الاثار القانونية المترتبة على وقف عقوبة الاعدام
وقف الإعدام:أثره على تزايد الجريمة
أ/ يارا النجادات
8 % ممن يعدمون عالميا تظهر براءتهم لاحقا
ما يزال تجميد تنفيذ عقوبة الإعدام في المملكة منذ العام 2006، مثيرا للجدل بين القانونيين والسياسيين والأوساط الشعبية، في ظل تراكم أعداد المحكومين بأقسى عقوبة عرفها البشر، ليناهز عدد المنتظرين منهم التنفيذ أكثر من 70 محكوما بالإعدام.
ومع تزايد ظاهرة العنف المجتمعي، وارتفاع منحنى الجريمة في المجتمع الأردني خلال الأعوام الأربعة الماضية، يطرح قانونيون وباحثون تساؤلا عن إمكانية ربط هذا الارتفاع الجرمي ونوعيته بتجميد تنفيذ أحكام الإعدام التي يصدرها القضاء الأردني، فيما يحاجج آخرون بـ”عدم علمية” مثل هذا الطرح، خاصة وأن القضاء ما يزال يوقع عقوبة الإعدام بحق الجرائم الخطرة، ما يحقق مفهوم الردع، إن كان في الإعدام ردع، بحسب معارضي عقوبة الإعدام.
وفيما يمكث، بعيدا عن ضوضاء الجدل، وبين جنبات سجن سواقة الصحراوي أكثر من 70 محكوما بالإعدام بأحكام قضائية قطعية، أغلبها عقابا على جرائم قتل عمد، في انتظار قصاص قد يأتي أو لا يأتي، تنشغل الأوساط السياسية والقانونية في العالم كله، وليس في الأردن فقط، بمصير هؤلاء السبعين، ومثلهم نحو 20 ألف شخص ينتظرون تنفيذ عقوبة الإعدام بحقهم في العالم، خاصة في ظل إلغاء 120 دولة عقوبة الإعدام نهائيا، سواء كليا أم جزئيا عن بعض الجرائم.
ينافح كل من المؤيدين والمعارضين لوقف وإلغاء عقوبة الإعدام عن وجهة نظرهم، فيما تطرح هذه القضية تساؤلات مهمة حول مدى تأثير وقف الإعدام أو إلغائه على الواقع الجرمي، وتحديدا فيما يتعلق بقضية الثأر، التي تستفحل في المجتمعات العربية، ومنها المجتمع الأردني. كما لا يغيب عن هذا الجدل موقف الشريعة الإسلامية من هذه العقوبة ومصيرها.
ويبدو التجميد “غير الرسمي” لعقوبة الإعدام، الذي لجأ إليه الأردن منذ العام 2006، والتقليص التدريجي للجرائم المعاقب عليها بالإعدام، موقفا وسطا بين دول عديدة ألغت هذه العقوبة، مستبدلة إياها بالسجن، وبين دول ما تزال تتمسك بالإعدام في تشريعاتها ونظامها الجزائي.
محكومون بالإعدام منذ 30 عاما!
وكان الأردن أوقف “بصورة غير رسمية معلنة” تنفيذ أحكام الإعدام منذ منتصف 2006، حيث نفذ في المملكة قبل تلك الفترة 51 إعداما من أصل 108 أحكام، صدرت ما بين عامي 2000 و2006، وفق مصدر قضائي مطلع أشار، إلى “الغد”، إلى أن أكثر من 70 محكوماً بالإعدام يقبعون في سجن السواقة حاليا بانتظار تنفيذ العقوبة.
ومضى على بعض الحالات التي حكم أصحابها بالإعدام نحو 30 عاما في السجن من دون تنفيذ للقرار، وهو تأجيل “يلحق بهؤلاء الأشخاص المحكومين أضرارا نفسية وجسدية وعقلية”، بحسب المصدر.
ورغم انحياز الموقف الرسمي الأردني للتوجه العالمي بالحد من عقوبة الإعدام وتجميد تنفيذها، فإن الجدل بين المؤيدين والمعارضين لإلغاء هذه العقوبة ما يزال محتدما، ولا يتوقع له أن يهدأ سريعا، ويورد كل جانب حججه.
ويرى معارضو إلغاء عقوبة الإعدام أن هذه العقوبة “ضرورية لاستئصال فئة من المجرمين يستحيل إصلاحهم”، وأنها عقوبة تحقق الكثير من الردع العام، وأن إلغاءها، خاصة في مثل مجتمعاتنا العربية والمسلمة ذات الإرث القبلي والعشائري الذي يمجد الثأر، يولد نوعا من ردود الأفعال الانتقامية، من قبل ذوي المجني عليه، وهو ما يؤدي للإخلال بالنظام العام، وأنها عقوبة “لا غنى عنها في تحقيق العدالة كوظيفة أخلاقية للعقوبة” .
أما مؤيدو إلغاء الإعدام فيرون أنها عقوبة “لا تحقق الغرض من العقوبة، وهو إصلاح المجرمين”، وأنه يجب “عدم الخلط بين التوبة الدينية والإصلاح بالمفهوم الجنائي، الذي يتحقق بإعادة تكييف المحكوم عليهم مع المجتمع، وهذا لا يتحقق بمن ينفذ بهم حكم الإعدام”.
مديرة المكتب الإقليمي للمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي في عمان تغريد جبر تؤكد أن منظمتها تؤيد تجميد عقوبة الإعدام في الأردن حاليا، وتعتبر أن ذلك “يتفق مع المعايير الدولية وحق الإنسان في الحياة”، كما ترى أنه يتفق أيضاً مع الشريعة الإسلامية باعتبار الحياة هبة الله.
استراتيجية أردنية للتقليص التدريجي لعقوبة الإعدام
ويعتمد الأردن منذ العام 2006 استراتيجية التقليص التدريجي في الطريق لإلغاء عقوبة الإعدام، وهو نهج تصفه جبر بـ”الإيجابي”.
وأجرى الأردن عدة تعديلات تشريعية، عملت على إلغاء هذه العقوبة وخففتها لأحكام بالسجن في قضايا عديدة منذ 2006، فقد خففت العقوبة في تعديلات تشريعية طاولت أكثر من قانون، منها قانون الذخائر والأسلحة والمخدرات والعقوبات، وغيرها من جرائم حيازة وتجارة المخدرات والأسلحة والمفرقعات.
ويعتمد الأردن في استراتيجيته تشريعيا تجاه عقوبة الإعدام على المعايير الدولية، التي توصي، في حال عدم إلغائها نهائيا، بحصرها في الجرائم الأشد خطورة.
وضمن هذا النهج عدل قانون العقوبات قبل أشهر قليلة، حيث خفف عقوبة الإعدام عن جريمتين جديدتين، هما جريمة إضرام حريق تسبب في وفاة إنسان، والتحريض على العصيان.
كما تم تجميد “غير رسمي” لتنفيذ عقوبة الإعدام منذ العام 2006.
وبررت جبر المطالبة الدولية بإلغاء عقوبة الإعدام باعتبارها “عقوبة قاسية، وترقى إلى درجة اللاإنسانية، وهي نوع من الانتقام”.
وتقول إن “الهدف من هذه العقوبة عمليا هو الإيلام وإيذاء المجرم، فيما تشير دراسات علم الإجرام والإصلاح الجنائي، إلى أن العقوبة يجب أن تتوجه إلى إصلاح المجرم، خاصة وأن الدراسات تكاد تجمع أن التحليل العلمي لأوضاع أغلب المجرمين يشير إلى أن أغلبهم هم ضحايا أيضا لأوضاع اجتماعية وإنسانية وتربوية قاسية ومشوهة، لذا فمن المفترض إصلاحهم لا التخلص منهم”.
براءة بعد تنفيذ الإعدام!
ويستند مناهضو عقوبة الإعدام في مطالباتهم إلى أن هذه العقوبة لا يمكن التراجع عنها في حال ثبوت براءة المحكوم بها لاحقا.
وتلفت جبر في هذا السياق إلى أن “8 % من المحكومين بالإعدام عالميا، وينفذ بهم الحكم، تثبت براءتهم لاحقا، لكن بعد أن يكونوا خسروا حيواتهم”.
وتشجع المنظمة الجنائية الدولية، التي كانت دعمت قبل أعوام.
تأسيس تحالف وطني أردني لمناهضة عقوبة الإعدام، ويضم حاليا مؤسسات مجتمع مدني وقانونيين يتبنون هذا الشعار، الموقف الأردني في مناهضة الإعدام، ولكنها تتمنى أن يصل الأردن إلى إلغاء الإعدام نهائيا من قوانينه.
ويؤيد المحامي محمد الخوالدة مطالبة المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي بإلغاء عقوبة الإعدام نهائيا وزيادة عقوبة السجن.
ويبرر الخوالدة موقفه بالقول إن تنفيذ عقوبة السجن “يؤدي إلى تحقيق الردع العام والخاص بصورة أكبر”، ذاهبا إلى أن الإعدام “قد يريح الجاني ولا يعاقبه، أو يصلحه”.
ويرفض المعارضون لإلغاء هذه العقوبة منطق المؤيدين.
يقول قاض في محكمة الجنايات الكبرى، فضل عدم نشر اسمه، لـ”الغد” إن عقوبة الإعدام بحق مرتكبي جرائم القتل والاغتصاب “تشكل ردعاً للآخرين عن ارتكاب جرائم مماثلة، وإنها من العقوبات التي شرعها الإسلام، وإلغاؤها فيه مساس بالعقيدة والدين”.
واعتبر أن تقليص عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد سيؤدي لـ”مزيد من الجرائم، وعودة تقاليد الثأر في أوساط المجتمع”.
ولفت إلى أن الإعدام ما يزال ينفذ في عدة دول أوروبية، مشيرا إلى أن بعض الدول، التي كانت قد تخلت عن عقوبة الإعدام، “قررت أخيراً العودة إليها وتطبيقها”.
ويتفق مع هذا الرأي رئيس لجنة الحريات في نقابة المحامين فتحي أبو نصار، حيث يعبر عن تحفظات قطاعات واسعة في المجتمع، من قانونيين ورجال دين وشعبيين، على إلغاء عقوبة الإعدام، خاصة في قضايا القتل العمد.
ويتساءل أبو نصار “كيف يستقيم إلغاء عقوبة الإعدام في جرائم القتل مثلا ودين الدولة هو الإسلام، والقصاص إجباري في الشريعة، وعدم تطبيق القصاص يكون استثناء في حال تنازل أهل الضحية عن حقهم في القصاص”.
مع إلغاء الإعدام في بعض القضايا
لكن أبو نصار يرى أن إلغاء هذه العقوبة في الإطار العام بالقضايا السياسية أو ذات البعد السياسي، أمر مطلوب، معتبرا أن العديد من قضايا أمن الدولة يمكن أن تندرج في إطار القضايا السياسية، “فحق الدولة أوسع من الحق الشخصي”.
وتعتبر النقابات المهنية وأوساط حقوقية وسياسية أن محكمة أمن الدولة “غير دستورية”، وان الأصل أن تحال القضايا التي تنظر بها إلى القضاء المدني، باستثناء القضايا المرتكبة من قبل عسكريين.
ويعتبر أبو نصار أن إلغاء الإعدام بشكل كامل “فيه خلل وغير صحيح، خاصة وأن فيه حقا شخصيا، وتحقق هذه العقوبة جانب الردع، وهو حق دستوري وديني للمجتمع”.
ويشير إلى أنه ورغم المعايير الدولية المناهضة للإعدام، “فإن دولا غربية، منها الولايات المتحدة (عدد واسع من ولاياتها) ما تزال تطبق عقوبة الإعدام”.
ويرى أن تطبيقات عقوبة الإعدام في المملكة أصلا محدودة وفق القوانين الأردنية، ولها ضوابط مشددة وصارمة، كما أن الإعدام لا ينفذ إلا بصدور الإرادة الملكية السامية، ويراعى في إنفاذه إن يكون القاتل قد نال صفح أهل القتيل وتم الصلح معهم.
إلا أن المنظمة الجزائية الدولية، بحسب ما تقول جبر، لا ترى تناقضا بين الشريعة الإسلامية والمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، فـ”الشريعة السمحاء تشجع على العفو والتسامح، والأصل في القصاص بمفهومه الإسلامي هو العفو والتنازل عن الحق الشخصي، والدية مقابل خفض العقوبة من الإعدام”.
وقالت إن “الإسلام لا يشجع عقوبة الإعدام، بل يضيق بشدة في تطبيقها، من خلال التوسع في الشروط التي يجب أن تتوفر لإقامة الحدود”.
من جهته، يرى أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الزيتونة الدكتور منذر زيتون أنه لا يمكن القول بإلغاء عقوبة الإعدام مطلقا، لأن هناك من الجرائم “ما لا يمكن مواجهتها إلا بإعدام فاعلها، لخطورتها وأثرها الكبير على أمن المجتمع وسلامته”، مشيراً إلى أن إلغاء العقوبة “قد يشجع آخرين على اقتراف مثل تلك الجرائم”.
ومع ذلك فإن زيتون يرى أن مثل هذه العقوبة البالغة الخطورة “لا بد من تقييدها في أضيق نطاق، حتى لا تؤخذ مطية للتخلص من أشخاص لا يستحقونها، خصوصا مع ما نشهده من عقوبات انتقامية يقيمها أصحاب القوة في العالم على الضعفاء”.
ويشير زيتون إلى أنه قد ثبت دينيا أن الله تعالى قد أباح هذه العقوبة في شريعة الإسلام وفي الشرائع السابقة، بل أوجبها وجوبا، فقال الله تعالى: “وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس”، وهذا الحكم نزل في الشرائع السابقة التي نزلت على موسى وعيسى، عليهما السلام.
ويعتبر زيتون أن الواقع “أثبت أن هناك من لا يرتدع إلا بالعقوبة البالغة، بل إن العقوبة التي ينالها بعض المجرمين تدفعهم لمزيد من الجرائم لأن مثل تلك العقوبة غير رادعة”.
هل لتجميد الإعدام علاقة بارتفاع نسبة الجريمة؟
ويواجه مناهضو عقوبة الإعدام في العالم والأردن تساؤلات من مؤيدي هذه العقوبة، تتعلق بتأثير إلغاء الإعدام على تزايد نسبة الجريمة وخطورتها.
وترفض جبر الربط بين إلغاء العقوبة وتجميد تطبيقها في الأردن وبين زيادة معدل الجريمة، خاصة القتل أو الشروع به.
وتقول “الدراسات في مختلف الدول التي ألغت عقوبة الإعدام، مثل كندا وغيرها، أثبتت أن إلغاء العقوبة لم يؤثر على معدل الجريمة، فالردع العقابي واقع على الجاني والمجرم بالسجن”.
أما أردنيا، فترى جبر أن بعض الجرائم البشعة، التي حدثت في المملكة في العامين الأخيرين، “لا يمكن بحال إعادتها إلى تجميد تنفيذ عقوبة الإعدام، فالمحاكم ما تزال تحكم بالإعدام خاصة في القتل العمد”، لافتة إلى أنه يجب دراسة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، التي تؤدي إلى تزايد الجرائم.
إلا أن أبو نصار يرى أن إلغاء هذه العقوبة بالمطلق “لا شك سيؤثر في زيادة معدلات الجريمة لغياب الردع”.
كما يرى أن هناك زيادة ملحوظة في معدل جرائم القتل بالأردن، لكنه لا يرى أن ذلك مرتبط بوقف الإعدام فقط، بل مرتبط أساساً بأبعاد اقتصادية ومعيشية واجتماعية وسياسية مختلفة.
فيما يقول التربوي صلاح السمور، الذي يؤكد تأييده لإلغاء الإعدام، إن الإحصاءات في الدول، التي ألغت عقوبة الإعدام، لا تشير إلى زيادة كبيرة في نسب الجرائم مقارنة بفترة ما قبل الإلغاء.
ويرى أن “تنفيذ عقوبة الإعدام يتم في غرفة مغلقة لا يحضرها إلا عدد قليل من الناس، وبالتالي لا يتحقق فيها الردع العام، الذي يفترض أن يكون فيه تنفيذ العقوبة علنيا”.
وتفيد إحصاءات مديرية الأمن العام أنه سجل منذ العام 2004 وحتى نهاية العام الماضي ما مجموعه 522 جريمة قتل، صنفت 311 منها (نحو 60 %) بأن الدافع فيها كان خلافا بين الجاني والمجني عليه.
وسجلت في العام 2004 ما مجموعه 99 جريمة قتل، ثم انخفض العدد في العام الذي تلاه إلى 67 جريمة، لترتفع مجددا العام 2006 إلى 96 جريمة، و98 جريمة العام 2007، ثم 100 جريمة العام 2008، ثم انخفضت إلى 91 جريمة قتل قصد وعمد، ليحتفظ المعدل العام لجريمة القتل برقم 92 جريمة سنويا.
وكانت نسبة الانخفاض في جرائم القتل القصد العام الماضي نحو 10.9 % عن العام 2008، فيما انخفضت جرائم القتل العمد بنسبة 7.4 %.
لكن هذا الانخفاض قابله ارتفاع في المعدل العام للجريمة العام الماضي بنسبة 4.47 % بواقع 78 جريمة لكل 10 آلاف مواطن.
ويعتبر السمور أن العدالة الكاملة ليست مبررا كافيا للتضحية بحياة إنسان، فـ”الوجود الإنساني له قيمة كبرى، دينيا وأخلاقيا”، وربما كانت طريقة تنفيذ هذه العقوبة “تفوق في قساوتها الجاني ذاته في ارتكاب الجريمة” .
إلا أن رأي مواطن، في العقد الرابع من عمره، يختلف عن رأي المطالبين بإلغاء الإعدام، إذ يؤكد أن “وقف عقوبة الإعدام لا يحقق الردع، ولا يعطي لذوي الضحية حقهم في جزاء عادل وحازم ضد المجرم، الذي يرتكب جنايةً تستحق الإعدام”.
وارتكب هذا المواطن جريمة قتل العام 1997 بحق مواطن آخر، ثأرا لمقتل والده قبل نحو عشرين عاما من هذه الجريمة، الأمر الذي عوقب عليه بالسجن لخمسة أعوام، بعد أخذ الظروف المخففة بالاعتبار من قبل المحكمة.
ويقول هذا المواطن إنه “لا يمكن أن تكون الجرائم، التي تحمل طابعا عنيفا جدا، وارتكبت من دون أدنى سبب أو باعث، أو ذنب اقترفه الضحية، إلا أن تكون عقوبتها الإعدام”.
ويؤكد أن عدم صدور حكم قضائي مشدد على قاتل والده وعدم إعدامه، دفعه إلى الثأر من “القاتل” بعد أكثر من 20 عاما على مقتل والده.
رأي المواطن المذكور يتفق مع آراء المعارضين لإلغاء عقوبة الإعدام أو تجميدها، حيث يرون أن إنفاذ الإعدام يحقق الردع من جهة ومن انتشار الجريمة، كما أن تنفيذ الإعدام يعني إنهاء كل تبعات المشكلة تماما، ويحد من قضية الثأر، وهي ظاهرة مقلقة منتشرة في الأردن والدول العربية، حيث أن تنفيذ الإعدام بالقاتل يريح عائلة القاتل ويحد من الجريمة طلبا للثأر.
ترحيب بتجميد الإعدام ولكن!
إلى ذلك، ورغم ترحيبها بالنهج الأردني لتقليص تطبيقات عقوبة الإعدام، فإن جبر ترى أن فكرة تجميد تنفيذ هذه العقوبة عن المحكومين به “قاسية أيضا”.
وقالت إن تعليق وضع المحكوم بالإعدام، وبقاءه منتظرا تنفيذ العقوبة عدة أعوام “أمر قاس ويؤثر على نفسيته ويعد معاملة لاإنسانية”.
ويعمل المكتب الإقليمي للمنظمة الجنائية الدولية في ثماني دول عربية، بينها الأردن.
وتلفت جبر إلى أن وضع الأردن يعد من أفضلها نسبيا من ناحية الحد من عقوبة الإعدام، مضيفة إنه في المغرب مثلا فإن 365 جريمة يعاقب عليها بالإعدام، فيما تقدر أن عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في القانون الأردني، بعد التعديلات العديدة عليه، تنخفض إلى 28 جريمة.
وفي هذا السياق، أكد مصدر مطلع في وزارة العدل، لـ”الغد”، أن إلغاء عقوبة الإعدام من قانون العقوبات “ليس من أولويات الحكومة حاليا”، معتبرا أن المحاكم هي صاحبة الحق في تقدير ظروف وملابسات وقوع الجريمة، التي تستحق عقوبة الإعدام.
ولفت المصدر إلى أن هذه العقوبة لم تطبق في الأردن منذ منتصف 2006.
وكانت جيبوتي أول دولة عربية تعلن رسميا إلغاء عقوبة الإعدام نهائيا من تشريعاتها، فيما لجأت دول عربية ملتزمة بالمعايير الدولية إلى تجميدها، كما في حالة المغرب وتونس منذ منتصف عقد تسعينيات القرن الماضي، ولبنان منذ 2004، ثم الجزائر.
وتشير دراسات قانونية إلى أنه وفي الحالة الأردنية، وحتى ما قبل اعتماد نهج التقليص التدريجي لعقوبة الإعدام، فإن المشرع والنظام القانوني والسياسي الأردني اعتمد تضييقا صارما على تطبيقات هذا العقوبة، فالقانون يمنع إيقاع عقوبة الإعدام على الأحداث، كما لم تنفذ عقوبة إعدام عن جرائم سياسية.
كما يتم أيضا إرجاء تنفيذ الإعدام إلى أطول فترة ممكنة لغايات إعطاء الفرصة للفرقاء للمصالحة وإسقاط الحق الشخصي في قضايا القتل العمد، فيما نال المحكومون بالإعدام في أغلب قضايا أمن الدولة عفوا ملكيا خاصا. كما تعرض أحكام الإعدام على محكمة التمييز بحكم القانون.
تجدر الإشارة إلى أن إحصاءات منظمة العفو الدولية تقول إن 20 ألف محكوم في العالم بانتظار إعدامهم، و95 % من الإعدامات في الأعوام الخمسة الأخيرة نفذت في أربع دول، منها الولايات المتحدة والصين وإيران.
ومنذ العام 1985 ألغت نحو 120 دولة عقوبة الإعدام، سواء كليا في 73 دولة، أو لبعض الجرائم في 13 دولة، وألغيت عمليا في 22 دولة، فيما أبقت 83 دولة تقريبا على هذه العقوبة.
ولم تسجل أي إعدامات العام الماضي في أوروبا، فيما بقيت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في الأميركتين التي نفذت عمليات إعدام.
اترك تعليقاً