التحكيم بواسطة محكمة
المؤلف : سمية رشيد جابر الزبيدي
الكتاب أو المصدر : تسوية المنازعات الدولية المتعلقة بقانون البحار
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يتولى هذا النوع من التحكيم أشخاص مستقلون غير متحيزين يتمتعون بثقافة قانونية ودراية بالعلاقات الدولية تمكنهم من الفصل في النزاع حسب القانون، ويتبعون في الفصل في النزاع الإجراءات التي يحددها القانون الدولي ويصدرون أحكاماً مسببة(1). وقد اتبعت هذه الطريقة في حل النزاع المعروف باسم الالباما الذي قام بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، إذ تألفت هذه المحكمة بمقتضى معاهدة واشنطن المبرمة 1871 من خمسة أعضاء، عينت كل من الدولتين المتنازعتين عضواً واحداُ، وعين كل من ملك إيطاليا وإمبراطور البرازيل ورئيس الاتحاد السويسري عضواً واحداً، وتقرر أن تكون مدينة جنيف مقراً للمحكمة تحقيقاً للمساواة بين الطرفين، وحددت المعاهدة المبادئ القانونية التي يجب على المحكمة أن تتقيد بها فيما يخص واجبات المحايدين في الحرب البحرية. وقد أصدرت المحكمة قرارها في أيلول سنة 1872، وقضت بالتزام بريطانيا بدفع مبلغ وقدره (15.200.000) مليون دولار تعويضاً للولايات المتحدة عن الخسارة التي تسببت بها السفينة لأن بريطانيا سمحت ببناء السفينة الالباما في الموانئ البريطانية لحساب الولايات الجنوبية ضد الولايات الشمالية(2).
غير أن هذا الأسلوب كان ناقص لأسباب ثلاثة:
1-كانت محكمة التحكيم مؤقتة غير دائمة، تنشئها الدولة المتنازعة عند نشوب النزاع على أن يلغى فور صدور القرار أو تسوية القضية التي من أجلها أنشئت.
2-كانت قراراتها تحمل طابعاً دبلوماسياً لاضطرارها إلى ترضية الدولة الخاسرة وإيجاد تسوية بين الدول المتنازعة، يتنازل فيها كل من الطرفين عن شيء من مطالبه.
3-كانت قراراتها خالية من التعليل القانوني وغير صالحة بالنتيجة لإنشاء اجتهاد دولي(3).
وهذه الأسباب حدت بمؤتمر لاهاي 1899 إلى إنشاء قضاء تحكيمي مستقر لتسوية المنازعات التي لم تتوصل الأطراف إلى تسويتها بالطرق الدبلوماسية وتتضمن اتفاقية لاهاي الأولى النصوص الخاصة بتنظيم هذه المحكمة وطريقة أدائها لمهمتها. غير أن إلقاء نظرة على هذه النصوص تبين أنه ليس لهذه المحكمة، محكمة التحكيم الدائمة من صفتي المحكمة والدوام غير الاسم. لأنها ليست على سبيل الدوام فهي ليست مكونة من عدد معين من القضاة موجودين على الدوام أو خلال فصل قضائي محدد في مقر المحكمة، وإنما هي قائمة بأسماء الأشخاص من رجال القانون تعينهم كل دولة من الدول الموقعة على الاتفاقية لمدة ست سنوات قابلة للتجديد بمعدل أربعة على الأكثر لكل دولة(4).
وتختار الدولتان المتنازعتان من هذه القائمة هيئة التحكيم، إذا ما رغبت في الالتجاء إلى المحكمة، وتتكون هذه الهيئة من خمسة أعضاء تختار كل من الدولتين المتنازعتين اثنين منهما ويختار هؤلاء الأربعة عضواً خامساً للرئاسة، وفي حالة الانقسام حول اختيار العضو الخامس يكون اختياره بمعرفة دولة ثالثة تعينها الدولتان المتنازعتان(5).
وقد أدخلت اتفاقية لاهاي لسنة 1907 تعديلاً على طريقة تأليف محكمة التحكيم الدائمة مفاده أن يعين كل طرف عضوين يجوز أن يكون أحدهما من مواطني ذلك الطرف، أو أن يختار عضوين من بين الأشخاص المعينين من قبل في قائمة أعضاء محكمة التحكيم الدائمة. ثم يختار هؤلاء الأربعة رئيس المحكمة، فإن انقسمت أصواتهم بالنسبة لانتخاب الرئيس يكون اختياره بمعرفة دولة ثالثة تعينها الدولتان المتنازعتان وفي حالة الاختلاف على تعيين تلك الدولة الثالثة تختار كل دولة متنازعة دولة أخرى، وتقوم هاتان الدولتان بتعيين الرئيس، فإذا تعذر عليهما الوصول إلى اتفاق بهذا الشأن خلال شهرين قدم كل منهما مرشحين من بين قائمة أعضاء محكمة التحكيم على أن لا يكونوا من الأعضاء الذين اختارهم طرفا النزاع وأن لا يكونوا من مواطني أي من الطرفين، ثم يجري اختيار الرئيس بالقرعة من بين الأعضاء المرشحين على هذا الوجه(6).
وبذلك صار الأطراف يلجأون إلى محكمة التحكيم في لاهاي لتسوية منازعاتهم. واستناداً إلى اتفاقية قانون البحار يجوز للأطراف اللجوء إلى محكمة التحكيم الدائمة لتسوية منازعاتهم وذلك استناداً إلى المادة (279) التي تنص على ما يأتي (تسوى الدول الأطراف أي نزاع بينها يتعلق بتفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها بالوسائل السليمة وفقاً للفقرة (3) من المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة، وتحقيقاً لهذا الغرض تسعى إلى إيجاد حل بالوسائل المبينة في الفقرة (1) من المادة (33) من الميثاق). وكان التحكيم من بين الوسائل التي أشارت إليها المادة (33) من الميثاق(7).
كما أعطت الاتفاقية للأطراف الحق باللجوء إلى محكمة التحكيم المنشأة وفقاً للمرفق السابع من اتفاقية قانون البحار. وتختلف هذه المحكمة عن محكمة التحكيم الدائمة من حيث طريقة اختيار القضاة وتشكيل المحكمة وحتى بالنسبة للاختصاص في نظر النزاع إذ أن الأطراف قد يختارون اللجوء إليها، وفي حالة أخرى يعدون ملزمين بالرجوع إليها وذلك استناداً إلى أحكام الاتفاقية. وبذلك أصبح أمام الدول الأطراف في اتفاقية قانون البحار أكثر من وسيلة لتسوية منازعاتهم. ولا بد من عدم الخلط بين محكمة التحكيم الدائمة ومحكمة التحكيم وفقاً للمرفق السابع من اتفاقية قانون البحار.
________________________
[1]- د.عصام العطية، مرجع سابق، ص604، ود.عبد الحسين القطيفي، ص46.
-2 Hudson، OP،CiT، P.5.
3- د.سموحي فوق العادة، مرجع سابق، ص792.
4- د.علي صادق أبو هيف، ص799.798، وأيضاً
O’connel، OP،CiT، P 1155.
-5 Hudson، OP،CiT، P 12.
6- د.عصام العطية، مرجع سابق، ص607.
7- من الجدير بالذكر أن بعض الدول الأطراف لجأت إلى محكمة التحكيم في قضية جزيرة حنيش والتي كانت بين ارتيريا واليمن، وهما دولتان ذاتا ساحلين متقابلين على البحر الأحمر، في كانون الأول 1995، نشب نزاع بينهم بشأن السيادة الإقليمية على أربع مجموعات من الجزر غير المسكونة في البحر الأحمر وتحديد الحدود البحرية بينهما، وقد أحال الطرفان النزاع إلى التحكيم ووقعا اتفاق التحكيم في 3/تشرين الأول/1996 وطلب إلى هيئة التحكيم أن تسوي النزاع بين الطرفين على مرحلتين، أصدرت المحكمة حكمها في المرحلة الأولى للنزاع بين ارتيريا واليمن في 9/تشرين الأول/1998. وفي المرحلة الثانية طلب إلى هيئة التحكيم بتحديد الحدود البحرية ولقد قامت هيئة التحكيم بتحديد الحدود بين الدولتين. ولزيادة المعلومات حول هذه المسألة راجع تقرير الأمين العام لعام 2000، وثائق الجمعية العامة، A/55/61 في 20/March/2000 وأيضاً القرار على موقع المحكمة على الانترنيت.
اترك تعليقاً