمرض ، والقواعد القانونية المتعلقة بالوضع الاجتماعى والاقتصادى للمريض وحامل الفيروس ، وأخيراً آليات حماية حقوق الإنسان فى مجال مرض الإيدز .
وبناء على ما تقدم نرى تقسيم الدراسة على النحو التالى :
الفصل الأول : مصدر حقوق الإنسان فى النظام القانونى المصرى .
الفصل الثانى : المبادئ والقيم الحاكمة لحقوق الإنسان .
الفصل الثالث : القواعد الخاصة بالجوانب الصحية للمرض .
الفصل الرابع : القواعد الخاصة بالجوانب الاجتماعية .
الفصل الخامس : القواعد المنظمة للحياة الاقتصادية للمريض .
الفصل السادس : آليات حماية حقوق الإنسان .
الفصل الأول
مصدر حقوق الإنسان فى النظام
القانونى المصرى
أرست الدساتير المصرية الحديثة ، بداية من دستور 1923 وانتهاء بالدستور الحالى الذى صدر سنة 1971 ، الاحكام الخاصة بتقرير الحقوق والحريات الاساسية للمواطنين . وفى ظل هذه الدساتير صدرت التشريعات المصرية التى تعزز وتدعم احترام حقوق الإنسان وحرياته الاساسية . وقام القضاء المصرى بدور رائد فى حماية حقوق المصريين وحرياتهم التى كفلها الدستور .
ومنذ أن أرسى ميثاق الأمم المتحدة (1945) حجر الأساس لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، بحسبان أن تعزيز واحترام هذه الحقوق والحريات يعد من الأهداف التى نص عليها ميثاق الأمم المتحدة تدعيماً للسلم والأمن الدوليين (المادة الأولى من الميثاق) ، توالت النصوص الدولية التى فصلت مختلف حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، بدءاً من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام 1948 ومروراً بالعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) . ومن هذه المواثيق الدولية ما يتعلق بفئات معينة أكثر تعرضاً لانتهاك حقوقها الأساسية مثل المرأة والطفل وذوى الاحتياجات الخاصة وغيرهم .
ومصر من الدول التى ساهمت فى صياغة واعتماد المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما أنها صدقت عليها ، والتزمت بأحكامها طبقاً للقواعد الدستورية المقررة فى شأن نفاذ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .
لذلك يكون مصدر حقوق الإنسان كافة فى النظام القانونى المصرى هو الدستور المصرى الذى يقررها فى نصوصه أو يضفى قوة القانون على ما يتقرر منها فى الاتفاقيات الدولية.
وبناء على ما تقدم يكون من الضرورى أن نحدد الأساس الدستورى لحقوق الإنسان، ثم نستعرض موقف المشرع المصرى من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان .
المبحث الأول
الأصل الدستورى لحقوق الإنسان
حقوق الإنسان والمواطن فى النظام القانونى المصرى من الحقوق الدستورية ، سواء وردت تلك الحقوق فى نصوص الدستور ذاته أو وردت فى الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التى التزمت بها مصر . ويعنى ذلك أن الوجود القانونى لحقوق الإنسان من الناحية الدستورية يستند إلى مصدر دستورى مزدوج :
أولاً – حقوق المواطنة فى نصوص الدستور المصرى :
كفل الدستور المصرى للمواطن حقوقاً لا غنى عنها فى أى نظام قانونى . وحقوق الإنسان التى يقررها الدستور تثبت أساساً للمواطن ، باعتبار أن الدستور يقرر المقومات الأساسية للمجتمع المصرى ، سواء كانت اجتماعية أو خلقية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، كما يكفل الدستور الحريات والحقوق الثابتة لكل مواطن ، ويحدد فى الوقت نفسه الواجبات العامة التى يلتزم بها كل مواطن .
فالدستور يقرر مبدأ التضامن الاجتماعى كأساس يقوم عليه البناء الاجتماعى (م7) ، ويلزم الدولة بكفالة مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين (م8) . كما تكفل الدولة حماية الأسرة والأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب وتكفل حق العمل لكل مواطن ، وتكفل الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية ، وخدمات التأمين الاجتماعى والصحى ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعاً وفقا للقانون (م 10 وما بعدها) .
وتلتزم الدولة طبقا للدستور بكفالة حق التعليم لكل مواطن . كما يقرر الدستور مبدأ المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات العامة ، ويحظر التمييز بينهم فى الحقوق والواجبات العامة لأى سبب مثل الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة (م 40) .
وتقرر المادة 41 من الدستور صيانة الحرية الشخصية باعتبارها حقاً طبيعياً لا يمس. وفيما عدا حالة التلبس بالجريمة ، لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق الجنائى وصيانة أمن المجتمع ، ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة ، وذلك وفقا لأحكام القانون.
وحظرت المادة 43 اجراء أى تجربة طبية أو علمية على أى انسان بغير رضاه الحر . وأكدت المادة 45 أن لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون . كما تلتزم الدولة بكفالة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية لكل انسان يقيم فى اقليم الدولة (م46).
ومن الحقوق التى لها أهمية خاصة حق التنقل . وتأكيداً لممارسته دون قيود ، قررت المادة 50 أنه لا يجوز أن تحظر الدولة على أى مواطن الاقامة فى جهة معينة ، ولا أن يلزم بالإقامة فى مكان معين إلا فى الاحوال المبينة فى القانون . وسوف نعاود الاشارة إلى هذه الحقوق بالتفصيل عند دراستنا لكل حق منها .
ولا تخفى أهمية إدراج حقوق الإنسان وحرياته الاساسية فى نصوص الدستور المصرى، إذ يقود هذا النهج إلى تمتع هذه الحقوق بالقيمة الدستورية كما رأينا ، ويعنى ذلك ما يلى :
1- ثبات واستقرار حقوق الإنسان ، وعدم جواز المساس بها إلا طبقا للإجراءات اللازمة دستورياً لتعديل الدستور ، وهى تحتم ضرورة الرجوع إلى الشعب لاستفتائه على التعديل (م 189 من الدستور) .
2- التزام السلطة التشريعية بالنصوص الدستورية طبقا لمبدأ التدرج التشريعى . لذلك يكون على السلطة التشريعية أن تراعى فيما تصدره من نصوص قانونية عدم المساس بالحقوق الإنسانية الواردة فى الدستور ، سواء بالإلغاء أو التقييد أو التعديل الذى ينتقص منها أو يفرغها من مضمونها .
3- توفير الحماية القضائية الدستورية لحقوق الإنسان الواردة فى الدستور . هذه الحماية يوفرها الدستور المصرى من خلال المحكمة الدستورية العليا من وجهين :
الأول : الفصل فى دستورية القوانين الصادرة من السلطة التشريعية إذا انطوت على مخالفة لحقوق الإنسان ، ويكون قضاء المحكمة بعدم الدستورية ملزماً لكافة سلطات الدولة .
الثانى : الاختصاص بتفسير النصوص التشريعية المتعلقة بحقوق الإنسان ، وهو تفسير تقوم به المحكمة الدستورية العليا على هدى من النصوص الدستورية المقررة لها ، وتكون قرارات المحكمة بالتفسير ملزمة لكافة سلطات الدولة .
هذه المنظومة من الحقوق والحريات الأساسية التى كفلها الدستور المصرى للمواطنين، تدعمها وتعززها الحقوق المقررة فى الاتفاقيات الدولية التى التزمت بها مصر . ويؤكد الدستور المصرى على احترام هذه الحقوق لكل انسان ، فيعد لهذا السبب مصدراً للاعتراف بها فى داخل الدولة .
ثانياً – التأكيد الدستورى لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا :
تنص المادة 151 من الدستور على أن “رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ، ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان . وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة ” .
مفاد هذا النص أن المعاهدات والاتفاقات الدولية التى تتم ، إبراماً وتصديقاً ونشراً ، وفقا للأوضاع المقررة فى النظام المصرى تكون لها قوة القانون . وتطبيقا لمبدأ سيادة القانون الذى يعد أساس الحكم فى الدولة إعمالاً لنص المادة 64 من الدستور ، تخضع الدولة للقانون، وتلتزم بإعماله وبكفالة الحقوق التى يقررها القانون للأفراد .
ولما كان نص المادة 151 من الدستور ينزل المعاهدات الدولية منزلة القانون الواجب التطبيق فى مصر متى تمت وفقا للأوضاع المقررة ، فإن كل ما ورد من حقوق للإنسان فى هذه المعاهدات والاتفاقات الدولية يكون واجب التطبيق والاحترام من كافة سلطات الدولة .
ويميز الفقه الدولى فى هذا الخصوص بين نوعين من الاتفاقيات الدولية فى علاقتها بالقوانين الداخلية .
1- الاتفاقيات الدولية ذاتية التنفيذ ، وهى التى تكون جزءاً من القانون الداخلى فى الدول التى تنضم إليها دون حاجة إلى إصدار تشريع خاص يردد أحكامها أو يعيد صياغة نصوصها () . لذلك فهى تسرى فى الدول التى تنضم إليها وتطبقها المحاكم الوطنية بوصفها جزءاً من القانون الداخلى متى اتخذت الاجراءات الدستورية اللازمة لصيروتها قانوناً وطنياً. ويرتب هذا النوع من الاتفاقيات حقوقاً مباشرة للأفراد ، يكون لهم التمسك بها أمام القضاء الوطنى الذى يلتزم بإعمال مقتضاها .
2- الاتفاقيات الدولية غير ذاتية التنفيذ ، وهى التى تخاطب الدول الأطراف دون سواها . فهى لا تنشئ بذاتها حقوقاً للأفراد ، ومن ثم لا يجوز لهم التمسك بها مباشرة أمام القضاء الوطنى ، ولا يلتزم هذا القضاء بإعمال مقتضاها إلا بعد افراغ مضمونها فى تشريع خاص تصدره الدولة التى التزمت بالاتفاقية عن طريق سلطتها التشريعية .
ويعنى ذلك أن الدولة التى أقرت الاتفاقية طبقا لأوضاعها الدستورية ، تكون ملزمة بإصدار التشريعات الخاصة لوضع المبادئ العامة فى الاتفاقية موضع التنفيذ فى داخلها . فهذه الاتفاقية تكون ملزمة للدولة ، ويتجلى إلزامها فى قيام الدولة باصدار تشريعات بهدف تفعيل الحقوق الواردة فيها .
ومما لا شك فيه أن المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان تنشئ على عاتق الدولة التى تصبح طرفا فيها التزاماً باتخاذ الاجراءات اللازمة ، وفقا للآليات الدستورية أو القانونية الداخلية ، لوضع الحقوق الواردة فيها موضع التطبيق . وفى هذه الحالة يكون امتناع الدولة عن اتخاذ مثل هذه الاجراءات انتهاكا لأحكام الاتفاقية وإخلالاً من الدولة بالتزاماتها الدولية .
وبناء على ذلك تكون المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته ، سواء كانت ذاتية التنفيذ أو كانت “اتفاقيات اطار” تتضمن مبادئ عامة تتطلب من الدولة اصدار تشريعات لتفعيل الحقوق الواردة فيها على المستوى الداخلى ، مصدراً لالتزام دولى يثقل كاهل الدولة بإصدار التشريعات اللازمة لذلك . وبدون وفاء الدولة بهذا الالتزام تكون أحكام الاتفاقية غير قابلة للتطبيق فى داخل الدولة على الرغم من التزامها بها ، وهو ما قد يرتب مسؤولية دولية فى مواجهة الدولة التى تمتنع عن الوفاء بالتزاماتها الدولية لاعمال الحقوق المعترف بها فى الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان .
ويرى بعض الفقه لذلك أن النص الدستورى المصرى اكتفى بالتصديق على المعاهدة ثم نشرها كى تتمتع المعاهدة بقوة القانون ، دون حاجة إلى اصدارها فى صورة تشريع داخلى إذا كانت قابلة للنفاذ بذاتها . وبذلك يكون الدستور المصرى قد اتخذ موقفاً أقرب إلى نظرية الوحدة بين القانونين الدولى والداخلى منه إلى نظرية الازدواج .
ويرى هذا الجانب من الفقه -الذى نؤيده – انه لا يوجد منطقيا ما يبرر اتخاذ اجراء خاص تتحول المعاهدة بمقتضاه إلى مجموعة من القواعد الداخلية ، بل المنطقى أن يقترن نفاذ المعاهدة فى النظام القانونى الدولى بنفاذها، اعتبارا من نفس اللحظة ، فى النظم القانونية الداخلية لكافة الدول الاطراف ، وذلك إذا كانت تلك المعاهدة تتضمن نصوصاً قابلة للنفاذ بذاتها . أما إذا كانت المعاهدة – أو بعض نصوصها – غير قابلة للنفاذ بذاتها ، لأنها تضع مبادئ عامة أو اطاراً عاماً لتنظيم الحقوق الواردة فيها ، تاركة للتشريع الداخلى وضع ما يتطلبه تطبيقها من تحديد وتفصيل ، فإن الدولة تلتزم – تنفيذا لهذه المعاهدة – بإصدار التشريعات اللازمة لذلك وفاءً بالتزاماتها الدولية .
والذى نراه فى هذا الخصوص أن المشرع المصرى أنزل الاتفاقيات الدولية بوجه عام منزلة القوانين التى تلى الدستور مباشرة فى اطار التدرج التشريعى ، طبقا لنص الفقرة الاولى من المادة 151 من الدستور . وترتيبا على ذلك فإن الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته تعتبر – بعد اتخاذ الاجراءات الدستورية المقررة لنفاذها- بمثابة قانون من القوانين المصرية الصادرة عن السلطة التشريعية والصالحة للتطبيق والنافذة أمام جميع السلطات فى الدولة سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية .
ونظرا لأن أحكام ومبادئ الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته الاساسية تتصل بنصوص مقابلة لها فى الدستور المصرى ، فإنها تتمتع بالحماية المقررة للنصوص الدستورية من حيث عدم جواز مخالفة أحكامها الموضوعية المتصلة بالحقوق أو الحريات المحمية بمقتضاها بقوانين لاحقة لها . فالقانون الذى يصدر بالمخالفة لأحكام الاتفاقية سيوصم بعدم الدستورية باعتباره يخالف فى الوقت ذاته الاحكام المقابلة بنصوص الدستور المصرى ، ويكون هذا القانون قابلا للالغاء من المحكمة الدستورية العليا بحكم ملزم لكل السلطات فى الدولة .
وبمقتضى الوضع القانونى للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وما تتضمنه من مبادئ، نستطيع القول بأن الحقوق والحريات الواردة فيها ، لارتباطها بنصوص دستورية مقابلة لها وردت فى الدستور المصرى ، تتمتع فى مصر بما يلى :
أ – الحماية المقررة للنصوص الدستورية باعتبارها القانون الاعلى ، ويترتب على ذلك أن توصم بعدم الدستورية كافة النصوص القانونية النافذة فعلا والتى قد تكون متعارضة معها أو مخالفة لها ، أو أى تشريع آخر يصدر مستقبلا يتضمن مساساً بها أو تعارضاً أو مخالفة لها . ويستطيع كل ذى مصلحة اللجوء إلى المحكمة الدستورية للقضاء بعدم دستورية تلك القوانين بحكم ملزم لكافة سلطات الدولة .
ب- أن أحكام الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان تتمتع فور اتمام الاجراءات الدستورية المتعلقة بالتصديق عليها ونشرها بالتطبيق والنفاذ المباشر امام جميع السلطات بالدولة ، وتلتزم تلك السلطات بجميع احكامها القابلة للتنفيذ الفورى . ويكون للمتضرر من عدم تطبيقها أو مخالفتها اللجوء إلى القضاء المختص للتمتع بالحقوق الناشئة عنها بحكم صادر عن هذا القضاء وفقا للأوضاع القانونية المقررة .
ولا يعنى هذا الوضع القانونى للاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته الاساسية إلا أن المبادئ الواردة فيها – لتعلقها بحقوق دستورية مقررة فى الدستور المصرى – تعلو على القوانين الوطنية التى تخالفها أو تتعارض معها أو تنتقص مما ورد فيها من حقوق وحريات .
وقد استقر القضاء المصرى على أنه “من المقرر أن قواعد القانون الدولى – ومصر عضو فى المجتمع الدولى تعترف بقيامه – تعد مندمجة فى القانون الداخلى دون حاجة إلى اجراء تشريعى ، فيلزم القاضى المصرى باعمالها فيما يعرض عليه من مسائل تتناولها تلك القواعد ولم يتعرض لها القانون الداخلى ، طالما انه لا يترتب على هذا التطبيق اخلال بنصوص ” .
كما قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم اختصاصها بالنظر فى دستورية احدى المعاهدات الدولية التى اشتركت مصر فى ابرامها ، وذلك بالنظر لكون المعاهدة المذكورة تندرج ضمن اعمال السيادة التى ينبغى أن تنحسر عنها الرقابة القضائية الدستورية .
ومؤدى هذا القضاء أن المعاهدات التى جعل لها الدستور قوة القانون من حيث نفاذها – دون حاجة لاتخاذ الاجراءات الخاصة بإصدار القانون – تكون بمنأى عن الرقابة الدستورية ، فى حين يخضع القانون الصادر فى داخل الدولة لهذه الرقابة ، وهو ما يضفى فى هذا الخصوص على المعاهدة قوة وقيمة تتجاوز ما هو ثابت للقانون الداخلى .
وتشير المحكمة الدستورية العليا فى العديد من أحكامها إلى الإعلانات والقرارات والمواثيق الدولية والاقليمية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الإعلان العالمى ، وذلك فى معرض تفسيرها للحقوق محل بحثها وردها لأصلها الذى قامت عليه ، لتضيف لقضائها العديد من المبادئ الدستورية الهامة فى مجال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية . وساهمت المحكمة الدستورية العليا بقضائها فى ارساء المبادئ الدستورية التى رسخت المعانى والمفاهيم والمضامين التى صاغتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان .
وقام القضاء العادى والادارى بدور بارز فى ارساء وتأكيد مبادئ حقوق الإنسان وحرياته العامة على هدى من أحكام محكمة النقض والمحكمة الادارية العليا . وترتب على ذلك اعمال النصوص القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان وتفعيلها ، وإبطال الآثار الناشئة عن انتهاكها ، ومعاقبة المعتدى عليها وتعويض المتضرر منها .
وفى قضية اضراب سائقى قطارات الهيئة القومية للسكك الحديدية فى مصر ، استند دفاع المتهمين إلى نص المادة 8/د من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى تبيح حق الاضراب بالمخالفة لنص المادة 124 من قانون العقوبات المصرى التى تجرم الاضراب .
وقد أصدرت محكمة جنايات القاهرة (أمن الدولة العليا طوارئ) حكمها ببراءة المتهمين فى القضية استناداً إلى أن العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قد تحول إلى تشريع مصرى بعد التصديق عليه ونشره فى الجريدة الرسمية بتاريخ 14 أبريل 1982 طبقا لنص المادة 151 من الدستور . واعتبرت محكمة أمن الدولة العليا أن نص المادة 8/د من العهد الدولى ، وقد جاء لاحقاً على نص المادة 124 من قانون العقوبات ، يكون قد الغى ضمنا هذا النص السابق على تاريخ صيرورة العهد الدولى قانوناً نافذاً فى مصر بعد التصديق عليه ونشره فى الجريدة الرسمية .
وفى هذا الحكم قررت المحكمة انه “وحيث أنه تطبيقا لنص المادة 151 من الدستور ولما استقر عليه الفقه والقضاء فإن المعاهدات الدولية التى صدرت وفقا للأصول الدستورية المقررة ونشرت فى الجريدة الرسمية حسب الاوضاع المقررة تعد قانونا من قوانين الدولة يتعين على القضاء الوطنى تطبيقها باعتبارها كذلك . وتأسيسا على ذلك فإن الاتفاقية المذكورة وقد نشرت فى الجريدة الرسمية فى الثامن من أبريل سنة 1982 بعد أن وافق عليها مجلس الشعب تعتبر قانونا من قوانين الدولة وما دامت لاحقة لقانون العقوبات فإنه يتعين اعتبار المادة 124 قد الغيت ضمناً بالمادة 8 فقرة (د) من الاتفاقية المشار إليها عملا بنص المادة الثانية من القانون المدنى …” . ويعنى ذلك أن محكمة الجنايات اعتبرت المعاهدة قانوناً داخليا لاحقا على قانون العقوبات ، نسخ لذلك المادة 124 من القانون الاخير ، تطبيقا للمادة الثانية من القانون المدنى الخاصة بالغاء التشريع .
وليس لدينا أدنى شك فى أن هناك ادراكا قضائيا ووعيا كاملا فى الوقت الراهن بأهمية اعمال الصكوك الدولية ، التى صدقت عليها مصر فى الفصل فى النزاعات التى تعرض على القضاء ، هذا فضلاً عن أن هناك جهوداً تبذل على مستوى التأهيل والتدريب لرجال القضاء فى هذا المجال .
والدرجة ذاتها من الادراك لأهمية الصكوك الدولية المصدقة نصادفه كذلك لدى المحامين الذى يمثلون المتنازعين أمام كافة الجهات القضائية ، وهم لا يترددون فى اثارة المبادئ والقيم العامة والأحكام الواردة فى هذه الادوات الدولية النافذة إذا كانت لديهم القناعة بأن الاستناد إليها يضمن لهم الدفاع عن حقوق من يمثلونهم من المتقاضين. وهذا ما حدث من الدفاع فى قضية إضراب عمال وسائقى السكك الحديدية فى مصر ، وقد حصل المتهمون فيها على أحكام بالبراءة استناداً إلى العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ما سبق بيانه.
مما تقدم نخلص إلى أن الصكوك الدولية التى التزمت بها مصر ، بعد أن اتخذت اجراءات نفاذها ، تصبح جزءاً من القانون الداخلى . ومتى اكتسبت الوثيقة الدولية قوة القانون فى الدولة ، صارت كل سلطات الدولة ملزمة بتطبيقها ، وفى مقدمتها السلطة القضائية .
والمستفاد من الأحكام الصادرة من محكمة النقض ومن قضاء المحكمة الدستورية العليا علو الصكوك الدولية النافذة على القوانين الداخلية فى حالة التعارض . وتطبيقا لذلك يلتزم القاضى الوطنى بتطبيق ما ورد فى المعاهدة الدولية النافذة فى مصر ولو خالفت أحكامها قانونه الداخلى “سواء كان القانون الداخلى قد صدر قبل ابرام المعاهدة أو صدر بعد ابرامها ” .
كما يترتب على علو الصكوك الدولية النافذة على القوانين الداخلية ضرورة تدخل المشرع الوطنى لمراجعة وتنقية القوانين القائمة من كل حكم يتعارض مع القواعد الدولية التى التزمت بها مصر . وقد أكد المشرع المصرى حرصه على التوفيق والمواءمة بين التشريعات الوطنية القائمة أو المستحدثة والقواعد الدولية فى مجالات عدة ، منها ما يتعلق بحماية الطفولة، ومنها ما يتعلق بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ، ومنها ما يتعلق بتوفير آليات حماية حقوق الإنسان بصفة عامة كما يبدو جليا من انشاء المجلس القومى لحقوق الإنسان ، وسوف نعرض لهذه التشريعات فى المواضع الخاصة بها من الدراسة .
المبحث الثانى
موقف المشرع المصرى من مواثيق حقوق الإنسان
انتهينا إلى أن المواثيق الدولية التى تصدق عليها مصر وتنشر فى الجريدة الرسمية، يكون لها قوة القانون تطبيقاً للمادة 151 من الدستور .
وبناء عليه يكون من اللازم أن نستعرض الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لبيان ما إذا كانت نافذة فى مصر وتتمتع بقوة القواعد القانونية الوطنية أم لا .
كانت مصر على مدى تاريخها الحديث من الدول المشاركة فى الجهود الدولية الرامية إلى بلورة وإقرار مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، بدءاً من ميثاق الأمم المتحدة الذى يحدد من بين أهدافها احترام وتعزيز حقوق الإنسان ضماناً لتحقيق الأمن والسلم الدوليين.
وشاركت مصر فى اعداد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وفى صياغة مبادئه فى قواعد قانونية دولية أضفت عليها القوة الملزمة بإقرارها وفقاً للقواعد الدستورية . ولا يقلل من التزام مصر بهذه القواعد الدولية ايراد بعض التحفظات عليها ، وأهمها التحفظ الخاص بعدم تعارض بعض الاحكام الواردة فيها مع الشريعة الاسلامية .
هذا التحفظ ضرورى احتراما لأحكام الدستور المصرى . فالمادة 2 من الدستور تجعل من مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع فى مصر ، سواء كان تشريعاً وطنياً من سلطات الدولة ، أو كان تشريعاً دولياً صار وطنيا بعد التزام مصر به طبقا للدستور. ولما كان التشريع الوطنى الصادر من سلطات الدولة لا يجوز له أن يخالف الدستور ويتعارض مع مبادئ الشريعة الاسلامية ، فإن التشريع الدولى بعد أن صار تشريعاً وطنياً له قوة القانون لا يمكن أن تقبل أحكامه المتعارضة مع مبادئ الشريعة الاسلامية . وفى هذا الإطار يجب فهم وقبول التحفظات الخاصة باحترام أحكام الشريعة الاسلامية ، مراعاة للخصوصية الثقافية لمصر .
وفيما يلى نعرض الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، والتى لها انعكاس مباشر على حقوق حامل فيروس الإيدز ، مع بيان موقف المشرع المصرى منها من حيث التصديق والنشر والتحفظات .
1- الإعلان العالمى لحقوق الإنسان :
شاركت مصر فى لجنة اعداد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة فى باريس فى 10 ديسمبر 1948 وكانت مصر من بين ثمان وأربعين دولة أيدت الإعلان .
2- الاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار فى الاشخاص واستغلال دعارة الغير :
صدرت الاتفاقية فى سنة 1950 ، وانضمت مصر إليها بالقرار الجمهورى رقم 884 بتاريخ 11 مايو 1959 ، ونشرت بالجريدة الرسمية فى العدد 244 بتاريخ 9 نوفمبر 1959، وعمل بها اعتبارا من 10 سبتمبر 1959 .
3- الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على التفرقة العنصرية :
هذه الاتفاقية تعنى بمكافحة التفرقة العنصرية بكافة اشكالها وصورها والقضاء على كل أسباب التمييز بين الأفراد . صدرت الاتفاقية سنة 1965 ، وانضمت مصر إليها بالقرار الجمهورى رقم 369 لسنة 1967 الصادر فى 25 يناير 1967 ، ونشرت بالجريدة الرسمية العدد 45 بتاريخ 11 نوفمبر 1972 ، وعمل بها اعتبارا من 4 يناير 1969 .
4- الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية :
صدرت الاتفاقية فى سنة 1966 ، وقعت مصر عليها بتاريخ 4 أغسطس 1967 ، وانضمت إليها بالقرار الجمهورى رقم 536 لسنة 1981 ، ونشرت بالجريدة الرسمية بالعدد 15 فى 15/4/1982 . وتحفظت مصر على هذه الاتفاقية بأحكام الشريعة الاسلامية وعدم تعارضها معها . ولا يزال هذا التحفظ قائما حتى الوقت الحاضر .
5- الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية :
صدرت فى سنة 1966 ، وقعت عليها مصر بتاريخ 4 أغسطس 1967 ، وانضمت إليها بالقرار الجمهورى رقم 537 لسنة 1981 ، ونشرت بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 14 فى 8 أبريل 1982 . وتحفظت مصر على هذه الاتفاقية بأحكام الشريعة الاسلامية وعدم تعارضها معها . ولا يزال التحفظ قائما حتى الوقت الحاضر .
6- اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة :
صدرت الاتفاقية فى سنة 1979 ، وانضمت إليها مصر بالقرار الجمهورى رقم 434 لسنة 1981 ، وصدقت عليها بتاريخ 18 سبتمبر 1981 ، ونشرت الاتفاقية بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 51 بتاريخ 17 ديسمبر 1981 .
وقد أبدت مصر عدة تحفظات على هذه الاتفاقية :
أ – التحفظ على نص الفقرة الثانية من المادة 9 بشأن منح المرأة حقاً متساوياً مع الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها ، بأن يكون ذلك دون اخلال باكتساب الطفل الناتج عن زواج لجنسية أبيه . وأيا كانت مبررات هذا التحفظ وقت وضعه ، وقد قيل فى حينه بأن ذلك لا مساس فيه بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ، فإنه لم تعد له قيمة قانونية بعد إقرار القواعد القانونية الوطنية التى قررت المساواة بين الرجل والمرأة فى شأن منح الجنسية لاطفالهما المولودين من الزواج . وبناء على هذه القواعد تثبت لأولاد المصرية المتزوجة من أجنبى الجنسية المصرية ، سواء بقرار من وزير الداخلية بالنسبة لمن ولدوا قبل صدور القانون ، أو طبقا للقانون الذى قرر هذا الحكم بالنسبة لمن يولدون بعد تاريخ العمل به .
ب- التحفظ على نص المادة 16 بشأن تساوى المرأة بالرجل فى كافة الامور المتعلقة بالزواج وعلاقات الأسرة أثناء الزواج وعند فسخه بأن يكون ذلك دون اخلال بما تكفله الشريعة الاسلامية للزوجة من حقوق مقابلة لحقوق الزوج بما يحقق التوازن بينهما ، وذلك مراعاة لما تقوم عليه العلاقات الزوجية فى مصر من قدسية مستمدة من العقائد الدينية الراسخة التى لا يجوز الخروج عليها .
جـ- التحفظ على الفقرة الثانية من المادة 29 بشأن حق الدولة الموقعة على الاتفاقية فى إعلان عدم التزامها بالفقرة (أ) من تلك المادة بشأن عرض ما قد ينشأ من خلاف بين الدول حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية على هيئة التحكيم .
د – التحفظ العام على المادة الثانية من أن جمهورية مصر العربية على استعداد لتنفيذ ما جاء بها بشرط ألا يتعارض ذلك مع الشريعة الاسلامية .
7- الاتفاقية الدولية لمناهضة الفصل العنصرى فى الالعاب الرياضية :
صدرت سنة 1985 ، وانضمت إليها مصر بالقرار الجمهورى رقم 562 لسنة 1990 بتاريخ 23 ديسمبر 1990 ، ونشرت بالجريدة الرسمية بالعدد 24 فى 17 يونيو 1991.
8- اتفاقية حقوق الطفل :
صدرت سنة 1989 ، وانضمت إليها مصر بالقرار الجمهورى رقم 260 لسنة 1990 بتاريخ 24 مايو 1990 ، ونشرت بالجريدة الرسمية بالعدد 7 فى 14 فبراير 1991.
9- الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم :
صدرت سنة 1990 ، وانضمت إليها مصر بالقرار الجمهورى رقم 446 لسنة 1991 ، ونشرت بالجريدة الرسمية بالعدد 31 فى 5 أغسطس 1993 . وقد أبدت مصر تحفظاً على المادة 4 من الاتفاقية التى تحدد المقصود بمصطلح “أفراد الأسرة ” . كما أبدت تحفظاً على الفقرة 6 من المادة 18 الخاصة بتعويض المهاجر أو أفراد أسرته عند صدور حكم بإدانته عن فعل إجرامى ينقض أو يتم العفو عنه .
10- اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام :
تحمل هذه الاتفاقية رقم 138 لسنة 1973 ، وانضمت إليها مصر بالقرار الجمهورى رقم 67 لسنة 1999 الصادر فى 21 فبراير 1999 ، ونشرت بالجريدة الرسمية بالعدد 35 فى 2 سبتمبر 1999 .
11- اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال :
تحمل هذه الاتفاقية رقم 182 لسنة 1999 ، وانضمت إليها مصر بالقرار الجمهورى رقم 69 لسنة 2002 الصادر فى 23 مارس 2002 ، ونشرت بالجريدة الرسمية بالعدد 30 فى 25 يوليه 2002 .
12- البروتوكول الاختيارى لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم فى البغاء:
صدر هذا البروتوكول فى سنة 2000 ، وانضمت إليه مصر بالقرار الجمهورى 104 لسنة 2002 بتاريخ 13 مايو 2002 ، وأودعت وثائق التصديق وجار اتمام إجراءات النشر فى الجريدة الرسمية .
13- البروتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة والخاص بالاتجار بالأطفال والنساء :
انضمت مصر لهذا البروتوكول بالقرار الجمهورى 295 لسنة 2003 بتاريخ 4 نوفمبر 2003 ، ونشر بالجريدة الرسمية بالعدد 37 فى 9 سبتمبر 2004 ، وعمل به اعتباراً من 4 أبريل 2004 .
وبانضمام مصر للاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، بادر المشرع المصرى بتعديل التشريعات القائمة أو استحداث تشريعات جديدة ، للمواءمة بين الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقوانين الداخلية . ولا تزال الجهود التشريعية المصرية مستمرة لاحداث المواءمة التشريعية والواقعية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى التزمت بها مصر ، وتلبية المتطلبات التشريعية اللازمة لمواجهة المستجدات والمتغيرات على الساحتين الدولية والوطنية، ومواكبة السياسات والخطط والبرامج الاصلاحية فى كافة المجالات .
ونشير أخيراً إلى أن خطة الدستور المصرى فى تناول حقوق الإنسان تفصيلاً ، سواء بصياغتها فى نصوص دستورية صريحة وشاملة ، أو بإضفاء القيمة القانونية على حقوق الإنسان الواردة فى المواثيق الدولية التى انضمت إليها مصر ، يعكس رغبة المشرع الدستورى المصرى فى الالتزام التام بما أوردته المواثيق الدولية من حقوق وحريات أساسية للإنسان ، سواء فى ذلك المواثيق التى كانت موجودة عند صياغة الدستور سنة 1971 أو تلك التى تستجد بعد ذلك كما يستخلص من المادة 151 من الدستور المصرى .
الفصل الثانى
المبادئ والقيم الحاكمة لحقوق الإنسان
وضع استراتيجية قانونية للتعامل مع وباء الإيدز أمر لازم لحماية من أصابتهم العدوى ،ولمكافحة انتشار العدوى بين أفراد المجتمع .هذه الاستراتيجية القانونية يجب أن تنطلق فى كافة جوانبها من منطلق احترام المبادئ والقيم العامة المعلنة فى الأدوات الدولية لحقوق الإنسان أو المستمدة من القيم الحضارية الأساسية التى تفرض حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان بقدر ما توجب حماية الصحة العامة . ولا نشك فى أن حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان لازمة ضرورية لا غنى عنها لتدعيم حماية الصحة العامة فى الوقت ذاته .
لذلك يتطلب تناول موضوع الإطار القانونى لفيروس نقص المناعة المكتسب/ الإيدز وحقوق الإنسان فى مصر بادئ ذى بدء تحديد مدى التزام القوانين القائمة باحترام المبادئ والقيم العامة المعلنة فى الأدوات الدولية لحقوق الإنسان ، بحسبان أن مدى احترام القوانين والممارسات لهذا الإطار العام يؤثر فى تحديد موقف القوانين المعمول بها من حقوق الأفراد المصابين بمرض الإيدز أو المنتقلة اليهم عدواه أو المتأثرين به ، كما انه يعد مقياساً لمدى التزام هذه القوانين والممارسات بالمعايير الدولية التى التزمت بها الدولة عندما صدقت على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ، فكانت بذلك فى منزلة القواعد القانونية الوطنية طبقا للدستور المصرى ذاته كما رأينا .
هذه المبادئ والقيم العامة تعتبر بمثابة الشريعة العامة لحقوق الإنسان . وتشكل بذلك المصدر الدولى لحقوق الإنسان بصفة عامة . وتستمد هذه المبادئ والقيم العامة من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، وهى على نوعين :
أ- المواثيق العامة ، مثل ميثاق الأمم المتحدة ، والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية .
ب- المواثيق الخاصة ، وترجع خصوصيتها إلى تعلقها بإنسان معين مثل المرأة والطفل والمعوق ….الخ ، أو إلى تعلقها بحق محدد مثل اتفاقيات العمل ومنع التعذيب ، أو إلى سريانها فى فترة معينة مثل اتفاقيات ضمان الحقوق الإنسانية أثناء النزاعات المسلحة.
وتقرر هذه المواثيق مجموعة من الحقوق الاساسية للإنسان ، لها انعكاساتها فى مجال مرض الإيدز . ونتناول هذه الحقوق كما وردت فى النصوص الدولية ، مع بيان مدى التزام القانون الوطنى والنظم والسياسات المحلية القائمة باحترامها .
المبحث الأول
الحق فى الحياة والبقاء والنمو
الحق فى الحياة والبقاء والنمو من الحقوق الطبيعية للإنسان . وقد عنيت المواثيق الدولية بالنص على الحق فى الحياة والبقاء والنمو .
فالمادة الثالثة من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان تنص على أن ” لكل فرد الحق فى الحياه ” كما تقرر المادة السادسة من العهد الدولى للحقوق المدنية و السياسية هذا الحق فى عبارات أكثر تحديداً بنصها على أن ” لكل انسان الحق الطبيعى فى الحياة ،ويحمى القانون هذا الحق . ولا يجوز حرمان أى فرد من حياته بشكل تعسفى”. ونصت المادة السادسة من اتفاقية حقوق الطفل على حق الأطفال فى الحياة والبقاء والنمو بحيث يحظر القضاء تعسفاً على حياتهم أو حرمانهم من النمو بأوسع معانى الكلمة .
ولم يرد فى الدستور المصرى نص خاص يقرر حق الإنسان فى الحياة ، ولا يعد هذا نقصاً فى الدستور ، لأن هذا الحق من الحقوق الطبيعية الذى تتكفل القوانين الجنائية بحمايته وحظر الحرمان منه بصورة تعسفية . وقد أجاز العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية حرمان الإنسان من حقه فى الحياة شريطه ألا يكون ذلك بشكل تعسفى . ويقرر القانون المصرى الموضوعى و الاجرائى ضمانات حماية حق الإنسان فى الحياة من كل اعتداء أو تعسف .
فقانون العقوبات المصرى يجرم الاعتداء على حق الإنسان فى الحياة بالقتل ، ويقرر للقتل العمد عقوبة السجن المؤبد أو المشدد .
وإذا اقترن القتل بأحد الظروف المشددة ، كانت عقوبته الاعدام أو السجن المؤبد . ويحمى القانون حق الجنين فى البقاء و النمو فى رحم الام إلى أن يحين الموعد الطبيعى لولادته ، فيجرم الإجهاض المتعمد أيا كانت وسيلته ، ولو وقع من الام أو من طبيب فى غير حالات الضرورة لانقاذ حياة الأم أو صحتها من خطر جسيم يتهددها ، و الإجهاض اعتداء على حق الجنين فى الحياة المستقبلية ، ولا يجيز القانون المصرى الانهاء الارادى للحمل فى غير حالة الضرورة .
أما قانون الاجراءات الجنائية فيضع الضمانات التى تضمن ألا يوقع حكم الاعدام أو ينفذ بشكل تعسفى أو نتيجة خطأ قضائى . فيلزم صدور حكم قضائى بإجماع أراء أعضاء محكمة الجنايات ، ولا يصدر الحكم إلا بعد أخذ رأى مفتى الجمهورية ، ويجب عرض الحكم من النيابة العامة على محكمة النقض ولو لم يطعن فيه المحكوم عليه ، ولرئيس الجمهورية طبقاً لنص المادة 149 من الدستور أن يستعمل حق العفو عن العقوبة أو تخفيضها . ولا يجوز الحكم بالإعدام على من لم يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً وقت ارتكاب الجريمة طبقاً لقانون الطفل . وإذا صدر الحكم بالإعدام على امرأة حامل ، وجب تأجيل تنفيذ الحكم حتى تضع المرأة حملها و تمضى مدة شهرين على الوضع حماية لحق الجنين فى الحياة .
وتأكيد حق كل انسان فى الحياة والبقاء والنمو ، وعدم جواز حرمانه من هذا الحق بشكل تعسفى يكتسب أهمية خاصة فى خصوص مرض الإيدز . فقد يميل البعض انفعالاً إلى هذا الاجراء الذى يعد من دون شك حرماناً تعسفياً من الحق فى الحياة ، فلا يمكن أن يكون المرض مهما بلغت خطورته أو درجة جسامته مبرراً مشروعاً لإنهاء الحق فى الحياة،ولا توجد أدنى مصلحة اجتماعية تبرر مثل هذا الانهاء المبتسر للحياة ، بل إن مصلحة المجتمع تفرض النص الصريح فى أى قانون يصدر لتقرير حقوق الإنسان المريض بالإيدز أو حامل فيروس الإيدز على عدم جواز حرمان هذا الشخص من حقه فى الحياة . وفى تقديرنا أن وجود النص صراحة على حق مريض الإيدز فى الحياة فى حال صدور قانون خاص بالإيدز لا يخلو من فائدة .
المبحث الثانى
الحق فى السلامة البدنية و النفسية
يضمن الدستور المصرى حق الإنسان فى السلامة البدنية و النفسية ، ولو كان متهماً فى جريمة . فالمادة 42 من الدستور تحظر الايذاء البدنى أو المعنوى لمن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأى قيد ، وتوجب ضرورة معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان .
وفى هذا الخصوص قررت المادة الثالثة من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان حق الفرد فى الحرية وسلامة شخصيته مع الحق فى الحياة . ومقتضى الاعتراف بالحق فى السلامة البدنية و النفسية حظر تعذيب أى انسان ، تعذيباً بدنياً أو نفسياً . كما أن مقتضى هذا الحق على وجه الخصوص عدم جواز إخضاع أى فرد دون رضائه الحر للتجارب الطبية أو العلمية ،وهو ما قررته صراحة المادة السابعة من العهد الدولى للحقوق المدنية و السياسية . كما نصت المادة 9 من العهد ذاته على حق كل فرد فى الحرية والسلامة الشخصية ، ووجوب معاملة كل انسان ، ولو كان محروماً من حريته معاملة انسانية مع احترام الكرامة المتأصلة فى الإنسان ( م 10 ) .
ويجرم قانون العقوبات كل اعتداء على سلامة الإنسان ، سواء فى ذلك السلامة البدنية أو النفسية أو العقلية ، ويقرر ظروفاً تشدد عقاب هذه الجرائم بحسب جسامة النتيجة التى أسفر عنها الاعتداء أو صفة المعتدى كما لو كان طبيباً أو جراحاً .
ويثير احترام حق الإنسان فى السلامة البدنية والنفسية فى خصوص الإيدز موضوعات ثلاثة هى : مدى جواز اجراء التجارب الطبية على المصابين بالإيدز ، ومدى جواز أخذ عينات من الدم بقصد اجراء التحاليل ، ومدى مشروعية تعقيم حامل الفيروس .
أولا – إجراء التجارب الطبية :
يتضمن الدستور المصرى نصاً قاطعاً يحظر اجراء هذه التجارب بدون الرضاء الحر للمريض . فالمادة 43 تنص صراحة على أنه ” لا يجوز اجراء أى تجربة طبية أو علمية على أى انسان بغير رضائه الحر ” . ويؤكد هذا النص الدستورى ما سبق أن قررته المادة السابعة من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية .
وأهمية النص الدستورى فى مصر أنه يرتقى بالحق فى سلامة الجسم إلى مصاف الحقوق الدستورية . مؤدى ذلك أنه لا يجوز للسلطة التشريعية أن تصدر قانوناً يلزم مريض الإيدز أو حامل الفيروس بالخضوع لتجربة لقاح أو دواء دون رضاء حر صريح من جانبه . وقد كانت هناك دعوة فى بعض الدول فى بداية اكتشاف فيروس الإيدز إلى اتاحة سبل اجراء التجارب على حملة الفيروس بشروط أقل تشدداً من الأشخاص العاديين .
هذه الدعوة لا مجال لها فى مصر ، ولا يمكن قبولها مع وجود النص الدستورى الذى يتطلب بالنسبة لكل انسان دون استثناء الرضاء الحر الصريح ، فلا يكفى الرضاء الضمنى المستفاد من عدم معارضة المريض أو حامل الفيروس ، بل يلزم اعلامه بذلك والحصول على موافقته كتابة على الخضوع للتجربة .
وقد نظمت لائحة آداب مهنة الطب كيفية اجراء التجارب والبحوث الطبية على الآدميين فى المواد 52 وما بعدها . وتنص المادة 55 من اللائحة على التزام الباحث بتعريف المتطوع تعريفاً كاملاً وبطريقة واضحة بأهداف البحث وطرقه وفوائده ومخاطره ومدى إمكانية تأثيرها على المتطوع ، مع التأكيد على حق المتطوع فى التوقف عن تطوعه لاجراء التجارب والاختبارات أو الانسحاب الكامل من البحث دون أن يلحق به عواقب سلبية نتيجة توقفه أو انسحابه .
وتلزم المادة 56 من اللائحة الطبيب الباحث بالحصول على موافقة كتابية من المتطوع على اجراء البحث عليه ، وذلك بطريقة رسمية وفى حضور شهود إثبات . وفى حالة ما إذا كان المتطوع قاصراً أو معاقاً أو ناقصاً للأهلية ، فإنه يلزم الحصول على الموافقة من الوصى الرسمى أو القيم ، ويشترط أن يكون البحث خاصاً بحالته المرضية .
وتلزم المادة 58 من اللائحة الباحث بالتوقف فوراً عن اكمال أى تجارب على الآدميين إذا ما ثبت أن المخاطر المصاحبة تفوق الفوائد المتوقعة من البحث ، كما يلزم ضمان حماية خصوصية الأفراد وسرية النتائج والحفاظ عليها والحد من الآثار السلبية على سلامة المتطوعين الجسدية والعقلية والنفسية .
ونرى عند اعداد قانون خاص بحماية حقوق الإنسان مريض الإيدز أو حامل فيروس المرض ضرورة التأكيد على حظر اجراء تجارب اللقاحات أو الأدوية أو أى وسيلة تشخيصية أو علاجية من غير موافقة كتابية صريحة مبنية على المعرفة التامة ، تأكيداً لهذا الحق لعدم وجود ما يبرر استثناء مريض الإيدز من تطلب شرط الرضاء الصريح بممارسة التجارب الطبية عليه .
ثانيا – أخذ عينات من الدم بقصد التحليل :
من الشروط المقررة لإباحة الاعمال الطبية استعمالا لحق التطبيب ضرورة رضاء المريض بالعلاج أو الجراحة أو ممارسة أى عمل من الاعمال الطبية . ويكون الطبيب مسؤولا إذا تدخل طبياً أو جراحيا من غير رضاء المريض أو من ينوب عنه . لذلك نصت المادة 28 من لائحة آداب مهنة الطب على أنه “لا يجوز للطبيب اجراء الفحص الطبى للمريض أو علاجه دون موافقة (مبنية على المعرفة) من المريض أو من ينوب عنه قانوناً إذا لم يكن المريض أهلا لذلك ، ويعتبر ذهاب المريض إلى الطبيب فى مكان عمله موافقة ضمنية على ذلك . وفى حالات التدخل الجراحى أو شبه الجراحى يلزم الحصول على موافقة (مبنية على المعرفة) من المريض أو من ينوب عنه قانوناً كتابة إلا فى دواعى انقاذ الحياة “.
ويثير تطلب رضاء المريض بالعمل الطبى تساؤلا عن امكان أخذ عينات من دمه دون رضاه أو دون علمه وإجراء اختبارات عليها للتأكد من سلبيته لفيروس الإيدز .
القاعدة فى هذا الخصوص هى حرية الشخص فى اللجوء إلى الفحص الاختيار، فلا يجوز كقاعدة عامة اجبار شخص على الخضوع للفحص ، أو اجراء اختبارات للكشف عن الفيروس دون علمه بما يقتضيه ذلك من أخذ عينات من دمه لإجراء تلك الاختبارات .
ومع ذلك توجد بعض الحالات التى يتم فيها اجراء اختبارات للكشف عن الفيروس دون رضاء الشخص أو دون علم منه . ويقال تبريراً لهذه الحالات أن حماية الصحة العامة تتطلب هذا الاجراء لمكافحة خطر انتشار العدوى .
من هذه الحالات :
1- الفحص فى بعض المواقف الارادية : مثل حالة التبرع بالدم . فالقانون المصرى يلزم مراكز الدم الحكومية والخاصة بفحص جميع وحدات الدم للالتهاب الكبدى (c) ، (b) ، والإيدز والزهرى .
وتؤكد تعليمات وقرارات وزارة الصحة على ضرورة اخضاع وحدات الدم التى يتم الحصول عليها من أى شخص لفحوص الإيدز بجميع مراكز الدم الحكومية أو التابعة للقطاع الخاص الصحى . وتستند هذه القرارات إلى القانون رقم 178 لسنة 1960 الذى ينظم جمع وتخزين الدم ومركباته ، ويقرر الاحتياطات الواجب اتخاذها عند التبرع بالدم أو صرفه للجهات التى تطلبه .ويتم فحص أكثر من 750 ألف وحدة سنوياً بجميع بنوك الدم الحكومية والخاصة .
2- الفحص دون علم الشخص : وهو مقرر بالنسبة لمدمنى المخدرات الذين يعالجون فى وحدات الأمراض النفسية ، وللمرضى المترددين على عيادات الأمراض التناسلية. وفى هذه الحالات لا يتم الحصول على رضاء المريض بإجراء الفحص ، بل يعتبر ذلك من قبيل الأعمال الطبية التى يشملها سبب الإباحة . وقد رفض القضاء فى بعض الدول إباحة هذا العمل للطبيب لعدم حصوله على رضاء المريض . ونصت المادة الثامنة من الإعلان العالمى لحقوق مرضى الإيدز على انه لا يجوز فى أى حالة اجراء اختبارات للكشف عن الفيروس دون علم الشخص .
3- فحص ذوى الخطورة الخاصة : ويعتبر من ذوى الخطورة الخاصة :
– من يعالجون من أحد الأمراض الزهرية .
– السجناء المحكوم عليهم فى قضايا الآداب والمخدرات .
– الأجانب القادمين بقصد الاقامة فى مصر للعمل أو الدراسة أو التدريب .
4- الفحص الدورى للفئات الأكثر تعرضاً : يعتبر من الأشخاص المعرضين لخطر العدوى :
– مرضى الهيموفيليا والفشل الكلوى .
– العاملون بالسياحة .
– مرضى الدرن المترددين على مستوصفات ومستشفيات الصدر .
– نزلاء السجون .
ثالثاً – حظر تعقيم حامل الفيروس :
الحق فى السلامة البدنية والنفسية يحول دون تعقيم حامل الفيروس بحجة منعه من نقل العدوى إلى الغير . فهذا الاجراء لا يحول دون نقل العدوى بصفة مطلقة . ولا يجيز أى نص فى القانون المصرى هذا الاجراء ، بل يعتبره جريمة اعتداء على السلامة البدنية ، توجب عقاب مرتكبها بالعقوبات المقررة قانوناً ، ولو حدث الفعل برضاء من المجنى عليه . فحق الإنسان فى السلامة البدنية لا يجوز التصرف فيه بأى صورة ، ولا يباح الاعتداء عليه ، ولو وقع من طبيب .
ونرى دفعا لأى التباس قد يثيره هذا الموضوع ، ضرورة النص فى قانون خاص يتضمن بيان حقوق الإنسان فى مجال مرض الإيدز ، على حظر المساس بالسلامة البدنية للمريض على أى وجه كان .
المبحث الثالث
الحق فى عدم التمييز
يقرر الدستور المصرى فى عبارات واضحة الحق فى المساواة بما يترتب على تقريره من حظر التمييز بين الأفراد فى الحقوق والواجبات . فالمادة 40 من الدستور تنص على أن “المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ” .
وقبل ذلك كان الإعلان العالمى لحقوق الإنسان يقرر فى مادته الثانية أن ” لكل انسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة فى هذا الإعلان ،دون أى تمييز ، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأى السياسى أو أى رأى آخر ، أو الأصل الوطنى أو الاجتماعى أو الثروة أو الميلاد أو أى وضع آخر ، دون أية تفرقة بين الرجال و النساء ” .
و المعنى ذاته ورد فى المادة 2-1 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية التى تلزم كل دولة طرف فى الاتفاقية باحترام وتأمين الحقوق المقررة فى الاتفاقية لكافة الأفراد ضمن اقليمها والخاضعين لولايتها ،دون تمييز من أى نوع ، سواء كان ذلك بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الرأى السياسى أو غيره أو الأصل القومى أو الاجتماعى أو الملكية أو صفة الولادة أو غيرها . كما أن المادة 2 من اتفاقية حقوق الطفل تحظر التمييز فى الاعتراف بالحقوق المقررة للأطفال ، باعتبار التمييز مسؤول عن تعرض الأطفال لفيروس نقص المناعة المكتسب الإيدز .
وعلى ذلك تكون النصوص قاطعة فى حظر كل صور التمييز ،سواء كانت هذه النصوص وطنية أو دولية . وإذا كانت هذه النصوص تعدد الاسباب التى يمكن أن تؤسس عليها التمييز الذى تحظره ، إلا أن هذا التعداد ليس حصرياً ، بل تورده على سبيل التمثيل . لذلك فإنها تتبع التعداد للأسباب التى تذكرها بعبارة عامة مثل ” أو أى وضع أخر ” ( م 2 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ) ، أو ” سواء كان ذلك بسبب أو غيرها ” (م2-1 من العهد الدولى للحقوق المدنية و السياسية ) .
وتأكيداً لهذا التفسير ورد فى التعليق رقم 3 للجنة حقوق الطفل فى دورتها الثانية و الثلاثين ، المعنون ” فيروس نقص المناعة البشرى / الإيدز وحقوق الطفل” ، تعليقاً على المادة 2 من اتفاقية حقوق الطفل ، أن هذه المادة تلزم الدول الاطراف بكفالة جميع الحقوق الموضحة فى الاتفاقية دون أى نوع من أنواع التمييز ” بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصى القانونى عليه أو لونه أو جنسه أو أى وضع آخر ” .
ويشمل تفسير اللجنة لعبارة ” أى وضع أخر ” المنصوص عليها فى الاتفاقية وضع الطفل المصاب بالفيروس / الإيدز أو وضع أبويه المصابين به . ويشير تعليق اللجنة إلى ضرورة أن تتصدى القوانين و السياسات والاستراتيجيات و الممارسات لجميع أشكال التمييز التى تسهم فى زيادة الأثر الذى يخلفه الوباء . وينبغى أن تعزز الاستراتيجيات أيضاً برامج التثقيف و التدريب التى تستهدف فى صراحة تغيير مواقف التمييز و التشهير المرتبطة بالفيروس / الإيدز .
وإذا كان نص المادة 40 من الدستور المصرى لا يتضمن هذه العبارة العامة التى تحظر التمييز لأسباب غير التى ورد ذكرها فى النص ، فإن النصوص الواردة فى المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، إذ تكون لها “قوة القانون” طبقاً لنص المادة 151 من الدستور ، يمكن الاستناد إليها لمنع كل صور التمييز التى تبنى على أسباب غير تلك الواردة حصراً فى نص المادة 40 من الدستور ، ومنها التمييز بسبب الحالة الصحية أو المرض أو الإصابة بفيروس الإيدز .
وبناء على ما تقدم يكون التمييز بين الاشخاص بسبب الحالة المرضية تمييزاً لا تقره المواثيق الدولية ، ويعد عدواناً على حق الإنسان فى عدم التمييز .
ويثير هذا الحق فى مجال مرض الإيدز عدة جوانب :
أولاً : حبس حامل الفيروس :
قد يميل البعض إلى هذا الاجراء ظناً بأنه يضمن حماية الصحة العامة بما يتضمنه من تحييد خطر انتقال العدوى . لكن هذا الاجراء يتعارض مع نص المادة 41 من الدستور الذى يقرر أن ” الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس ، وفيما عدا حالة التلبس بالجريمة لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ، ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة 00 “
وواضح من هذا النص أنه لا يجوز حبس أى انسان أو تقييد حريته إلا إذا كان قد ارتكب جريمة ، وكانت ضرورة التحقيق فى هذه الجريمة وصيانة أمن المجتمع تستلزم هذا التقييد . كما أن تقييد حرية مريض الإيدز أو حامل الفيروس يخالف القواعد الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ،ومصر ملتزمة بهذه القواعد .
ثانياً : عزل حامل الفيروس:
إذا كان تقييد حرية الإنسان لا يكون إلا عند ارتكابه جريمة ، فانه لهذا السبب لا يجوز قانوناً عزل حملة الفيروس فى معسكرات تخصص لهم ، فهذا الاجراء تقييد للحرية لا تبرره ضرورة . وفى بداية ظهور فيروس الإيدز كانت هناك بعض الآراء التى نادت بهذا الاجراء التمييزى بدعوى حماية الصحة العامة ومنع انتقال العدوى عن طريق هؤلاء الاشخاص .
ولا يوجب القانون المصرى عزل حامل فيروس الإيدز ، وإن كان قانون مكافحة الأمراض المعدية () ، وقد اعتبر الإيدز واحداً منها بمقتضى قرار وزير الصحة رقم 435 لسنة 1986 ، يجيز عزل المريض بمرض معد . ومع ذلك فإجراء العزل لا قيمة له من الناحية الوقائية فى خصوص مرض الإيدز .
ولا وجود لإجراء العزل فى الممارسة الفعلية كقاعدة عامة . ولا يعد من قبيل العزل الذى نعنيه علاج مريض الإيدز فى المراحل المتقدمة فى مراكز متخصصة لاستقبالهم فى بعض المستشفيات العامة .
فهذا التخصيص روعى فيه توفير نوع من الرعاية الخاصة بالنظر إلى حالة المريض فى هذه المرحلة المتقدمة من المرض ، وهى رعاية لا تقتصر على تقديم العلاج ، بل تتطلب دعماً معنوياً واجتماعياً للمريض ولأسرته يتم توفيره عن طريق المتخصصين
ويعد من قبيل العزل الذى تحظره القواعد الدولية – ولا وجود له فى مصر – تخصيص أماكن فى المرافق العامة لحملة فيروس الإيدز .
من ذلك تخصيص أماكن فى المدارس أو فى وسائل النقل أو فى الحدائق العامة أو الأماكن التى تمارس فيها الانشطة الاجتماعية والرياضية والثقافية . وتقرر المادة 47 من قانون تنظيم السجون التزام مدير أو مأمور السجن بإخطار الادارة الطبية بمصلحة السجون ومفتش صحة الجهة عند إصابة مسجون بمرض معد أو الاشتباه فى ذلك . كما تقرر المادة 49 من القانون ذاته وجوب عزل المسجون المصاب بأمراض معدية عن باقى المسجونين() . وتفرض المادة 46 وضع المسجون عند قبوله بالسجن تحت الاختبار الصحى مدة عشرة أيام يجرى خلالها الفحص الطبى له ، ولا يسمح له بالاختلاط بغيره من المسجونين ولا أداء العمل ولا الزيارة من الخارج .
ثالثا – وضع علامة تميز حامل الفيروس :
الحق فى عدم التمييز الذى يجب أن يتمتع به حامل الفيروس يحول دون وضع علامة خاصة لتمييز حامل الفيروس بين الناس تجنبا له ، وهو ما يطلق عليه “الوشم” . هذا الوشم لا وجود له فى مصر ، ويعد تمييزاً لا يمكن أن تقره المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، ولا يجد سنداً له فى أى نص من نصوص القانون المصرى . وقد ظهرت آراء فى البداية تنادى بضرورة تمييز حامل الفيروس ، لكن لم تكتب لها السيادة فى أى قانون ، نظراً لما تمثله من عدوان صارخ على السلامة النفسية للمريض ، فضلاً عن تعارضها الواضح مع حقوق الإنسان .
رابعا – الحرمان من ممارسة الأنشطة أو تقييد بعض الحقوق :
كل صور التمييز التى يترتب عليها حرمان حامل فيروس الإيدز من بعض حقوقه الإنسانية أو تقييد حريته فى ممارسة بعض الانشطة الاجتماعية أو الاقتصادية تحظرها المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان .
من هذا القبيل رفض تقديم الرعاية الصحية من العاملين فى الحقل الطبى ، أو رفض تأجير مسكن أو غرفة فى فندق ، أو رفض دخول مكان لتناول الطعام أو الشراب أو لبيع السلع أو تقديم الخدمات ، أو رفض الحاق حامل الفيروس بدور العلم ، أو منع ارتياده الاماكن العامة المعدة للترفيه أو لممارسة الأنشطة الرياضية أو الثقافية أو الاجتماعية .
ولا توجد فى التشريع المصرى نصوص تحظر حرمان حامل فيروس الإيدز من التمتع بهذه الحقوق على قدم المساواة مع غيره من الأفراد ، كما لا توجد نصوص تقرر له الحماية القانونية اللازمة ضد كل صور التمييز التى يمكن أن تؤدى إلى حرمانه من الحصول على الخدمات أو ممارسة الحقوق التى يتمتع بها غيره من الأفراد ، بسبب اعتبارات تتعلق بالحالة الصحية .
وجدير بالذكر أن قانون العقوبات الفرنسى الجديد تضمن نصوصاً تعاقب على التفرقة بين الأفراد فى الحقوق أو فى ممارسة النشاط الاجتماعى والاقتصادى أو الحصول على السلع والخدمات ، إذا كان سبب التفرقة اعتبارات تتعلق بالحالة الصحية للمريض .
يضاف إلى ذلك أن المادة الخامسة من الإعلان العالمى لحقوق مرضى الإيدز تقرر عدم جواز تقييد حرية أو حقوق الأشخاص لكونهم يحملون الفيروس ، أيا كان انتماؤهم العرقى أو جنسيتهم أو ديانتهم أو جنسهم أو سلوكهم الجنسى .
ونرى ضرورة أن يتضمن القانون الخاص بحماية حقوق الإنسان فى مجال الإيدز نصاً يجرم كل صور التمييز فى مواجهة مريض الإيدز أو حامل فيروس الإيدز .
هذه الحماية للحق فى عدم التمييز تبدو ضرورية لا غنى عنها إذا وضعنا فى الحسبان الاعتبارات التالية:
1- أن عزل حامل الفيروس عن الحياة أو حرمانه من الحقوق الإنسانية يعد أشد خطراً على المجتمع من فيروس الإيدز ذاته ، لأنه يقضى على شعوره بالمسؤولية .
2- أن الفيروس لا ينتقل بالمخالطة اليومية العادية .
3- أن تطبيق التدابير الوقائية يضمن حماية الشخص المخالط لحامل الفيروس من انتقال العدوى إليه .
4- أن حرمان مريض الإيدز من الحقوق المقررة لغيره من الأفراد لا يتفق ومنهج الشريعة الإسلامية التى تنبذ التفرقة بين الناس ، وتدعو إلى رعاية المرضى والضعفاء وذوى الاحتياجات الخاصة . وفى مقابلة مع فضيلة الشيخ مرزوق أبو عبيدة من علماء الأزهر ووكيل أول وزارة الأوقاف السابق بالإسكندرية قرر فى وضوح تام وتأكيد قاطع أن “من قال إن مريض الإيدز لا يتمتع بحقوق الإنسان فليأت بالدليل على ما يقوله ” .
المبحث الرابع
الحق فى احترام الحياة الخاصة
احترام الحياة الخاصة لكل انسان من المبادئ الدستورية التى تؤكدها التشريعات فى مصر بوصفها حقاً من الحقوق الأساسية للإنسان . كما أن المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان تقرر الحق فى احترام وحماية الحياة الخاصة لكل انسان .
فالمادة 45 من الدستور المصرى تنص على أن “لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون . وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة ، وسريتها مكفولة ….”.
ويؤكد الدستور المصرى حرمة الحياة الخاصة فى المادة 57 التى تقرر أن “كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم ، وتكفل الدولة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء ” .
وبعد صدور الدستور صدر القانون رقم 37 لسنة 1972 بتعديل بعض النصوص القانونية لضمان حرية المواطنين وحماية الحياة الخاصة . وقد أضاف هذا القانون إلى قانون العقوبات نصوصاً تعاقب كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن. يضاف إلى ذلك نصوص قانون العقوبات التى تعاقب على افشاء أسرار المهنة أو انتهاك حرمة المسكن أو غيره من صور الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة .
والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان تؤكد الحق فى احترام الحياة الخاصة . فالمادة الثانية عشر من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان تنص على أنه “لا يعرض أحد لتدخل تعسفى فى حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته ، ولكل شخص الحق فى حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات” . والحكم ذاته ورد فى المادة 17 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية التى تنص على أنه “لا يجوز التدخل بشكل تعسفى أو غير قانونى بخصوصيات أحد أو بعائلته أو بيته أو مراسلاته ، كما لا يجوز التعرض بشكل غير قانونى لشرفه وسمعته . ولكل شخص الحق فى حماية القانون ضد مثل هذا التدخل أو التعرض” . وقد تأكد هذا الحق فى احترام الحياة الخاصة بالنسبة للأطفال فى المادة 16 من اتفاقية حقوق الطفل ، حتى لا يظن أن الطفل لصغر سنه لا يثبت له هذا الحق فى الخصوصية .
ويصطدم الحق فى احترام الحياة الخاصة فى مجال مرض الإيدز ببعض التدابير التى قد تبدو فى ظاهرها ضرورية لمكافحة انتشار العدوى . من ذلك فرض الاختبارات الاجبارية للكشف عن حالات الإصابة ، فرض الالتزام بالإبلاغ على عاتق الاطباء بما يتضمنه ذلك من افشاء أسرار المهنة الطبية ، وإلزام حامل الفيروس بالتبليغ عن حالته أو بالخضوع للعلاج.
أولا – الاختبارات الاجبارية :
ليس من الممكن فرض اختبار دورى اجبارى على كل أفراد المجتمع بهدف اكتشاف الاصابات . فهذا الاختبار يستحيل تحقيقه من الناحية العملية بسبب تكلفته الاقتصادية من ناحية وعدم جدواه من ناحية أخرى . يضاف إلى ذلك أن أخذ عينات من الفرد بقصد فحصها يعد عملاً طبياً لا يباح إلا إذا تم برضاء حر صريح من الشخص .
لذلك لا مناص من الاكتفاء بإجراء اختبارات انتقائية محدودة . هذه الاختبارات الأصل فيها أن تكون اختيارية ، يدفع إليها شعور الفرد بالمسؤولية ، وينبغى تشجيع الأفراد على الالتجاء إلى هذه الاختبارات فى ظروف معينة . ويكون ذلك عن طريق ضمان مجانية الفحص كلياً أو جزئياً ، وجعله فى متناول كل فئات المجتمع ، واخطار الفرد بنتيجة الفحص مع تقديم الدعم المعنوى له إذا كانت النتيجة ايجابية ، واحترام سرية المعلومات الخاصة به .
لكن القانون المصرى يقرر حالات تكون فيها الاختبارات إلزامية ، تتم دون الحصول على رضاء الشخص أو دون علمه .
وقد عرضنا من قبل هذه الحالات ، وهى تتعلق أساساً بحالات التبرع بالدم ، وتعاطى المخدرات وبعض الأمراض مثل الأمراض التناسلية والزهرية، بالإضافة إلى فحص ذوى الخطورة الخاصة ، وبعض الفئات الأكثر تعرضاً من غيرهم لخطر انتقال العدوى اليهم .
ولا شك فى أن فرض الاختبار الاجبارى لاكتشاف حالات الإيدز يعد مساساً بحرمة الحياة الخاصة . لكن هذا المساس من الممكن قبوله فى بعض الحالات إذا كان الغرض منه حماية الشخص ذاته وحماية الصحة العامة ، بشرط أن يقتصر على أحوال الضرورة ، وأن يكون وفق الضوابط التى يحددها القانون ، وأهمها حماية سرية المعلومات المتعلقة بالحياة الخاصة للشخص .
ولا تعارض بين إقرار الفحص الاجبارى وفقا لأحكام القانون وبالشروط التى تضمن حماية الحياة الخاصة وبين النصوص الواردة فى المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان . فالمادة الثانية عشر من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان تحظر “التدخل التعسفى فى الحياة الخاصة للإنسان” ، والمادة 17 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية تحظر “التدخل بشكل تعسفى أو غير قانونى بخصوصيات أحد…” . ولا تعد القيود التى يقررها القانون والتى تعتبر ضرورية لحماية الصحة العامة أو الاخلاق أو حقوق وحريات الآخرين تدخلاً تعسفياً فى الحياة الخاصة .
ويلاحظ كذلك أن المادة 12 من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تقرر حق كل فرد فى المجتمع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية ، وتدعو الدول إلى اتخاذ ما هو ضرورى من أجل (جـ) “الوقاية من الأمراض المعدية والمتفشية والمهنية وغيرها ومعالجتها وحصرها” . وقد يكون من التدابير الضرورية للوقاية من الأمراض المعدية تقرير الفحص الاجبارى فى حالات على سبيل الاستثناء ومن دون تعسف أو مبالغة.
ثانيا – ضمان سرية المعلومات الخاصة بالمرضى :
حماية حرمة الحياة الخاصة يقتضى ضمان سرية المعلومات المتعلقة بمريض الإيدز. ويقرر القانون المصرى حماية أسرار المهنة بصفة عامة ، ومنها أسرار المهنة الطبية . وتقرر المادة 30 من لائحة آداب مهنة الطب التزام الطبيب بعدم افشاء أسرار مريضه التى اطلع عليها بحكم مهنته ، لكنها تجيز الافشاء فى حالات معينة ، منها : “حالة امكان وقوع ضرر جسيم ومتيقن يصيب الغير أو فى الحالات الأخرى التى يحددها القانون “ .
كما أن المادة 310 من قانون العقوبات التى تعاقب على افشاء أسرار المهنة ، تستثنى من ذلك الحالات التى يلزم فيها القانون أو يرخص للطبيب بالتبليغ أو بإفشاء أمور معينة ، ومنها الأمراض المعدية .
لذلك فضمان سرية المعلومات الخاصة بمريض الإيدز يحد منه الالتزام بالتبليغ عن حالات الإصابة . هذا الالتزام مقرر فى القانون المصرى ، لكنه لا يقع على عاتق حامل الفيروس ذاته .
أ- عدم التزام حامل الفيروس بالتبليغ عن نفسه :
تلزم بعض التشريعات الحديثة المتعلقة بالوقاية من انتشار الإيدز الشخص المصاب بفيروس الإيدز بالاخطار عن حالته . من هذا القبيل نص المادة 11 من المرسوم بقانون رقم 62 لسنة 1992 فى شأن الوقاية من الإيدز فى دولة الكويت ، والتى تنص على ما يلى : “على الشخص المصاب بفيروس الإيدز أن يخطر الجهة المختصة بوزارة الصحة العامة بحالته حال علمه بذلك ، وعليه أن يلتزم بالإجراءات الصحية والارشادات الوقائية التى تقررها الوزارة لذلك ، وعليه أن يتوقى نقل عدوى مرضه إلى الغير ” .
وتقرر المادة 15 من القانون ذاته عقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة شهور والغرامة التى لا تجاوز خمسمائة دينار أو إحدى هاتين العقوبتين لمن يخالف أحكام المادة 11 الخاصة بالإخطار وما يترتب عليه من التزامات .
أما القانون المصرى فلا يتضمن أى نص يلزم حامل فيروس الإيدز بالتبليغ عن نفسه لأى جهة . ونعتقد عدم جدوى تقرير هذا الالتزام أو العقاب على عدم الوفاء به ، لصعوبة إثبات علم الشخص بإصابته بفيروس الإيدز ، فضلا عما يؤدى إليه مثل هذا الالتزام من إحجام الشخص ، الذى يشك فى امكان تعرضه للإصابة بفيروس الإيدز ، عن التقدم من تلقاء نفسه لإجراء الاختبار اللازم . والواجب هو تشجيع الأفراد على التقدم تلقائيا لإجراء الفحص وترغيبهم فيه ، وهذه الغاية لا تتحقق بفرض التزام بالتبليغ على المصاب أو على غيره .
ب- الالتزام بالتبليغ فى القانون المصرى :
اعتبار الإيدز من الأمراض المعدية ، التى يحدد القانون رقم 137 لسنة 1958 الاحتياطات الصحية للوقاية منها ، يترتب عليه فرض التزام بالتبليغ عن كل حالة ايدز يتم اكتشافها . ويحدد القانون من يقع عليهم واجب التبليغ ، والجهة الواجب تبليغها ، والأثر المترتب على عدم التبليغ ، والتدابير الواجب اتخاذها عند تلقى البلاغ .
1- يقع واجب التبليغ على الطبيب الذى اكتشف الحالة ، ورب أسرة المريض أو من يعوله أو يؤويه أو من يقوم على خدمته ، والعمدة أو الشيخ أو ممثل الجهة الادارية .
2- يكون الابلاغ فوراً إلى طبيب الصحة المختص أو إلى السلطة الادارية التى يقع فى دائرتها محل اقامة المريض .
ويجب أن يتضمن الابلاغ عن المريض ذكر اسمه ولقبه وسنه ومحل اقامته وعمله على وجه يمكن السلطات الصحية المختصة من الوصول إليه . وفى مصر يكون التبليغ إلى قسم الطب الوقائى بمديرية الشؤون الصحية المختصة طبقا لما أفاد به الأطباء والعاملون فى بنوك الدم والبرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز .
3- يعاقب الممتنع عن التبليغ عن حالة الإيدز المكتشفة بالغرامة أو الحبس مدة شهر.
4- يجب على السلطات الصحية المختصة عند تلقى البلاغ أن تتخذ فى الحال كافة الاجراءات التى تراها ضرورية لتجنب خطر انتشار العدوى , ويكون لها أن تراقب الاشخاص الذين خالطوا المريض وذلك خلال المدة التى تقررها . والمراقبة قد تقتضى اجراء اختبار للتأكد من عدم انتقال العدوى إلى المخالطين ، كما قد تقتضى ابلاغ هؤلاء بإصابة الشخص وتوعيتهم بسبل الوقاية من العدوى وتحذيرهم من مغبة اهمال احتياطات الوقاية . ولا شك فى أن كل هذه الاجراءات أو بعضها قد يتضمن مساساً بحرمة الحياة الخاصة للمصاب أو لمخالطيه .
وقد عقدت منظمة الصحة العالمية اجتماعاً تشاورياً حول مسألة تنبيه القرناء بشأن انتقال فيروس الإيدز ، صدر عنه بيان باتفاق الآراء أوضح أن المطلوب من مقدم الرعاية الصحية فى مثل هذه الحالة أن يتخذ قراراً متوافقاً مع آداب المهنة الطبية السارية بهذا الشأن. وعموما ففى الحالة التى تؤدى فيها السرية إلى الحيلولة دون اتخاذ التدابير المناسبة لتفادى انتشار فيروس العوز المناعى البشرى (الإيدز) ، ربما يكون من الضرورى إعادة النظر فى هذه الحالة بالذات .
وعلى كل حال فإن قيام الطبيب أو المرشد الصحى باخطار القرين ، لا يعد طبقا للقانون المصرى افشاءً معاقبا عليه لسر المهنة الطبية ، لأنه افشاء مباح طبقا لنص المادة 310 من قانون العقوبات التى تعاقب على افشاء أسرار المهنة فى غير الأحوال التى يلزم فيها القانون بإفشاء أمور معينة إلى الجهات الصحية المختصة . وفى غير هذه الحالة لا يسأل جنائيا من قام باخطار القرين تطبيقا للمادة 61 من قانون العقوبات التى تقرر حالة الضرورة كمانع مسؤولية ، ونصها أنه “لا عقاب على من ارتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل فى حلوله ولا فى قدرته منعه بطريقة أخرى ” .
والحقيقة أن حق الإنسان فى حرمة حياته الخاصة يجب أن يتقيد بما يكون ضروريا لحماية حقوق الآخرين فى الصحة والسلامة . فإذا رفض المصاب حماية حقوق الغير ، وكان فى سلوكه ما يعرضهم لخطر الإصابة بعدوى فيروس الإيدز ، كان من الضرورى مواجهة السلوك المحفوف بالخطر حماية لحقوق الغير . وتقوم سياسة البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز على تشجيع المصاب على اخطار الطرف الآخر ، ويقتصر التدخل على مراقبة قيام المصاب بهذا الاخطار حماية للطرف غير المصاب من انتقال العدوى عن طريق المخالطة الجنسية.
المبحث الخامس
الحق فى الحصول على المعلومات
حق الإنسان فى الحصول على المعلومات من الحقوق الضرورية التى تجد أساسها القانونى فى النصوص الوطنية والدولية . ولا تخفى أهمية هذا الحق فى مجال الوقاية من عدوى الإيدز . هذه الاهمية تفرض تفعيل الحق فى الحصول على المعلومات من كافة المصادر دون تقييد .
أولا – الأساس القانونى للحق فى الحصول على المعلومات :
لا يتضمن الدستور نصاً صريحاً يقرر حق الإنسان فى الحصول على المعلومات . لكن هذا الحق يستفاد ضمنا من نص المادة 48 من الدستور التى تنص على أن “حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الاعلام مكفولة …” . فوسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وظيفتها نشر المعلومات وتثقيف وتوعية الأفراد ، وضمان حريتها يعنى تمكينها من ممارسة دورها فى اثراء الأفراد بالمعلومات فى كافة المجالات ، ومنها التثقيف والتوعية الصحية .
أما الاساس القانونى الدولى للحق فى الحصول على المعلومات فنجده فى نص المادة 12 من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية . هذه المادة تقرر حق كل فرد فى المجتمع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية .
وفى سبيل الوصول إلى تحقيق كلى لهذا الحق تتخذ الدول ما هو ضرورى من أجل “الوقاية من الأمراض المعدية والمتفشية والمهنية وغيرها…” . ولا شك فى أن الوقاية من الأمراض المعدية تفترض تمكين الأفراد من الحصول على المعلومات اللازمة لوقاية أنفسهم ووقاية الآخرين من خطر انتشار هذه الأمراض .
لذلك يكون من اللازم أن تضمن التشريعات الوطنية والسياسات المحلية توفير القنوات الضرورية التى تمد الأفراد بالمعلومات للوقاية من فيروس الإيدز والتوعية بمخاطره وبيان طرق انتقاله ، وكافة المعلومات الأخرى ذات الصلة بالوقاية والرعاية من الفيروس/ الإيدز ، وذلك من خلال القنوات الرسمية والقنوات غير الرسمية .
ثانيا – أهمية الحق فى الحصول على المعلومات :
تبدو هذه الأهمية واضحة من عدة جوانب :
1- تفعيل جهود المجتمع فى الوقاية من انتشار الفيروس ، عن طريق بيان طرق انتقال العدوى ، كى يتجنب الأفراد السلوكيات المحفوفة بمخاطر نقل العدوى ، مثل الممارسات الجنسية غير الأمنة ، وتعاطى المخدرات بطريق الحقن . فإتاحة المعلومات الكافية ذات الصلة بالوقاية ، وتمكين كل فرد من الوصول إليها فى يسر وسرية ، يضمن وقاية أفضل .
2- المساعدة على تعديل أنماط السلوك الفردى للأشخاص الذين أصابهم الفيروس ، وللأشخاص ذوى الخطورة الخاصة (من يتعاطون المخدرات بطريق الحقن ومن يمارسون البغاء) ، وللأشخاص الذين يوجدون فى ظروف معينة تجعلهم اكثر تعرضا من غيرهم لانتقال العدوى اليهم ، مثل من ينقل اليهم الدم ، والعاملون فى القطاع الطبى ، والعاملون فى المؤسسات العقابية ، وأطراف العلاقات الجنسية أيا كان شكلها . وفى كل هذه الحالات يتوقف تعديل الانماط السلوكية الخطرة على كفاية المعلومات التى تقدمها الهيئات الرسمية وغير الرسمية للأفراد .
3- تجنب التهميش وكل أشكال التمييز والاقصاء والوصم والاستبعاد لحملة فيروس الإيدز . فإتاحة المعلومات عن الطرق التى تنتقل بها العدوى ، وتلك التى لا تنقل العدوى ، يساعد فى ضبط مواقف أفراد المجتمع ممن أصابتهم العدوى . فالمواقف العدائية التمييزية ضد من يحملون فيروس الإيدز أو المتأثرين به سببها نقص التوعية وعدم كفاية المعلومات .
وقد توجد بعض القواعد القانونية أو المعتقدات أو الافكار السائدة التى تدفع إلى فرض الرقابة على المعلومات المتعلقة بالصحة ، وتحد بالتالى من قدرة الاجهزة المعنية على توفير المعلومات فى مجالات معينة . وفى هذه الحالة يكون من اللازم إعادة النظر فى المعوقات التى تحول دون وصول المعلومات الكافية إلى كافة أفراد المجتمع دون تمييز .
وفى هذا الخصوص يبرز دور رجال الدين فى توضيح المفاهيم الصحيحة ، وبيان أن الذين يعيشون مع فيروس نقص المناعة المكتسبة الإيدز هم مرضى يستحقون الرعاية والعلاج والعناية والدعم، وأنه من الضرورى توعية الأفراد وكسر حاجز الصمت من على منابر المساجد والكنائس والمؤسسات التعليمية والدعوة إلى استخدام كل وسائل الوقاية المتاحة والممكنة والتى لا تخالف الشرائع السماوية. وقد اتفق رجال الدين على أن الاديان لا تبيح تعريض المرضى للتمييز أو الوصم أو الاهمال لأى سبب من الاسباب ، مهما كانت طريقة اصابتهم بالعدوى.
ثالثا : مصادر المعلومات المتوافرة فى مصر :
يتخذ توفير المعلومات بشأن الوقاية والرعاية من الفيروس /الإيدز والتوعية به أسلوباً منهجياً متعدد الوسائل ، يهدف إلى تفعيل الحق فى الحصول على المعلومات بإتاحتها لكل شخص مع ضمان الخصوصية والتنوع للوفاء بمتطلبات كل الفئات الاجتماعية دون تمييز .
لذلك فالمعلومات المتعلقة بالوقاية والرعاية والتوعية والإرشاد والدعم تتاح من خلال القنوات الرسمية وغير الرسمية .
أ – القنوات الرسمية :
القنوات الرسمية الموجودة التى تمارس دوراً هاماً فى توفير المعلومات المتعلقة بالوقاية عن طريق التوعية وتقديم المشورة والدعم تتمثل فى وزارة الصحة بأجهزتها وأدورها المتعددة ، والتى تشمل :
1- البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز :
تم انشاء البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز عام 1986 بمجرد ظهور أول حالة فى مصر فى شهر نوفمبر من هذا العام ، وكانت لأجنبى يبلغ من العمر أربعين عاماً . كما تكونت اللجنة العليا لمكافحة مرض الإيدز برئاسة وزير الصحة وعضوية ممثلين عن الوزارات المعنية , وأساتذة الجامعات والمختصين بوزارة الصحة .
ويقوم البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز بعمل استراتيجيات الترصد الوبائى للمرض لتحقيق الاهداف التالية :
– المسح الصحى للفئات الاكثر تعرضاً للمرض وقياس معدلات انتشاره بين هذه الفئات لتقييم وضع المرض واتجاهاته .
– التثقيف الصحى لمختلف الفئات وتوعية الجمهور وخاصة الشباب عن طرق العدوى والوقاية من مرض الإيدز والأمراض المنقولة جنسياً .
– التأكد من تطبيق اجراءات السلامة ومكافحة العدوى فى الوحدات الصحية .
– تجنب العدوى عن طريق الدم بفحص جميع وحدات الدم قبل اعطائها للمحتاجين للدم .
– تجنب العدوى عن طريق الاتصال الجنسى باستخدام كافة وسائل الاعلام والاتصال.
– تجنب العدوى من الأم للجنين عن طريق المسح الصحى للأمهات المتزوجات فى سن الإنجاب .
– خفض تأثير الإيدز على الأفراد والمجموعات عن طريق رعاية مرضى الإيدز وتقديم الارشاد النفسى والصحى والاجتماعى لهم ولأسرهم .
وفى مجال توفير المعلومات والتثقيف الصحى وتوعية المواطنين ، عقد البرنامج آلاف الندوات وحلقات العمل واللقاءات للقيادات التنفيذية والشعبية والشباب والعاملين بالسياحة وتجمعات الشباب والنوادى والمدارس والمساجد والكنائس . كما عقدت حلقات عمل للجمعيات غير الحكومية فى مجال مكافحة الإيدز ورجال الاعلام والمسؤولين عن تطوير المناهج بوزارة التعليم والأزهر لإدراج الإيدز ضمن المناهج الدراسية منذ عام 1995 .
وعقد البرنامج حلقات عمل لمديرى الخدمة الاجتماعية بالمحافظات لبحث تقديم الدعم الاجتماعى لمرضى الإيدز ومخالطيهم ، وكذلك حلقات عمل لرجال الدين الاسلامى والمسيحى لتوعية الشباب بخطورة مرض الإيدز ودور التمسك بالقيم الدينية والخلقية فى الحماية منه . كما قام البرنامج بتوعية القيادات النسائية لحثهم على المشاركة فى مكافحة الإيدز فى 10 محافظات ، وشمل برنامج التدريب والتوعية 3000 قيادة نسائية فى القرية والمدينة .
هذا بالإضافة إلى ما يقوم به البرنامج من انتاج التنويهات الصحفية والإذاعية والتليفزيونية للتوعية بالإيدز وضمان وصول المعلومات الخاصة به إلى كل فئات المجتمع دون تمييز . وفى هذا المجال قام البرنامج بطباعة وتوزيع أكثر من مليون كتيب وبوستر ومطوية ونتيجة حائط لجميع الفئات مثل طلبة المدارس والجامعات ، أعضاء النقابات المهنية رجال الاعلام ، العاملين بالسياحة ، المرأة ، أعضاء الفريق الصحى ، المصابين بفيروس الإيدز . وقد شملت هذه المطبوعات معلومات أساسية عن مرض الإيدز والوقاية منه والتعامل مع الأشخاص المصابين بفيروس الإيدز .
كما قام البرنامج الوطنى بإعداد لوحات إعلانية ارشادية عن مكافحة الإيدز بالمواصلات والميادين الرئيسية العامة بالقاهرة الكبرى ومحطات مترو الانفاق ، وجارى عمل المزيد منها فى محافظات أخرى .
وتتنوع المطبوعات التى يصدرها البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز للتوعية بالمرض وطرق انتقاله وكيفية الوقاية منه . ويصدر البرنامج الوطنى دورية بعنوان “أنباء الإيدز” ، بالإضافة إلى آلاف الكتب والنشرات التى توزع مجاناً فى كافة الندوات وللجهات التى تطلبها من البرنامج لزيادة الوعى الصحى لدى العاملين فى الحقل الطبى والمواطنين وضمان وصول اكبر قدر من المعلومات اليهم .
وضمانا لوصول المعلومات لكل من يطلبها فى سرية تامة ، وتشجيعاً للأفراد على طلب المعلومات ، قام البرنامج الوطنى بإنشاء ما يسمى “بالخط الساخن” وهو مركز ارشاد للرد على اسئلة المواطنين عن الإيدز ، وتم التنويه عن وجود هذا الخط عن طريق النشر فى الجرائد اليومية . وقد نجح الخط الساخن فى كسب ثقة الأفراد ، حيث يتلقى مكالمات عديدة ، يتولى الأطباء العاملون بالبرنامج الوطنى الرد على الاسئلة التى يطلبها المواطنون ، وتقديم المعلومات اللازمة لهم .
ويؤدى الخط الساخن دوراً هاما فى تزويد المواطنين بكل المعلومات الضرورية عن الفيروس / الإيدز ، وأماكن الفحص وجهات الرعاية والمساندة للمرضى وأسرهم ، وكذلك تقديم الارشاد النفسى والصحى والاجتماعى للمواطنين ، وإعداد قيادات وكوادر للإرشاد فى مجال الإيدز ومساعدة المهتمين فى هذا المجال ، بالإضافة إلى الاتصال المستمر بمراكز المعلومات ومراكز الدعم فى العالم ، وإتاحة المعلومات المختلفة والحديثة للمهتمين فى هذا المجال عن طريق نظام المراسلة الذى تم انشاؤه .
ويعمل الخط الساخن لمدة 12 ساعة يومياً من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساءً ، ويعمل به 15 من الأطباء والاخصائيين الاجتماعيين والنفسيين والمرشدين الصحيين من الذكور والاناث . ويعمل الخط الساخن طوال أيام الاسبوع بما فيها أيام العطلات الرسمية . وقد تلقى الخط الساخن أكثر من 100.000 مكالمة من جميع المحافظات ومن خارج الجمهورية منذ انشائه وحتى الآن ، وذلك بمعدل 9 مكالمات يومياً فى الوقت الحاضر .
وإضافة إلى ما يقوم به البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز ، خصصت وزارة الصحة طبيباً مسؤولاً عن مكافحة الإيدز بكل مديرية من مديريات الشؤون الصحية على مستوى الجمهورية، يتولى تزويد المواطنين بالمعلومات والحقائق عن الإيدز ، وكيفية الوقاية منه ، وما ينبغى أن يقوم به الشخص إذا كانت لديه مخاوف من احتمال اصابته لأى سبب .
2- وسائل الاعلام :
وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لها دور لا يمكن انكاره أو التقليل من أهميته فى خدمة قضايا الصحة والارتقاء بالمستوى الصحى لأفراد المجتمع ، والوقاية من الأمراض . وفى مجال الإيدز ظل التناول الاعلامى لهذه القضية محدوداً لسنوات طويلة ، اقتصر الامر خلالها على تصوير الإيدز بأنه قرين العلاقات الجنسية الإباحية التى تسود فى بعض المجتمعات الغربية ، وأن مجتمعاتنا بعيدة عن هذه الممارسات غير المشروعة ، ولذلك فهى بعيدة عن الأمراض التى تنقلها هذه الممارسات .
وتلك نظرة يمكن أن تقود إلى التسليم بأن القيم الخلقية والدينية تكفى وحدها لمنع انتشار الإيدز دون حاجة لاتخاذ التدابير والاجراءات الضرورية للسيطرة عليه . لكن هناك حقيقة لا ينبغى اغفالها ، رغم التسليم بأهمية القيم الخلقية والدينية ، هى أن هناك من لا يلتزمون بهذه القيم ، وهؤلاء يكونون أكثر تعرضا للإصابة بالمرض ، كما تكمن فيهم خطورة نقل العدوى إلى غيرهم .
لكن الاعلام فى السنوات الاخيرة تناول موضوع الوقاية من الإيدز بطريقة منهجية ، تركز على التوعية بطرق الوقاية منه . ولا يغيب الاعلام عن أى مؤتمر أو ندوة أو وورشة عمل تتناول قضية الإيدز ، بالإضافة إلى تغطية اعلامية شاملة لليوم العالمى للايدز . ويوجد عدد لا بأس به من البرامج والمسلسلات والافلام السينمائية التى تناولت المعلومات الخاصة بالإيدز بأسلوب مبسط ينأى فى الغالب عن التهوين أو التهويل غير المبرر .
وتعقد ندوات وورش عمل لرجال الاعلام ، سواء عن طريق البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز أو عن طريق الجمعيات الاهلية المهتمة بالموضوع (صحفيين – مذيعين – مقدمى برامج فى الاذاعة والتلفزيون) لتوعيتهم بالجوانب الصحية والقانونية والوضع الوبائى للايدز على المستوى العالمى والوطنى ، وتوزع عليهم الاحصاءات والنشرات المتضمنة لكافة المعلومات المتعلقة بالإيدز كى يستفيدوا منها فى اعداد المواد الاعلامية .
وتحرص وسائل الاعلام على تقديم برامج للتوعية ، يدعى إليها رجال الدين ورجال القانون والأطباء لتقديم المعلومات الخاصة بالوقاية والرعاية . ومع ذلك أرى أن الجهد الاعلامى فى تناول قضية الإيدز لا يزال حتى وقتنا الحاضر دون المستوى المطلوب فى مواجهة هذه القضية ، بدعوى أن منطقتنا لا تزال أقل تأثراً من غيرها من المناطق بجائحة الإيدز.
ونحن لا ننكر ذلك ، لكننا نرى أن الحفاظ على هذا الوضع المتميز لمنطقتنا ينبغى أن يدفعنا إلى بذل الكثير من الجهد ، وكسر حاجز الصمت الذى يمنع نشر بعض المعلومات الضرورية لتفعيل جهود الوقاية والتوعية .
ب – القنوات غير الرسمية :
تؤدى القنوات غير الرسمية دوراً هاماً فى نشر المعلومات عن الإيدز والتوعية به . وتضطلع بهذا الدور مؤسسات المجتمع المدنى المتمثلة فى الجمعيات الاهلية ، وأهمها فى مجال تفعيل الحق فى المعلومات المتعلقة بالصحة بصفة عامة وبالإيدز بصفة خاصة الهيئات الاتية :
1- الجمعية المصرية لمكافحة الإيدز :
تأسست هذه الجمعية فى التاسع والعشرين من يونيه 1992 . وهى أول جمعية تعمل فى هذا المجال على المستوى الوطنى . ومقر الجمعية مدينة الاسكندرية ، لكن نشاطها فى التوعية والتدريب وتنظيم المؤتمرات ورعاية مرضى الإيدز وتأهيلهم نفسياً واجتماعياً لم يقتصر على مدينة الاسكندرية ، لكنه امتد ليغطى كل انحاء الجمهورية وصولاً إلى أسوان والأقصر والغردقة وشرم الشيخ .
وأنشطة الجمعية منذ تاريخ انشائها تعكس بوضوح أنها مستمرة فى تحقيق الاهداف التى حددتها .
أهداف الجمعية :
– توعية كافة أفراد المجتمع ، وبصفة خاصة الشباب بالإيدز والأمراض المنقولة جنسياً وكيفية الوقاية منها .
– تدريب العاملين فى المجال الصحى والاجتماعى والاعلامى على كل ما يتعلق بالأمراض المنقولة جنسياً ومرض الإيدز .
– رعاية مرضى الإيدز وأسرهم اجتماعياً واقتصادياً .
– تأهيل مرضى الإيدز نفسياً واجتماعياً للتكيف مع المجتمع .
– اجراء البحوث والدراسات المتعلقة بالإيدز .
– التعاون مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية الوطنية والدولية المعنية بمجالات عمل الجمعية .
– تنظيم المؤتمرات الوطنية والمشاركة فى المؤتمرات التى تعقد على المستوى الوطنى والدولى فى مجال عمل الجمعية والمجالات المرتبطة بنشاطها .
– اصدار نشرة دورية باسم الجمعية .
أهم أنشطة الجمعية :
– تنفيذ عدد 70 دورة تدريبية وورشة عمل شارك فيها 2150 فرداً من مختلف الفئات المستهدفة لنشاط الجمعية .
– تنفيذ عدد 1000 ندوة تثقيفية شارك فى كل ندوة ما بين 100-200 من مختلف الفئات المستهدفة .
– تنفيذ 20 مسابقة فنية على مستوى المدارس ومراكز الشباب والجامعات وعامة الجمهور .
– اقامة 30 معرضاً للفنون التشكيلية حول مرض الإيدز .
– عقد خمسة مؤتمرات شارك فيها الوزراء المعنيون والخبراء المتخصصون والمهتمون بقضايا الإيدز من المؤسسات الوطنية والدولية .
– تنظيم 86 قافلة طبية لتقديم خدمات الصحة الإنجابية والتوعية بالموضوعات المرتبطة بها .
– اجراء البحوث للوقوف على مدى معرفة الجمهور بالإيدز وسلوكياتهم نحو المصابين بفيروس الإيدز ، واستخدام نتائج هذه البحوث كأساس لتخطيط برامج التوعية وتدعيم المعلومات التى تقدمها الجمعية ومشروعاتها المستقبلية .
وتتعاون الجمعية فى سبيل تحقيق أهدافها مع الهيئات الوطنية حكومية أو غير حكومية، كما تتعاون مع العديد من الهيئات الدولية التى أسهمت فى تمويل مشروعات الجمعية مثل منظمة اليونسيف ومنظمة الصحة العالمية ومؤسسة فورد .
وتتعاون الجمعية بصفة خاصة مع البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز فى مجال نشاطه المتعلق بتثقيف الفئات الاكثر تعرضاً للمرض ، وتعريفهم بخطورة مرض الإيدز وكيفية الوقاية منه ، وتنفيذ العديد من الانشطة لتوعية المواطنين وخاصة الشباب .
2- الجمعية المصرية للطب والقانون :
تأسست الجمعية فى 24 أبريل 1975 لتوطيد علاقة الطب والقانون من الناحيتين الاكاديمية والتطبيقية ، مع التركيز على ما يتصل بدراسة الاوضاع فى جمهورية مصر العربية. والجمعية مشهرة بمديرية الشؤون الاجتماعية بالإسكندرية ، وتتخذ من جامعة الاسكندرية مقراً لها ، وإن كانت تباشر نشاطها فى كل انحاء الجمهورية .
وتعقد الجمعية مؤتمرا سنوياً وندوات فى كافة مجالات الطب والقانون . وتعنى الجمعية بحقوق الإنسان ، وعقدت مؤتمرات عن حق المواطن فى الرعاية الصحية (1992)، وحق المواطن فى التثقيف الصحى (1994) ، وحق المواطن فى بيئة نظيفة (2000) ، وحق الطفل فى طفولة آمنة (2003) ، وحقوق المرأة (2004) .
وفى مجال الإيدز كانت الجمعية المصرية للطب والقانون سباقة فى عقد ندوة عن الإيدز بين الطب والقانون (1991) ، تناول فيها معد هذا التقرير الحديث عن حقوق الإنسان فى مجال الإيدز . كما عقدت الجمعية ندوات عن الإجهاض (1995) ، وختان الاناث (1995) والمخدرات … الخ .
وتنشر الجمعية أعمال مؤتمراتها وندواتها فى مطبوعات ، توزع على أجهزة الدولة المعنية ومراكز البحث العلمى والجامعات لنشر الثقافة الصحية والقانونية وتدعيم حقوق الإنسان.
3- جمعية الحق فى الدواء :
هى أول جمعية فى مصر والشرق الاوسط تعمل فى هذا المجال الهام ، وهو تدعيم حق كل مواطن فى الحصول على دواء آمن وبأسعار مناسبة ، والتصدى لأية ممارسات ضارة بصحة المواطنين فى مجال صناعة الدواء ، باعتبار الحق فى الحصول على الدواء من أهم عناصر الرعاية الصحية التى تلتزم الدولة دستورياً وقانونياً بتوفيرها للمواطنين .
وتهدف الجمعية كذلك إلى مساندة شركات الدواء المصرية للوقوف فى وجه التكتلات العالمية التى بدأت فى ممارسة ضغوطها لاحتكار سوق الدواء المصرى ، وتشجيع البحث العلمى فى المجال الدوائى ، ودعم حقوق الملكية الفكرية التى تستند إلى ممارسات مشروعة.
وتحقق الجمعية أهدافها عن طريق نشر الوعى القانونى الصحى عن الحق فى الدواء باعتباره أحد حقوق الإنسان ، والتعاون مع وزارة الصحة والوزارات المعنية الأخرى لتوفير الدواء الآمن والتغلب على أزمة الدواء التى تهدد الحق فى الصحة .
الفصل الثالث
القواعد الخاصة بالجوانب الصحية
الحق فى الصحة من حقوق الإنسان . والحق فى الصحة يتطلب توفير سبل الوقاية من الأمراض ، كما يتطلب توفير العلاج من الأمراض بما يقتضيه العلاج من ضرورة وجود المرافق الصحية وتوفير الدواء .
ويلزم قبل دراسة الجوانب التطبيقية للحق فى الصحة ، أن نبين الأساس القانونى لهذا الحق .
المبحث الأول
الأساس القانونى للحق فى الصحة
يستند الحق فى الصحة إلى النصوص الوطنية والنصوص الدولية المعنية بحقوق الإنسان .
أولا – النصوص الوطنية :
الحق فى الصحة من الحقوق الدستورية فى كافة عناصره المتعلقة بالوقاية والعلاج والضمان الاجتماعى والتأمين الصحى ، حيث تتكفل الدولة بتأمين الحق فى الصحة بمتطلباته كافة . ونستند فى تحديد الطبيعة الدستورية للحق فى الصحة إلى عدة نصوص فى الدستور.
المادة 16 من الدستور تنص على أن ” تكفل الدولة الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية ، وتعمل بوجه خاص على توفيرها للقرية فى يسر وانتظام رفعاً لمستواها ” . ولم يعلق المشرع الدستورى ضمان الخدمات الصحية على شرط صدور قانون ينظمها . فحق المواطن فى الحصول على الخدمات الصحية مستمد مباشرة من الدستور .
المادة 17 من الدستور تنص على أن “تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعى والصحى، ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا ، وذلك وفقا للقانون” . وقبل هذه النصوص قررت المادة السابعة من الدستور أن احد المقومات الاجتماعية والثقافية للمجتمع المصرى هو التضامن الاجتماعى . ويلاحظ أن خدمات التأمين الاجتماعى والصحى ينظمها القانون ، فتقديم الدولة لهذه الخدمات مرهون بصدور القوانين التى تحدد ضوابط الانتفاع بها وتنظم كيفية الحصول عليها . لكن القانون لا يستطيع أن ينتقص من الحق الدستورى أو يقيده على نحو يحول دون الانتفاع به ، وإلا كان القانون غير دستورى . كما أن الدولة تلتزم بإصدار القوانين المنظمة للحق فى خدمات التأمين الصحى تطبيقا لنص الدستور ، ووفاءً بالتزاماتها الدولية الواردة فى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تنص على الحق فى خدمات التأمين الصحى .
وتنظم القوانين الخاصة بالتأمين الصحى والعلاج التأمينى للعاملين فى الحكومة ووحدات الادارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة ، وكذلك القوانين الخاصة بالهيئة العامة للتأمين الصحى ، والتأمين الصحى على العاملين فى القطاع الخاص ، وقوانين الضمان الاجتماعى ، كل ما يتعلق بالعلاج من الأمراض المختلفة والرعاية الطبية .
—
ثانيا – النصوص الدولية :
وقد أشرنا إلى قوتها القانونية فى مصر بعد التصديق عليها ونشرها ، وتشمل هذه النصوص :
1- المادة 25 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وهى تقرر “لكل شخص الحق فى مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته ، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن() والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة ، وله الحق فى تأمين معيشته فى حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن ارادته ” .
2- المادة 12 من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقد جاءت أكثر تفصيلاً وتوضيحا لعناصر الحق فى الصحة ، ونصها “”1- تقر الدول الاطراف فى الاتفاقية الحالية بحق كل فرد فى المجتمع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية . 2- تشمل الخطوات التى تتخذها الدول الاطراف فى الاتفاقية الحالية للوصول إلى تحقيق كلى لهذا الحق ما هو ضرورى من أجل :
(أ) العمل على خفض نسبة الوفيات فى المواليد وفى وفيات الأطفال ومن أجل التنمية الصحية للطفل .
(ب) تحسين شتى الجوانب البيئية والصناعية .
(جـ) الوقاية من الأمراض المعدية والمتفشية والمهنية وغيرها ومعالجتها وحصرها.
( د ) خلق ظروف من شأنها أن تؤمن الخدمات الطبية والعناية الطبية فى حالة المرض” () .
وفى خصوص مرض الإيدز ، قررت المادة الثالثة من الإعلان العالمى لحقوق مرضى الإيدز ومن يحملون فيروسه أن الخدمات الصحية والعلاجية لهؤلاء ينبغى ألا تخضع لأى قيد .
3- المادة 16 من الميثاق الافريقى لحقوق الإنسان والشعوب () . وتنص على حق كل شخص “فى التمتع بأفضل حالة صحية بدنية وعقلية يمكنه الوصول إليها ” . كما يلزم الميثاق الدول الاعضاء ” باتخاذ التدابير اللازمة لحماية صحة شعوبها وضمان حصولها على العناية الطبية فى حالة المرض ” .
المبحث الثانى
الجوانب التطبيقية للحق فى الصحة
يشمل الحق فى الصحة كما رأينا الوقاية والعلاج والتأمين الصحى والاجتماعى . ويثير الحق فى الصحة مشكلة توفير الدواء فى ضوء اتفاقية حماية الملكية الفكرية (التريبس).
أولا – الوقاية والعلاج :
تتولى وزارة الصحة بحكم تنظيمها مسؤولية توفير الوقاية والعلاج . ويحدد القرار الجمهورى رقم 242 لسنة 1996 بشأن تنظيم وزارة الصحة والسكان () أهداف وزارة الصحة بأنها الحفاظ على صحة المواطنين عن طريق تقديم الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية ، والعمل على تحسين صحة الأفراد () . كما يدخل فى اختصاصات الوزارة العمل على توفير الدواء واتخاذ الاجراءات اللازمة لضمان جودته وفعاليته .
ويشرف على تقديم الرعاية الصحية فى مصر المجلس الاعلى للرعاية العلاجية التأمينية ومجلس الصحة المسؤول عن وضع خطة عامة لضمان العلاج الطبى لجميع المواطنين .
ويكمل جهود وزارة الصحة فى توفير الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية بعض المؤسسات الطبية التابعة للجامعات وللقوات المسلحة والشرطة وبعض الهيئات الاخرى التى توفر العلاج لمنسوبيها أو لغيرهم بشروط معينة ، كما يكمل جهود وزارة الصحة فى هذا المجال ما يقدمه القطاع الخاص الطبى من خدمات علاجية بكلفة تتفاوت من مؤسسة لأخرى.
وتؤكد أرقام الموازنة العامة للدولة الزيادة المالية المضطردة فى مخصصات موازنة وزارة الصحة والجهات التابعة لها فى السنوات الاخيرة . وتتوافر فى مصر شبكة واسعة من الخدمات العامة للرعاية الصحية الاساسية تسمح لكل السكان بأن يكونوا على مقربة من مراكز الخدمات الصحية .
وقد ساعد نظام الرعاية الصحية الموسع ، بما تضمنه من أساليب الوقاية والعلاج المجانى أو بتكلفة تراعى فى الغالب قدرة الطبقات غير القادرة من المواطنين ، على تحقيق مكاسب صحية على المستوى القومى خلال العقدين الماضيين ، ظهر أثره فى تراجع معدل وفيات الاطفال تحت سن الخامسة ، وتحسن المؤشرات الغذائية ، وانخفاض معدل وفيات الامهات ، والحد من مخاطر بعض الأمراض الوبائية .
لكن التقرير السنوى الاول للمجلس القومى لحقوق الإنسان يرصد ضمن الجوانب السلبية للرعاية الصحية فى مصر استمرار وجود تفاوت ظاهر بين الاقاليم ، وبين مختلف الفئات الاقتصادية والاجتماعية ، كما يرصد ضعف استخدام المواطنين لهذه الخدمات فى كافة المناطق الجغرافية ، وتفضيل المترددين استخدام الخدمات الصحية الخاصة أكثر من استخدام الخدمات الصحية الحكومية أو العامة .
ثانيا – التأمين الصحى والاجتماعى :
تنظم قوانين التأمين الصحى والاجتماعى تقديم الخدمات العلاجية للمواطنين . وتتنوع نظم العلاج وفقاً لهذه الانظمة على النحو التالى
1- التأمين الصحى ويغطى كل موظفى الحكومة ومعظم موظفى القطاع الخاص
لكنه لا يشمل العاملين بالزراعة وخدم المنازل ، ومن يعملون لحسابهم الخاص ، والحرفيين وأصحاب الاعمال .
2- نظام العلاج على نفقة الدولة ، وهو فى تطور مستمر من حيث المبالغ المخصصة له . فقد زادت المبالغ المخصصة لهذا النظام من 120 مليون جنيه عام 86/1987 إلى ما يقارب 1300 مليون جنيه عام 2003/2004 . وبلغ متوسط قرارات العلاج اليومية على نفقة الدولة فى السنوات الاخيرة نحو ثلاثة آلاف قرار يومياً أى بمتوسط 720 الف قرار سنوياً واللجوء إلى العلاج على نفقة الدولة لا يقتصر على الفئات التى لا يستوعبها نظام التأمين الصحى ، بل إنه يشمل بعض المنتفعين بنظام التأمين الصحى نتيجة عجز الرعاية الصحية التى يقدمها التأمين الصحى عن توفير خدمة مناسبة للمنتفعين .
3- نظام العلاج فى المستشفيات العامة . وقد زاد عددها من 169 مستشفى فى عام 82/1983 إلى 227 مستشفى عام 97/1998 ، ومن ثم زاد عدد الأسرة المتاحة من 84.2 الف سرير إلى 124 ألف سرير خلال نفس الفترة ، منها 58% لوزارة الصحة وحدها والباقى للمستشفيات التعليمية والمؤسسات العلاجية والتأمين الصحى والقطاع الخاص .
وفى مواجهة الارتفاع الكبير فى أسعار الأدوية ووسائل العلاج المختلفة ، تقدم بعض المستشفيات فى مصر العلاج المجانى للمصابين فى حوادث الطرق والحروق والحالات التى يعجز أصحابها عن دفع نفقات التشخيص والعلاج ، بناءً على القواعد التى يضعها مجلس ادارة المستشفى لتحديد من هم المرضى غير القادرين .
كما ينبغى أن نسجل الجهود التى تبذل فى السنوات الاخيرة لتطوير الخدمة الوقائية والعلاجية للطفولة والأمومة . من ذلك انشاء مستشفيات لعلاج سرطان الاطفال وأمراض الدم وافتتاح بنوك الدم والتوسع فى خدمات الصحة الإنجابية ورعاية الامومة .
ويشير هذا إلى التطور الكمى فى تأمين الخدمات الصحية والعلاجية ، وإن كانت بعض الحقائق والأوضاع الاجتماعية فى مصر تؤثر سلباً على نتائج التطور النوعى بالنسبة لمقدار التحسن فى الخدمة الصحية للمواطنين .
وفى الدراسة التى أعدها الاستاذ عبد الخالق فاروق عن الموازنة العامة للدولة وحقوق الإنسان ، اشارة لبعض الحقائق ومدى تأثيرها السلبى فى الخدمة الصحية ، وتشمل هذه الحقائق :
1- زيادة معدل السكان بسرعة تجاوز بكثير معدل الزيادة فى وسائل الخدمات الصحية .
2- الارتفاع الكبير فى أسعار ووسائل العلاج المختلفة ، وهو ما أدى إلى تزايد تحول الخدمة الصحية الحكومية المجانية فى غالبية المستشفيات الحكومية إلى ما يسمى بنظام ” العلاج الاقتصادى” أو العلاج بأجر .
3- تعمق التفاوت الطبقى فى مستوى الخدمات الصحية ، سواء من حيث الكفاءة النوعية للخدمة الطبية أو من حيث التجهيزات لصالح الفئات القادرة على دفع تكاليف العلاج الصحى فى المستشفيات الخاصة وفى الاقسام الاقتصادية فى المستشفيات الحكومية .
4- اختلاف التوزيع الجغرافى / الاجتماعى للخدمات الصحية والعلاجية ، بل وتدهورها الكمى فى بعض المحافظات .
وقد أشار التقرير السنوى الاول للمجلس القومى لحقوق الإنسان الصادر سنة 2005 إلى بعض هذه الجوانب السلبية التى تؤثر على جهود الرعاية الصحية ، ولا يتوقف تأثيرها عند عرقلة التقدم ، بل إنها تهدد الإنجازات التى تحققت فى مجال الرعاية الصحية . ويأتى فى مقدمة هذه العوامل ضعف المرافق الصحية وعجزها عن تقديم الخدمات الوقائية والعلاجية المناسبة للمواطنين .
وضعف المرافق الصحية ينعكس بالضرورة على مرضى الإيدز . فمع الاعتراف لهم كبقية المرضى بالحق فى الصحة وفى المرافق الصحية فى القوانين والأنظمة المحلية القائمة، إلا أن تفعيل هذا الحق يظل مرهوناً بالإمكانات المالية والفنية والبشرية المتاحة لهؤلاء المرضى ، والتى تتطلب تكلفة بالغة الضخامة لتوفير الكوادر الفنية المؤهلة والأدوية اللازمة والمراكز المتخصصة فى تقديم شتى أنواع الرعاية .
ثالثا- الحق فى الحصول على الأدوية :
حق الأفراد فى الحصول على الأدوية اللازمة للعلاج هو أحد جوانب الحق فى الصحة ، ويقابل هذا الحق التزام الدولة – طبقاً للدستور وللقواعد الدولية – بتوفير الأدوية لمواطنيها لحماية حقهم فى الصحة . هذا الحق فى الحصول على الدواء يتأرجح بين التقييد الدولى والتنظيم المحلى .
أ- التقييد الدولى للحق فى الحصول على الدواء :
حق المواطنين فى الحصول على الدواء تتحكم فيه قواعد القانون الدولى ، بعد أن دخلت أحكام اتفاقية حماية الملكية الفكرية (اتفاقية التريبس) حيز النفاذ فى الدول النامية اعتباراً من 1 يناير 2005 . هذه الاتفاقية تنظم الجوانب التجارية فى حقوق الملكية الفكرية ، وتفرض على الدول النامية التزامات تتعلق بضمان الحماية الكاملة للملكية الفكرية فى مجال الدواء ، وتشمل حق المؤلف ، وحق العلامة التجارية ، وحق براءات اختراع الأدوية .
وقد قبلت الدول النامية اتفاقية التريبس نتيجة ضغوط من الدول المتقدمة ، على الرغم من أن الاتفاقية لا تخدم الحق فى الصحة الذى تقرره اتفاقيات حقوق الإنسان ، لكنها تستجيب لمتطلبات شركات الأدوية الكبرى فى احتكار تصنيع وبيع الأدوية الأساسية بأسعار مرتفعة لا تتحملها ميزانيات الدول النامية ، لاسيما تلك التى تعانى من مشاكل صحية خطيرة ، مثل الدول الفقيرة الواقعة فى جنوب الصحراء الكبرى فى افريقيا التى تعانى من انتشار الإيدز ، وتتطلب الرعاية الصحية لمرضى الإيدز فيها توفير أدوية بأسعار معقولة لمواجهة هذا الوباء وما يرتبط به من مشاكل صحية ذات صلة بفيروس الإيدز مثل السل والأمراض الانتهازية.
لكن اتفاقية التريبس تحوى بعض جوانب المرونة فيما يخص العمل بالمنتجات التى تحميها حقوق براءة اختراعها . فالمادة السابعة من الاتفاقية تشير إلى ضرورة أن تحقق حماية الملكية الفكرية المصالح المتبادلة لكل من منتجى ومستخدمى المعارف التقنية المبتكرة. كذلك تسمح المادة السابعة للدول أن توازى واجباتها تجاه حماية حقوق براءات الاختراع مع واجباتها التى تلزمها بها اتفاقيات حقوق الإنسان . وتقر المادة الثامنة حق الدول الاعضاء فى اتخاذ تدابير من أجل الصحة العامة لمنع اساءة استعمال حقوق الملكية الفكرية .
وتسمح المادة 30 للدول الاعضاء بتقديم استثناءات محدودة من حماية حقوق براءات الاختراع التى تحميها الاتفاقية ، بشرط ألا تجحف هذه الاستثناءات بمصالح أصحاب براءات الاختراع . لكن توجد تفسيرات من الدول المتقدمة لتقييد نطاق ما تسمح به هذه المادة من تيسيرات للدول النامية فى مجال الترخيص الاجبارى والاستيراد الموازى للأدوية .
أما المادة 31 من الاتفاقية فتنظم الترخيص الاجبارى ، والاستيراد الموازى ، والاستخدام الحكومى للأدوية أى ترخيص الحكومة لنفسها بانتاج الأدوية . لكن هذه المادة تقيد إلى حد كبير ممارسة الدولة لحق اصدار تراخيص اجبارية ، حين تتطلب قصر استخدام الأدوية المنتجة بترخيص اجبارى على الاسواق المحلية ، ودفع تعويض معقول لصاحب براءة الاختراع ، وإثبات محاولة الحصول على ترخيص اختيارى بالشروط التجارية فى غير حالات الطوارئ الصحية .
ومع التسليم بوجود جوانب المرونة هذه ، إلا أن استفادة الدول النامية منها تواجهه عدة معوقات ، لعل أهمها من حيث التأثير المباشر فى الدول النامية : استمرار حماية براءات اختراع الأدوية لمدة عشرين عاما ، وصعوبات تنفيذ الترخيص الاجبارى .
فالمادة 33 من اتفاقية التريبس تقرر الحماية لبراءة الاختراع لمدة عشرين عاما ، وهو ما يحرم الدول النامية من فوائد المنتج طوال هذه المدة ، ويمنع الشركات غير الحاصلة على حق تصنيع الأدوية التجارية من تصنيع نظائر لتلك الأدوية ، فيستمر ارتفاع أسعار الأدوية فى الدول النامية مما يؤثر سلبا على حق الأفراد فى هذه الدول فى الحصول على الأدوية الأساسية .
أما القيود القانونية التى تقررها المادة 31 من الاتفاقية ضد الترخيص الاجبارى ، والتى يمكن قبولها ، فأثرها على الدول النامية أقل بكثير من تأثير التهديدات السياسية الصادرة عن شركات التصنيع الدوائى ، لاسيما الشركات متعددة الجنسيات منها ، والتى نتج عنها منع معظم الدول النامية من تصنيع الأدوية المناظرة أو عرقلة جهودها فى هذا المجال لسنوات عديدة . والمثال على أثر هذه العراقيل ما حدث فى جنوب أفريقيا عندما حاولت الحكومة توفير أدوية الإيدز بأسعار مناسبة عن طريق تصنيعها بموجب الترخيص الاجبارى.
فقد قامت الشركات متعددة الجنسيات بمقاضاة حكومة جنوب افريقيا ، ولم يفصل القضاء فى هذه القضية إلا بعد عدة سنوات مات خلالها آلاف المصابين بمرض الإيدز . وهو ما يظهر مدى قدرة شركات التصنيع الدوائى متعددة الجنسيات على وضع العراقيل العملية التى تحد من إمكانية الاستفادة من حق الترخيص الاجبارى الذى تعترف به اتفاقية التريبس .
ومن أجل مواجهة هذه العراقيل ، كان إعلان الدوحة حول اتفاقية التريبس والصحة العامة بتاريخ 14 نوفمبر 2001 ، بمثابة تأكيد على حق الدول فى اصدار التراخيص الاجبارية الذى سمحت به اتفاقية التريبس فى المادة 31 منها .
وتبدو أهمية هذا الإعلان للدول النامية من عدة وجوه :
1- أنه تضمن نصاً صريحا (فقرة 5) على أن فيروس الإيدز والملاريا والدرن وغيرها من الأوبئة تعتبر طوارئ صحية عامة لا تنقطع فى الدول النامية ، مما يسمح لها بالانتفاع بالاستثناءات الخاصة بحق امتيازات الأدوية ، ومنها حق منح التراخيص الاجبارية.
2- أنه لم يحصر الأزمات الصحية العامة ، فما أورده منها كان على سبيل المثال لا الحصر ، بدليل أنه أردف ذكر الأوبئة الثلاثة بعبارة “وغيرها من الأوبئة ” ، وتبدو أهمية هذه العبارة بالنسبة لمصر التى تبلغ فيها الإصابة بالالتهاب الكبدى الفيروس (c) معدلات وبائية ، لا تقل خطورة عن الأوبئة التى ورد ذكرها صراحة فى إعلان الدوحة .
3- أنه طمأن حكومات الدول النامية إلى عدم مقاضاتها أمام هيئة فض المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية عندما تصدر تراخيص اجبارية لتصنيع الأدوية النظيرة طبقا للشروط القانونية التى تحددها اتفاقية التريبس .
4- أنه منح الدول الأقل نمواً موعداً جديداً للالتزام باتفاقية التريبس فى تشريعاتها الوطنية . فبعد أن كان الموعد المحدد لها 1 يناير 2006 صار 1 يناير 2016 .
ب- التنظيم المصرى للحق فى الحصول على الدواء :
بدأ تطبيق أحكام اتفاقية التريبس فى مصر اعتباراً من 1 يناير 2005 . ويعنى ذلك أن مصر يجب أن تمنح حماية غير محدودة طبقا للاتفاقية لحقوق براءات اختراع المستحضرات الدوائية ، هذا من ناحية .
ومن ناحية أخرى تلتزم مصر طبقا للدستور ، وللعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذى يعد جزءاً من التشريع الداخلى ، بتوفير الأدوية المحمية ببراءات اختراع بأسعار فى متناول الأفراد ضماناً لحقهم فى الصحة بعد دخول اتفاقية التريبس حيز النفاذ .
وعلى ذلك فالحكومة المصرية يقع عليها واجب المواءمة بين التزامها الدستورى بتوفير الأدوية لكل المرضى وبين التزاماتها الدولية الناشئة عن اتفاقية التريبس . وجدير بالذكر فى هذا الخصوص أن العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذى يحمى الحق فى الصحة (م12 -1) يحمى كذلك الحق فى الملكية الفكرية (م 15-1) . لكن العهد الدولى يجعل الأولوية للحق فى الصحة والحصول على الأدوية . ويعنى ذلك انه إذا ترتب على تطبيق حقوق الملكية الفكرية انتهاك الحق فى الصحة ، فإن الغلبة تكون للحق فى الصحة الذى يجب تفضيله .
وطبقا للقانون رقم 113 لسنة 1962 يكون تسعير الأدوية المحلية والمستوردة من اختصاص لجنة فرعية تشكل بقرار من وزير الصحة (م 10) .
وتقوم هذه اللجنة بإجراء الدراسات عن أسعار الأدوية ، ثم تقوم اللجنة العليا للسياسات الدوائية بوضع أسس تسعير المنتجات الدوائية .
كما تشرف على استيراد الأدوية لجنة عليا يرأسها وزير الصحة ، ووظيفتها تحديد أنواع الأدوية التى يحتاجها السوق المحلى والتى لا توجد لها بدائل من المنتجات المحلية . ويجب أن تكون أسعار الأدوية فى متناول الأفراد ، سواء بقدراتهم الذاتية أو من خلال نظام التأمين الصحى .
وقد صدر فى مصر قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 الذى حل محل قانون 1949 . ويسرى هذا القانون الجديد على براءات اختراع الأدوية التى تعامل معاملة غيرها من براءات الاختراع . والقانون الجديد أكثر توافقاً مع اتفاقية التريبس ، من حيث أنه يمنح حماية براءة اختراع الأدوية للمنتج النهائى ولعملية تصنيعه (م 1 ) وهو ما يجرم الهندسة العكسية للأدوية ، كما أنه يمد حماية براءة اختراع الأدوية لمدة عشرين عاماً (م9) .
ويتيح القانون الجديد للحكومة المصرية الاستفادة من جوانب المرونة فى اتفاقية التريبس حسب تفسير إعلان الدوحة . ويبدو ذلك واضحاً من النصوص التالية :
1- تسمح المادة 17 من القانون لوزير الصحة بوقف تسجيل أى براءة اختراع إذا كانت تتعلق ” بقيمة صحية ” ، وهو ما يتجاوز المادتين 30 ، 31 من الاتفاقية .
2- تسمح المادة 18 من القانون بإنشاء صندوق لتمويل دعم الأدوية ، ضماناً لاستقرار أسعارها ووصولها لمحدودى الدخل .
3- تسمح المادة 23 (أولا) من القانون لمكتب براءات الاختراع منح تراخيص اجبارية ، بعد موافقة لجنة وزارية تشكل بقرار من رئيس الوزراء ، باستغلال الاختراع ، لأغراض المحافظة على الصحة أو الطوارئ أو “ظروف الضرورة القصوى” ، ويدخل فيها حالات علاج التهاب الكبد الوبائى (c) والإصابة بفيروس الإيدز . وفى مثل هذه الظروف يصدر الترخيص الاجبارى دون حاجة للتفاوض مع صاحب حق امتياز الدواء .
4- تسمح المادة 23 (ثانيا) من القانون لوزير الصحة أن يطلب اصدار ترخيص اجبارى إذا تعلق الاختراع بأدوية الحالات الحرجة أو الأمراض المزمنة أو المستعصية أو المتوطنة أو بالمنتجات التى تستخدم فى الوقاية من هذه الأمراض . وفى هذه الحالات يجب اخطار صاحب البراءة بقرار الترخيص الاجبارى بصورة فورية .
5- تسمح المادة 23 (خامساً) بإصدار ترخيص اجبارى إذا ثبت تعسف صاحب البراءة أو قيامه بممارسة حقوقه التى يستمدها من البراءة على نحو مضاد للتنافس . ويشمل ذلك على سبيل المثال المبالغة فى الأسعار أو التمييز بين العملاء ، عدم بيع الدواء فى مصر أو طرحه بشروط مجحفة ، وقف انتاج الدواء أو انقاص كميته ، التأثير السلبى على حرية المنافسة أو على نقل التكنولوجيا . وفى هذه الحالات يصدر الترخيص الاجبارى دون حاجة للتفاوض ، ولو كان الترخيص لا يستهدف الوفاء باحتياجات السوق المحلى .
خلاصة ما تقدم أن الحكومة المصرية أعطت لنفسها صلاحيات واسعة فى قانون حماية الملكية الفكرية ، بما يسمح لها بدعم الأدوية الأساسية وإصدار تراخيص اجبارية ، حماية للحق فى الصحة . لكن الاستفادة من هذه الصلاحيات تتوقف على رد فعل شركات الأدوية الدولية بالنسبة للأدوية التى تنتج فى ظل احتكار براءات الاختراع بعد دخول اتفاقية التريبس حيز النفاذ فى مصر اعتبارا من 1 يناير 2005 . ومن أهم أنواع الأدوية التى يمكن أن تكون موضع خلاف بين مصر وشركات الأدوية الدولية الأدوية المتعلقة بالإيدز وعلاج الأمراض ذات الصلة بالفيروس . ولا يعنى اصدار قانون حماية الملكية الفكرية ، بما يوفره من صلاحيات الدعم واستخدام التراخيص الاجبارية ، أن مصر ستكون بمنأى عن تأثير اتفاقية التريبس ، سواء فور تطبيق هذه الاتفاقية أو على المدى البعيد .
والتأثير الذى نخشاه لا يقتصر فقط على ارتفاع أسعار الأدوية الأساسية فى الأمد القريب أو البعيد ، بما يحول دون إمكانية حصول بعض الفئات عليها ، بل الأشد من ذلك هو تأثير الاتفاقية على الكثير من الأدوية الحديثة التى تعالج الأمراض الخطيرة مثل الأزمات القلبية ، وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) ، والسرطان ، وهو تأثير يتحقق لا محالة نتيجة تدعيم الاحتكارات الدولية لشركات الأدوية الكبرى على الأدوية الخاصة بهذه الحالات فى كل الدول النامية الكبرى.
وفى مجال منظمات المجتمع المدنى ، أنشئت جمعية الحق فى الدواء للدفاع عن حق كل مواطن فى الحصول على دواء آمن وبأسعار مناسبة والتصدى لأى ممارسات ضارة بصحة المواطنين فى مجال صناعة الدواء ، ونشر الوعى القانونى بالحق فى الدواء باعتباره أحد حقوق الإنسان ، والتعاون مع الجهات المعنية ذات الصلة لتوفير الدواء الآمن للمريض والتغلب على أزمة الدواء .
كما تهدف الجمعية إلى مساندة شركات الدواء المصرية للوقوف فى وجه التكتلات العالمية لاحتكار سوق الدواء المصرى ، وتشجيع البحث العلمى فى المجال الدوائى ، ودعم حقوق الملكية الفكرية التى تستند إلى ممارسات مشروعة .
رابعا – واقع الرعاية الصحية لمريض الإيدز :
تشير الاحصاءات الرسمية إلى أن معدل انتشار الإصابة فى مصر أقل من 0.01% فمصر طبقا لهذه الاحصاءات من الدول ذات المعدل المنخفض لانتشار العدوى . وفى لقاء مع مدير البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز بتاريخ 20/6/2005 ، حصلنا على الاحصاءات الرسمية لحالات الإيدز فى مصر ، وهى على النحو التالى حتى نهاية مارس 2005:
عدد الحالات من المصريين 1544
عدد الحالات من غير المصريين 627
أما توزيع هذه الحالات ، فهى موزعة كما يلى :
ذكور 1351 حامل فيروس 438 حالة ايدز
اناث 325 حامل فيروس 57 حالة ايدز
وبلغ عدد الحالات بين الاطفال 30 حامل فيروس ، 14 حالة ايدز جميعهم من الاطفال المصريين .
وتتنوع مجالات الرعاية الصحية للمرضى والمصابين والمتأثرين بالفيروس / الإيدز فى اطار أنشطة مكافحة الإيدز التى يقوم بها البرنامج الوطنى :
أ- فى مجال الوقاية :
1- توجد مراكز المشورة والفحص الطوعى مجاناً للايدز والفيروسات المنقولة عن طريق الدم المنتشرة على مستوى الجمهورية من خلال خطة لنشرها فى جميع المحافظات ، وعددها الآن 8 مراكز تابعة لوزارة الصحة .
2- توجد مراكز المشورة والفحص الطوعى المتحركة من خلال 9 سيارات ﭭـان مجهزة بالكامل لتقديم هذه الخدمات منذ بداية 2005 على مستوى الجمهورية بناء على خطة موضوعة مسبقاً .
3- انشاء مراكز ترصد لمرض الإيدز فى عيادات الدرن وعيادات الأمراض المنقولة جنسياً ومراكز تأهيل مدمنى المخدرات .
4- يتم عمل اختبار الإيدز بناء على طلب الشخص ، حيث يتم عمل جلسة مشورة قبل الفحص ، الهدف منها تشجيع الشخص على عمل الاختبار وتأهيله لاستقبال نتيجة الفحص، ثم عمل جلسة مشورة أخرى بعد الفحص ، سواء بالنسبة للفرد العادى أو الفئات المعرضة.
ب- فى مجال العلاج :
1- توجد مراكز طبية متخصصة للايدز فى مستشفى حميات العباسية ، ومستشفى حميات الاسكندرية ، وجارى انشاء مركز فى مستشفى حميات المنيا . وهناك إمكانية استقبال الحالات فى جميع مستشفيات الحميات على مستوى الجمهورية .
2- توجد أماكن لغسيل الكلى الدموى فى مستشفيات الحميات لحاملى الفيروس .
3- يتم توفير علاج مضادات الفيروسات القهقرية (arv) عن طريق ميزانية وزارة الصحة ، ويقوم البرنامج الوطنى بتوفير العلاج لعدد خمسين شخصاً حتى الآن ، على أن يصل العدد إلى مائة شخص فى نهاية 2005 كجزء من المبادرة الدولية 3 × 5 لعلاج مرضى الإيدز.
4- لا يتحمل التأمين الصحى أدوية علاج مرضى الإيدز ، ويتحمل أدوية علاج الأمراض الانتهازية ذات الصلة مثل السل . وبذلك تتحمل وزارة الصحة توفير العلاج اللازم لمرضى الإيدز مجانا فى حدود الامكانات المتاحة ، نظراً لارتفاع تكلفة الأدوية اللازمة لعلاج المشاكل الصحية المرتبطة بالإيدز .
جـ- فى مجال الارشاد الصحى والنفسى والاجتماعى ورعاية المرضى :
1- قام البرنامج الوطنى بتدريب 7 أطباء بالخارج على رعاية مرضى الإيدز بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية .
2- قام البرنامج بتدريب 700 طبيب بجميع المحافظات على رعاية المرضى ، وتقديم الارشاد الصحى والنفسى والاجتماعى للمصابين وعائلاتهم ، لخفض التأثير النفسى والاجتماعى والتخفيف من عبء الوصمة الاجتماعية التى تلحق بهم نتيجة الإصابة بفيروس الإيدز ، ورعايتهم اجتماعيا بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات الاهلية .
3- تكوين فريق بكل محافظة لتقديم الارشاد الصحى والنفسى والاجتماعى لمرضى الإيدز ومخالطيهم .
4- تكوين مجموعات الدعم من المرضى فيما بينهم ، بدأت بمجموعات من الذكور ، ثم مجموعات مختلطة ، وجارى فى الوقت الحالى محاولة تكوين مجموعات اناث فقط .
5- لا توضع أى قيود على حرية حركة المصابين ، فلهم الحق فى التنقل وممارسة الانشطة . ويقوم البرنامج الوطنى بعقد ندوات لرفع درجة الوعى فى الشركات والمؤسسات الكبرى لتوعية العاملين والقيادات بكيفية التعامل مع حامل فيروس الإيدز .
الفصل الرابع القواعد القانونية الخاصة بالجوانب الاجتماعية
تشمل الجوانب الاجتماعية لحماية حامل فيروس الإيدز ضمان حقوقه المتعلقة بالأحوال الشخصية ، وحقه فى التعليم ، وحقه فى الحصول على المسكن ، وحقه فى الرعاية الاجتماعية ، وفى ممارسة الانشطة التى تضمنها الدولة لغيره من الأفراد .
ويقرر الدستور المصرى هذه الحقوق ، ويلزم الدولة بكفالتها للمواطنين . كما تتكفل المواثيق الدولية بإبراز هذه الحقوق لكافة الأفراد ، وهى مواثيق صدقت عليها مصر مع التحفظ بعدم تعارضها مع أحكام الشريعة الاسلامية .
المبحث الأول
قوانين الأحوال الشخصية
قوانين الأحوال الشخصية لها علاقة وثيقة وتأثير فى الحد من انتشار فيروس الإيدز، كما أنها تنظم أهم حقوق الإنسان التى ترتبط بالمعتقدات الدينية ، مثل الزواج وما يتعلق بالحمل والإنجاب ، والطلاق ، وحضانة الصغار والزيارة .
أولاً – الزواج :
يثير الزواج فى مجال فيروس الإيدز موضوعات عدة ، تتعلق بالسن الأدنى للزواج، ومدى تمتع المصاب بالفيروس بالحق فى الزواج وتكوين أسرة ، وحقوق وواجبات الزوجين.
أ – السن الأدنى للزواج :
يميز القانون المصرى فى تحديد السن الأدنى للزواج بين الفتى والفتاة . فسن الزواج بالنسبة للفتاة ستة عشر عاماً ، وبالنسبة للفتى ثمانية عشر عاماً. ويرجع السبب فى هذه التفرقة إلى اختلاف الفقهاء حول سن البلوغ .
والإعلان العالمى لحقوق الإنسان يقرر حق التزوج وتكوين أسرة للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج دون تحديد لهذا السن . كما قررت المادة 23-2 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية حق الرجال والنساء الذين بلغوا سن الزواج فى التزوج وتكوين أسرة. أما الاتفاقية الدولية لمكافحة التمييز ضد المرأة ، فقد قررت فى المادة 16-2 عدم ترتيب أى أثر قانونى لخطوبة “الطفل” أو زواجه ، ودعت الدول لاتخاذ جميع الاجراءات الضرورية بما فيها التشريع ، لتحديد سن أدنى للزواج . كما أن المادة 16-1 من الاتفاية تدعو الدول الاطراف لاتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة فى كافة الامور المتعلقة بالزواج.
وإذا رجعنا إلى قانون الطفل المصرى رقم 12 لسنة 1996 وجدناه يعرف الطفل فى مادته الثانية بأنه “كل من لم يبلغ ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة ، وذلك دون تفرقة بين الذكر والأنثى .
ويعنى ذلك أن قانون الطفل يعتبر الفتاة دون سن الثامنة عشرة طفلة . وحيث أن الاتفاقية الدولية لمكافحة التمييز ضد المرأة تحظر زواج “الطفل” وتجعله عديم الأثر من الناحية القانونية ، فإنه يكون من غير الجائز قانوناً – بعد التزام مصر بالاتفاقية – تحديد السن الأدنى لزواج الفتاة بستة عشر عاماً . هذا فضلا عما يتضمنه هذا التمييز بين الرجل والمرأة فى سن الزواج من مخالفة للاتفاقية لإخلاله بمبدأ المساواة فى أمر من الأمور المتعلقة بالزواج .
ولا يحتج على الاتفاقية فى هذا الشأن بأن مصر تحفظت عند التصديق على نص المادة 16 من الاتفاقية بشأن تساوى المرأة بالرجل فى كافة الأمور المتعلقة بالزواج بألا يخل ذلك بأحكام الشريعة الاسلامية . فتحديد سن الزواج تم بقانون ، ولا يوجد حكم قطعى الثبوت والدلالة يفيد ضرورة التفرقة بين الذكر والأنثى فيما يتعلق بالسن الأدنى للزواج فى الشريعة الاسلامية .
هذا فضلا عن أن المادة 28 من الاتفاقية لا تجيز أى تحفظ يكون منافياً لموضوعها وغرضها ، ولا نعتقد أن التحفظ المصرى كان المقصود منه تكريس التفرقة بين الرجل والمرأة فى تحديد السن الأدنى للزواج . فهذه التفرقة قصد منها مراعاة ما جرى عليه العمل فى بعض الثقافات من تفرقة بين الذكر والأنثى فى سن الزواج ، وهى تفرقة ليس لها ما يبررها ، كما أنها تؤدى إلى تحميل الفتاة بأعباء ومسؤوليات لا تتناسب البتة مع حداثة سنها ، وقد تكون سبباً فى حرمانها من الحق فى الحصول على التعليم والعمل وغير ذلك من الانشطة الاجتماعية المتصلة بتطورها الشخصى .
وقد جاء فى التعليق رقم 4 لسنة 2003 للجنة حقوق الطفل فى دورتها الثالثة والثلاثون بتاريخ 19 مايو – 6 يونيه 2003 أن اللجنة يساورها القلق لأن الزواج والحمل فى سن مبكرة يعتبران عاملاً من العوامل الهامة فى المشاكل الصحية المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية بما فى ذلك متلازمة نقص المناعة البشرية / الإيدز .
وما زالت كل من السن الدنيا القانونية والسن الفعلية للزواج ، لا سيما بالنسبة للبنات منخفضة جداً فى العديد من الدول الاعضاء … وتوصى اللجنة بشدة الدول الاطراف باستعرض التشريعات والممارسات ، واصلاحها عند الضرورة ، بغية رفع السن الدنيا للزواج بموافقة أو بدون موافقة الوالدين ، إلى الثامنة عشرة ، بالنسبة للفتيات والفتيان على السواء . وقد سبق للجنة القضاء على التمييز ضد المرأة أن أوصت بتوصية مماثلة فى تعليقها العام على الاتفاقية رقم 21 لسنة 1994 .
لذلك نقترح تدخل المشرع المصرى لإزالة هذه التفرقة بين الرجل والمرأة فى السن الادنى للزواج ، وجعل هذا السن ثمانية عشر عاما. فهذه التسوية تزيل التعارض بين القانون المصرى والاتفاقية الدولية لمكافحة التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل ، ولا تتعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية ، لعدم وجود أصل ثابت فى أدلتها المتفق عليها يقر التفرقة بين الجنسين ، وما ورد فى هذا الخصوص هو اجتهاد للفقهاء انقسم حوله الرأى فيما بينهم . ولا يغيبن عن البال أن رفع السن الادنى للزواج بالنسبة للفتاة إلى ثمانية عشر عاماً أسوة بالرجل تفرضه ضرورة اجتماعية واضحة .
ب – حق حامل الفيروس فى الزواج :
حق التزوج وتكوين أسرة من حقوق الإنسان المعترف بها فى المواثيق الدولية والقوانين الداخلية . فالزواج هو السبيل إلى تكوين الأسرة ، والأسرة – وفقا للدستور المصرى (م9) – أساس المجتمع . ولا يوجد نص فى القانون المصرى يحظر الزواج بالنسبة لمن بلغ السن الادنى للزواج .
لكن المسألة التى تثور بصدد الإيدز هى إمكانية فرض فحص سابق على الزواج ، بهدف الوقاية من انتشار فيروس الإيدز بسبب الزواج بين شخصين أحدهما حامل الفيروس .
عرض اقتراح على مجلس الشعب بمشروع قانون يجعل الفحص السابق على الزواج إلزامياً ، تفاديا لانتشار عدوى الأمراض التى تنتقل عن طريق العلاقات الجنسية . لكن هذا المشروع رفض ، لأنه يضيف شرطاً لانعقاد الزواج لم يرد فى الشريعة الاسلامية التى هى المصدر الرئيسى للتشريع فى مصر . ومن ثم يكون إلزام المقبلين على الزواج باجراء فحص للتحقق من خلوهم من الأمراض مخالفاً لاحكام الشريعة الاسلامية .
وكنت قد طالبت منذ سنة 1991 باصدار تشريع يقرر الفحص السابق على الزواج كشرط لانعقاد الزواج ، بهدف الوقاية من انتشار عدوى الإيدز عن طريق المخالطة الجنسية من الزوج المصاب إلى الزوج السليم ، وللحيلولة دون إنجاب أطفال يحملون بدورهم فيروس الإيدز . وطالبت فى حينه بضرورة أن يتضمن التشريع المقترح نصاً يمنع انعقاد الزواج إذا ثبت بالفحص على نحو يقينى أن أحد الطرفين يحمل فيروس الإيدز .
لكننى عدلت عن هذا الرأى فى شق منه دون الشق الآخر بعد خمسة عشر عاماً من العمل فى مجال القانون والإيدز.
فالشق الأول الذى ينبغى التأكيد عليه هو ضرورة تقرير الفحص الطبى الإلزامى السابق على الزواج ، لما فى ذلك من فوائد أهمها توعية الراغبين فى الزواج بالجوانب الصحية التى قد تؤثر فى استمرار علاقتهم الزوجية ، وحثهم على اتخاذ تدابير الوقاية أو العلاج من الأمراض التى قد تؤدى إلى تعريض الطرف الآخر أو الطرفين للخطر .
أما الشق الآخر الذى لا جدوى منه فى مجال الوقاية من انتشار عدوى الإيدز ، فهو منع انعقاد الزواج إذا كان أحد الطرفين يحمل فيروس الإيدز . ففضلا عن تعارض المنع مع حقوق الإنسان ولو كان مريضاً ، فإن هذا المنع من الزواج غير ذى قيمة فى خصوص مكافحة خطر انتشار العدوى ، لأن المنع من انعقاد الزواج لا يضمن الحيلولة دون ممارسة العلاقة الجنسية خارج اطار عقد الزواج ، كما أن الوقاية من انتشار عدوى الإيدز عن طريق العلاقات الجنسية أثناء الزواج ليست مستحيلة .
لذلك يكون من الأوفق فرض اختبار سابق على الزواج ، ليس بهدف منع انعقاد الزواج فى حالة الإصابة ، لكن من أجل تنبيه المصاب إلى ضرورة اتخاذ وسائل الوقاية من انتشار الفيروس وتحذيره من مغبة إهمال احتياطات الوقاية .
وفى هذا الخصوص تواجه الطبيب الذى أجرى الفحص السابق على الزواج مشكلة قانونية ومهنية فى حالة اكتشاف إصابة أحد المقبلين على الزواج بفيروس الإيدز .
أما المشكلة القانونية ، فقد تكفل القانون المصرى بحلها عندما ألزم الطبيب الذى اكتشف حالة الإيدز بإبلاغ السلطات الصحية المختصة عنها ، وهى تتولى مهمة ابلاغ أسرة المريض ومراقبة من خالطوه من الأشخاص المقيمين معه . وتنص المادة العاشرة من القانون الكويتى فى شأن الوقاية من مرض الإيدز على أنه “إذا ثبت إصابة احد الزوجين بفيروس الإيدز ، فعلى الجهة المختصة بوزارة الصحة العامة ابلاغ الزوج الآخر شخصياً بذلك” .
أما عن المشكلة المهنية ، فإنها تواجه الطبيب الذى يكتشف حالة الإيدز ، ولا يبلغ عنها السلطات الصحية المختصة ، أو يخشى تأخر هذه السلطات فى اتخاذ تدابير لوقاية الطرف الآخر المقبل على الزواج .
فى هذه الحالة تكفلت لائحة آداب مهنة الطب الصادرة سنة 2003 ببيان السلوك الذى ينبغى على الطبيب الالتزام به ، فنصت المادة 30 منها على أنه “لا يجوز للطبيب افشاء أسرار مريضه التى اطلع عليها بحكم مهنته إلا …. فى حالة امكان وقوع ضرر جسيم ومتيقن يصيب الغير ….” . ونرى انه إذا أخطر الطبيب أحد المقبلين على الزواج أو أحد الزوجين بحالة زوجه ، فإن مسؤوليته الجنائية عن افشاء أسرار المهنة تمتنع طبقا لنص المادة 61 من قانون العقوبات ، لأن سلوك الطبيب تفرضه ضرورة وقاية غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به إذا لم يكن فى قدرته منعه بطريقة أخرى .
جـ- حقوق وواجبات الزوجين :
تقرر المواثيق الدولية مبدأ المساواة بين الزوجين فى الحقوق والواجبات . وقد أكدت المادة 16 من الاتفاقية الدولية للقضاء على صور التمييز ضد المرأة هذا المبدأ ، ودعت الدول الاطراف لاتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة فى كافة الامور المتعلقة بالزواج والعلاقات الاسرية ، بضمان نفس الحق فى عقد الزواج ، ونفس الحق فى حرية اختيار الزوج ، وفى عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل ، ونفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه .. الخ .
وعلى الرغم من ضعف تعلق هذا الموضوع بحقوق الإنسان فى مجال الإيدز ، إلا أن يكون المقصود من ذلك ضمان حقوق وواجبات متساوية للرجل والمرأة عند إصابة أحدهما دون الآخر بفيروس الإيدز ، ولا يوجد فى القانون المصرى ما يحول دون الاعتراف للزوجين بهذه الحقوق على قدم المساواة ودون تفرقة موضوعية بينهما .
وفيما عدا هذا المنظور الخاص بحقوق الإنسان فى مجال الإيدز ، يضمن القانون المصرى المساواة فى الحقوق والواجبات بين الزوجين ، وذلك دون اخلال بما تكفله الشريعة الاسلامية للزوجة من حقوق مقابلة لحقوق الزوج تحقيقاً للتوازن بينهما ، فى اطار تحقيق مصلحة الأسرة ، ومراعاة لما تقوم عليه العلاقات الزوجية فى مصر من قدسية مستمدة من العقائد الدينية الراسخة التى لا يجوز الخروج عليها . وفى هذا الإطار ينبغى فهم حدود التحفظ المصرى على نص المادة 16 من الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ، بأن يكون تطبيق نص هذه المادة دون اخلال بأحكام الشريعة الاسلامية .
ويلاحظ أخيراً أن تطور الفكر والتشريع فى مصر فى السنوات الأخيرة يميل إلى تقليل الفوارق بين الجنسين فى مجالات عديدة . ويكفى أن نشير فى اطار حقوق وواجبات الزوجين إلى إقرار القانون المصرى لنظام الخلع بالنسبة للزوجة بمقتضى القانون رقم 1 لسنة 2000.
أما ما قد يبدو من مظاهر واقعية للتفرقة بين الجنسين فى مجال علاقات الأسرة، فهو ثقافة مجتمعية وعادات موروثة ، لا علاقة لها بالشريعة الاسلامية ، ولا يكون القضاء عليها عن طريق التشريع ، وإنما عن طريق التوعية والارشاد لتدعيم ثقافة المساواة والاحترام المتبادل بين الزوجين .
ثانيا – الحمل والإنجاب :
إذا كان أحد الزوجين أو كلاهما يحمل فيروس الإيدز قبل الزواج أو انتقلت إليه عدواه بعد الزواج ، فمن غير الممكن قانوناً منعهما من الإنجاب عن طريق القانون ، لعدم جدوى أى نص قانونى يقرر حظر الإنجاب فى هذه الحالة .
ومع ذلك فإن غالبية حالات إصابة الرضع والأطفال الصغار ترجع إلى انتقال الفيروس من الام إلى الطفل ، أثناء الحمل ، أو الولادة ، أو الرضاعة الطبيعية .
وقد يبدو أن مكافحة انتشار فيروس الإيدز يتطلب حظر الإنجاب . لكننا نرى أن مواجهة هذا الخطر لا تكون بتدخل قانونى ، وإنما تكون عن طريق التوعية والتثقيف للأسباب التالية :
1- أنه ليس من الثابت علمياً انتقال فيروس الإيدز من الام المصابة إلى الجنين فى كل الحالات . فالدراسات العلمية تشير إلى أن احتمال التعرض لخطر انتقال الفيروس إلى الجنين فى الرحم أو أثناء الولادة يتراوح بين 20 إلى 40% . ويعنى ذلك أن هناك حالات لا يوجد فيها هذا الانتقال .
2- أنه من الممكن تشجيع الفصل بين الزواج كعلاقة جنسية والإنجاب . ويتطلب ذلك إزالة العوائق التى تحول دون الدعاية لوسائل منع الحمل دون استثناء ، باعتبارها ليس فقط وسيلة لتنظيم الأسرة ، وإنما بالنظر إليها على أنها وسيلة للوقاية من الأمراض التى تنتقل عن طريق العلاقات الجنسية .
3- إعادة النظر فى تجريم الإجهاض إذا ثبت علمياً على نحو يقينى أن الجنين سيولد مصاباً بفيروس الإيدز لانتقاله إليه أثناء الحمل . ويتطلب ذلك اجراء اختبار خاص بالفيروس طوعاً للسيدات الحوامل وشركائهن فى بداية الحمل ، ومتابعة حالة الجنين طوال فترة الحمل للتأكد من عدم اصابته بالعدوى من الأم .
خلاصة ما تقدم أن الحق فى الحمل والإنجاب حق لا يقبل “الاسقاط” بنص قانونى ، لأنه يكون نصاً غير دستورى ومخالفاً كذلك للاتفاقية الدولية لضمان حقوق المرأة ، وهى تؤكد حق المرأة فى أن تقرر ، بحرية وبإدراك للنتائج ، عدد أطفالها والفترة بين إنجاب طفل وآخر . ويقتضى ذلك أن تكفل الدولة عدم اضطرار المرأة إلى اللجوء للإجراءات الطبية غير المأمونة مثل الإجهاض غير المشروع بسبب الافتقار إلى الخدمات المناسبة فيما يتعلق بالتحكم فى الخصوبة .
وقد ورد فى التوصية العامة رقم 15 للجنة القضاء على التمييز ضد المرأة فى دورتها التاسعة المنعقدة سنة 1990 ضرورة “الاهتمام الخاص بحقوق وحاجات النساء والأطفال فى مجال مكافحة مرض الإيدز ، وبالعوامل المتصلة بالدور الإنجابى للمرأة الحاملة لفيروس الإيدز” .
والقانون المصرى يحمى حق المرأة فى الإنجاب بوصفه حقاً دستوريا ، اعمالاً لما تقرره المادة العاشرة من الدستور الخاصة بكفالة الدولة لحماية الأمومة والطفولة . لكن هذه الحماية لا تنفى امكان تنظيم هذا الحق بتدابير لا تتضمن مصادرته كلية ، بل يكون الهدف منها حماية الأم ومنع انتقال الفيروس منها إلى الطفل ، وتحسين نوعية حياة السكان وصحتهم بوجه عام ، تحقيقا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة .
وفى هذا الخصوص نقترح ما يلى :
1- النص على حظر عمليات الإنجاب المساعد (التلقيح الصناعى) إذا كان احد الزوجين يحمل فيروس الإيدز .
2- النص على جواز الالتجاء إلى الإجهاض إذا ثبت أن الجنين سيولد مصاباً بمرض على درجة عالية من الخطورة وغير قابل للعلاج وقت إجراء التشخيص .
وفى التعليق العام رقم 3 لسنة 2003 للجنة حقوق الطفل فى دورتها الثانية والثلاثين على اتفاقية حقوق الطفل ، بشأن فيروس نقص المناعة البشرى / الإيدز وحقوق الطفل ، وفى خصوص انتقال الفيروس من الأم إلى الطفل ، طلبت اللجنة من الدول الاعضاء تنفيذ الاستراتيجيات التى توصى بها الوكالات التابعة للأمم المتحدة لمنع إصابة الرضع والأطفال الصغار بالفيروس ، وتشمل هذه الاستراتيجيات :
أ- توفير الوقاية الأولية للأشخاص الذين ينتظرون طفلاً من اصابتهم بالفيروس .
ب- وقاية المصابات بالفيروس من الحمل المفاجئ .
جـ- منع انتقال الفيروس من المصابات به إلى أطفالهن الرضع .
د – توفير الرعاية والعلاج والدعم للمصابات بالفيروس ولأطفالهن الرضع وأسرهن.
ثالثاً – الطلاق :
تثير الإصابة بفيروس الإيدز مسألة حكم الزواج من حيث الاستمرارية ، إذا ثبت إصابة احد الزوجين بفيروس الإيدز ، ولم تكن الإصابة قد انتقلت بعد إلى الزوج الآخر .
لاشك فى انه من الممكن تجنب إصابة الزوج الآخر عن طريق اتخاذ أساليب الوقاية من انتقال الفيروس إليه .
لكن المسألة التى تعرض فى هذا الخصوص هى مدى اعتبار الإصابة بفيروس الإيدز سبباً من الأسباب التى تجيز الطلاق فى القانون المصرى ؟ الإجابة على هذا السؤال لا تثير خلافاً فى النظام القانونى الحالى ، سواء بالنسبة للمسلمين أو لغير المسلمين .
أ – الطلاق عند المسلمين :
يجيز فقهاء المسلمين الطلاق استثناءً إذا كان استمرار الحياة الزوجية قد صار مستحيلاً لأسباب معينة ، منها الأمراض الخطيرة لدى أحد الزوجين . ويعطى الفقهاء أمثلة لهذه الأمراض ، فيذكرون الجذام والجنون أو كل مرض آخر خطير يجعل الحياة المشتركة بين الزوجين مستحيلة . لذلك يكون مناط الفصل فى امكان الطلاق بسبب الإيدز هو تحديد ما إذا كان من شأن الإصابة بفيروس الإيدز أن تستحيل الحياة المشتركة بين الزوجين .
الحقيقة أن وقاية الزوج الآخر من انتقال العدوى إليه ليست مستحيلة من الناحية المادية. أما الاستحالة النفسية للحياة المشتركة بين الزوجين ، فتتوقف على طبيعة العلاقة الزوجية وظروف الحياة بين الزوجين ، سواء كانت الإصابة بالفيروس سابقة على انعقاد الزواج أو لاحقة على ذلك .
فإذا قرر الزوج استحالة الحياة مع زوجته المصابة بفيروس الإيدز ، وثبت أن الإصابة لم تنتقل إليه بعد ، كان له أن يطلق زوجته بإرادته المنفردة دون حاجة للالتجاء إلى القضاء .
أما بالنسبة للزوجة التى تثبت إصابة زوجها بفيروس الإيدز ، فإن القانون رقم 25 لسنة 1929 يقرر فى مادته السادسة حق الزوجة فى الالتجاء إلى القضاء طالبة التطليق من زوجها إذا كان يوجد به عيب أو مرض يستحيل الشفاء منه أو يقتضى علاجه وقتاً طويلاً . والإيدز لا علاج له فى الوقت الحاضر ، وخطر انتقاله عن طريق الاتصال الجنسى من الأمور المؤكدة ، إذا لم تتبع أساليب الوقاية التى تحمى من هذا الانتقال .
وقد أقر القانون رقم 1 لسنة 2000 ، بشأن تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية فى المادة 20 منه ، امكان الاتفاق بين الزوجين على الخلع . فإن لم يحدث التراضى وأقامت الزوجة دعواها بطلب الخلع امام القضاء ، وتنازلت عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذى أعطاه لها ، حكمت المحكمة بتطليقها طلاقاً بائنا . ويكون الحكم غير قابل للطعن عليه بأى طريق من طرق الطعن .
ب- الطلاق عند غير المسلمين :
الأمراض الخطيرة تعد سبباً من أسباب التطليق عند غير المسلمين . ووفقا لقانون 1948 الخاص بالاقباط الارثوذكس ، المرض الخطير هو المرض المعدى الذى يشكل خطراً على صحة الزوج الآخر ويكون غير قابل للعلاج . ويعطى الفقه أمثلة لهذه الأمراض بالجذام، كما اعتبر القضاء من هذه الأمراض مرض السل والأمراض الزهرية التى تنتقل عن طريق المخالطة الجنسية . ولا يختلف الحكم بالنسبة لمرض الإيدز ، إذا لم يكن الفيروس قد انتقل بعد إلى الزوج السليم .
ونشير فى نهاية دراسة علاقة مرض الإيدز بالطلاق باعتباره سبباً له أن أبغض الحلال إلى الله الطلاق ، وأن إصابة أحد الزوجين بمرض لا ينهض مبرراً كافياً للانفصال عنه، بل إن واجب التضامن بين الزوجين يفرض على كلاهما أن يكون عونا للآخر عند الشدائد . كما أن الوقاية من انتقال العدوى بين الزوجين ممكنة .
وقد أكد إعلان القاهرة للقادة الدينيين فى البلاد العربية الصادر فى ديسمبر 2004 على تفهمه لدعوة الاطباء وأهل الاختصاص لاستخدام وسائل الوقاية المختلفة لدفع الضرر عن النفس والآخرين . كما أكد الإعلان على حق المرأة فى حماية نفسها من التعرض للايدز والاستفادة من الخدمات الصحية والتثقيفية . بل إن هذا الإعلان قد أكد حرمة كل سلوك يتسبب فى نقل عدوى الإيدز عمداً ، أو اهمالا “نتيجة عدم استخدام كل وسائل الوقاية المتاحة والممكنة والتى لا تخالف الشرائع السماوية ” . ولا مخالفة للشرائع السماوية فى استعمال كل وسائل الوقاية التى تحمى أحد الزوجين من انتقال عدوى الإيدز إليه عن طريق الزوج الآخر.
رابعا – الحضانة والزيارة :
الحضانة نوع من الولاية على الصغير ، تفرض على الحاضن أو الحاضنة واجبات تتصل برعاية الاطفال وتأمين صحتهم وضمان تعليمهم ، وحمايتهم وتجنب إلحاق الضرر بهم.
ومن المقرر شرعا وقانونا فى مصر أن مناط ثبوت الحضانة هو مصلحة الصغير فى جميع الأحوال . ويتفق هذا مع ما تؤكده المادة الثالثة من اتفاقية حقوق الطفل التى تنص على أنه “فى جميع الاحوال التى تتعلق بالأطفال … يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى”. وتقرر المادة الخامسة من الاتفاقية ضرورة احترام الدول مسؤوليات وحقوق وواجبات الوالدين.. أو الاوصياء أو غيرهم من الأشخاص المسؤولين قانوناً عن الطفل .
أما المادة التاسعة من الاتفاقية فتلزم الدول بضمان عدم فصل الطفل عن والديه على كره منهما ، إلا عندما تقرر السلطات المختصة أن هذا الفصل ضرورى لصون مصالح الطفل الفضلى ، كما فى حالة إساءة الوالدين معاملة الطفل أو اهمالهما له ، أو عندما يعيش الوالدان منفصلين ويتعين اتخاذ قرار بشأن محل اقامة الطفل (م 9-1) . وتوجب المادة 9-3 على الدول احترام حق الطفل المنفصل عن والديه أو عن أحدهما فى الاحتفاظ بصورة منتظمة بعلاقات شخصية واتصالات مباشرة بكلا الوالدين ، إلا إذا تعارض ذلك مع مصالح الطفل الفضلى .
وعلى المستوى الوطنى من المقرر قانونا وجوب أن تكون الحاضنة فى صحة جيدة، قادرة على القيام بواجبات الحضانة . وبناء عليه لا يثبت الحق فى حضانة الصغير للمرأة المريضة أو العاجزة عن القيام بواجباتها . وبصفة خاصة لا يمنح حق الحضانة إذا كانت من تطالب بحضانة الصغير مصابة بمرض معد من شأنه أن يضع صحة أو حياة الطفل فى خطر. ويعنى ذلك امكان رفض منح الحق فى حضانة الصغير إذا وجدت أسباب جدية تدعو إلى الاعتقاد بأن الحاضنة يمكن أن تنقل إلى الطفل العدوى بفيروس الإيدز .
ومما يرتبط بحق الحضانة إرضاع الأم المصابة بفيروس الإيدز لطفلها . ولا يوجد فى القانون المصرى نص يتعلق بحظر الإرضاع إلا بالنسبة للمرأة التى تحترف الإرضاع . فنص المادة العاشرة من قانون مكافحة الأمراض الزهرية رقم 158 لسنة 1950 يحظر على المرأة أن تشتغل مرضعا إلا بعد الكشف عليها من أحد الاطباء وثبوت خلوها من الأمراض الزهرية وغيرها من الأمراض المعدية ، وتعطى شهادة بنتيجة الكشف يعمل بها لمدة ثلاثين يوما فقط من تاريخ الكشف إذا كانت دالة على الخلو من المرض .
أما بالنسبة للأم التى ترضع طفلها ، فيلزم أن تقدم لها المشورة بشأن خيارات الرضاعة إذا كانت مصابة بفيروس الإيدز . وتفيد الادلة المتاحة بأن الرضاعة الطبيعية يمكن أن تضاعف من خطر انتقال الفيروس من الأم المصابة إلى الطفل بنسبة تتراوح بين 10 ، 20 فى المائة وتوصى الوكالات التابعة للأمم المتحدة بأنه فى الحالات التى تكون فيها التغذية التى تحل محل الرضاعة ميسورة الكلفة وممكنة التنفيذ ومقبولة ومستدامة وآمنة ، يجب أن تتجنب الامهات المصابات بالفيروس ارضاع أطفالهن .
أما حق الزيارة الذى تؤكده اتفاقية حقوق الطفل ، فهو مقرر فى الحدود التى لا تشكل خطراً على صحة الطفل أو أخلاقه .
لذلك يثبت لحامل الفيروس من الابوين حق زيارة طفله الموجود فى حضانة أحد والديه ، شريطة ألا يكون من شأن الزيارة تعريض صحة الطفل للخطر .
من ذلك نرى أن مصلحة الطفل الفضلى هى محل الاعتبار فى إقرار حق الحضانة أو الحرمان منه . بيد أنه ينبغى النظر إلى مصلحة الطفل بمفهومها الواسع ، الذى لا يقتصر على حمايته من خطر انتقال عدوى الإيدز إليه ، وإنما يمتد كذلك ليشمل حالته النفسية ، وما ينبغى أن تكون عليه علاقاته بزملائه وأصدقائه فى ضوء موقفهم منه . لذلك قد تفرض مصلحة الطفل العليا حرمان الأم حاملة الفيروس / الإيدز من حق حضانة طفلها إذا كان ذلك سوف يؤدى إلى اتخاذ مواقف عدائية منه من جانب أصدقائه أو أولياء أمورهم .
وعلى العكس قد تفرض “المصلحة العليا للصغير” عدم حرمان الاب أو الأم حاملة الفيروس/ الإيدز من حق حضانة طفلها ، بل إن هذه المصلحة ذاتها يمكن أن تفرض إقرار حق الحضانة رغم الإصابة بالفيروس .
ولم يعرض الأمر على القضاء المصرى كى يقول كلمته فيه . ومع ذلك لا نرى ما يبرر حرمان الأم من حق حضانة وليدها متى كانت قادرة على القيام بواجباتها وتوفير الرعاية لطفلها . ولا شك فى أن الأم قادرة على تجنب الحاق الضرر بطفلها فى تعاملها معه، ولا تعد إصابة أحد الوالدين بفيروس الإيدز سبباً كافياً لتقييد حقه فى الحضانة أو فى الزيارة.
المبحث الثانى
الحق فى التعليم
الحق فى التعليم من الحقوق التى كفلها الدستور المصرى . فالمادة 18 من الدستور تنص على أن “التعليم حق تكفله الدولة وهو إلزامى بالمرحلة الابتدائية وتعمل الدولة على مد الإلزام لمراحل أخرى ..” . ونصت المادة 20 من الدستور على أن “التعليم فى مؤسسات الدولة التعليمية مجانى فى مراحله المختلفة ” .
وبهذه النصوص يؤكد الدستور ما قررته المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بشأن الحق فى التعليم . فالمادة 26 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان تقرر حق كل شخص فى التعلم الذى ينبغى أن تيسر سبله ، وأن يكون إلزاميا ومجانياً فى بعض مراحله . وقد فصلت المادة 13-2 من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حق كل فرد فى الثقافة ، وما يقتضيه التحقيق الكلى لهذا الحق من ضمان الحق فى التعليم الابتدائى الإلزامى المجانى للجميع، واتاحة سبل التعليم الثانوى ، وتيسير التعليم العالى للجميع على أساس الكفاءة بكل الوسائل المناسبة ، ومتابعة تطوير النظام التعليمى على كافة المستويات .
كما أن المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل تقرر أن الدول الاطراف تعترف بحق الطفل فى التعليم ، وتنص على التدابير اللازمة للاعمال الكامل لهذا الحق تدريجياً وعلى أساس تكافؤ الفرص ، ومن هذه التدابير بوجه خاص :
أ – جعل التعليم الابتدائى إلزامياً ومتاحاً مجاناً للجميع .
ب- تشجيع تطوير شتى أشكال التعليم الثانوى ، وتوفيرها واتاحتها لجميع الاطفال.
جـ- جعل التعليم العالى متاحا للجميع على أساس القدرات .
د – جعل المعلومات والمبادئ الارشادية التربوية والمهنية متوفرة لجميع الاطفال وفى متناولهم .
هـ- اتخاذ تدابير لتشجيع الحضور المنتظم فى المدارس والتقليل من معدلات ترك الدراسة .
ولا شك فى أن حق كل فرد فى الثقافة يشمل الثقافة بمفهومها الواسع الذى لا يقتصر على التعليم بمعناه الضيق ، بل يشمل الثقافة الصحية بما تتضمنه من توعية ووقاية فى دور العلم.
وقد بذلت الحكومة المصرية جهوداً جدية لإصلاح التعليم فى مصر خلال العقد الاخير وأثمرت هذه الجهود عن زيادة الالتحاق بالمدارس بين جماعات كانت محرومة من التعليم من قبل مثل الفتيات والأطفال فى المناطق الريفية بصفة عامة ، وفى صعيد مصر بصفة خاصة ، وانخفض معدل الحرمان من التعليم بمقدار النصف تقريباً . كما زادت معدلات الاستمرار فى الدراسة بين المجموعات المهمشة ، وبخاصة الفتيات .
وفى مجال الانفاق العام على التعليم بجميع مراحله ، تشير الأرقام إلى زيادة مضطردة فى ميزانية التعليم.
ومع ذلك يرصد تقرير التنمية البشرية عن مصر ، الصادر عام 2004 ، بعض مظاهر غياب العدالة فى التعليم ، منها تفاوت معدل الالتحاق بالتعليم باختلاف الموقع الجغرافى والوضع الاقتصادى والاجتماعى ، وضعف الانفاق العام الموجه للتعليم الاساسى مقارناً بالإنفاق على التعليم العالى ، وتحيز الانفاق العام فى المدخلات التعليمية لصالح المدارس فى المناطق الحضرية وفى مجتمعات الطبقة العليا والمتوسطة ، والتفاوت فى المنتج التعليمى بين الفقراء وأبناء الطبقة العليا والمتوسطة ، والتفاوت الكبير فى الانتقال إلى التعليم الثانوى العام والتعليم الجامعى .
وفى خصوص ضمان حقوق الإنسان الخاصة بالأطفال المصابين بفيروس الإيدز فى مجال التعليم ، نستطيع القول بأن مشاكل هؤلاء الأطفال تدور حول محورين : الأول مساهمة قطاع التعليم فى تزويد الاطفال والشباب بالمعلومات، والثانى ضمان حق الاطفال والشباب المتأثرين بالإيدز فى الاستمرار بالتعليم .
أولا – مساهمة قطاع التعليم فى التوعية :
تأثير فيروس الإيدز على حياة الاطفال ينعكس على جميع حقوقهم التى كفلتها اتفاقية حقوق الطفل ، وأهمها الحق فى الصحة (م24 من الاتفاقية) ، والحق فى عدم التمييز (المادة2) ، وحق الطفل فى ايلاء الاعتبار الاول لمصلحته (م 3) ، وحق الطفل فى الحياة والبقاء والنمو (المادة 6) ، وحق الطفل فى التعبير عن أرائه وفى احترام هذه الآراء (المادة12) .
ويبدو حق الطفل فى الحصول على المعلومات والمواد التى تستهدف تعزيز رفاهيته الاجتماعية والروحية والمعنوية وصحته الجسدية والعقلية (المادة 17) ، وحق الطفل فى الرعاية الصحية الوقائية والتثقيف الجنسى والتعليم والخدمات فيما يتعلق بتنظيم الأسرة (المادة24) ، من اكثر الحقوق ارتباطا بالجهود المبذولة للتصدى للفيروس / الإيدز ، ولا يمكن تنفيذ تدابير كافية للتصدى لفيروس الإيدز بالنسبة للأطفال إلا باحترام هذه الحقوق احتراما كاملا .
ويقتضى ضمان حقوق الطفل فى هذا المجال تزويد الاطفال بالمعلومات ذات الصلة بالفيروس / الإيدز .
وتهدف هذه المعلومات إلى :
1- زيادة وعى الاطفال والشباب بالفيروس وطرق انتقاله ووسائل الحماية منه .
2- حماية الاطفال والشباب المصابين بالفيروس أو المتأثرين به من التهميش والمواقف التمييزية والعدائية ، التى تسهم فى زيادة تعرضهم للإصابة وتؤثر فى حياتهم تأثيراً شديداً .
3- دفع الاطفال إلى التعبير عن رأيهم فى أثر الفيروس / الإيدز على حياتهم وفى وضع سياسات وبرامج لمكافحته ، وتشجعيهم على الاشتراك بالأنشطة داخل المدارس وخارجها التى تستهدف تقييم الاحتياجات واستنباط الحلول وتصميم الاستراتيجيات الخاصة بوضع مفهوم السياسة العامة والبرامج المتعلقة بمكافحة الفيروس / الإيدز ، وتنفيذها وتنسيقها ورصدها واستعراضها .
وتقتضى التوعية الواجب استهدافها فى قطاع التعليم اشراك الأطفال الذين يعيشون بالفيروس / الإيدز فى حملات التوعية داخل المدارس وعلى مستوى المجتمع المحلى . ويفيد ذلك فى تفعيل الوقاية والحد من التشهير والتمييز والتهميش لهؤلاء الأطفال . ويجب لهذا الهدف أن تؤمن مؤسسات التعليم اشتراك الأطفال فى جهود التوعية بمحض ارادتهم ، كما تؤمن لهم الدعم الاجتماعى والحماية القانونية للعيش بشكل طبيعى أثناء مرحلة اشتراكهم وبعدها.
ونشير فى هذا المجال إلى أن الدولة تبذل جهوداً جدية وإن كانت غير كافية فى مجال توعية الأطفال والشباب فى المدارس والجامعات وعن طريق وسائل الاعلام التى تستهدف الاطفال والشباب .
وتدرك السلطات الصحية القائمة على شؤون التوعية أن فاعلية الوقاية من الفيروس/ الإيدز تتطلب الامتناع عن فرض الرقابة على المعلومات ذات الصلة بالصحة .
وفى دور التعليم تنظم لقاءات مع الاطفال فى المدارس والشباب فى الجامعات والمعاهد للتوعية ونشر المعلومات الخاصة بالوقاية من الفيروس / الإيدز . ويتم توفير هذه المعلومات عن طريق توزيع النشرات المتضمنة لأساليب الوقاية والمنبهة إلى عدم جدوى التمييز والتهميش لمن يعيشون بالفيروس / الإيدز فى وقاية الشخص من العدوى .
ويتولى البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز بالتعاون مع المنظمات الاهلية تنظيم اللقاءات فى مختلف دور العلم . وتبذل الجمعية المصرية لمكافحة الإيدز على مستوى الجمهورية بصفة عامة ، والإسكندرية بصفة خاصة ، جهوداً جدية فى التوعية فى داخل المدارس والجامعات .
وقد ساهم كاتب هذا التقرير مع الجمعية المصرية لمكافحة الإيدز منذ نشأتها فى جهود التوعية فى مختلف مدارس الاسكندرية وكليات جامعة الاسكندرية ، بالحديث عن الجوانب القانونية وحماية حقوق الإنسان كضمان للوقاية من الفيروس / الإيدز .
وفى اطار نشاط البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز ، وفى مجال التوعية والتثقيف فى قطاع التعليم ، قام البرنامج بما يلى :
1- تنفيذ العديد من الأنشطة لطلاب الجامعات والمدارس بجميع المحافظات لتوعية الطلاب عن مرض الإيدز وإدراج مكافحة الإيدز ضمن الانشطة الطلابية .
2- تنفيذ برنامج لتوعية طلبة المدارس الاعدادية والثانوية فى المحافظات ، وتم طباعة وتوزيع كتيب مبسط يشمل معلومات عن مرض الإيدز للطلبة .
3- تنفيذ برنامج لتوعية طلبة الجامعات فى 60 كلية ومعهد عالى لتوعية طلاب الجامعات عن مرض الإيدز والوقاية منه ، ويشمل البرنامج محاضرات توعية للطلبة وإجراء مسابقات بين الطلبة عن معلوماتهم عن المرض .
4- تم إدراج مكافحة الإيدز ضمن المناهج الدراسية فى المرحلتين الاعدادية والثانوية بالاشتراك مع مركز تطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم .
وتوجد فى داخل المدرسة وحدة صحية تعنى بالوقاية والرعاية والعلاج والدعم ، ضمانا لحق الاطفال فى الصحة الذى يقرره الدستور المصرى والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
ومع ذلك يجب أن نعترف بعدم كفاية جهود التوعية المبذولة فى داخل مؤسسات التعليم. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب :
1- تفاوت الجهد المبذول بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية .
2- وجود بعض المعوقات الثقافية التى تحد من فاعلية جهود التوعية فى دور التعليم، لاسيما بالنسبة للفتيات .
3- قصور الموارد المالية والتقنية اللازمة لاستمرار جهود التوعية وتعميمها فى جميع المدارس وفى كل المناطق .
4- عدم كفاية العناصر البشرية المؤهلة للقيام بهذا الجهد التوعوى فى كافة المدارس.
5- نقص الادراك لأهمية المشكلة مقارنة بغيرها من المشاكل التى يعتقد المسؤولون عن التوعية بالمدارس والجامعات أنها أحق بأن توجه اليها جهود التوعية .
ثانيا – ضمان حق الاطفال والشباب المتأثرين بالإيدز فى الاستمرار فى التعليم :
طبقا للمادة الثانية من اتفاقية حقوق الطفل تلتزم الدول بكفالة جميع حقوق الطفل الموضحة فى الاتفاقية دون أى نوع من أنواع التمييز، ” بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصى القانونى عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسى أو غيره أو أصلهم القومى أو الاثنى أو الاجتماعى أو ثروتهم أو عجزهم أو مولدهم أو أى وضع آخر”.
وقد فسرت لجنة حقوق الطفل عبارة ” أى وضع أخر ” المنصوص عليها فى الاتفاقية على أنها تشمل وضع الطفل المصاب بالفيروس / الإيدز أو وضع أبويه المصابين .
ولا يوجد فى نصوص القانون المصرى أو فى الممارسات الفعلية لمؤسسات التعليم ما يسمح بحرمان الطفل المتأثر بالإيدز من الاستمرار فى التعليم . فالحالة المرضية ليس سببا للحرمان من التعليم ، سواء كانت حالة الطفل ذاته أو حالة أبويه المصابين بالمرض . فالتعليم حق تكفله الدولة طبقا للدستور، ومما يتعارض مع كفالة هذا الحق حرمان الطفل المريض من الاستمرار فى التعليم .
وفى لقاءات مع مديرى المدارس أكدوا أن المسألة لم تعرض على بساط البحث فى مدارسهم، وأنه فى حالة اثارة الموضوع بالنسبة لأحد الأطفال يكون المرجع طبيب المدرسة الذى يحدد الموقف الواجب اتخاذه مع تقديم الرعاية الصحية الأساسية للطفل المصاب . لذلك يكون من الضرورى :
1- تعزيز برامج التثقيف والتدريب للقائمين على الشؤون الصحية فى مرافق التعليم بهدف توعيتهم بمخاطر التمييز والتشهير المرتبطة بالفيروس / الإيدز، وبضرورة توفير خدمات المشورة بشكل مؤمن على سريته للأطفال المصابين ووالديهم .
2- التأكيد فى نصوص قانونية واضحة على الحق الدستورى للطفل المصاب بالفيروس فى الاستمرار فى التعليم، وعلى خطر اتخاذ مواقف تمييزية تؤدى إلى حرمان الطفل من الحق فى التعليم بسبب اصابته هو أو والديه بالفيروس، مثل عزله أثناء تلقى الدروس أو ممارسة الانشطة أو غير ذلك من صور الاستبعاد أو التهميش .
والدول الاطراف فى اتفاقية حقوق الطفل – ومنها مصر – ملتزمة بإتاحة التعليم الابتدائى لجميع الاطفال ، سواء كانوا مصابين أو ايتاما أو متأثرين خلاف ذلك بالفيروس/ الإيدز . لذلك يكون على الدول الاطراف التزام بان توفر اعتمادات كافيه وتدابير قانونية تؤمن بقاء الاطفال المتأثرين بالفيروس / الإيدز فى المدارس ، وتكفل الاستعاضة عن المدرسين المصابين بالمرض بمدرسين مؤهلين حتى لا يتأثر الالتحاق المنتظم للأطفال بالمدارس، وحتى يكون الحق فى التعليم الذى تكفله المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية محمياً حماية كاملة لصالح جميع الاطفال .
الفصل الخامس
القواعد المنظمة للحياة الاقتصادية
فى مجال تنظيم الحياة الاقتصادية لحامل الفيروس / الإيدز وضمان حقوق الإنسان بالنسبة له، يمكن بلورة الموضوع فى السؤال الاتى : هل يجوز من منظور حقوق الإنسان اقصاء حامل الفيروس / الإيدز عن الحياة الاقتصادية للمجتمع، أو اخضاعه لقواعد تقيد من حريته الاقتصادية، لكونه يحمل خطر نقل عدوى الإيدز إلى غيره ؟ .
الاجابة على هذا التساؤل تقتضى بداية أن نشير إلى القواعد القانونية التى تضمن للإنسان ممارسة حقوق الاقتصادية ، ثم ننظر فى مدى انطباقها على حامل الفيروس / الإيدز.
المبحث الأول
الإطار القانونى للحقوق الاقتصادية
الحقوق الاقتصادية للإنسان فى القانون المصرى يؤكد الدستور المبادئ التى تضمن تمتع المواطن بها ، كما أنها واردة فى المواثيق الدولية التى تعد كذلك مصدراً للتمتع بها فى القانون المصرى .
أولا : الحقوق الاقتصادية فى الدستور المصرى :
الحقوق الاقتصادية فى الدستور المصرى تقررها عدة مبادئ تضمنها الدستور ، وتشكل إطاراً حاكما للتنظيم القانونى لهذه الحقوق :
1- مبدأ تكافؤ الفرص ، وورد فى المادة الثامنة من الدستور ، ونصها ” تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين “.
2- الحق فى العمل ، وورد فى المادة 13 من الدستور ، ونصها ” العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة ….”.
3- الحق فى تولى الوظائف العامة ، وقررته المادة 14 من الدستور ، بنصها على أن ” الوظائف العامة حق للمواطنين …”.
4- الحق فى التأمين الاجتماعى والصحى ، وتقرر فى المادة 17 من الدستور التى تنص على أن ” تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعى والصحى ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعاًُ وذلك وفقا للقانون “.
والحقوق ذات الطابع الاقتصادى وردت فى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان . فالمادة الثانية من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان تقرر مبدأ تكافؤ الفرص ، وكذلك المادة الثالثة من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية . والحق فى العمل وحرية اختياره والحق فى الحماية من البطالة تقرر فى المادة 23 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ، والمادة 6 من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فصلت الحق فى العمل الذى يجب أن يختاره الشخص أو يقبله بحرية .
والحق فى التأمين الاجتماعى والصحى قررته المادة 22 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ، والمادة التاسعة من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية .
يبدو مما تقدم أن الحقوق الاقتصادية للإنسان تدور حول الحق فى العمل والحق فى الضمان الاجتماعى والحـق فى التأمين . فما مـدى تمتع حامل الفيروس / الإيدز بهذه الحقوق ؟
المبحث الثانى
الحقوق الاقتصادية لحامل الفيروس / الإيدز
فى اطار هذه الحقوق يبرز الحق فى العمل وما يمكن أن يرد عليه من قيود ، والحق فى الضمان الصحى والاجتماعى ، والحق فى التأمين على الحياة .
أولا : الحق فى العمل :
يبدو الحق فى العمل من أكثر الحقوق تأثراً بالفيروس / الإيدز ، سواء على المستوى القانونى أو على صعيد الممارسات الفعلية التى قد تميل نحو فرض القيود على حق الإنسان فى العمل ، وهى قيود تنشأ من سوء فهم البعض للحقائق العلمية المتعلقة بفيروس الإيدز .
وقد كان الحق فى العمل فى علاقته بالإيدز من بين الحقوق التى حظيت بعناية كبيرة من منظمة العمل الدولية . لذلك نرى من الملائم عرض وجهة نظر منظمة العمل الدولية فى الموضوع ، قبل أن نتناوله من منظور التنظيم القانونى والممارسة الواقعية فى مصر .
أ – الإيدز وعالم العمل من المنظور الدولى :
يقدر مكتب العمل الدولى أن 70% من الاشخاص الذين يعيشون مع الإيدز حالياً هم من العاملين فى أوج عمرهم المنتج . لذلك يكون الإيدز مشكلة تنمية وليس مجرد قضية طبية ، بما يتضمنه من تهديد لعالم العمل . فهو من ناحية يؤثر على الحقوق الاساسية فى العمل عن طريق التمييز والوصم وزيادة الطلب على الخدمات والضمان الاجتماعى ، وهو من ناحية أخرى يؤثر بشكل أكثر حدة على المجموعات الضعيفة التى تعانى أساساً من التمييز وعدم المساواة مثل النساء والأطفال .
وتشارك منظمة العمل الدولية فى البرنامج العالمى المشترك للأمم المتحدة بشان الإيدز عام 2000 . وفى هذا الخصوص تم تأسيس البرنامج العالمى لمكتب العمل الدولى بشأن الإيدز وعالم العمل ، ويهدف إلى التوعية بالأثر الاجتماعى والاقتصادى للايدز ومساعدة الحكومات وأصحاب العمل والعمال على منع انتشار الإيدز ، ومحاربة الوصم والتمييز فى مجال العمل .
وتحقيقا لتلك الاهداف طور مكتب العمل الدولى مدونة ممارسات بشأن الإيدز وعالم العمل ، تم اعتمادها فى يونيه 2001 ، ووضع استراتيجية وخطة عمل إقليمية للدول العربية عام 2003 . ويقوم نهج منظمة العمل الدولية تجاه الفيروس / الإيدز على تطبيق مبادئ حقوق الإنسان على هذه المشكلة . والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان فى مجال العمل تدور حول الحق فى عدم التمييز بسبب الإصابة بفيروس الإيدز .
وتؤكد مدونة الممارسات بشأن الإيدز وعالم العمل على أنه فى اطار كفالة العمل اللائق واحترام حقوق الإنسان وكرامة الاشخاص المصابين بالفيروس / الإيدز أو المتضررين منه ” ينبغى ألا يكون العاملون موضع أى تمييز على أساس الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية أو شبهة الإصابة به . إذ يؤدى تمييز ووصم المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز إلى عرقلة الجهود الرامية إلى الوقاية منه ” .
وعدم التمييز مقتضاه :
1- ألا يطلب من الاشخاص المتقدمين للعمل أو الملتحقين بعمل اجراء اختبار للكشف عن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز .
2- ألا يطلب من المتقدمين لعمل أو الملتحقين به تقديم معلومات شخصية مرتبطة بفيروس نقص المناعة البشرية . وينبغى عدم اجبار العامل على الكشف عن معلومات شخصية من هذا النوع تتعلق بزملاء آخرين .
3- اخضاع الاطلاع على البيانات الشخصية المرتبطة بحالة عامل مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية لقواعد السرية المنصوص عليها فى مدونة ممارسات منظمة العمل الدولية بشأن حماية البيانات الشخصية للعاملين (1997).
4- ألا تكون الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية سبباً لإنهاء العمل . وينبغى تمكين الاشخاص المصابين بأمراض مرتبطة بفيروس نقص المناعة البشرية من الاستمرار فى العمل طالما كانوا لائقين طبياً لشغل وظيفة متاحة ومناسبة .
5- أن يكون من حق جميع العاملين ، بمن فيهم المتعاملون مع فيروس نقص المناعة البشرية الحصول على خدمات صحية غير مكلفة . وينبغى ألا يكونوا وذووهم نهباً لأى تمييز ضدهم فى الانتفاع ببرامج الضمان الاجتماعى والنظم المهنية التى يكفلها القانون .
6- أن تكون بيئة العمل صحية وأمنة ، بقدر المستطاع ، لجميع الاطراف المعنية بغية الحيلولة دون انتشار فيروس نقص المناعة البشرية طبقاً لأحكام اتفاقية السلامة والصحة المهنية رقم 155 لسنة 1981 .
7 – تحقيق الوقاية من جميع أشكال العدوى عن طريق مجموعة من الاستراتيجيات الملائمة للأوضاع الوطنية والخصوصيات الثقافية.
ويمكن تعزيز الوقاية عن طريق تغيير السلوك ، وتحسين المعارف بصدد العلاج ، وتهيئة بيئة غير تمييزية ، وتقديم المعلومات والتثقيف ، والتصدى للعوامل الاجتماعية والاقتصادية المهيئة للإصابة .
ويرتبط بهذه المبادئ الاساسية حقوق ومسؤوليات عامة بالنسبة للحكومات وسلطاتها المختصة ، وبالنسبة لأصحاب العمل ومنظماتهم ، والعاملون ومنظماتهم . وتركز مدونه ممارسات منظمة العمل الدولية على الوقاية من خلال الاعلام والتثقيف ، والتدريب ، وحظر اجراء الاختبارات عند التعيين أو الاستمرار فى الخدمة ، والرعاية والدعم .
تلك هى النظرة الدولية لعلاقة فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز بعالم العمل ، وما تفرضه تلك النظرة من ممارسات وقواعد قانونية تضمن حقوق الإنسان ، وخاصة حق العمل ، للمصابين بالفيروس أو المشتبه فى اصابتهم به . فما هى النظرة الوطنية لهذه العلاقة؟
ب – الإيدز وعالم العمل من المنظور الوطنى :
يثير الإيدز فى عالم العمل من منظور القانون الوطنى ثلاثة موضوعات : الأول يتعلق بمدى مشروعية الاختبار السابق على الالتحاق بالعمل ، والثانى يتعلق بمدى امكان حظر بعض الاعمال على حامل الفيروس ، والثالث الخلو من الإصابة بالفيروس كشرط للاستمرار فى الخدمة .
1 – الاختبار السابق على الالتحاق بالعمل :
رأينا أن مدونة ممارسات منظمة العمل الدولية بشأن فيروس الإيدز وعالم العمل تحظر ربط قرارات التعيين فى الخدمة بنتائج الاختبارات ، ومن ثم لا يجوز أن تشمل الفحوص الطبية التى تجرى للعامل قبل التعيين اختبارات إلزامية للكشف عن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية ، باعتبار ذلك من قبيل اختبارات وفحوص اللياقة الطبية للعمل .
وفى مصر تحدد المادة 20 من قانون العاملين المدنيين فى الدولة شروط الالتحاق بالوظيفة العامة ، ومنها اللياقة الطبية وفقا لما تقرره اللجنة الطبية المختصة . لذلك ليس هناك ما يمنع من حيث المبدأ من تطلب اجراء فحص سيرولوجى لطالب الوظيفة للتأكد من خلوه من فيروس الإيدز ، فلا يوجد نص قانونى أو لائحى يحظر اجراء هذا الاختبار وجعله إلزامياً. لكن هذا الفحص غير وارد حتى الآن ضمن اختبارات اللياقة الطبية التى تجرى للعامل قبل التعيين فى الوظيفة العامة . ولا نعتقد فى ضرورة ادراج اختبار إلزامى للكشف عن الإصابة بفيروس الإيدز بالنسبة لكل العاملين فى الدولة لعدم جدواه من الناحية الوقائية .
وفى القطاع الخاص تقرر المادة 216 من قانون العمل الجديد رقم 12 لسنة 2003 التزام رب العمل بالكشف الطبى على العامل قبل التحاقه بالعمل للتأكد من سلامته ولياقته الصحية طبقاً لنوع العمل الذى يسند إليه ، وبكشف القدرات للتأكد من لياقة العامل من ناحية قدراته الجسمانية والعقلية والنفسية بما يناسب احتياجات العمل . وتجرى هذه الفحوص طبقاً للأحكام المنظمة للتأمين الصحى ، ولا يوجد فى الاحكام المنظمة للتأمين الصحى ما يلزم بإجراء اختبار إلزامى للكشف عن الإصابة بفيروس الإيدز .
ومع ذلك فان شرط الخلو من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية متطلب لحصول الاجنبى على ترخيص بالعمل . فطبقا للمادة الثانية من قرار وزير الدولة للقوى العاملة والتدريب رقم 469 لسنة 1995 بشأن تنظيم اجراءات الحصول على الترخيص بالعمل للأجان ، على الاجنبى طالب الترخيص أو المنشأة التى ترغب فى استخدام أجانب أن تتقدم بمستندات معينة للحصول على الترخيص بالعمل أو تجديده . من هذه المستندات ” شهادة تفيد خلو الاجنبى من مرض نقص المناعة ( الإيدز ) ، ويعفى من تلك الشهادة :
* الراهبات والرهبان القادمين من الخارج ؛
* الاجانب المقيمين بمصر ولم يسبق لهم الخروج منها خلال العشر سنوات الاخيرة ؛
* الاجانب المتزوجين من مصريين وأبنائهم ( الاجنبى المتزوج من مصرية أو العكس ) .
2 – حظر ممارسة بعض الاعمال :
تجيز المادة 21 من قانون مكافحة الأمراض المعدية للسلطات الصحية المختصة ابعاد المصابين بمرض معد أو الحاملين لميكروب المرض عن ممارسة بعض الاعمال التى تكمن فيها خطورة نقل العدوى إلى الغير .
ومن تطبيقات حظر بعض الاعمال على المصاب بمرض معد ما تقرره المادة العاشرة من قانون مكافحة الأمراض الزهرية فى فقرتها الثانية من حظر استخدام مرضع إلا إذا قدمت شهادة تثبت خلوها من الأمراض الزهرية وغيرها من الأمراض المعدية .
كما تقرر المادة التاسعة من قانون مكافحة الأمراض المعدية حظر مزاولة أى شخص لأحد المهن ذات الاتصال بالجمهور والتى يعينها وزير الصحة بقرار يصدره إلا بعد توقيع الكشف الطبى عليه وثبوت خلوه من الأمراض الزهرية ، وللسلطة الصحية أن تعيد الكشف على أرباب هذه المهن فى أى وقت للتأكد من استمرار خلوهم من هذه الأمراض .
وهناك بعض الاعمال التى يمكن أن تكون ممارستها مدعاة لإجراء الكشف للتأكد من عدم الإصابة بفيروس الإيدز ، مثل اعمال الجراحة والتوليد وطب الاسنان أو العاملين الذين يتعاملون مع السوائل العضوية البشرية أو الانسجة البشرية . وفى هذه الحالات يجب الحصول على موافقة العامل على اجراء الاختبارات ، بعد تعريفه بطبيعة هذه الاختبارات والمقصود منها ومزاياها ومثالبها ، وأثر معرفة نتائجها على العامل .
3- أثر اكتشاف الإصابة بالفيروس أثناء الخدمة :
تتطلب بعض الاعمال اجراء فحوص اللياقة الطبية بصفة دورية للتأكد من توافر اللياقة للاستمرار فى العمل . وتوصى مدونة ممارسات منظمة العمل الدولية بألا تشمل الفحوص الدورية اختبارات إلزامية للكشف عن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية .
لكن لا يوجد فى نصوص القانون المصرى ما يحول دون اجراء هذه الفحوص الدورية على بعض العاملين ، وإمكان شمولها اختبار للكشف عن الإصابة بالفيروس .
فما هو الاثر المترتب على اكتشاف إصابة العامل بفيروس الإيدز ؟
تنظم المادة 96 من قانون العاملين المدنيين فى الدولة انهاء خدمة العامل لأسباب صحية . ويقرر هذا النص أن عدم القدرة على الاستمرار فى العمل من اسباب إنهاء الخدمة متى ثبت ذلك بقرار من اللجنة الطبية المختصة . لكن إنهاء الخدمة لأسباب صحية لا يتقرر إلا إذا استنفد الموظف كافة الاجازات المرضية التى يقررها له القانون أو طلب تسوية معاشه مبكرا قبل انتهاء هذه الاجازات .
وتنص المادة 66 من القانون على الاجازات المرضية . وطبقا لتعديلها بالقانون رقم 115 لسنة 1983 ، يمنح الموظف اجازة مرضية استثنائية إذا اصيب بأحد الأمراض المزمنة التى حددها قرار وزير الصحة رقم 690 لسنة 1984 . وطبقا لهذا التعديل يمنح الموظف إجازة مفتوحة بأجر كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته الصحية . فإذا ثبت نهائيا عدم قدرته على ممارسة العمل ، ظل الموظف فى إجازة مفتوحة بأجر كامل حتى سن الاحالة إلى المعاش .
وفى القطاع الخاص تقرر المادة 124 من قانون العمل الجديد انتهاء عقد العمل بعجز العامل عن تأدية عمله عجزا كليا ايا كان سبب هذا العجز . فإذا كان عجزا جزئيا ، فلا تنتهى علاقة العمل بهذا العجز إلا إذا ثبت عدم وجود عمل آخر لدى صاحب العمل يستطيع العامل أن يقوم به على وجه مرض .
وتحظر المادة 127 من قانون العمل على صاحب العمل انهاء عقد العمل لمرض العامل إلا إذا استنفد العامل إجازاته المرضية وفقا لما يحدده قانون التأمين الاجتماعى ، بالإضافة إلى متجمد إجازاته السنوية المستحقة له .
والمصاب بفيروس الإيدز لا يكون عاجزا عن أداء العمل عجزاً كلياً أو جزئيا ، يبرر لرب العمل إنهاء علاقة العمل . لذلك نرى عدم جواز الاستناد إلى إصابة العامل بفيروس الإيدز لانهاء علاقة العمل متى كان المصاب قادراً على مزاولة عمله .
ولم يعرض الأمر على القضاء المصرى فى خصوص هذه المسألة على حد علمنا . ونعتقد أن توعية أصحاب العمل يمكن أن تحمى العاملين من التمييز المرتبط بفيروس الإيدز ، ما دام العامل لا يزال لائقاً طبياً لشغل وظيفته أو وظيفة أخرى مناسبة لظروفه الصحية .
لكن إذا وصل العامل المصاب بفيروس الإيدز إلى حالة مرضية تجعل من المتعذر عليه الاستمرار فى عمله ، وكان قد استنفد كافة الاجازات المرضية التى يقررها قانون التأمين الاجتماعى ، يجوز انهاء خدمته وفقا لما يقرره قانون العمل من اجراءات وضمانات ومزايا للعامل فى هذه الحالة .
ثانيا – الحق فى الضمان الصحى والاجتماعى :
تحدد قوانين التأمين الصحى والاجتماعى ما يستحق لحامل الفيروس / الإيدز من رعاية طبية واجتماعية . وتتحمل وزارة الصحة تكاليف العلاج الطبى لمرضى الإيدز ، سواء كانوا من المستفيدين من نظام للتأمين الصحى أو من غير المستفيدين ، وذلك فى المراكز الطبية المتخصصة أو فى مستشفيات الحميات فى جميع أنحاء الجمهورية .
أما مريض الإيدز الذى ظهرت عليه العلامات والاعراض ، فهو مريض مرضاً يعجزه عن العمل والإنتاج ، وتنظم رعايته طبياً واجتماعياً النصوص المقررة فى قوانين التأمين الصحى وقوانين العاملين فى أحوال المرض والعجز عن العمل والوفاة ، وما يستحق من اجازات ومرتبات وتعويضات فى هذه الظروف .
أ- رفض تقديم الرعاية الصحية :
المسألة التى تثور بصدد تأكيد حق حامل الفيروس / الإيدز فى الرعاية الطبية هى مدى مشروعية الامتناع عن تقديم الرعاية من العاملين فى الحقل الطبى بحجة الخشية من الإصابة بعدوى الإيدز . لا جدال فى أنه لا يجوز حرمان حامل الفيروس / الإيدز من حقه فى الرعاية الطبية خشية الإصابة . ويعنى ذلك أن العاملين فى الحقل الطبى ليس من حقهم الامتناع عن تقديم الرعاية الواجبة للمصاب الذى يحتاج لرعاية طبية .
ويسأل الطبيب الذى يمتنع عن علاج مريض أو مصاب لهذا السبب ، لأن القانون يلزم الطبيب بتقديم الخدمة الطبية لمن يحتاجها . ويكون امتناع الطبيب عن تقديم العلاج أو الرعاية محققاً لمسؤوليته الجنائية إذا ساءت حالة المريض أو حدثت وفاته بسبب الامتناع الارادى أو الاهمال فى العلاج أو تقديم الرعاية التى تتطلبها حالة المريض. كما يسأل هذا الطبيب مسؤولية مهنية عن الاهمال فى الرعاية أو الامتناع عن تقديمها. هذا فضلا عن المسؤولية المدنية عن الضرر الذى يحدث للمريض بسبب خطأ الطبيب المتمثل فى الامتناع عن تقديم الرعاية الصحية .
لذلك لا نؤيد ما ذهب إليه البعض من أنه لا يوجد أى نص يعاقب على رفض تقديم الرعاية الصحية لحامل الفيروس أو لمريض الإيدز بواسطة الاطباء والجراحين وأطباء الاسنان ومساعديهم من الممرضين والفنيين.
فالقوانين المنظمة للمهن الطبية تفرض على أصحاب هذه المهن واجب تقديم الرعاية الطبية لمن هم فى حاجة إليها دون تفرقة بحسب نوع المرض. ويعد الاخلال بهذا الواجب خطأ يرتب المسؤولية الجنائية والمدنية والمهنية للمهنى.
وتقرر بعض التشريعات تجريم الامتناع عن تقديم المساعدة لمن يوجد فى حالة خطر إذا لم يكن فى المساعدة خطر عليه شخصياً .
ويسرى هذا التجريم على أصحاب المهن الطبية، ولا يقبل الاحتجاج بأن علاج مريض الإيدز يشكل خطراً جدياً يبرر امتناع الطبيب أو من فى حكمه عن تقديم المساعدة للمريض الذى تستدعى حالته ذلك ، لأن الطبيب يستطيع وقاية نفسه من هذا الخطر .
ولا يستفيد أصحاب المهن الطبية من النصوص الواردة فى قوانين تنظيم ممارسة المهنة والتى تسمح للطبيب أو من فى حكمه – فى غير الحالات المستعجلة- بالاعتذار عن علاج المريض ، لأن هذه النصوص تقصر ذلك على حالة وجود أسباب مهنية أو شخصية تبرر الاعتذار عن العلاج أو الرعاية . ولا يعد من هذه الأسباب الخوف من انتقال عدوى المرض إلى الطبيب المعالج ، وإلا لامتنع غالبية الأطباء عن علاج المرضى خشية انتقال العدوى اليهم من مرضاهم .
وتدعيما لحق حامل فيروس الإيدز فى الرعاية الطبية ، وهو من أهم حقوق الإنسان المتفرعة عن الحق فى التمتع بأعلى مستوى من الصحة ، نقترح اضافة نص إلى قوانين ممارسة المهن الطبية يحظر على الطبيب أو من حكمه الامتناع عن تقديم العلاج أو الرعاية الصحية لحامل فيروس الإيدز تحت طائلة المسؤولية .
ب- الحق فى التعويض عن الإصابة :
الحق فى التأمين الصحى والضمان الاجتماعى يتضمن حق من أصيب بالفيروس فى الحصول على التعويض المناسب بسبب انتقال الفيروس إليه . والمسؤولية الناشئة عن الإصابة بالفيروس مقررة فى القانون المصرى طبقاً لنص المادة 163 من القانون المدنى : ” كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض ” وأغلب حالات المسؤولية المدنية تتحقق للمؤسسات العلاجية أو لبنوك الدم .
1- تثور المسؤولية لبنوك الدم التى يلزمها القانون بإجراء فحص لكل عينات الدم للتأكد من سلبيتها لفيروس الإيدز . فهذه المؤسسات تلتزم قانوناً بعدم تسليم أى وحدة من وحدات الدم قبل اجراء الفحص اللازم . ويعد عدم اجراء الفحص المطلوب خطأ يستوجب مساءلة هذه المؤسسات إذا ترتب على نقل الدم الملوث إصابة شخص بفيروس الإيدز . وطبقاً لبيانات البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز يتم فحص أكثر من 750 الف وحدة دم سنوياً بجميع بنوك الدم الحكومية والخاصة .
2- بالنسبة لمؤسسات العلاج ، سواء كانت عامة أو خاصة ، تثور مسؤوليتها المدنية فى حالة استعمال أدوات حقن أو وخز أو أدوات طبية أو علاجية أو جراحية ملوثة ، إذا تسبب هذا الاستعمال فى نقل فيروس الإيدز إلى المريض ، وتلتزم بتعويض المصاب . والمسئوولية فى هذه الحالة قد تكون عقدية أو تقصيرية ، كما قد تكون مسؤولية للدولة أو مسؤولية للفرد المتسبب فى نقل العدوى . ويكون للمتضرر الالتجاء إلى القضاء للحصول على حكم بتعويضه عما أصابه من ضرر .
ثالثا : الحق فى التأمين العام :
يثير ثبوت هذا الحق فى مجال الإصابة بالفيروس / الإيدز بعض التساؤلات ، نوجزها فيما يلى :
1- الفحوص الاجبارية اللازمة للتأمين . فيجب ألا تكون اختبارات الكشف عن الإصابة بالفيروس شرطاً للانتفاع ببوالص التأمين العام ، مثل التأمين على الحياة .
2- رفض التأمين على الحياة بالنسبة للمصاب بفيروس الإيدز . ويؤدى هذا الرفض إلى المساس بحقوق أساسية للمصاب عندما يكون التأمين على الحياة شرطاً لازماً للحصول على قرض لشراء عقار أو للتمتع بحقوق أخرى . ولا تفرض شركات التأمين فى مصر فحصا اجبارياً لطالب التأمين كقاعدة عامة فى كل الاحوال . لكن إذا تجاوز مبلغ التأمين حداً معيناًَ ، كان الفحص للتأكد من عدم الإصابة شرطاًَ لإصدار بوليصة التأمين على الحياة . وإذا أثبت الفحص إصابة طالب التأمين بفيروس الإيدز ، فان شركات التأمين ترفض التأمين على الحياة .
وحقيقة الأمر فى هذا الخصوص أن شركات التأمين يمكنها الاعتداد فى تقديراتها للتكلفة والإيرادات من جهة ، وفى حسابها الاكتوارى لتحديد قسط التأمين من جهة أخرى بالحالة الصحية لطالب التأمين . ولذلك نرى عدم مشروعية رفض التأمين على المصاب بفيروس الإيدز من حيث المبدأ ، لما فى ذلك من إهدار لحق من حقوق الإنسان ، لكننا لا ننكر على شركات التأمين حقها فى الاعتداد بالحالة الصحية لطالب التأمين لتحديد التزاماته وحدود مسؤولية الشركة طبقا لعقد التأمين . والاعتراف لشركة التأمين بحقها فى الاعتداد بالحالة الصحية لطالب التأمين لا يقتصر على الإصابة بفيروس الإيدز ، بل يشمل عادة أمراضاً أخرى تكون محل اعتبار عند تحديد شروط عقد التأمين والتزامات وحقوق المؤمن له.
الفصل السادس
آليات حماية حقوق الإنسان
إعمال قواعد المسؤولية بصورها المختلفة يعد من الآليات الموضوعية لحماية حقوق الإنسان المصاب أو المريض .
ويجب فى هذا الخصوص تدعيم الحماية الموضوعية بتقرير جزاءات جنائية فعالة على الاخلال بحقوق الإنسان فى مجال الإيدز . من ذلك العقاب على كل صور التمييز والاستبعاد والتهميش والتفرقة التى تهدف إلى حرمان المصاب أو المريض من الحصول على الخدمات أو التمتع بالضمانات التى يتمتع بها غيره من الناس بسبب حالته الصحية .
فيعاقب كل من يرفض بيع سلعة أو تقديم خدمة إلى حامل فيروس الإيدز بسبب حالته الصحية . مثال من يرفض تأجير مسكن أو غرفة فى فندق للمصاب أو المريض ، ومن يمنع دخوله إلى مكان معد لتناول الطعام أو الشراب أو إلى محل لشراء سلعة أو الحصول على خدمة صحية أو تربوية أو اجتماعية أو ثقافية . كما يلزم النص على عقاب من يرفض الحاق طفل مصاب هو أو احد والديه بفيروس الإيدز بدور العلم أو طرده منها أو يمنع دخوله إلى الحدائق العامة أو حمامات السباحة أو الاندية الرياضية أو غيرها من أماكن الترفيه أو ممارسة الانشطة الرياضية أو الاجتماعية أو الثقافية .
هذه الحماية القانونية لحقوق الإنسان المصاب تبدو فى نظرنا ضرورية باعتبارها تدخل ضمن استراتيجيات الوقاية والدعم ، لأن عزل حامل فيروس الإيدز عزلاً مادياً أو معنوياً عن الحياة الطبيعية يعد أشد خطراً على المجتمع من فيروس الإيدز ذاته . يضاف إلى ذلك أن فيروس الإيدز لا ينتقل بالمخالطة اليومية فلا يكون هناك ثمة مبرر لإهدار حقوق الإنسان المصاب بالفيروس اهداراً كلياً أو جزئياُ .
هذا عن الحماية القانونية الموضوعية لحقوق الإنسان المصاب بالفيروس ، وبعض جوانبها تكفى لضمانه النصوص القانونية الموجودة سلفاً ، وبعضها الاخر يتطلب تطويعاً للنصوص القائمة أو استحداثاً لبعض النصوص القانونية التى تكمل اطار الحماية القانونية الواجبة لحقوق الإنسان المصاب .
لكن الكلام عن آليات حماية حقوق الإنسان فى مجال الإيدز يعنى على وجه الخصوص الهيئات والمنظمات التى يمكن اللجوء إليها للانتصاف فى حالة إهدار أحد هذه الحقوق . هذه الهيئات والمنظمات فى مصر منها ما هو رسمى ومنها ما هو أهلى.
المبحث الأول
الآليات الرسمية لحماية حقوق الإنسان
نعنى بالآليات الرسمية الهيئات والمجالس التى تدعمها الدولة ، وتكون لها طبيعة عامة ، وتشمل الهيئات القضائية والمجالس القومية المتخصصة .
اولا : الآليات القضائية لحقوق الإنسان:
يوفر النظام القانونى المصرى بنية قضائية داعمة لحقوق الإنسان وآليات انتصاف وطنية للمجنى عليهم من انتهاكات حقوق الإنسان التى يحميها الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقوانين الداخلية .
تتمثل هذه الآليات فى جهات القضاء وحماية الحق فى اللجوء إليها والاعتراف به للناس كافة . وقد حدد الدستور المصرى أسس التقاضى والهيئات القضائية وجهاتها ، واخضع الدولة للقانون ، وضمن استقلال القضاء ، وكفل حق التقاضى للناس كافة . وتقوم على حماية حقوق الإنسان كافة الجهات القضائية:
أ-المحكمة الدستورية العليا : تضمن الحماية القضائية لمبادئ حقوق الإنسان الواردة بالدستور . وتسهر المحكمة الدستورية العليا على تنقية القوانين واللوائح من النصوص التى تناقض مبادئ حقوق الإنسان الواردة فى الدستور ، عن طريق القضاء بعدم دستورية النصوص القانونية المخالفة للدستور .
وتعتبر المحكمة الدستورية العليا المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان من المصادر الرئيسية للمشرع الدستورى اعلاء ً لقدر هذه المواثيق .
ب-محكمة النقض : تقوم بدور محورى فى ارساء وتأكيد المبادئ الرئيسية لحقوق الإنسان ، وينعكس ذلك على أحكام القضاء العادى فى إعمال النصوص القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان، و ارساء المبادئ القانونية التطبيقية الداعمة لانفاذها ، و ابطال الاثار القانونية الناشئة عن انتهاكها ومعاقبة المعتدى عليها وتعويض المتضررين منها .
جـ- المحكمة الادارية العليا : تقوم بذات الدور الذى تؤديه محكمة النقض فى اطار القضاء العادى . فالمحكمة الادارية العليا تؤكد دوماً على ضرورة احترام مبادئ حقوق الإنسان فى القرارات التى تصدرها الجهات الادارية فى اطار مزاولتها لاختصاصاتها المقررة لها وفقاً للقانون . ولا يخفى انعكاس هذا الدور الحمائى الداعم لحقوق الإنسان فى قضاء المحكمة الادارية العليا على الاحكام التى تصدرها محاكم مجلس الدولة فى تطبيقها للنصوص القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان .
د- محاكم القضاء العادى والادارى : المنوط بها تطبيق النصوص القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان ، تطبيقاً يضمن دفع كل اعتداء عليها أو انتهاك لها ، سواء صدر من الأفراد أو من الجهات الادارية فى اطار مزاولتها لاختصاصاتها .
هـ- النيابة العامة : تعتبر فرعاً اصيلاً من السلطة القضائية ، وتتولى مسئولية التحقيق والادعاء فى الدعاوى الجنائية . ويمكن للأفراد تقديم الشكاوى إليها فى كل ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التى يعاقب عليها قانون العقوبات ، كما تتولى الاشراف على المؤسسات العقابية للتأكد من احترام مبادئ حقوق الإنسان المقررة بموجب القوانين الوطنية أو المواثيق الدولية .
ثانياً : الآليات غير القضائية لحقوق الإنسان :
فى اطار تعزيز ونشر احترام حقوق الإنسان المقررة فى الدستور أو الناشئة عن انضمام مصر للمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان عامة أو بحقوق بعض الفئات ، انشأت مصر عدة آليات حكومية وطنية تعمل فى هذا المجال :
أ- المجلس القومى للأمومة والطفولة : انشئ بالقرار الجمهورى رقم 54 لسنة 1988 الصادر بتاريخ 24 يناير 1988. ويختص المجلس بـ:
1- اقتراح السياسة العامة فى مجال الطفولة والأمومة .
2- وضع مشروع خطة قومية شاملة للطفولة والأمومة فى اطار الخطة العامة للدولة تستهدف حماية الطفولة والأمومة فى مختلف المجالات وخاصة فى مجال الرعاية الصحية والاجتماعية والأسرية والتعليم والثقافة والأعلام والحماية الاجتماعية… الخ.
ب- المجلس القومى للمرأة : انشئ بالقرار الجمهورى رقم 90 لسنة 2000 الصادر بتاريخ 8 فبراير 2000 .
ونصت المادة الثالثة من قرار انشاء المجلس على اختصاصاته التى تدور حول اقتراح السياسة العامة للمجتمع ومؤسساته الدستورية فى مجال تنمية شئون المرأة ،ووضع مشروع خطة قومية للنهوض بالمرأة وحل المشكلات التى تواجهها ، وإبداء الرأى فى مشروعات القوانين والقرارات المتعلقة بالمرأة قبل عرضها على السلطة المختصة، وإبداء الرأى فى جميع الاتفاقيات المتعلقة بالمرأة ، وتنظيم دورات تدريبية للتوعية بدور المرأة فى المجتمع وبحقوقها وواجباتها .
ويتبع المجلس رئيس الجمهورية ويختار رئيساً له ويعين رئيس المجلس اميناً عاماً له . ويضم المجلس 11 لجنة دائمة لممارسة اختصاصاته المبينة فى القانون .
جـ- الادارة العامة لشئون حقوق الإنسان بوزارة العدل : انشئت بقرار وزير العدل رقم 3081 لسنة 2002 والصادر فى 18 يونيه 2002 ، ويرأسها مساعد وزير العدل لشئون حقوق الإنسان .
د- ادارة شئون حقوق الإنسان بوزارة الخارجية : وقد انشئت بقرار وزير الخارجية فى سنة 1996 .
هـ- اللجنة العليا لحقوق الإنسان بوزارة الداخلية : انشئت بقرار وزير الداخلية رقم 22562 لسنة 2001 ، وتمثل فى اللجنة كافة قيادات الأجهزة الامنية الشرطية بالوزارة.
و- لجنة حقوق الإنسان بوزارة الشئون الاجتماعية : شكلت بقرار وزيرة الشئون الاجتماعية رقم 41 لسنة 2004 من كبار العاملين بالوزارة .
وتوجد آليات حكومية اخرى بالوزارات المختلفة تعمل جميعها على ضمان احترام حقوق الإنسان من جانب الاجهزة الحكومية التى تعمل هذه الآليات فى اطار نشاطها ، ودعم تعزيز ثقافة حقوق الإنسان ونشرها فى المجتمع المصرى .
ثالثا – المجلس القومى لحقوق الإنسان :
أنشئ المجلس القومى لحقوق الإنسان بالقانون رقم 94 لسنة 2003 الصادر فى 19 يونيه 2003 .
وقد حددت المادة الأولى من قانون انشاء المجلس مهامه وأهدافه المتمثلة فى تعزيز وتنمية حماية حقوق الإنسان وترسيخ قيمها ، ونشر الوعى بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والإسهام فى ضمان ممارسة هذه الحقوق والحريات ، والعمل على حل الشكاوى المتعلقة بها.
كما حددت المادة الثالثة من القانون اختصاصات المجلس ، وأهمها فى مجال دراستنا:
1- وضع خطة عمل قومية لتعزيز حماية حقوق الإنسان فى مصر ، واقتراح وسائل تحقيق هذه الخطة .
2- تلقى الشكاوى فى مجال حماية حقوق الإنسان ، ودراستها وإحالة ما يرى المجلس احالته منها إلى جهات الاختصاص مع متابعتها ، أو تبصير ذوى الشأن بالإجراءات القانونية الواجبة الاتباع ومساعدتهم فى اتخاذها ، أو تسويتها وحلها مع الجهات المعنية () .
3- متابعة تطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، والتقدم إلى الجهات المعنية بالمقترحات والملاحظات والتوصيات اللازمة لسلامة التطبيق .
4- الاسهام بالرأى فى اعداد التقارير التى تلتزم الدولة بتقديمها دورياً إلى لجان وأجهزة حقوق الإنسان ، تطبيقاً لاتفاقيات دولية ، وبالرد على استفسارات هذه الجهات فى هذا الشأن .
5- تقديم المقترحات اللازمة لدعم القدرات المؤسسية والفنية فى مجالات حقوق الإنسان بما فى ذلك الاعداد الفنى والتدريب للعاملين فى مؤسسات الدولة ذات الصلة بالحريات العامة ، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وذلك لرفع كفاءاتهم .
وقد شكل المجلس سبع لجان نوعية لممارسة الاختصاصات الواردة فى قانون انشائه، وهى لجنة الحقوق المدنية والسياسية ، ولجنة الحقوق الاقتصادية ، ولجنة الحقوق الثقافية ، ولجنة الشؤون التشريعية ، ولجنة العلاقات الدولية ، ولجنة الشكاوى .
وأصدر المجلس التقرير السنوى الأول عن نشاطه ، متضمناً أوضاع حقوق الإنسان فى مصر خلال عام 2004 ، ورصد انتهاكات حقوق الإنسان طبقا للشكاوى الواردة للمجلس، وتوصيات لتعزيز حماية حقوق الإنسان فى مصر ، وحقوق المرأة والطفل والفئات الأولى بالرعاية ، وتوصيات من أجل تدعيم ثقافة حقوق الإنسان فى مصر . وقد رجعنا إلى هذا التقرير فى الكثير من مواضع هذه الدراسة .
المبحث الثانى
المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان
فى اطار نشاط المنظمات غير الحكومية ، توجد عدة آليات أهلية تمارس نشاطها فى تعزيز ودعم حماية حقوق الإنسان بصفة عامة أو حقوق بعض الفئات .
أولا – المنظمات العامة العاملة فى مجال حقوق الإنسان :
من هذه المنظمات نذكر :
1- المنظمة المصرية لحقوق الإنسان .
2- المنظمة العربية لحقوق الإنسان .
3- جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان .
4- الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب .
5- المؤسسة المصرية للتدريب على حقوق الإنسان .
6- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان .
ثانيا – المنظمات الخاصة العاملة فى مجال حقوق الإنسان :
من هذه المنظمات نذكر :
1- جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء .
2- مركز حقوق الطفل المصرى .
3- رابطة المرأة العربية () .
4- الجمعية المصرية لمكافحة الإيدز ورعاية مرضاه () .
5- جمعية الحق فى الدواء .
6- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية .
عرضنا فيما تقدم لأهم ملامح النظام القانونى المصرى فى مجال تحديد الإطار القانونى لفيروس الإيدز وحقوق الإنسان فى مصر . ويبدو من العرض السابق مدى أهمية الدور الذى يمارسه القانون فى تعزيز ودعم وحماية حقوق الإنسان المصاب بفيروس الإيدز. كما أظهرت الدراسة العوامل التى يمكن أن تحد من فاعلية دور القانون فى مجال الوقاية من انتشار فيروس الإيدز مع احترام حقوق الإنسان وحرياته الاساسية .
إن دور القانون فى هذا المجال هو محاولة لإيجاد التوازن بين حقوق المجتمع وحقوق الإنسان المريض أو المصاب أو المتأثر بفيروس الإيدز . ولا تعارض بين حماية المجتمع وضمان حقوق الإنسان ، بل إننا نرى أن ضمان حقوق الإنسان هو السبيل إلى حماية المجتمع من خطر انتشار العدوى . لذلك ينبغى أن تدور التدابير التى تتقرر للوقاية من انتشار العدوى فى اطار حقوق الإنسان .
فالتدابير التى يتخذها المجتمع للوقاية من انتشار الإصابة بفيروس الإيدز يجب أن تكون متوافقة مع القيم الإنسانية والحضارية ، ولا تضحى بحقوق الإنسان . من أجل ذلك نقترح صياغة اطار عام لتشريع متكامل ينظم الجوانب القانونية لمرض الإيدز . هذا التشريع يقرر التدابير اللازمة للوقاية دون إغفال للجوانب المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وحرياته الاساسية ، وللضمانات المعززة لهذه الحقوق والحريات .
اترك تعليقاً