ان اول شرط لتحقق الاعتداء على حقوق المترجم وبالتالي قيام الحماية المدنية لهذهِ الحقوق، هو صدور فعل يتصف بالتعمد او التعدي، والذي يعد المحور الذي تدور معه هذهِ الحماية، بل حجر الاساس في بناء الاحكام والاثار التي تترتب على ذلك. ولا يهم والحالة هذهِ، المركز القانوني لمن صدر منه الاعتداء او الفعل المتصف بالتعمد او التعدي، فقد يكون ممن يرتبط مع المترجم برابطة عقدية ، او من الغير بالنسبة للمترجم، وهذا الامر لا يؤثر الا في نطاق الحماية فيما اذا كانت عقدية او تقصيرية(1). ومن الجدير بالاشارة، إلى ان هذا الوصف ـ التعمد او التعدي ـ مستمد من الفقه الإسلامي والقانون المدني العراقي الذي ساير هذا الفقه في جانب كبير من أحكام المسؤولية المدنية. وحسناً فعل مشرعنا في ذلك، لان هذا الوصف مرن واكثر سعة مما عرف بمصطلح الخطأ في القوانين المدنية الغربية، والقوانين المدنية العربية المتأثرة بها،(2)ويراد بالخطأ، الإخلال بواجب قانوني ـ التزام ـ مع أدراك المخل اياه (3). ومدار هذا التعريف وجود التزام او واجب قانوني يجب على الشخص متعاقداً كان او من الغير عدم الاخلال به، وهذا ما أكده الأستاذ عبد المجيد الحكيم بقوله: ((الخطأ، هو الاخلال بواجب قانوني بعدم الأضرار بالغير))(4).
اما القانون المدني العراقي الذي أتخذ من التعمد او التعدي، الوصف الذي طبع فيه الفعل المتسبب بالاخلال بالالتزام او الواجب الذي فرضه القانون ، فقد ذهب الفقه في تحديد معناه الى القول ان التعمد يعني ، اتيان الفعل بقصد الاضرار بالغير(5)، فالتعمد هنا يدور وجوداً وعدماً مع نية الاضرار بالغير ،(6)ولا يكفي هذا الوصف مجرد تعمد الفعل بل، لابد من اقتران هذا الفعل بالقصد ، فوقوع الضرر دون قصد الاضرار وسوء النية لا يمكن وصفه بالتعمد (7). فمدار التعمد اذن هو القصد وسوء النية للأضرار بالغير، وسوء النية امر شخصي يعتمد في تقديرها على الإرادة وكوامنها ،والأخيرة متغيرة من شخص الى اخر، فلا يمكن وهذهِ الحالة القول بتقديرها على اساس موضوعي ،بل لا بد من أدراك وتميز لمن صدر عنه الضرر(8)،قاصداََ تحقيقه بسوء نية(9).
فالتعمد بهذا الوصف، هو التصرف او الاستغلال او الانتفاع بحقوق المترجم بقصد الاضرار به ، بصرف النظر عن الوسيلة المتبعة في تحقيق هذا القصد او الشخص الذي صدر منه الفعل المتصف بذلك. فبمجرد اقتران التصرف الذي يقوم به الشخص المنتفع او المستغل للمصنف المترجم بقصد الأضرار تثور مشكلة الاعتداء على حقوق المترجم سواءٌ أكانت أدبية ام مالية. ولا يهم بعد هذا ان يكون مرتكب الفعل من الغير او ممن تربطهم بالمترجم رابطة تعاقدية او اقل تقدير ممن قد استحصل على أذن منه او ترخيص قانوني بعد مضي المدة المحددة لسقوط حق الترجمة في الملك العام وعدم وجود رابطة تعاقدية او ترخيص قانوني للانتفاع والاستغلال بالمصنف المتُرجم ،يجعل من التعمد تقصيرياً لا عقدياً.
اما التعدي فيراد به مزاولة الفعل على نحو لا يسنده حق او يبرره عذر شرعي(10). وهذا يعني ان لا يكون للفاعل حق في اتيان الفعل او لا يجوز عليه اتيانه وبالتالي، فأن الاتيان به بلا مبرر قانوني او عذر شرعي يسبب ضرر للغير (11). وبناءً على ما سبق، يمكن القول، ان التعدي هو الخروج على ما وضعه القانون على الكافة من قيود لا يحق لهم تجاوزها، وهذا التجاوز لا يكون عن قصد او نية اضرار انما على نحو لايسنده عذر معقول او جواز شرعي، وهو هنا يقترن بعدم التبصر او الاهمال او قلة الخبرة(12). فالمتعدي هنا يتجاوز على حقوق المترجم اعتقاداً منه بان له حقاً في مزاولة هذا التصرف او القيام بذلك الاستغلال من دون ان يكون هناك عذر شرعي او جواز قانوني، فقيام شخص بترجمة مصنف مترجم من اللغة الفرنسية الى الالمانية ترجمة ثانية الى الاسبانية بعد مضي سنة دون الانتباه الى ان الترجمة الى هذه اللغة لا تتم بأذن قانوني – ترخيص – الا بمضي سنتين ،فيه تجاوز على حدود ما وضعه القانون ،فضلاً عن ان مثل هذه الترجمة تتطلب موافقة المترجم الاول وأذنه بذلك، فعدم انتباهه لمثل هذهِ الامور يجعل منه متعدياََ مالم يقترن فعله بالتعمد و نية الاضرار. ومن خلال هذا العرض يتبين ان التعمد ادق صورة للتعدي و أخطرها، وهو الصورة الخاصة له ،لذلك فأن التعدي اوسع من التعمد و الاخير يندرج تحته، لاقترانه بنية الاضرار وقصد الاساءة دون النظر الى الفعل المرتكب والضرر المتحقق، اما التعدي فهو مجرد تجاوز لا يراد منه الاساءة او سوء القصد من حيث الاصل وان ما تحقق من ضرر لم يكن الا نتيجة اهمال او عدم تبصر وقلة انتباه.
فالتعدي يحصل بمجرد تجاوز لحدود العلاقة التعاقدية او حدود الترخيص القانوني، فتجاوز حدود بنود العقد و الترخيص القانوني وشروطه يعني أخلال بالتزام مصدرة العقد او الترخيص القانوني وعندئذ يثار مصطلح التعدي، ألا ان هذا القول لا يمنع من اقتران هذا التجاوز بسوء القصد و نية الاضرار وعندئذ يطبع التعدي بطابع التعمد و تحمل المسؤولية من نطاقها العقدي الى التقصيري و القائمة على مبدأ اخلال بواجب قانوني هو عدم الاضرار بالغير. فالتعمد يظهر جليا، في دائرة المسؤولية التقصيرية التي يتصف فيها الفعل المرتكب في اغلب الاحيان بالغش و الخطاء الجسيم و المرادف لمعنى التعمد الصادر عن نية الاضرار وسوئها. واستناداً إلى هذا ،فأن وصف التعمد او التعدي الذي يطبع به الفعل اما ان يكون عقدياََ متى ما كان الاعتداء واقعاَ من الشخص الذي تنازل له المترجم عن حقه في استغلال المصنف او التصرف به كالناشر او مترجم ثاني بترخيص قانوني كان او بعقد، وقد يكون هذا الوصف تقصيرياً متى كان الاعتداء صادراً من الغير في حالة عدم وجود رابطة بين المترجم من جهة و المتعدي من جهة اخرى (13). فالتعمد او التعدي يكون مفترضاً بالنسبة لوجود رابطة بين المترجم وبين المعتدي فمجرد الاخلال بهذه الرابطة وبشرط من شروط الاتفاق وبنوده يعني افتراض التعدي وحدوث الاخلال وبالتالي تحق الاعتداء (14)،وهذا على خلاف المسؤولية التقصرية ،والتي يكون فيها اثبات صدور الفعل ـ التعمد او التعدي ـ على عاتق المضرور ـ المترجم ـ (15).
وأذا كان هذا القول يستقيم مع التعمد أو التعدي في نطاق المسؤولية العقدية التي افترض القانون مجرد الأخلال بأي بند أو شرط من شروطها اعتداء على حق للمترجم ،الا ان مثل هذا الامر لا يستقيم و لايمكن التسلم به في المسؤولية التقصيرية من ناحيتين:
أولهما ،ان التعمد أو التعدي لا يفترض، بل يجب على المترجم اثباته وبيان صدوره من الغير ،ومثل هذهِِ العملية لا تبدو سهلة كما هو الأمر في أثبات مخالفة الناشر لواجب قانوني ونشره المصنف دون أذن من صاحبه، بل على درجه من الصعوبة ،كما لو قام الغير بتحوير المصنف والحذف منه وأبدال عباراته بدون ان يكون هناك اذن أو موافقة بذلك من المترجم الاصلي (16). كما هو الامر في ترجمة الالة.
اما الناحية الاخرى فهي ان القانون المدني العراقي ساير نظرة الفقه الاسلامي باللجوء الى المسؤولية الموضوعية واكتفى بتحقق الضرر متى كان الفعل الذي سبب الضرر صادراً من شخص عديم التمييز او من كان في حكمه ، فعلى المعتدى عليه اثبات ذلك أو عند عدم وجود تعمد أو تعدي الا ان الفعل سبب ضرراً بالغير(17). من هذا المنطلق فان وجود رابطة عقدية أو على اقل احتمال اذن أو ترخيص قانوني يعني ان الاعتداء متحقق متى ما كان هناك اخلال بهذهِ الرابطة ،وهذا الاخلال مفترض حكماً متى ما اصاب حقاً مالياً أو أدبياً للمترجم ،اما في حالة عدم وجود مثل هذهِ الرابطة ،فان الاعتداء لايفترض و عندئذ يلجأ المترجم الى أثبات ان الفعل قد سبب له ضرراً مادياً أو أدبياً ،وهو الشخص الوحيد الذي له حق تقدير ما اصابه من ضرر و ان هذا التصرف قد سبب له مثل هذا الضرر ام لا ،فيكتفي هنا بعدم رضا المترجم على التصرف الذي قام به الغير عند استغلاله للمصنف (18).ومثل هذا التحديد لا يمنع المترجم من اللجوء الى اثبات الضرر وعدم رضائه من التصرف على الرغم من وجود علاقة تعاقدية بين الطرفين معتمدا في ذلك على احكام المسؤولية التقصرية، والمطالبة بتعويض تكميلي باعتبارها مسؤولية احتياطية في هذا الفرض(19)
_______________________________
[1]- د. ابو اليزيد المتيت ص 129 .
2- في مقدمة القوانين المدنية الغربية، القانون المدني الفرنسي ومن بين القوانين المدنية العربية المتأثرة بها القانون المدني المصري ، و الليبي ، و السوري ، و اللبناني .
3- Rene Savatier ، traite la responsabilite civil En droit Francais ، paris 1951، No 4 ، p،5 .
4- د0 عبد المجيد الحكيم ، الجزء الاول ، فقرة 820 ص 493 .
5- استاذنا، د0 جاسم لفته العبودي ، حول المدخلات في احداث الضرر تقصيراََ ، مجلة العلوم القانونية، مجلد 15 ،ع 1-2 ، 2000 هامش 33 ص290 .
6- د0 محمد وحيد الدين سوار ، الاتجاهات العامة في القانون المدني ط2 الاردن 2001 ص 69 .
7- د0 نوري حمد خاطر ، ابراهيم السرحان ، شرح القانون المدني الاردني مصادر الحقوق الشخصية – الالتزامات _ الاردن ط1 1997 – ص386
8- د0 نوري حمد خاطر ، ابراهيم السرحان ص386 0
9- أنظر بخصوص سوء النية، وايضا بالنسبة لا حكام الادراك و التمييز الى القواعد العامة في هذه السياق فهي ذاتها تسري على احكام الاعتداء على الحقوق الفكرية في اطار حمايتها مدنياََ ، د0 عبد المجيد الحكيم ،الوجير، الجزء الاول، فقرة 831 ،ص 500 – 502.
0[1]- د0 جاسم العبودي ،ص288 0
1[1]- د0 نوري ود0 ابراهيم السرحان ،ص387 0
2[1]- د0 جاسم العبودي ، ص 291 ،بالهامش (35) 0
3[1]- عز الدين الديناصوري وعبد الحميد الشواربي ، ص1261 0
4[1]- د. ابو اليزيد المتيت ، ص 134 0
5[1]- عز الدين الديناصوري وعبد الحميد الشواربي ، ص 1261
6[1]- الديناصوري والشواربي ص 1261.
7[1]- جبار صابر طه ،اقامة المسؤولية المدنية عن العمل غير المشروع على عنصر الضرر ،الموصل، 1984 ، ص 297 .
8[1]- الديناصوري و الشواربي، ص 1262.
9[1]- د. ابو اليزيد المتيت، ص 139.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً