نتناول الأحكام الخاصة بهذا الضمان عبر المسائل التالية:
المسألة الأولى: الاتفاق على تخفيف أحكام الضمان
من أوجه التخفيف الجائز الاتفاق عليه إعفاء المحيل في الحوالة بعوض، من ضمانة وجود الحق المحال به وقت الحوالة، وإلى ذلك أشارت المادة ( 308/ 1) مدني مصري، أو الاتفاق على قصر التعويض الذي يرجع به المحال له على المحيل، بحيث يقتصر على ما دفعه المحال له من الثمن، دون أن يشمل ذلك الفوائد والمصروفات، التي أنفقها المحال له على الحق المحال به (1) ومن أوجه التخفيف كذلك اشتراط المحيل على المحال له، عدم ضمان توابع الحق المحال به وذلك بأن يكون الحق مضمونا برهن أو امتياز وتبين بطلان هذا الرهن أو قابليته للإبطال وأبطله الراهن، وكان المحيل قد اشترط عدم ضمانه لهذا الرهن فإنه لا يضمنه، وباعتبار أن توابع الحق المحال به تنتقل معه بحكم القانون، فإن استبعادها يحتاج إلى اتفاق خاص على ذلك بين المحيل والمحال له (2) وقد يصل الاتفاق على التخفيف من شروط الضمان إلى حد إعفاء المحيل من ضمان وجود الحق المحال به وقت الحوالة، وهو إعفاء من المسؤولية العقدية يجيزه القانون (3) مع ملاحظة أن مثل هذا الاتفاق أو الشرط عادة ما يعرض المحال له إلى مخاطر تقابله، فيغلب لذلك أن يكون الثمن الذي يتقاضاه المحيل أقل بكثير من الحق المحال به، ويستخلص شرط عدم الضمان هنا من ظروف الواقعة القانونية فإذا باع المحيل للمحال له حقًا متنازعا فيه أو رفعت بشأنه دعوى مطالبة أو مخاصمة، وكان المحال له على علم بها فلا ضمان على المحيل ما لم يتفق على غير ذلك (4).
المسألة الثانية: الاتفاق على تشديد أحكام الضمان
غالبا ما يكون التشديد بالضمان على المحيل في الأحوال التي يشترط فيها المحال له أن يضمن له المحيل ليس فقط وجود الحق المحال به، وإنما أيضا يسار المحال عليه، وإلى ذلك أشارت المادتان ( 309 ) مدني مصري و( 337 ) مشروع مدني فلسطيني بإنه: “لا يضمن المحيل يسار المدين إلا إذا وجد اتفاق خاص على هذا الضمان وإذا ضمن، المحيل يسار المدين فلا ينصرف هذا الضمان إلا إلى اليسار وقت الحوالة ما لم يتفق على غير ذلك” (5) وإلى ذات الحكم لدى المشرعين المصري والفلسطيني، جاءت الفقرة الثانية من المادة (1011 ) مدني أردني والتي اقتصرت الضمان على وقت إقرار الحوالة، ودون أن يشمل ذلك يسار المحال عليه، مالم يتفق عليه مسبقًا (6) وعلى ضوء النصوص أعلاه، إذا اشترط المحال له على المحيل ضمان يسار المدين ولم يوضح أي يسار هو المقصود فإن ضمان اليسار هنا ينصرف إلى وقت انعقاد الحوالة وذلك تفسيرا للشرط الذي لمصلحة الملتزم به وهو المحيل في هذا الإطار (7)، ولأن أحكام الضمان هذه مفادها التشديد فلا بد من اتفاق خاص بين المحيل والمحال له عليها، على أن يكون اتفاقا صريحا ودالا على رغبة المحيل وموافقته على ضمان يسار المدين، ورغم وجود هذا الاتفاق الخاص فإن المحيل لا يضمن يسار المدين إلا وقت انعقاد الحوالة فقط، ولا يسأل المحيل عن الإعسار الذي يلحق بالمدين في وقت لاحق لانعقادها، إلا إذا قبل المحيل أن يظل ضامنا ليسار المدين حتى الوفاء التام (8) وضمان المحيل ليسار المحال عليه يحفظ للمحال له حقه بالرجوع على المحيل، إذا أعسر المحال عليه دون تقصير من الدائن، أما إذا كان المحال عليه موسرًا وقت اقرار الحوالة، ولكن الدائن تراخى في مطالبته فترة ليست بالمعقولة مما أدى إلى اعساره، فلا يتحمل المحيل مسؤولية اعساره لأن تقصير المحال له في استيفاء حقه هو سبب الاعسار وليس فعل المحيل أو تقصيره (9)، والمحيل وإن كان ضامنا ليسار المدين فإنه لن يكون مسؤولا إذا امتنع المدين عن الوفاء للمحاله، ذلك أن الإعسار يتوافر بعدم وجود ما يجوز التنفيذ عليه عند المحال عليه أما في هذا الصدد فإن المحال عليه “المدين” موسر ولكنه ممتنع عن الوفاء وعليه فإن للمحال له اتخاذ . الإجراءات اللازمة للرجوع على المدين، والتنفيذ على أمواله (10) وحتى ومع تحقق شرط الضمان، في حال إعسار المحال عليه، فإن المحال له لن يستطيع الرجوع على المحيل، إلا إذا أثبت هذا الإعسار أولا، وذلك بالرجوع على المدين وعلى جميع الضمانات التي تثبت له قبله أي “تجريد المدين” وذلك لأن المحيل ليس كفيلا، وإن اقترب من هذه الصفة، ومع ذلك فإن للمحال له وحرصا على المصالح المتعارضة أن يتخذ ضدّ المحيل، إجراءً تحفظيًا ومستعجلا حتى يتيسر له إثبات إعسار المحال عليه بوجه قاطع (11)
ولتوضيح مدى ضمان المحيل ليسار المحال عليه في حال اشتراط ذلك على المحيل أضرب المثال التالي:
إذا كان زيد “المحيل” دائنا لعمر “المحال عليه” بمبلغ 1000 دينار، فحول زيد من هذا المبلغ ما قيمته 500 دينار لصالح أحمد “المحال له” وبالمقابل ضمن زيد يسار المحال عليه (عمر) وعند الإقرار، وتقدم المحال له لاستيفاء حقه، المحال به، من المحال عليه (عمر) كان الأخير قد أعسر، فإن المحيل هنا لن يستطيع أن يرجع على المحال عليه باعتباره دائنا له، بمبلغ 500 دينار من قيمة 1000 دينار الاسمية، ذلك لأن المحيل (زيد) ضامن (12)، كما أن القاعدة “تقضي بأن من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه” (13) أما إذا لم يكن المحيل “(زيد) ضامنا للمحال له (أحمد) وأعسر المحال عليه (عمر) فإن للمحيل الحق في مزاحمة المحال له بمبلغ 500 دينار، باعتباره لا يزال دائنا (لعمر )، ويعود عليه بقسمة غرماء ليكون لكل واحد منهما مبلغ 250 دينار (14) وفي كل الأحوال، فإن المحال له وبرجوعه على المحيل بتحقق شروط الضمان لن يستطيع أن يأخذ إلا ما دفعه مقابل الحوالة مع فوائده بسعرها القانوني مع المصاريف التي تكبدها في سبيل تنفيذ هذا العقد، وعلى ذلك فليس للمحال له أن يرجع على المحيل، بأكثر مما غرمه منه، وبذلك جاء حكم المادة ( 110 ) مدني مصري، والتي وضعت لذلك قاعدة آمرة لا يجوز خلافها، بهدف قطع الطريق على المرابين الذين يستغلون حاجة الناس فيشترون حقوقهم بأثمان بخسة، ثم يكلفون أنفسهم حق الرجوع بها كاملة عليهم، إذا لم يستوفوها كاملة من المحال عليهم (15) وأكدت محكمة النقض المصرية ما جاء بالمادة ( 310 ) مدني مصري، فقضت “إن مقصد المشرع المصري من نص المادة ( 310 ) مدني هو تحديدا أقصى ما يرجع به المحال له على المحيل عند تحقق الضمان من تعويض له وهذا الحكم يغاير ما ورد في المادة ( 336 ) مدني مصري والتي تحدد سريان الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية إذا كان موضوع الدعوى مبلغا ماليا تأخر المدين بالوفاء به، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه وإن لم يعمل حكم المادة ( 336 ) مدني مصري، وقضي للمحال له بالفوائد من تاريخ دفعه مبلغ الحوالة للطاعن وهو المحيل فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون(16) .
_________________
1- الأهواني، حسين الدين كامل، النظرية العامة للالتزامات، الجزء الثاني، أحكام الالتزام، بدون طبعة، بدون دار نشر، 1996 ، ص 647
2- السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثالث، الالتزام بوجه عام، الأوصاف، الحوالة، الانقضاء، تنقيح أحمد مدحت المراغي، طبعة تحتوي على آخر المستجدات في التشريع والفقه، والقضاء الناشر منشأة المعارف، الاسكندرية، مصر2004 ، ص 446
3- طلبة، أنور، انتقال وانقضاء الحقوق والالتزامات، بدون طبعة، المكتب الجامعي الحديث للنشر، 2006 ، ص 58
4- السنهوري، عبد الرزاق الوسيط، ج 3، مرجع سابق، ص 446
5- المادتان 309 / مدني مصري و 337 / مشروع مدني فلسطيني/ ص 391
6- المادة 1011 / مدني أردني، ص 272
7- الذنون، حسن، شرح القانون المدني العراقي، أحكام الالتزام، بدون ط، مطبعة المعارف، بغداد، 1952 ، 277 ، والعمروسي، أنور، حوالة الحق وحوالة الدين، في القانون المدني، معلقا على النصوص بالفقه وقضاء النقض ، ط 1 مكتبة دار الفكر العربية، 2003، ص 42
8- والشرقاوي، جميل، دروس في النظرية العامة للالتزامات، الكتاب الثاني، أحكام الالتزام ، بدون ط، الناشر دار النهضة العربية، القاهرة، مصر 1977، ص 238 – 2
9- الاهواني، حسام الدين كامل، مرجع سابق، ص 336 ، الفكهاني، حسن، وآخرين، شرح القانون المدني الأردني رقم ( 43 ) لسنة 1976 ، الجزء السابع، بدون طبعة، إصدار الدار العربية للموسوعات، 2001 ، ص 546
10- طلبة، أنور، انتقال وإنقضاء الحقوق والالتزامات، المرجع السابق، ص 62
11- السنهوري، عبد الرزاق الوسيط، ج 3، تنقيح أحمد المراغي، مرجع سابق، ص 450
12- السنهوري، عبد الرزاق الوسيط، ج 3، تنقيح أحمد المراغي، مرجع سابق، ص 446
13- المادة 100 / مجلة أحكام عدلية، ص 14
14- الذنون، حسن، مرجع سابق، ص 274
15- العمروسي، أنور، المرجع السابق، ص 42 ، مرقس، سليمان، الوافي في شرح القانون المدني، الجزء الثاني في الالتزامات، المجلد الرابع، أحكام الالتزام، ويشمل آثار الالتزام وأوصافه وانتقاله وانقضائه، الطبعة الثالثة، أسهم في تنقيحها وتزويدها بأحدث الآراء والأحكام الدكتور حبيب إبراهيم الخليلي، دار الكتب القانونية، شتات، مصر، المنشورات الحقوقية، 1992، ص 645
16- نقض مدني، رقم 289 / جلسة/ 11/1/1966 عبد التواب، معوض، المرجع في التعليق على نصوص القانون المدني، الجزء الثاني، أوصاف الالتزام، انتقال الالتزام، انقضاء الالتزام، البيع، الشركة، القرض، الصلح، الطبعة الرابعة، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1998 ، ص 124
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً