عرف القانون المدني المصري ،عقد العمل بأنه :العقد الذي يتعهد فيه احد المتعاقدين بان يعمل في خدمة المتعاقد الأخر ،وتحت إدارته أو أشرفه ،مقابل اجر يتعهد به المتعاقد الأخر(1). ويعرفه قانون العمل المصري تعريفا مماثلا مع اختلاف يسير في الألفاظ ،على انه: العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بان العمل لدى صاحب العمل وتحت إدارته أو إشرافه لقاء اجر أيا كان نوعه(2).
ويستخلص الفقه من هذا التعريف عناصر العقد الثلاثة ،وهي:
العمل والأجر والتبعية (3) ،وسنأتي على تفصيل ذلك بعد قليل. إما القانون المدني العراقي فقد عرف عقد العمل على انه (عقد يتعهد به احد طرفيه بان يخصص عمله لخدمة الطرف الأخر، ويكون في أدائه تحت توجيهه وإدارته ،مقابل اجر يتعهد به الطرف الأخر ،ويكون العامل أجيرا خاصا)(4). وتسمية الأجير الخاص الواردة في هذا التعريف مقتبسة من الفقه الإسلامي ،وكان مجلة الإحكام العدلية تقضي في مادتها الثالثة والعشرين بعد الأربعمائة بان الأجير على نوعين :الأجير الخاص الذي استؤجر على إن يعمل للمستأجر فقط ، والأجير المشترك الذي ليس بمقيد بشرط إن لا يعمل لغير المستأجر(5).إما قانون العمل فيعرف عقد العمل على انه :اتفاق بين العامل وصاحب العمل ،يلتزم فيه العامل بأداء عمل معين لصاحب العمل ،تبعا لتوجيهه وإدارته ،ويلتزم فيه صاحب العمل بأداء الأجر المتفق عليه للعامل (6). ويتفق التعريفان الواردان في القانون المدني وقانون العمل إلى حد كبير في فحواهما ، مع اختلاف فيما بينهما في إشارة التعريف الوارد في القانون المدني إلى تخصيص العامل عمله لخدمة صاحب العمل ،ومن ثم تسميته أجيرا خاصا ،في حين أهمل التعريف الوارد في قانون العمل هذه الإشارة، وهذا الإهمال في رأينا مقصود لذاته ،وهو يتفق مع ما يذهب إليه الفقه من انه لا يستلزم لقيام عقد العمل إن يعمل العامل لدى صاحب عمل واحد فقط ،بل يجوز له إن يبرم أكثر من عقد مع أصحاب عمل متعددين ،ولا إن يعمل بمقتضاه كل الوقت ،بل يجوز إن يقتصر عمله على جزء منه(7) . وبهذا يمكن إن تتعدد علاقات العمل التي يكون احد إطرافها عامل واحد ، متى توافرت في كل منها عناصر عقد العمل التي سنذكرها بعد قليل .
خصائص عقد العمل:
من التعريف المتقدم يتضح إن عقد العمل يتصف بالخصائص الآتية:
انه عقد رضائي ،فهو ينعقد بمجرد اتفاق إرادتي طرفيه، ولهذا فانه لا يشترط فيه شكلية مدنية ،كما لا يشترط فيه الكتابة للانعقاد .
أ- إما ما قضت به المادة الثلاثون من قانون العمل بنصها (على إن يكون عقد العمل مكتوبا) ،فانه قد يشترط الكتابة للإثبات وليس للانعقاد ،ويستدل على ذلك من البند الثاني من المادة ذاتها ، حيث أجاز للعامل ، إن يثبت العقد بجميع طرق الإثبات ، في حالة عدم وجود عقد مكتوب.
ب- انه عقد ملزم للجانبين ،حيث يرتب التزامات متبادلة على كل من طرفيه ،سنبحثها تفصيلا عند دراستنا أثاره عند العمل .
ج – انه من عقود المعاوضة،إذ يحصل كل من طرفيه على مقابل لما يعطيه ،فالعامل يتقاضى الأجر في مقابل وضع نشاطه تحت تصرف صاحب العمل .وصاحب العمل يدفع الأجر مقابل الانتفاع بنشاط العامل (8).
د – انه في اغلب الأحوال من عقود المدة ،إذ يلتزم فيه العامل بان يعمل لمدة معينة أو غير معينة ،فيكون الزمن والحالة هذه عنصرا جوهريا من عناصر العقد (9) ،ويترتب على ذلك أمران هامان ،أولهما إن بطلان العقد لا تنسحب أثاره على الماضي بأثر رجعي ،وثانيهما إن القوة القاهرة المؤقتة لا تنهي العقد وإنما توقف أثاره(10). عناصر عقد العمل :نستخلص من التعريف الذي أورده القانون لعقد العمل إن لهذا العقد ثلاثة عناصر هي العمل الذي يلتزم بأدائه العامل ،والآجر الذي يلتزم بأدائه صاحب العمل إلى العامل ،وحالة التبعية التي يتواجد فيها العامل إثناء العمل .
1- عنصر العمل:
لم يورد قانون العمل رقم (71) لسنة1987 تعريفا للعمل كعنصر في عقد العمل ،بخلاف ما فعله المشرع في قانون العمل رقم(151)لسنة 1970 الملغى، حيث عرفته المادة السادسة منه بأنه :كل ما يبذل من جهد إنساني- فكري أو تقني أو جسماني .لقاء اجر. وكان الأفضل في تقديرنا تضمنين القانون تعريفا للعمل ،لأنه احد المصطلحات الأساسية المستعملة في مجمل نصوصه، قطعا لدابر الاجتهاد في تحديد المقصود به. وفي رأينا ينصرف مفهوم (العمل)كعنصر من عناصر عقد العمل إلى كل جهد إنساني يبذل لقاء اجر فيخرج عن ذلك الجهد الذي يبذله إي كائن أجر غير الإنسان ،وكذلك الجهد الذي يؤديه الإنسان ،دون إن يتقاضى أجرا عنه(11).
2 – عنصر الأجر:
يعتبر هذا العنصر متحققا متى حصل العامل على مقابل العمل الذي يؤديه ،أيا كان نوع هذا المقابل ،-نقديا كان أم عينيا -،وآيا كانت التسمية التي تطلق على ما يتقاضاه العامل ،ووفقا لأية طريقة احتسب ،إما إذا لم يتحقق ذلك ،بحيث كان أداء العمل دون مقابل ،اعتبر العقد من عقود التبرع ،فيخرج بذلك عن المقصود بعقد العمل . ونشير هنا إلى إن هذا العنصر قد يتحقق رغم عدم التراضي-صراحة -على تحديد مقدار الأجر أو بيان طريقة حسابه في عقد العمل .وسنعود إلى هذا الموضوع في موضع تال.
3- عنصر التبعية:
ونقصد بالتبعية هنا إن يكون العامل إثناء تأدية العمل في مركز خضوع لصاحب العمل.
والتبعية كعنصر في عقد العمل يمكن إن تتخذ إحدى صورتين:
أ-التبعية الاقتصادية:
ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار عنصر التبعية متحققا متى كان من يقوم بالعمل تابعا اقتصاديا لمن يؤدي إليه العمل .ويتحقق ذلك متى توافر عنصران ،الأول :إن يعتمد العامل في معيشته على أجره باعتباره المورد الرئيسي أو الوحيد لعيشه. والثاني :إن يرصد من يقوم بالعمل نشاطه على خدمة صاحب العمل الذي يؤدي الهيكل ما يحصل من اجر عن عمله .
ويهدف القائلون بهذه الفكرة إلى توسيع نطاق سريان قانون العمل على الأشخاص ،بحيث يمتد في شموله إلى العمال الذين لا يخضعون إثناء أدائهم العمل لإشراف وتوجيه صاحب العمل ،وفي مقدمة هؤلاء عمال المنازل .
ولم تلق هذه الفكرة تأييدا من أكثر الفقه ،فقد وجه إليها العديد من الانتقادات أهمها:
أ- عدم خضوع مفهوم التبعية الاقتصادية إلى معيار منضبط.
ب – إن التبعية الاقتصادية ،تمثل عنصرا خارجا عن بناء عقد العمل ،اذ توقف تحققها على عنصر خارج عنه، هو حالة العامل الاقتصادية.
ج – إن الأخذ بمفهوم التبعية الاقتصادية ،يؤدي إلى طغيان عقد العمل على جميع صور العمل الإنساني المأجور ،باعتبار إن اغلب إفراد المجتمع يعتمدون في معيشتهم أساسا على المورد الذي يحققونه من خلال العمل. ولهذا فان الأخذ بهذا المفهوم يؤدي إلى توسيع نطاق قانون العمل على نحو يتعارض مع التنظيم القانوني للعديد من العلاقات التي ترد على العمل.
ب – التبعية القانونية:
يأخذ الرأي الراجح في الفقه (12)بمعيار أخر. لتقرير توافر التبعية كعنصر في عقد العمل ،هو معيار التبعية القانونية ،وهي تتحقق عندما يكون العامل في مركز خضوع لصاحب العمل .فيكون لهذا الأخير إن يصدر للعامل أوامر وتعليمات بشان أداء العمل ،ويشرف عليه ويراقبه عند القيام به،وأخيرا إن يفرض عليه الجزاء التأديبي اذ لم يراع هذه الأوامر ،أو إذا أهمل في تنفيذ التزاماته . عدة التاسعة والعشرين بانه(اتفاق بين العامل وصاحب العمل ،يلتزم فيه العامل باداء عمل معين لصاحب العمل ،ويأخذ قانون العمل رقم (71) لسنة 1987 بهذا المفهوم للتبعية ،ويتضح ذلك من تعريفه للعامل في المادة الثامنة ثانيا بأنه (كل من يؤدي عملا لقاء اجر ويكون تابعا في عمله لإدارة وتوجيه صاحب العمل ).وكذلك من تعريفه لعقد العمل في المادة التاسعة والعشرين بأنه (اتفاق بين العامل وصاحب العمل ،يلتزم فيه العامل بأداء عمل معين لصاحب العمل ،تبعا لإدارته وتوجيهه..الخ).ومنها يتبين إن التبعية التي عناها المشروع ،والقائمة على الإدارة والتوجيه ،هي التبعية القانونية .
والتبعية القانونية قد تكون تبعية فنية حين يخضع فيها العامل لإشراف وتوجيه كامل أو شبه كامل من قبل صاحب العمل في دقائق وجزيئات العمل، أو تبعية إدارية حيث تقتصر في هذه الحالة على إشراف صاحب العمل على الظروف الخارجية للعمل، كتحديد مكان العمل ووقته وتقسيمه بين العمال .
ويكتفي الفقه المعاصر لتحقق التبعية كعنصر في عقد العمل ،بتوافر التبعية الإدارية ،وعليه فان التبعية تتحقق في العقود التي يكون احد طرفيها شخصا يؤدي عملا فنيا، فتعد العقود التي يرتبط بها الأطباء والمهندسون والممثلون والموسيقيون بأصحاب عمل عقود عمل ،وان كان أصحاب العمل الذين يعملون لديهم لا يحذفون المهن التي يمارسها هؤلاء الفنيون ،فلا يكون لأصحاب العمل في هذه الحالة سوى الإشراف الإداري دون الفني.
_________________
1- المادة 674 من القانون المدني المصري ،وكان التقيين المدني المصري (الأعلى والمختلط) الملغى خاليا من تعريف لعقد إيجار الأشخاص ،(انظر المادتين401-489)،شانه في ذلك شان القانون المدني الفرنسي (م1779 وما بعدها).
وقد اقتبس نص المادة 674 الوارد في المتن من المادة (507) من المشروع الفرنسي راجع الإعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ج5 ص 106.
2- وقد دأبت قوانين العمل المتعاقبة في مصر على الأخذ بهذا التعريف .انظر المادة (1) من قانون عقد العمل الفردي الملغى رقم لسنة 1944،والمادة (42)من قانون العمل الموحد الملغى رقم 91 لسنة 1959.
3- د.محمود جمال الدين زكي:قانون العمل ،ط3 ،القاهرة،1983 ص 217.
4- المادة 900-1 من القانون المدني .
5- المرحوم منير القاضي :شرح المجلة ص 343.
6- المادة (29) من قانون العمل .
7- محمود جمال الدين زكي :المرجع السابق219
8- انظر محكمة العمل العليا ،الاضبارة 68-عليا 3-1971 في 1111972.قضاء محكمة العمل العليا ،ج1 ،ص157.
9- محمد لبيب شنب ،شرح قانون العمل ،ط3،القاهرة سنة 1976،ص70-71.
10- ريفيرو وسافاتييه :قانون العمل 1970باريس ص201.
11- الدكتور يوسف اليأس: قانون العمل العراقي -علاقات العمل الفردية، بغداد 1980 ص67.
12- راجع لتفصيل أوفى بشان فكرة التبعية الاقتصادية والتبعية القانونية :دوران وفيتي ص 240-244،برن وكالان ص236 ،إسماعيل غانو ص129-130 .لبيب شيب ص 39 -48 .د. همام محمد محمود: قانون العمل-عقد العمل الفردي ،الإسكندرية 1986 ص 41-57.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً