قراءة وإضاءة حول المعيار الشرعي رقم 25 بشأن الجمع بين العقود
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
1.يتناول هذا المقال المعيار الشرعي للجمع بين العقود قراءة وإضاءة، ويتضمن المعيار ثمانية بنود عدا تاريخ الإصدار والنبذة التاريخية ومستند الأحكام الشرعية،
وهي: مفهوم الجمع بين العقود، الحكم الشرعي للجمع بين العقود، ضوابط جواز الجمع بين العقود، الرخص والتخفيفات الشرعية في الجمع بين العقود، المواطأة (التفاهم السابق) على الجمع بين العقود، تطبيقات معاصرة للجمع بين العقود وأحكامها العامة. وسيهتم هذا المقال بتناول القضايا النقاشية في هذا المعيار قراءة وإضاءة.
2. مفهوم الجمع بين العقود: هو عملية بين طرفين أو أكثر تشتمل على عقدين فأكثر. وللجمع بين العقود حالات أربع:
أ) الجمع بينها دون اشتراط أحدها في الآخر ودون مواطأة.
ب) الجمع بينها باشتراط أحدها في الآخر دون مواطأة سابقة.
ج) الجمع بينها بمواطأة سابقة دون اشتراط أحدها في الآخر.
د) الترديد بين عقدين بمحل واحد دون البت في مجلس العقد.
3. صور العقود المجتمعة في محل واحد:
أ) قــد تكون العقــود مبرمة بعوض واحد: كمــا لو باعه أرضا وآجره سيارة شهرًا بألف دينار.
ب) وقد تكون العقود مبرمة بعوضين متميزين: كما إذا باعه هذه الدار بألف دينار وآجره سيارته شهرا بمائة دينار.
ج) وقد يكون بعض العقود مشــترطًا فــي بعض: مثل أن يقول له: بعتك داري هذه بعشرة آلاف دينار، على أن أستأجرها منك لمدة سنتين بألف، أو على أن تبيعني سيارتك بألفين.
د) وقــد يكون اجتمــاع العقود فــي منظومة عقديــة، متتابعة الأجزاء، متعاقبة المراحل، وفقا لنظام يحكمها باعتبارها معاملة واحدة، تهدف إلى تحقيق غرض محدد، اتجهت إرادة العاقدين وقصدهما إلى تحقيقه، كمــا هو الحال في كثير من المعاملات المالية المستحدثة، مثل الإجارة المنتهية بالتمليك، والمرابحة للآمر بالشراء، والمشاركة المتناقصة.
4.الإضاءة: كان المتوقع أن يسير المعيار في بناء الأحكام على الحالات والصور السابقة للجمع بين العقود، غير أنه اتخذ منهجًا آخر، ولم يبن على ما أسسه في الحالات والصور، بل بقيت تلك الحالات والصور أيضًا بحاجة إلى بيان الحكم الشرعي فيها.
5.الحكم الشرعي للجمع بين العقود: يجوز اجتماع أكثر من عقد في منظومة واحدة دون اشتراط عقد في عقد، إذا كان كل واحــد منها جائزا بمفرده، ما لم يكن هناك دليل شــرعي مانع، فعندئذ يمتنع بخصوصه استثناء.
6.ضوابط جواز الجمع بين العقود:
أ) ألا يكــون ذلــك محل نهي فــي نص شــرعي، مثل النهي عــن البيع والسلف.
ب) ألا يكون حيلة ربوية، مثل الاتفــاق على بيع العينة أو التحايل على ربا الفضل.
ج) ألا يكــون ذريعة إلــى الربا، مثل الجمــع بين القــرض والمعاوضة، أو إقراض الغير مالًا على أن يسكنه المقترض داره، أو يهدي له هدية، أو على أن يقضيه بزيادة في القدر أو الصفة.
د) ألا يكــون بيــن عقود متناقضــة أو متضــادة أو متنافرة فــي الأحكام والموجبات، كما في الجمــع بين هبة عين وبيعها للموهوب، أو هبتها وإجارتها لــه، أو الجمع بين المضاربة وإقــراض رأس مال المضاربة للمضــارب، أو الجمع بين صرف وجعالة، أو بين ســلم وجعالة ببدل واحد، أو الجمــع بين الإجــارة والبيع فيما يســمى بالبيع الإيجاري (التقليدي).
7.الإضاءة: يُفهم من الضوابط أنها شروط الجواز، لكنه كرر بالنسبة للضابط الأول ما أورد في الحكم الشرعي نفسه وذلك بألا يكون هناك دليل مانع أو نص شرعي مثل النهي عن بيع وسلف، ورغم أن الضابط الثاني صنف مستقلاً إلا أن مثاله من نوع الضابط الأول فلم يخرج عن الجمع بين البيع والسلف في الجملة، وما زاده من اشتراط الزيادة في القرض فهو شرط غير ملائم في العقد، وليست من قبيل الجمع بين عقدين.
وما ذكره في الضوابط الأربعة في الجملة بدا قواعد عامة غير مفيدة للمطبقين المستفيدين من المعايير وتفتقر إلى التفصيل والبيان بالقدر الضروري، فليس الجمع بين والسلع ممنوعًا بإطلاق على سبيل المثال، ويسلم مثال الجمع بين هبة وبيع، أو الإجارة والبيع في البيع الإيجاري.
8.الرخص والتخفيفات الشرعية في الجمع بين العقود:
أ) الأصل أن يغتفر في العقود الضمنية والتابعة عند الاجتماع ما لا يغتفر عند الاســتقلال والانفراد. والمراد بالعقد الضمنــي والتابع: ما جاء فــي الصفقة ضمنًــا، أو كان تاليًا للمقصود الأصلــي أو لاحقًا به في الاســتهداف وتوجــه الإرادة. ويجــري تحديد ذلــك بدلالة العرف والتعامل وخبرة أهل الاختصاص شريطة اعتماد ذلك من هيئة الرقابة الشرعية للمؤسسة.
ب) مما يغتفر فــي العقود الضمنية والعقود التابعــة الخلل الواقع في أحد الأمور الخمسة الآتية:
أ- الغرر المؤثر في عقــود المعاوضات المالية، مثل ما إذا كان وجوده تابعًا في العقد أو العقد المتضمن.
ب- الجهالة المؤثرة فــي عقود المعاوضات المالية التي تقع في المعقود عليه تبعا.
ج- ربا البيوع وعدم توافر شروط صحة الصرف مثل الجمع بين الصرف والحوالة حيث يغتفر عدم القبض في الصرف.
د- بيع الكالئ بالكالئ (أي الدين المؤخر بالدين المؤخر) إذا وقع ذلك في التوابع مثل شراء أســهم الشركة بالدين والشركة عليها ديون.
هـ-فــوات بعض شــروط الصحــة عند الحاجــة أو المصلحة الراجحة مثل ترك الإيجاب والقبول في البيع الضمني.
9.الإضاءة: هذا من الإجمال في محل التفصيل، ومن الغموض في محل البيان، فقد ذهب المعيار إلى التقعيد غير المنتج للمطبقين المستفيدين من المعيار، المؤمل في المعيار أن يترك للمستشار أو المفتي في التطبيق تحقيق المناط في الواقعة المماثلة المستجدة، لكنه في الحقيقة لم يفصل في الحكم بما يكفي لتسهيل هذه المهمة. ولعل المعيار رقم 31 بشأن الغرر الصادر لاحقًا يغني عن هذه الفقرة، وسنأتي له في حينه إن شاء الله.
10.ويلاحظ أيضًا أن نص المعيار قد أخل بالتناسق في الأحكام بين المعيار، ففي حال الجمع بين الصرف والحوالة، لم يقل المعيار ولا المجمع الفقهي الدولي بأنه يغتفر عدم القبض في حال الجمع بينهما، بل قال بتحقق القبض الحكمي في دفاتر المصرف، كما قررت هذه الفقرة المختصرة بشأن بيع الكالئ بالكالئ وفسرته بأنه بيع المؤخر بالمؤخر، وهذا دون مناقشة تؤهل للبت بهذا الموضوع على هذا النحو. وكذا مثاله بترك الإيجاب والقبول في البيع الضمني ليس دقيقًا فالإيجاب والقبول حدثا بالمعاطاة والمقرر أنهما يقعا بكل ما يدل عليهما.
1. القضايا النقاشية في المعيار الشرعي للجمع بين العقود قراءة وإضاءة، وقد تبقى منها، المواطأة (التفاهم السابق) على الجمع بين العقود، وتطبيقات معاصرة للجمع بين
العقود وأحكامها العامة.
2. المواطأة: يطلق لفظ المواطأة أو التواطؤ فــي الاصطلاح الفقهي على عدة أمور أهمها:
1) توافق إرادة طرفين – صراحة أو دلالة – على إضمار قصدهما التعامل بحيلة أو ذريعة ربوية في صورة عقود مشروعة.
2) الاتفاق المستتر المتقدم بين طرفين على إتيان تصرف أو معاملة مشروعة يقصد بها التوسل إلى مخرج شرعي (حيلة محمودة).
3) اتفاق إرادة الطرفين في المداولة التمهيدية التي تســبق إبرام العقود المجتمعة المبينة في البند (٢/٢/٤) [ونص الفقرة المشار إليها: ٢/٢/٤ وقــد يكون اجتمــاع العقود فــي منظومة عقديــة، متتابعة الأجزاء، متعاقبة المراحل، وفقا لنظام يحكمها باعتبارها معاملة واحدة، تهدف إلى تحقيق غرض محدد، اتجهت إرادة العاقدين وقصدهما إلى تحقيقه، كمــا هو الحال في كثير من المعاملات المالية المستحدثة، مثل الإجارة المنتهية بالتمليك، والمرابحة للآمر بالشراء، والمشاركة المتناقصة.
3.للمواطأة على الجمع بين العقود بحســب طبيعتهــا وتكييفها الفقهي ثلاث خصائص:
1) أنهــا اتفاق بين طرفين على إجــراء عقود وإنجاز وعود فيما يستقبل من الزمان.
2) أن المواطــأة إذا نص في العقد على أنها جزء منه تعتبر بمثابة الشــرط المتقدم على تلك العقود، وتســري على العقد أحكام الشريعة، من حيث الحل والحرمة، والصحة والفساد، واللزوم والنفاذ.
3) أن القوة الملزمة للمواطأة شــرعا هي نفــس القوة الملزمة للشــرط أو الشــروط المتقدمة على العقود، والشرط المتقدم كالمقارن في الصحــة ووجوب الوفاء به، طالمــا أن العقد قد اعتمد عليه، واتفقت إرادة العاقدين على مراعاته.
4.الإضاءة: ما زال توجه المعيار أقرب إلى المبادئ الإجمالية، والمستفيد من المعيار بحاجة إلى خطوة إضافية تلخص نتائج تلك المبادئ وما يبني عليها في العمل المؤسسي. العمل المؤسسي يتجاوز الاتفاقات المستترة والنوايا، ويبنى على المستندات الظاهرة والموثقة للعلاقات التعاقدية بين الطرفين.
والتحدث عن مواطأة في تلك العقود الموثقة هو من قبيل الجمع لا المواطأة. ومن الملفت أن تنص الفقرة 2/2/4 على أن [اجتماع العقود في منظومة عقدية … باعتبارها معاملة واحدة]لأن ضوابط المعايير الشرعية في الإجارة المنتهية بالتمليك أنها معاملتان إجارة ثم بيع أو هبة وهكذا وليست معاملة واحدة.
5.للمواطأة على جمع العقود صنوف متعددة، ترجع في الجملة إلى أربعة أنواع:
1) المواطــأة علــى الحيل الربويــة: مثل التمالؤ علــى العينة وعكســها، وبيع الوفاء (بيع الرجــاء)، والحيلة إلى ربا الفضل. وهي محظورة شــرعًا، ويترتب عليها فساد العقود التي يتوسل بها إلى ذلك
2) المواطأة على الذرائع الربوية: مثل الاتفاق على الجمع بين القرض والمعاوضــة، أو على دفع المقتــرض للمقرض هدية أو زيادة في القدر أو الصفة على المال المقترض.
3) تعتبــر المواطأة موجبة لمنع تلك الذرائع المباحة في الأصل، ومناطا لحظرها شرعا بشرطين:
الأول: أن يكون التوسل بما هو مشروع إلى ما هو محظور في تلك المعاملة كثيرًا بمقتضى العادة، وأن تقول التهمة وتظهر على قصد ذلك المحظور وإرادته.
الثاني: ألا يكون هناك حاجة أو مصلحة راجحة إلى تلك المعاملة. 4) المواطــأة على المخارج الشــرعية: وهي الحيل المحمودة التــي لا تخالف وســائلها دليلا شــرعيا، ولا تناقض أغراضها مقاصد الشــريعة، ولا تؤول إلى مفســدة خالصــة أو راجحة. وحكمها الجواز.
5) المواطأة على الجمع بين عقــود متناقضة أو متضادة: وهي فاســدة محظورة، بناء على عدم جواز الجمع بين عقدين فأكثر بينهما تناقــض أو تضاد أو تنافر في الموجبــات والآثار، لأنها وسيلة إليه.
6.الإضاءة: تعمدت على نقل كامل نصوص المعيار، فقد أطال في المبادئ الإجمالية حول المواطأة واشتملت فقراته على تكرار غير مضيف في المعلومات. وربما أمكن تلخيص المعيار فيما يأتي: تحريم الحيل والذرائع الربوية وهو أمرٌ بات شائعًا مع تحرير أمثلتها وتطبيقاتها بشكل يمثل فائدة مباشرة وواضحة للمستفيد من المعيار.
ومن الملفت أن يقرر المعيار أن من شروط المنع (أن يكون التوسل … كثيرًا بمقتضى العادة… وألا يكون هناك حاجة أو مصلحة راجحة إلى تلك المعاملة) فهل هذا يعني أن العينة وعكس العينة والوفاء وربا الفضل والهدايا والزيادة على القرض والمآلات المحظورة للمعاملة؛ تصبح جائزة إذا كانت قليلة، أو تدعو إليها حاجة.
وسأتجاوز عن الفقرة الأخيرة من المعيار بشأن (تطبيقات معاصرة للجمع بين العقود وأحكامها العامة، فهي لم تعد كونها تكرارًا لما سبق في المعيار وأقترح إعادة النظر في هذا المعيار لغرض تقييم آثاره على تناسق المعايير ومنهجية إعدادها من حيث القيمة المضافة، ومستوى العمق والقرب من التطبيق.
د. عبد الباري مشعل
اترك تعليقاً