مدلول فكرة الجنسية
المؤلف : احمد عبد الحميد عشوش
الكتاب أو المصدر : القانون الدولي الخاص
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
ثار مفهوم فكرة الجنسية وطبيعتها جدلاً في الفقه، واكبه حركة تشريعية مستمرة انعكست أفكارها على تشريعات الجنسية القائمة، فعدلتها ونقحتها بما يتفق مع مصالحها المتجددة، وبما يعالج ما يكتنفه من مثالب أو قصور. فاتجه جانب من الفقه في تعريف الجنسية إلى القول، بأنها انتساب الفرد قانوناً للشعب المكون للدولة.
ويركز هذا التعريف على كون الجنسية من نظم القانون الخاص. كما يهتم بالوجهة الشخصية فيها، يحث يبرز صفة الانتساب القانوني لفرد بدولة، بما ينعكس ذلك على قدرته على كسب الحقوق بدولة معينة، بصورة تميزه عن الأجنبي. وإن كان هاذ التعريف يحمل في طياته وجود علاقة اجتماعية بين الفرد والدولة، إلا أنه يظل يتجرد من المعنى السياسي للجنسية. بينما ركز جانب آخر من الفقه على كون الجنسية “رابطة سياسية تربط الفرد بدولة معينة”.
وبذلك ضبطت هذه الفكرة على إبراز الجانب السياسي فقط، وكونها من نظم القانون العام، كما تعلي سلطة الدولة في مسألة الجنسية. ونميل إلى الفقه السائد، الذي لا يغلب وصف على آخر، فلا يعلي وصف )السياسية( على وصف )القانونية( أو العكس، إنما ينظر إلى الجنسية بوصفها رابطة سياسية وقانونية بين الفرد والدولة.
وإن كنا لا نستطيع أن نغفل وصف )الاجتماعية( في رابطة الجنسية. ذلك أن انتماء الفرد إلى دولة معينة وإضفاء الدولة لجنسيتها على الفرد، إنما هو يرتكز على الرابطة الاجتماعية، ويترجم وحدة الشعور الوطني بين الفرد والجماعة السياسية. ويتجلى الجانب السياسي للجنسية، في كونها رابطة بين الفرد والدولة باعتبارها وحدة سياسية. حيث توجب سيادة الدولة تحديد واحد من أهم أركانها وهو ركن الشعب، فيعبر الجانب السياسي عن مدى سلطة الدولة في شأن الجنسية على الصعيدين الداخلي والدولي.
فعلى الصعيد الدولي، تعد الجنسية أداة توزيع الأفراد على الدول، وتحدد ركن الشعب في كل منهما، وبالتالي نطاق سيادتها الشخصية، كما أنها تقدم الوسيلة لحماية الفرد في المجال الدولي، إذ لا يستطيع الفرد حماية حقوقه دولياً والدفاع عنها إلا من خلال الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته أما عل الصعيد الداخلي، فتقدم الجنسية معيار للتمييز بين شعب الدولة وسكانها، فتميز بني الوطني والأجنبي، وما يستتبع ذلك من تباين في الحقوق والالتزامات التي تمنحها أو تفرضها الدولة.
وعلى ذلك يبرز الجانب السياسي للجنسية، وطبيعتها الماسة بكيان الدولة، وسلطتها في إنشائها وتنظيمها، وتضاءل دور الفرد في ذلك. ويتجلى الجانب القانوني للجنسية، في كونها تعبير عما يترتب عليها من آثار قانونية تتعلق باكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات. ومن ثم يبرز الجانب القانوني للجنسية طبيعتها باعتبارها عنصر من عناصر الحالة المدنية للفرد، كما يفسح المجال لإرادة الفرد في تغيير جنسيته إلى جانب إرادة الدولة. وإذا كان هذا حال الجنسية من كونها رابطة سياسية وقانونية بين الفرد والدولة، فإنها أيضاً ليست رابطة وليدة الصدفة، أو نتاج تحكم من الدولة، أو اختيار اعتباطي من الفرد، إنما هي ترجمة لرابطة اجتماعية بين الفرد والدولة توجب منحها عند تعاظمها أو الكشف عنها، وتوجب منعها أو التجريد منها عند اختفائها أو الإخلال بها فتتميز رابطة الجنسية بأنها تقوم على الشعور الوطني، بين الفرد والدولة، وهو شعور يتولد من الاشتراك في عناصر موضوعية مثل وحدة اللغة والتاريخ والمصالح المصيرية، والاشتراك في هذه العناصر ينجم بدوره عن الانتماء إلى الأصل العائلي والتربية العائلية، كما قد يتولد هذا الشعور عن الإقامة الدائمة على إقليم الدولة ومعايشة شعبها والرغبة في العيش المشترك معهم. وعندما يتوافر هذا الشعور لدى الأفراد، تمنح الدولة جنسيتها استجابة له.
ومن ثم، فإن هذه الجوانب جلها لا ينفرد جانب منها وحده كأساس للجنسية، إنما تتضافر جميعاً لتحديد مفهوم الجنسية، وغاية الأمر أن إحداها قد يبرز قليلاً على ما عداه. ويكشف تعريف الجنسية من كونها رابطة بين فرد ودولة، ضرورة تحديد مدلول طرفا تلك الرابطة، وهما الفرد والدولة، والوقوف على طبيعة تلك الرابطة، وهو ما سوف نعرض له في ثلاثة مطالب متتالية.
اترك تعليقاً