الخطورة الإجرامية
المؤلف : صلاح هادي صالح الفتلاوي
الكتاب أو المصدر : الخطورة الاجرامية واثرها في تحديد الجزاء الجنائي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
خصائص الخطورة الإجرامية
تتصف الخطورة الإجرامية ببعض الخصائص التي تتميز بها عن غيرها من النظم القانونية الأخرى . ويكاد يجمع الفقه على أن هذه الخصائص تتمثل في الآتي(1) : –
اولاً : الخطورة حالة نفسية : –
ومعنى انها نفسية انها تعزى الى عوامل نفسية نراها قائمة في العقد النفسية المكبوتة في اللاشعور والتي توجه سلوك الانسان وجهة إجرامية من دون وعي أو ادراك منه وكشف هذه العقد ومواجهة الانسان المريض بها مع طرق علاجية نفسية أخرى هي التي يراها علماء التحليل النفسي وسائل كفيله في شفاء المريض ورجوعه عن سلوكه الاجرامي سليما الى الهيئة الاجتماعية(2) . على انه يجب التنبيه بأن حالة الخطورة الإجرامية هي حالة نفسية شاذه ، ولذلك فهي تسمى بالشذوذ النفسي الخطر(3) اذ انه من المتفق عليه أن الخطورة الإجرامية لا تمثل ذلك الجانب من الشذوذ الذي يفضي الى تكوين الخطورة الإجرامية فهناك العديد من الاشخاص المصابين بالشذوذ النفسي من دون أن تكون حالتهم مفضية الى ارتكاب جريمة معينة ، فالحالة النفسية التي تعنينا بالبحث هي تلك الحالة التي يؤدي وجودها الى احتمال أن يقدم صاحبها على ارتكاب جريمة .
ثانياً : تنطوي على احتمال ارتكاب الجريمة : –
والخطورة الإجرامية … هي احتمال الاقدام على ارتكاب جريمة تالية . فالمعيار الذي يحدد الخطورة هو احتمال تحقق الخطر من الشخص ، ويعرف الاحتمال بأنه (حكم موضوعه تحديد العلاقة بين مجموعة من العوامل توافرت في الحاضر وواقعة مستقبلاً من حيث مدى مساهمة تلك العوامل في احداث هذه الواقعة(4) ، حيث أن كل نتيجة يمكن التنبؤ بها مادامت مسبباتها ثابته وواضحة ومعلومة وليست موضعاً للشك)(5) ، فالاحتمال وفقاً لهذا التصور هو مجرد حكم موضوعه علاقة سببية بين مجموعة من العوامل توافرت في الحاضر وواقعة في المستقبل لمعرفة صلاحية هذه العوامل لترتيب تلك الواقعه(6) فهو ليس علاقة السببية ذاتها ولكنه تصور ذهني لها أي محض علم بها ، ومن ثم كان متجرداً من الكيان المادي ، ويفترض الاحتمال الوجود الحال للعوامل التي تكمن فيها القوة السببية ويفترض لذلك أن النتيجة المنتظرة لهذه العوامل لم تتحقق بعد ، فهو خلاصة عملية ذهنية جوهرها استقراء العوامل السببية السابقة وتصور القوانين الطبيعية التي تحدد قوتها وترسم اتجاه تطور اثارها ثم توقع النتيجة التي ينتظر أن تتبلور فيها هذه الاثار(7) وله طابع علمي بأعتباره جوهر الخطورة الإجرامية ، فهو ليس مرادفاً للظن والقاضي أن المجرم قد يقدم على ارتكاب جريمة تاليه(8) . ولا تظهر فكرة الاحتمال بوضوح إلا اذا ميزنا بينها وبين الحتمية والامكان ، حيث يقع الاحتمال في المرتبة الوسطى بين الحتمية (اليقين) وبين الامكان(9) .
وتعني الحتمية اللزوم والضرورة ، وحين يكون ضابط العلاقة بين واقعتين تعني أن احدهما تستتبع الأخرى على نحو لا شك فيه قط فأنهما بذلك واقعتان مرتبطتان من حيث التسلسل ارتباطاً لازماً(10) ومن ذلك يتضح الفرق بين الحتمية والاحتمال وهو فارق في الدرجة يؤكد على أن الحتمية (اليقين) هي صورة أشد من الاحتمال من حيث التحقق . إما الاحتمال والامكان فيفترضان دائماً أن احدى الواقعتين وهي الواقعة التالية التي توصف بأنها أثر لواقعه سابقة لم تحدث بعد ، وهما يفترضان لذلك قيام الشك حول حدوثها ، اذ يرد الى الذهن انها قد تحدث وقد لا تحدث(11) أي أن كلاً منهما يشتركان من حيث أن الظروف والعوامل المتوفرة في الوقت الحالي تبعث على الشك حول مدى تحقق الواقعة اللاحقة لها . والفارق بين الاحتمال والامكان فارق كمي . بل نستطيع القول بأن الاحتمال يمثل الدرجات العالية من الامكان ، أو هو الامكان الذي بلغ درجة كبيرة في الاهمية(12) . وفي عبارة أخرى ، يقوم ضابط التفرقة بين الاحتمال والامكان على مقدار انتظار الباحث حدوث النتيجة ، فأن انتظرها على انها امر يغلب حدوثه فذلك هو الاحتمال إما أن انتظرها على انها واقعة يندر حدوثها فذلك هو الامكان(13) والخطورة الإجرامية كما قدمنا تقوم على أساس الاحتمال دون الامكان وذلك أن تقدير امكان اقدام المجرم على جريمة تالية غير كاف للقول بخطورته الإجرامية وإنما يجب أن يبلغ درجة التوقع الى حد القول بأحتمال ارتكاب أو وقوع الجريمة .
ثالثاً : الخطورة تقوم على ظروف واقعية لا مفترضه : –
وهذا يعني أن الخطورة يجب أن تكون حقيقية تنبعث من ظروف واقعية ملموسة فعالة تدل عليها امارات واضحة ، فلا يكفي الاستناد الى مجرد الاقتراحات والتكهنات(14) فمثلاً اذا قيل بأن شخصاً ما لديه الامكانات اللازمة للتمتع بحياة حسنة ، إلا أن لديه ميلاً الى التفريط فيما لديه من موارد الحياة وانه في المستقبل عندما تذهب عنه هذه الامكانات قد يصبح متشرداً أو سارقاً مما يجعله خطراً على المجتمع فلا يجوز أن يقال هنا بتوافر الخطورة الإجرامية بسبب الاستناد الى افتراضات وتكهنات ولا تؤسس على حالته الواقعية الملموسة(15) وتتكون هذه الظروف الواقعة التي تقوم عليها الخطورة الإجرامية نتيجة لوجود امارات مادية واضحة تدل عليها . ويعتبر وجود مثل هذه الامارات مسألة مهمة جداً ، وذلك لتلافي الاعتراضات القائله بأن احتمالية الخطورة الإجرامية يؤدي الى تعليق المسؤولية الجنائية عليها وجوداً أو عدماً من جهة والاسترشاد بها من جهة أخرى في تحديد نوع هذه المسؤولية اذا ما تبين وجوبها وفي تحديد مقدار العقوبة فيما لو كانت مسؤولية عقابية ، معناهما تعليق المسؤولية الجنائية على امر مفترض لا على امر ثابت وواقعي(16) .
على أن وجود مثل هذه الامارات الدالة على الخطورة الإجرامية والتي من اهمها – كما سنبين ذلك بالتفصيل – الجريمة السابقة ، يؤدي الى دحض مثل هذه الاعتراضات وبالتالي لا يمكن أن نبني الخطورة الإجرامية على مجرد افكار مجردة ولو كانت غير مطابقة للروح الاجتماعية السائده ، وبموجب هذا المبدأ ذهب بعض الفقهاء الى استبعاد الجرائم السياسية من نطاق ما تهدد به الخطورة الإجرامية(17) ، كون أن مثل هذه الجرائم لا تقوم في مرتكبها امارات مادية ذات دلاله واضحة على جنوح غير طبيعي لصاحب هذه الجرائم ، وهي ما تتنافى بالتالي مع الخطورة الإجرامية . على أن بعض الفقهاء لا يؤيدون وجهة النظر هذه(18) على أساس أن الجريمة السياسية لا تقوم على مجرد اعتناق فكرة سياسية غير مشروعة وإنما تؤسس على ارتكاب فعل مادي له مظهر في العالم الخارجي ويهدد بخطورة معينة .
نعتقد أن الجرائم السياسية ذات طبيعة خاصة تميزها عن غيرها من الجرائم العادية نظراً الى أن الفعل الذي يرتكب في مثل هذه الجرائم غير موجه ضد سلامة المجتمع وأفراده ، وإنما ضد النظام السياسي السائد في بلد ما نتيجة لافكار ترسخت في اعماق بعض الأفراد بسبب ايمان هؤلاء الأفراد بخطأ الوضع السياسي في ذلك البلد ، وكذلك فأنه لا يجوز أن يستدل من مجرد اعتناق احد الاشخاص للافكار السياسية غير المشروعة أن لديه خطورة إجرامية نحو الجرائم السياسية ، لان طبيعة الخطورة تفترض الاستدلال عليها من افعال مادية ملموسة ، ولذلك نعتقد أن الطبيعة التي تتميز بها الجريمة السياسية تقتضي ضرورة اخراج الخطورة التي يمثلها اصحاب الرأي من نطاق الخطورة الإجرامية مدار البحث الحالي .
رابعاً : الخطورة الإجرامية فكرة نسبية : –
قرر المؤتمر الدولي الثاني لعلم الأجرام المنعقد في باريس سنة 1950 أن الخطورة الإجرامية تعد اساساً فكرة نسبية للنظام الاجتماعي وفقاً للحالة الاجتماعية السائدة والعلاقات بين الاشخاص واحتمالات المساعدة الاجتماعية و الطبية والعقلية التي توجه عليهم(19) .فهي فكرة نسبية بالنسبة الى كل نظام اجتماعي ، وذلك من حيث انها تتوقف على مدى الافكار الاجتماعية السائدة ، وعلى نظرة المجتمع الى بعض الافعال من حيث تجريمها أو اباحتها ، ويبدو ذلك واضحاً بالنسبة الى بعض الجرائم الاقتصادية والتي تعامل في الأنظمة الرأسمالية بأسلوب وعقوبات معتدلة تختلف عنها في الأنظمة الشيوعية التي كانت تتسم بتملك الدولة لادوات الانتاج وادارتها كمظاهر النشاط الاقتصادي (20).
وبالنسبة الى العلاقات الفردية بين الاشخاص ، نجد هذه الحقيقة واضحة من خلال افتراض اثنين من الاشخاص أصيبا بمرض عقلي على درجة واحدة من الجسامة ، إلا أن احدهما يبدو عليه انه لن يرتكب مستقبلاً أي سلوك غير اجتماعي ، بخلاف الاخر الذي يبدو من حالته احتمال واضح نحو الاقدام على ارتكاب الجريمة . وبتحليل وضع هذا الاخير يتبين انه قد وقع في براثن مجموعة من الناس نجحوا في اغوائه واستخدامه اداة للاجرام . وتبين من ذلك أن خطورة هذا الاخير قد توقفت على ما قامت بينه وبين بعض من صادفهم من الاشخاص من علاقات معينة(21) .
على أن نسبية الخطورة الإجرامية لا تتوقف عند الحالة الاجتماعية السائده والعلاقات بين الأفراد . بل هي تعتبر نسبية حتى بالنسبة للاشخاص الذين تتوافر لديهم الامارات الدالة على الخطورة الإجرامية ، فالخطورة هي احتمال اقدام الجاني على ارتكاب جريمة مستقبلاً ، وهذا الاحتمال كما بينا أيضاً يمثل المنزلة الوسطى بين الأمكان واليقين ، وبذلك فأنه ليس بالضرورة أن يقدم الشخص على ارتكاب الجريمة فعلاً لمجرد توافر الامارات الدالة على الخطورة الإجرامية وإنما مسألة ارتكاب هذه الجريمة تعتبر مسألة نسبية وليست مطلقة فهي نسبية من حيث مدى اقدام من تتوفر لديه اماراتها على ارتكاب الجريمة .
خامساً : الخطورة الإجرامية حالة غير ارادية : –
يقصد بلا ارادية الخطورة الإجرامية أن توافرها لايعتمد على ارادة صاحبها ، فهي حالة تمر بالشخص ولا تتعلق بأرادته ويبدو ذلك واضحاً فيما يتعلق بمصادرها غير الارادية كالمرض العقلي ، كذا بالنسبة للاحوال الأخرى حيث تتوافر الخطورة نتيجة لتفاعل بعض العوامل الداخلية والخارجية ، ولا يحول دون اعتبارها حالة غير اراديه أن يكون لصاحبها دخل في توافرها كما لو كانت ترجع الى تناوله الخمر أو تعاطية المواد المخدرة حيث أن الخمر أو المواد المخدرة تعتبر مجرد محرك أو كاشف لذاتيته الخطرة التي تميل الى الأجرام عند توافر هذا المؤثر الخارجي . وتميز الخطورة الإجرامية بأنها حالة غير ارادية يؤكد انفصالها عن الجريمة التي قد تنجم عنها والتي يجب أن تتمثل في سلوك اجرامي ارادي(22) .
سادساً : الخطورة الإجرامية حالة حاضرة : –
يفترض بالخطورة الإجرامية أن تكون حاضرة لدى الشخص ، وهذا يعني انه يجب أن تكون الاهلية الجنائية متوفرة لدى الشخص ، ولا يكفي مجرد الخطورة السابقة بالنظر الى انه لا اثر لها في مجال الأجرام الحالي ، ولا حاجة للتدخل ضد حالة مضت وبالتالي من غير الجائز القول بأن الشخص قد كانت لدية اهلية جنائية في السابق . وكذلك فأنه لا يعتد بالخطورة المستقبلية والتي يقصد منها احتمال أن تتوافر الاهلية الجنائية لدى الشخص في المستقبل بل أن الغرض هو توافر هذا الاحتمال فعلاً(23) وبعبارة اخرى فأنه لا يكفي لتوافر الخطورة الإجرامية لدى شخص ما أن يقال بأنه كانت لديه اهلية جنائية أو ستكون لديه في المستقبل هذه الاهلية بل يتحتم أن تكون هذه الخطورة حاضره . وقد ثار الخلاف حول ما اذا كانت فكرة الخطورة الإجرامية تقتضي تحديد الوقت الزمني الذي يجب أن يمضي بين اللحظه التي تتوافر فيها الخطورة ولحظة ارتكاب الفعل المحتمل وقوعه ، وقد انكر البعض الفائده العملية لهذا الشرط ، وقال بأنه يكفي أن يكون الاحتمال جدياً ، وذهب البعض الاخر الى انه لا يشترط في الخطورة أن تكون حالة حاضرة بناءً على أن مجرد الاحتمال يكفي لتوافر الخطورة بجميع نتائجها القانونية من دون حاجه الى اشتراط أن يكون هذا الاحتمال قريباً(24) . ونعتقد أن مجرد تكون الخطورة الإجرامية لدى الشخص الذي تقع منه الجريمة مباشرة لا تعد هذه الحالة من قبيل الخصائص التي يمكن أن تختص بها الخطورة الإجرامية ، وإنما يكفي أن تكون الدلائل المتوفرة تشير الى أن أعراض الخطورة قد تكونت لدى شخص من الأشخاص وأصبحت لديه الأهلية الجنائية التي تمكنه من الإقدام على ارتكاب الجريمة من دون الحاجة الى معرفة تاريخ وقوع الجريمة منه .
______________
1- انطر كل من : رمضان السيد الألفي، نظرية الخطورة الإجرامية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1966 ، ص 101 وما بعدها .
د- أحمد فتحي سرور، نظرية الخطورة الإجرامية، مجلة القانون والاقتصاد، العدد الثاني، السنة الرابعة والثلاثون، مطبعة جامعة القاهرة، يونيه 1964 ، ص 505 وما بعدها .
2- الاستاذ عبد الجبار عريم ، نظريات علم الأجرام ، مطبعة سلمان الأعظمي ، 1962 ، ص 170 .
3- د- احمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص 526 .
4- د- محمود نجيب حسني ، علم العقاب، دار النهضة العربية، 1973، ص 136 . وكذلك مؤلفه في المجرمون الشواذ ، ص 85 – 86 . وبحثه المنشور في مجلة ادارة قضايا الحكومة ، النظرية العامة للتدابير الاحترازية ، المرجع السابق ، ص 16 .
5- د- يسر أنور علي، النظرية العامة للتدابير والخطورة الإجرامية، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، العدد الأول، السنة الثالثة عشر، مطبعة جامعة عين شمس، 1971، ص 198 .
6- د- جلال ثروت و د- محمد زكي أبو عامر، علم الأجرام والعقاب، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1983، ص 308 .
7- د- محمود نجيب حسني، النظرية العامة للتدابير الاحترازية، مجلة إدارة قضايا الحكومة، العدد الأول، السنة الحادية عشر، يناير 1967 ، ص 17 .
8- د- محمد شلال حبيب ، التدابير الاحترازية ، بغداد ، 1975 ، ص 107 .
انظر كذلك : عادل يونس، التدابير الاحترازية في تشريعات الدول العربية 1974 ، ص 209 .
9- د- جلال ثروت ، نظرية الجريمة المتعدية القصد في القانون المصري والمقارن، دار المعارف، الإسكندرية ، ص 147 .
10- د- محمود نجيب حسني ، علم العقاب ، المرجع السابق ، ص 137
11- د- المجرمون الشواذ، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1974 ، ص 88 .
12- المرجع نفسه ، ص 88 .
13- د- محمود نجيب حسني : علم العقاب ، المرجع السابق ، ص 138 . المجرمون الشواذ، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1974، ص 189 .
النظرية العامة للتدابير الاحترازية ، المرجع السابق ، ص 19 .
14- د- رمضان السيد الألفي، نظرية الخطورة الإجرامية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1966، ص 105 .
15- د- احمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص 507 .
16- د- النظرية العامة للقانون الجنائي، الطبعة الثالثة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1971، ص 1035 .
17-Aly Badawi ، op . cit ، p 52 .
18- د- احمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص 507 .
19- Act au congres international de criminology ، 1950 ، pp 576 .
ذكره د- احمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص 510 .
20- د- محمود محمود مصطفى ، الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن ، الجزء الاول ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1979 ، ص 91 .
21- د- احمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص 509 ، 510 .
22- د- احمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص 501 .
23- Aly Badawi ، ob . cit ، p 52 .
24- د- احمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص 508 .
طبيعة الخطورة الإجرامية
… أن معظم الفقهاء قد سلموا أن الخطورة الإجرامية انما هي في واقع الأمر تمثل حالة نفسية داخل المجرم تجعله أكثر استعداداً لارتكاب الجرائم مستقبلاً . في حين لم يتفق البعض الآخر من الفقهاء مع أصحاب الرأي الأول في اعتبار أن الخطورة الإجرامية هي حالة نفسية ، بل قالوا عنها بأنها مجموعة من العوامل المختلفة التي تؤثر في شخصية المجرم سواء كانت نفسية أم اجتماعية أم اقتصادية . ولذلك فقد سلم أصحاب هذا الرأي الأخير على أن الخطورة الإجرامية هي مجموعة من العوامل(1) . وهذا ما عرفها به العالم الايطالي (بتروشيلي) فقال أن الخطورة (مجموعة عوامل شخصية وموضوعية اذا ما اقترنت بسلوك الشخص يصبح ارتكابه لجرائم مستقبلة امراًً محتملاً)(2) .
ويمتاز هذا الرأي في انه قد لفت الانظار الى وجوب الاعتداد بجميع العوامل المؤثرة في نشأة حالة الخطورة ، إلا انه يمكن أن نلاحظ على هذا الرأي بأنه يضع العوامل التي تؤدي الى نشوء الخطورة الإجرامية مقام مفهوم وطبيعة هذه الخطورة فهذه العوامل تساهم مجتمعه اذا توافرت في شخص معين الى أن تكون هناك خطورة إجرامية لدى هذا الشخص ، وبالتالي فهي لا تعبر بحد ذاتها عن مفهوم الخطورة الإجرامية أو عن طبيعتها . ولكن مهما يكن من امر الحديث حول طبيعة الخطورة الإجرامية فأننا مع ذلك لانستطيع الابتعاد عن الطابع النفسي الذي تتطبع به الخطورة الإجرامية . فالخطورة الإجرامية هي حالة نفسية ، ويعتبر (جرسبيني) أول من نادى بهذه الفكرة(3) .
فهو أول من ربط بين فكرة الخطورة والحالة النفسية ، وذلك عندما عرف الخطورة أنها (أهلية الفرد في أن يصبح على وجه الاحتمال مرتكباً للجريمة أي أن يصبح مصدراً محتملاً لارتكاب جرائم مستقبلة . فيذكر انها من وجهة النظر النفسية كينونة الشخص أو الحالة النفسية التي بمقتضاها يصبح الفرد مصدراً محتملاً للجريمة)(4) . وقيل بأن الشخص يكون خطراً بالقدر الذي يتوافر لديه من الشذوذ في الحالة النفسية ، وقد سمي بالشذوذ النفسي الخطر(5) . اذ لاعبرة بالشذوذ الذي لا يفضي الى تكوين الشخصية الإجرامية ، فقد يتوافر لدى الشخص شذوذ نفسي من دون أن تتوافر لديه الخطورة اذا كان هذا الشذوذ لا يؤدي الى تكوين ميل أي استعداد اجرامي لديه ، كما أن الشذوذ النفسي كوصف للخطورة الإجرامية يختلف عن النقص العقلي ، فليس صحيحاً القول أن الشذوذ النفسي ينطوي على نقص عقلي ، فهناك جانب كبير من المجرمين يتمتعون بسلامة قواهم العقلية ، كالمجرمين المحترفين والمعتادين والمقصود بالشذوذ هنا هو الانحراف عن الحالة العادية التي تجعل من صاحبها متجاوباً مع الحياة الاجتماعية .
ولا يجوز اعتبار الخطورة بمثابة حالة غير اجتماعية تمر بالشخص ، لان تكوينها يوضح كيف انها ليست إلا الحالة النفسية للشخص ، أي انها عامل يلعب دوره في تكوين شخصية المجرم ويؤثر في حالته النفسية(6) . ولا يقف دور اللاإجتماعية في تكوين الخطورة الإجرامية بل تلحق هذه الصفة الى مرحلة ما بعد تكوين الخطورة الإجرامية لتصبح صفة ملازمة لتلك الحالة النفسية المعبرة عن الخطورة الإجرامية ، اذا أن في حقيقة الأمر لا يكفي القول أن الخطورة الإجرامية هي حالة نفسية ما لم تتصف هذه الحالة بالصفة غير الاجتماعية ، أي أن الحالة النفسية تتميز بعدم التجاوب الاجتماعي ، والمقصود بعدم التجاوب الاجتماعي هنا هو ليس الانحراف عن معايير وقيم المجتمع التي يعيش فيها المجرم فما دامت الخطورة الإجرامية تمثل احتمال الإقدام على ارتكاب جريمة مما يعدها قانون العقوبات كذلك ، ولذلك فأن المقصود بعدم التجاوب الاجتماعي ما يكمن في مخالفة قواعد قانون العقوبات ، وليس مفاهيم المجتمع ، أي بغض النظر عن توافر صفتها غير الخلقية من عدمه(7) .
ويعترض البعض على اعتبار أن الخطورة الإجرامية هي حالة نفسية(8) فهي من وجهة نظرهم عامل من العوامل التي تساهم في تكوين الخطورة الإجرامية ، إلا انها ليست بذات طبيعة نفسية ، بدليل أن خطورة الشخص قد لا تمت بأية صله للجانب النفسي ، ومثال على ذلك ، فلو افترضنا أن عصابة تستغل الصغار لارتكاب بعض الجرائم ، ففي هذه الحالة لا تتعلق خطورة الصغير بحالته النفسية بل ترجع الى عامل موضوعي بحت هو وجوده في بيئة فاسدة ، هذا بالاضافة الى صعوبة تقدير واثبات مدى ارتباط الجانب النفسي باحتمال ارتكاب جرائم مستقبلة(9). ولكننا نعتقد بأن إثبات الجانب النفسي وارتباطه باحتمال ارتكاب جرائم مستقبلة امراً في غاية الصعوبة لارتباطه بمكنونات النفس البشرية ، على أن صعوبة الربط هذه لا تنفي من جعل الخطورة الإجرامية حالة تتعلق بالنفس البشرية ، … أن الاقدام من قبل مجرم ما على ارتكاب جريمة معينة انما يعود ذلك لشذوذ نفسي أو حالة نفسية داخل هذا الاحتمال وان تخللت هذا الاحتمال بعض الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية التي تساعد في دفعه نحو ارتكاب الجريمة ، فأن مثل هذه الظروف تساهم مجتمعة في تكوين شخصية إجرامية أي انها تتبلور في داخل النفس البشرية فتكونها بصورتها الإجرامية ، أي انها في النهاية ستكون حالة نفسية .
والخطورة الإجرامية تبقى حالة نفسية حتى وان كانت بعض الفرضيات تدل للوهلة الأولى انها تتنافى مع الطبيعة النفسية للخطورة كما في المثال المتعلق بالعصابة التي تستغل الصغار في ارتكاب الجرائم خاصة اذا علمنا أن اجرام الصغار انما يدخل في إطار الخطورة الاجتماعية اكثر من الخطورة الإجرامية ، … هذا ولم يقف الخلاف في طبيعة الخطورة الإجرامية حول الطبيعة بذاتها ، حول ما اذا كانت نفسية أم غير نفسية ، فحتى بالنسبة لمن سلم بأن الخطورة هي (حالة) أو (صفة) نفسية فأنهم قد اختلفوا في امر أو طبيعة هذه الحالة بذاتها فهل هي تعد من قبل الاحوال القانونية أم انها حالة جنائية ؟(10) . والفرق بين المفهومين يكمن في أن الحالة القانونية يقصد منها تنظيم قانوني معين يضعه المشرع لتنظيم وجود طائفة معينه من الاشخاص في المجتمع وفي تنظيم الاحوال قد يعتد القانون بشروط وصفات طبيعية مثل صغر السن بالنسبة للجاني ، وقد تكون الأحوال قانونية محضة ، بمعنى أن القانون هو الذي يخلقها وينظمها ، ومثالها حالة المواطن التي ينظمها قانون الجنسية .
إما الحالة الجنائية فهي الحالة التي يخص بها قانون العقوبات طوائف معينة من المجرمين بمعاملة جزائية خاصة بغية تحقيق السياسة الجنائية التي تهدف اليها في حماية المجتمع وإصلاح المذنب ، ويعتبر هذا التنظيم القانوني ، حالة جنائية . وبالنسبة الى الخطورة الإجرامية فأنها تعد من قبيل الأحوال الجنائية ، فهي عبارة عن تنظيم قانوني يضعه القانون الجنائي ويعتد فيه بموقف شخصي لطائفة معينة من المجرمين ، ويهدف هذا التنظيم الى أفراد معاملة جنائية لتحقيق الحماية للمجتمع والإصلاح لهذه الطائفة من المجرمين(11) .
_______________
1- د- عادل عازر، طبيعة الخطورة وأثارها الجزائية في مشروع قانون العقوبات لسنة 1966، المجلة الجنائية القومية، العدد الأول، المجلد الحادي عشر، مارس 1968 ، ص 198 .
2-Giuseppe Bettiol : Diritto Penal K part general 1962 ، p 324 .
ذكره : د- عادل عازر ، المرجع السابق ، ص 198 ، هامش رقم (1) .
3- انظر : د- أحمد فتحي سرور، نظرية الخطورة الإجرامية، مجلة القانون والاقتصاد، العدد الثاني، السنة الرابعة والثلاثون، مطبعة جامعة القاهرة، يونيه 1964، ص 525 .
محمد فتحي النجار، الخطورة الإجرامية، المجلة الجنائية القومية، العدد الثالث، المجلد الرابع عشر، نوفمبر 1971ص 463 .
د- عادل عازر ، المرجع السابق ، ص 197 .
4- محمد فتحي النجار ، المرجع السابق ، ص 463 .
5- د- احمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص 526 .
6- د- احمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص 526 .
7- د- رمضان السيد الألفي، نظرية الخطورة الإجرامية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1966، ص 103 .
د- احمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص 527 .
8- د- عادل عازر ، المرجع السابق ، ص 197 .
9- د- محمود نجيب حسني، النظرية العامة للتدابير الاحترازية، مجلة إدارة قضايا الحكومة، العدد الأول، السنة الحادية عشر، يناير 1967، ص 43 .
10- د- عادل عازر ، المرجع السابق ، ص 198 .
11- د- عادل عازر ، المرجع السابق ، ص 200 – 201 .
اترك تعليقاً