مفهوم التأديب في الوظيفة العامة
المؤلف : حسن خالد محمد الفليت
الكتاب أو المصدر : الانحراف في استعمال السلطة واثره على القرار الاداري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يقصد بالتأديب مجازاة الموظف ببعض العقوبات عن الأخطاء التي يرتكبها أثناء تأدية وظيفته والتي تؤثر على حسن تأديتها(1)، ويتميز التأديب في مجال الوظيفة العامة بطابع السلطة، الذي يعتبر قوام التأديب وجوهره، فالتأديب هو مظهر من مظاهر السلطة الإدارية التي تفرضها طبيعة التنظيم الإداري، بل إنه نابع منها ويتفرع عنها(2).
وفي سبيل تمكين الإدارة من أداء واجبها في الحفاظ على العمل الإداري قد كفل لها المشرع حق تأديب موظفيها بتوقيع ما يناسب مخالفتهم من عقوبات تأديبية منصوص عليها قانونا (3) ، ذلك أن التأديب هو الضمانة الفعالة لاحترام الموظف لواجبات وظيفته(4)، اولا كان معرضا للجزاء، ونظرا لخطورة التأديب فقد أحاطه المشرع بضمانات تحمي الموظف من تعسف الإدارة، ومن إساءة استعمال السلطة، بهدف إقامة توازن بين مقتضيات الضمان وبين فاعلية الإدارة(5).
فالتأديب ليس الهدف منه العقاب في حد ذاته، بل ضمان سير المرافق العامة بانتظام واطراد، على نحو يمكنها من الوفاء بالتزاماتها(6)، وهو بذلك يختلف عن العقوبة الجزائية التي تهدف إلى عقاب شخص على ارتكاب عمل جرمي في حق المجتمع(7).
وعليه فإن الهدف من توقيع الجزاء التأديبي يجب أن يكون دائما لتحقيق الصالح العام المتمثل في ضمان سلمة أداء الجهاز الإداري، ورفع كفاءته، لضمان سير وانتظام المرافق العامة، ولكن حق الإدارة في توقيع الجزاء على موظفيها ليس حقا مطلقا بل يتعين عليها أن تتبع الإجراءات المقررة للتأديب(8)، أما إذا كان هدف الإدارة من وراء السلطة الممنوحة لها، الالتفاف على الإجراءات التأديبية التي هي الضمان الأكيد لصدور قرار سليم بحق الموظف إن ارتكب إحدى المخالفات التي تستوجب مؤاخذته تأديبيا يكون قرارها غير سليم لانحرافها في استعمال الإجراءات الإدارية(9)
__________________
1- حدد المشرع الفلسطيني العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على الموظف في الخدمة المدنية، وذلك بنص المادة (68) من قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998 م التي جاء فيها : “إذا ثبت ارتكاب الموظف مخالفة للقوانين والأنظمة والتعليمات والقرارات المعمول بها في الخدمة المدنية أو في تطبيقها فتوقع عليه إحدى العقوبات التأديبية التالية : 1- التنبيه أو لفت النظر. 2- الإنذار. 3- الخصم من الراتب بما لا يزيد عن راتب خمس عشر يوما . 4- الحرمان من العلاوة الدورية أو تأجيلها مدة لا تزيد عن ستة أشهر. 5- الحرمان من الترقية حسب أحكام هذا القانون. 6- الوقف عن العمل مدة لا تتجاوز ستة أشهر مع صرف نصف الراتب. 7- تخفيض الدرجة.8- الإنذار بالفصل. 9- الإحالة إلى المعاش. 10 – الفصل من الخدمة”.
– كما جاءت المادة (70) من القانون نفسه بالنص على أن : “لا توقع على موظفي الفئة الثانية إلا إحدى العقوبات التالية : 1- اللوم. 2-الإحالة إلى المعاش. 3- الفصل من الخدمة”.
– وكذلك نصت المادة96 من قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية رقم 8 لسنة 2005 م على العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على ضباط قوى الأمن وذلك بقولها : “العقوبات التأديبية التي يجوزت وقيعها على الضابط العامل هي : 1- إنهاء الندب. 2- الترك في الرتبة بما لا يزيد عن سنتين. 3- الحرمان من العلاوة الدورية أو علاوة القيادة. 4- الإحالة إلى الاستيداع. 5- الاستغناء عن الخدمة.
وتختص لجنة الضباط بتوقيع أي من هذه العقوبات على أن يصدق الوزير المختص عليها إلا في حالة الاستغناء عن الخدمة فيلزم الحصول على تصديق الرئيس”.
2- وليد عبد الرحمن مزهر، الوظيفة العامة في القانون الفلسطيني، رسالة ماجستير، معهد البحوث والدراسات العربية،
جامعة الدول العربية، القاهرة، 41، ص 160
3- محمد عمر يونس النجار، فاعلية القرار التأديبي ومبدأ الضمان في فلسطين، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه، معهد البحوث والدراسات العربية، جامعة الدول العربية، القاهرة، 2009، ص 24 . عبد الحميد الشواربي، تأديب العاملين في قانون شركات قطاع الأعمال، منشأة المعارف للنشر، الإسكندرية، 1995 م،، ص 11
– ولقد حدد المشرع الفلسطيني ضمانات تأديب الموظفين وذلك بنص المادة 69 من قانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة 1998 م والتي نصت على أن : ” 1- تكون الإحالة للتحقيق على مخالفة تأديبية ممن يملك سلطة توقيع العقوبة على الموظف. 2- فيما عدا عقوبة التنبيه أو لفت النظر لا يجوز توقيع عقوبة على الموظف إلا بعد إحالته إلى لجنة للتحقيق معه وسماع أقواله، ويتم إثبات ذلك بالتسجيل في محضر خاص، ويكون القرار الصادر بتوقيع العقوبة مسببا . 3- لا يجوز توقيع أكثر من عقوبة على نفس المخالفة”.
– وبنص المادة (71) من القانون نفسه التي نصت على أن : “أ- تكون إحالة موظف الفئة الأولى للتحقيق على المخالفات التأديبية بقرار من مجلس الوزراء بناء على طلب من رئيس الدائرة الحكومية التابعين لها. ب- تتولى التحقيق لجنة يشكلها مجلس الوزراء من موظفين لا تقل درجاتهم عن درجة الموظف المحال للتحقيق. ج- ترفع اللجنة توصياتها إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب بشأنها وفقا لأحكام هذا القانون”.
– وقد نصت المادة (89) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة 1998 م وتعديلاته على الإجراءات التي يجب على لجنة التحقيق القيام بها بشأن التحقيق مع الموظف المحال إليها.
– كما نصت المادة 22 من قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية رقم 8 لسنة 2005م على الإجراءات التي يجب على لجنة الضباط القيام بها في حالة الاستغناء عن خدمات الضابط أو إحالته إلى الاستيداع تأديبيا
4- محمد ماجد ياقوت، الإجراءات والضمانات في تأديب ضباط الشرطة، الطبعة الثانية، منشأة المعارف للنشر، لإسكندرية، 1996 م، ص 7
5- قضت محكمة العدل العليا الفلسطينية برام الله أن : “المخالفة المسلكية التي يترتب عليها المساءلة التأديبية تختلف عن الجريمة الجنائية لأن العقوبة التأديبية هدفها حسن سير مرفق الإدارة، أما العقوبة الجزائية فهي عقاب شخص على ارتكاب عمل جرمي في حق المجتمع وعليه فإن الجريمة التأديبية لا تطابق الجريمة الجزائية وكل لها نطاقها، ويترتب على ذلك أن إجراءات التأديب لا تتوقف إذا ما أحيل الموظف إلى النيابة العامة، والإدارة غير ملزمة بانتظار نتائج المحاكمة الجزائية التي قد تمتد لسنين، وان ما استقر عليه الفقه والقضاء الإداريين أن الحكم بالبراءة من الاتهام الجنائي لا ينفي قيام سبب الجزاء التأديبي لأن علقة الموظف بإدارته يجب أن تقوم على الثقة والنزاهة ولا يجوز أن يتطرق لها الشك في حين أن المساءلة الجزائية يجب أن تقوم على اليقين”، قرار محكمة العدل العليا الفلسطينية برام الله 162/2011 جلسة 7/5/2012 غير منشور .
6- عبد العزيز عبد المنعم خليفة، الانحراف بالسلطة كسبب لإلغاء القرار الإداري، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2010، ص 253 . أمزيان كريمة، دور القاضي الإداري في الرقابة على الق ا رر المنحرف عن هدفه المخصص، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الحاج لخضر، باتنة، 2011 م.، ص 25
7- محمد جمال الذنيبات، اختصاص محكمة العدل العليا الأردنية في الرقابة على قرارات النقل، مجلة الحقوق، جامعة الكويت، العدد 2، السنة 29، 2005ص 256
8- قرار محكمة العدل العليا الفلسطينية بغزة رقم 141/2004 جلسة 14/7/2005 غير منشور .
9- قرار محكمة العدل العليا الفلسطينية بغزة رقم 12/1997 جلسة 16/3/1998 .
اترك تعليقاً