اولاً : في الفقه القانوني :-
كما كان رضا الشركاء او حكم القضاء مصدراً للقسمة فقد وجدنا ان هناك مصدراً آخر للقسمة وهو نص القانون ، حيث يوصف هذا النوع من القسمة بالقسمة القانونية لانه يتم استناداً الى قوة القانون ويتم ذلك عن طريق تحول نوع من المهايأة وهي المهايأة المكانية(1) واستناداً لنص القانون بعد مرور مدة زمنية معينة وصيرورتها قسمة نهائية (2) . ولقد فسر الفقه بان استحداث هذا النوع الجديد من القسمة والذي يتحقق بتحول المهايأة المكانية الى قسمة نهائية وذلك بتقادم المهايأة المكانية بمرور خمسة عشر عاماً دون ان يعلن احد الشركاء للاخر على رغبته في انهائها تمثل خير دليل على اتفاق الشركاء ورغبتهم في جعلها قسمة نهائية (3) وانهاء حالة الشيوع بكل ما تتضمنه من مساوئ واضرار .. الا اننا نجد ان هذا النوع من القسمة بالتقادم يختلف عن التقادم العادي من عدة وجوه ، فمن حيث اساسه نجد انه مركبٌ حيث انه يجمع بين التصرف القانوني على اعتبار ان الاتفاق المبرم بين الشركاء المشتاعين هو الذي انشأ قسمة المهايأة المكانية . كما انه يتضمن الواقعة القانونية والمتمثلة في واقعة استمرار الحال على قسمة المهايأة المكانية ولمدة خمس عشرة سنة وذلك بتجديدها مرة تلو الاخرى بشكل صريح او ضمني (4) كما وتختلف القسمة بالتقادم عن التقادم الاعتيادي من ناحية احتساب مدة التقادم ففي حالة القسمة بالتقادم يكون تاريخ القسمة النهائية هو من اليوم التالي لانقضاء الخمس عشرة سنة وليس تاريخ بدء الاتفاق على المهايأة المكانية (5) وهذه الحالة تختلف عن التقادم الاعتيادي الذي تبدأ فيه مدة حساب التقادم منذ البدء بالحيازه ، وعندما نقول ان وقت انقلاب قسمة المهايأة المكانية الى قسمة نهائية يتم حسابه منذ تمام مدة الخمس عشرة سنة وبدون اثر رجعي لا نعني بذلك ان ذات القسمة ليس لها اثر رجعي ( كاشف) بل نقصد بذلك ان بدء حساب المدة لا يكون عند بدء المهايأة المكانية وانما عند انتهاء مدتها(6) وعليه نجد ان المشرع ومع انه قد وضع قرينة الحيازة لمدة خمس عشرة سنة لجزء مفرز من المال الشائع استناداً على قسمة المهايأة الا ان هذه القرينة قابلة للنقض باحد طريقين :
الطريق الاول : هو نفي القرينة وذلك باثبات ان حيازة الشريك للجزء المفرز لم تكن على اساس قسمة مهايأة مكانية وذلك عن طريق اقامة الدليل العكسي وذلك باثبات ان حيازة الشريك لا تستند الى قسمة مهايأة (7)
واما الطريق الثاني: فهو باثبات وجود اتفاق سابق يقضي بعدم تحول تلك المهايأة مهما طالت مدتها الى قسمة نهائية(8) والسبب في ذلك ان تحول قسمة المهايأة المكانية الى قسمة نهائية هو شيء غير متعلق بالنظام العام وبالتالي فلا مانع من اتفاق الشركاء ابتداء على منع هذا الانقلاب مهما طالت المدة (9) وبعد اجراء قسمة المهايأة المكانية ومضي المدة المطلوبة لتحولها الى قسمة نهائية عندها لا داعي لتسجيلها في الدائرة المختصة ؛ وذلك لان لزوم تسجيل عقد قسمة المهايأة المكانية كونه قائماً على اتفاق ( تصرف قانوني ) فكان لا بد من تسجيله لدى الدوائر المختصة لاثباته .. فاذا كانت قسمة قضائية فلابد لها بعد صدور الحكم القضائي من تسجيله كذلك. والسؤال الذي من الممكن ان يطرح نفسه هو هل يمكن ان تسري حالة تحول قسمة المهايأة المكانية الى قسمة نهائية على قسمة المهايأة الزمانية ايضاً ؟ وللاجابة عن ذلك فأنه لا يمكن ان تسري على قسمة المهايأة الزمانية حالة تحولها الى قسمة نهائية ؛ ذلك اننا في المهايأة المكانية قد قسمنا ذات المال المشترك الى عدة اجزاء مفرزة لكل شريك جزء مفرز من المال يعادل حصته منه وعليه فيمكن بعد مرور مدة زمنية معينة ان تتحول الى قسمة نهائية ذلك لان الشركاء قد جربوا تلك القسمة على حصصهم المفرزة واطمأنوا اليها ، الا ان الامر مختلف في حالة قسمة المهاياة الزمانية وذلك لانها لاتتضمن قسمة المال الشائع الى اجزاء مفرزة وانما يختص فيها كل شريك بالمال الشائع برمته ولمدة زمنية معينة يتفق عليها الشركاء فهي ترد على تقسيم زمن الانتفاع ولم تقسم المال وعليه فلا يمكن والحالة هذه تحول هذه القسمة الى قسمة نهائية وذلك لانها لا تهيء المال للقسمة النهائية وبالتالي فلا يمكن تحولها اليها(10) الا اننا لا نتفق مع هذا الاتجاه وذلك لاننا نرى انه من الممكن ايضاً ان تسري قواعد تحول قسمة المهايأة الى قسمة نهائية على قسمة المهايأة الزمانية ايضاًً وذلك لعدم وجود اية مبررات معقولة لعدم شمولها حيث ان كل شريك سوف يكون رقيباً على الاخر طيلة مدة الانتفاع بالمال لذا فلا خشية من انقلاب يده من يد منتفع الى يد مالك وبشكل نهائي وباتفاق الشركاء(11)
ثانياً : في القانون المدني العراقي وبعض القوانين المدنية المقارنة :-
لم ينص القانون المدني العراقي على القسمة بنص القانون وذلك بتحول المهايأة المكانية الى قسمة نهائية(12) ونجد ان القانون المدني العراقي قد تعرض الى قسمة المهايأة في المواد من 1078 ولغاية 1080 منه من دون التطرق الى ما يعرف بالقسمة بنص القانون ، الا اننا نجد ان المادة 1080 منه قد نصت على انه : ( اذا لم يتفق الشركاء على المهايأة في المنقول ، ولم يطلب احدهم ازالة الشيوع ، فللشريك الذي يطلب المهاياة مراجعة محكمة الصلح لاجرائها ) فيظهر من ذلك أنَّ المشرع العراقي قد قلص من نطاق المهايأة القضائية اذ جعلها قاصرة على المنقول فقط دون العقار وذلك لان المشرع العراقي لما كان لا ينظر الى حالة الاستمرار في الشيوع في العقار نظرة ترحيب واطمئنان أراد ان يدفع بالشركاء في العقار الى انهاء شيوعهم رضاءً بينهم وبشكل نهائي دون الاستمرار على حالة المهايأة (13)
واما الاتجاه الثاني من التشريعات فلقد اخذت بالقسمة القانونية ومنها الفقرة (2) من المادة 846 من القانون المدني المصري فقد نصت على انه : ( .. واذا دامت هذه القسمة خمس عشرة سنة انقلبت قسمة نهائية مالم يتفق الشركاء على غير ذلك) فيتبين ان القانون المدني المصري قد اخذ بالقسمة القانونية باعتبارها نوعاًً مستحدثاًً من القسمة النهائية حيث لم نجد ما يقابله في القانون المدني المصري السابق(14) ولقد جاء في المذكرة الايضاحية للقانون المدني المصري النافذ أن استحداث هذا النوع الجديد من القسمة له ما يبرره وذلك لان استمرار قسمة المهايأة المكانية لمدة خمس عشرة سنة دون ان يرغب احد الشركاء في انهائها تمثل خير دليل على رغبة الشركاء في تحويلها الى قسمة نهائية وذلك لان كل شريك قد أطمأن لحصته المفرزة اثناء المهايأة وانتفع بها وعليه اذا لم يرد الشركاء الوصول الى هذه النتيجة فما عليهم الا ان يتفقوا ابتداء على عدم تحول تلك القسمة الى قسمة نهائية (15) .
ولقد وضع القانون المدني المصري قرينةً على ان حيازة الشريك لحصة من المـال تفترض وجود قسمة مهايأة بين الشركاء حيث نص الشطر الثاني من الفقرة (2) من المادة 846 بالقول ( .. واذا حاز الشريك على الشيوع جزأً مفرزاً من المال الشائع مدة خمس عشره سنه افترض ان حيازته لهذا الجزء تستند الى قسمة مهايأة ) و عليه فحيازة الشريك لذلك الجزء المفرز يفترض انه مستند الى قسمة مهاياة مالم يقم الدليل على غير ذلك فاذا اثبت الشريك انه قد حاز تلك الحصة مدة خمس عشرة سنه انقلبت الى قسمة نهائية كما اذا اثبت الشريك ان حيازته تتوافر بها الشروط اللازمة للحيازة التي يتطلبها التقادم (16) وعليه نستنتج بان التشريعات الوضعية قد انقسمت الى فريقين بشأن القسمة القانونية ، ففريق منها كالقانون المدني العراقي والاردني لم تاخذ بها في حين وجدنا أنَّ بعض التشريعات المدنية كالتشريع المصري قد نص عليها ..
الا اننا نميل الى الاتجاه الذي كان قد انتهجه القانون المدني العراقي والاردني في عدم اخذهما بانقلاب المهايأة المكانية الى قسمه نهائية ، ذلك لان بعض المجتمعات كالمجتمع العراقي وما تسوده من قيم اجتماعية واعتبارات ادبية تلقي بظلالها على عملية توزيع الحصص في قسمة المهايأة المكانية حيث يجري التسامح من قبل بعض الشركاء للبعض الآخر او الشريك بينهم استناداً الى تلك الاعتبارات الادبية مما قد يؤدي الى الحاق الغبن في حصص البعض من الشركاء وبالتالي عدم تحقق العدالة في القسمة ككل حيث ان تلك الحصص قد وزعت وفرضت على الشركاء ليس استناداً الى حكم القضاء او رضا الشركاء فيها وانما قد تكون نتيجة لضغط الاعراف الاجتماعية السائدة في بعض المجتمعات وتسامح بعضهم تجاه البعض الاخر ومثال ذلك ان يمنح الشركاء الحصة الكبيرة من حصص الارض الى الاخ الاكبر دون الاخرين فاذا انقلبت تلك المهايأة المكانية الى قسمة نهائية سيضار بذلك باقي الشركاء وحدوث ما لا يحمد عقباه من الندم والتلوم (17) . هذا من جانب ومن جانب آخر فانه في حال وجود وارث لمالك مشتاع فانه لا يعلم بان يد مورثه قائمة على اساس قسمة مهايأة وانما ستصير قسمة نهائية وخصوصاً اذا كانت تلك القسمة ليست في صالحهِ (18) . ولما كانت التشريعات الوضعية قد انقسمت الى اتجاهين بشأن الاخذ او عدم الاخذ بالقسمة القانونية لذا فلا توجد فيها تطبيقات قضائية بالنسبة لقضاء الدول التي لم تأخذ بهذا الاتجاه كالقضاء العراقي او الاردني .. اما بالنسبة للدول التي اخذت تشريعاتها بهذا النوع من القسمة فقد جاء المبدأ القضائي في الفصل 1809 والصادر عن القضاء المغربي : ( ..القسمة سواء اكانت اتفاقية ام قانونية ام قضائية لا يجوز إبطالها الا للغلط او الاكراه او التدليس او الغبن ) (19) وعليه نجد ان قضاء الدول التي اخذت تشريعاتها بالقسمة القانونية قد سوت في احكامها مع القسمة الاتفاقية او القضائية وذلك فيما يتعلق بعدم نقض القسمة الا بوجود عيب من عيوب الرضا ..
_________________
1- وتعتبر المهايأة المكانية نوعاً من انواع المهايأة وتتم قسمة المهايأة المكانية باتفاق جميع الشركاء وبالتالي فهي عقد تحتاج ايجاب وقبول الشركاء او انها تتم عن طريق الجهة القضائية المختصة اذا لم يتفق عليها جميع الشركاء : انظر الاستاذ محمد طه البشير و د. غني حسون طه، الحقوق العينية، ج1، بغداد، وزارة التعليم العالي، 1982ص107 ، ولقسمة المهايأة المكانية مدة محدده لا يجوز تجاوزها ويفسر ذلك التحديد بان قسمة المهايأة المكانية لما كانت تخضع الى احكام عقد الايجار واذا عرفنا ان عقد الايجار يرتب التزامات متقابلة وحقوق والتزامات على المستأجر لذا كان الاجدر ان تحدد بتوقيتات معينة لملائمة ذلك الحق لذا فقد وضع حداً اقصى لقسمة المهايأة وهي خمس سنوات لا يمكن تجاوزها : د. محمد وحيد الدين سوار، حق الملكية في ذاته في القانون المدني، ط2، عمان، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 1997، ص115 ، فاذا زادت المدة عن ذلك طبقت نظرية انتقاص العقود وانزلت المدة الى خمس سنوات فان لم يكن الشركاء ليتفقوا عليها لو انهم علموا بانقاص المدة الى دون الخمس سنوات كان الاتفاق عليها باطلاً : انظر د. عبد المجيد الحكيم ، الوسيط في نظرية العقد ، ج 1 ، بغداد ، شركة الطبع والنشر الاهلية ، 1967 ، ص482 ، اما اذا لم تحدد لها مدة معينة فان مدتها تكون سنة واحدة قابلة للتجديد مرة اخرى اذا لم يعلن احد الشركاء للاخر انه غير راغب في تجديدها قبل انتهاء المدة المحددة بثلاثة اشهر : انظر د. توفيق حسن فرج ، الحقوق العينية الاصلية ، الاسكندرية ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، 1986 ،ص273.
2- د. عبدالمنعم فرج الصده ، حق الملكية ، ط2 ،القاهرة ،1964 ، ص269 .
3- د. عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني حق الملكية ، ج8 ،القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1967 ص817 .
4- د. حسن كيرة، اصول القانون المدني الحقوق العينية الاصلية احكام حق الملكية، ج1، الاسكندرية، منشأة المعارف، 1963ص493 .
5-انظر بهذا المعنى الاستاذ السيد عبد الوهاب عرفه ، الوجيز في استعمال وادارة المال الشائع ودعوى الفرز والتجنيب ( دعوى القسمة) الاسكندرية ، دار المطبوعات الجامعية ،2005 ص26 .
6- انظر د. محمد كامل مرسي باشا، الحقوق العينية الاصلية، ج1، ط2، القاهرة، المطبعة العالمية، احمد حسن غزي وشركاءه، 1951هامش ( 2 ) ص255
7- د. عبد المنعم فرج الصده ، المصدر السابق ص270.
8- د. توفيق حسن فرج ، الحقوق العينية الاصلية ، الاسكندرية ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، 1986 ص275 .
9- د. حسن كيره ، المصدر السابق ص494 .
10- د. عبد الرزاق السنهوري ، المصدر السابق ، ص820 .
11- انظر بهذا المعنى د. حامد مصطفى ، شرح القانون المدني العراقي الملكية واسبابها ، ج1 ، القاهرة ، شركة التجارة والطباعة المحدودة ،1953 ،ص134 .
12- الاستاذ محمد طه البشير و د. غني حسون طه، الحقوق العينية، ج1، بغداد، وزارة التعليم العالي، 1982ص107 .
13-الاستاذ شاكر ناصر حيدر ، الوجيز في الحقوق العينية الاصلية في حق الملكية ج1 ، بغداد ، مطبعة العاني ، 1969 ، ص573 .
14- انظر في ذلك الاستاذ جمال الدين العطيفي التقنين المدني الصادر به القانون رقم 131 لسنة 1948 ، ج14 ، القاهرة ،مطبعة جرينبرج ، دار النشر للجامعات المصرية ، 1950 ص356.
15- مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ، ص139 .
16- د . محمد كامل مرسي باشا، الحقوق العينية الاصلية، ج1، ط2، القاهرة، المطبعة العالمية، احمد حسن غزي وشركاءه، 1951، ص256 .
17- انظر في ذلك الاتجاه ايضاً د. صلاح الدين الناهي ، الحقوق العينية الاصلية ، ج1 ، بغداد ، شركة الطبع والنشر الاهلية ، ذ . م . م ، 1961 ص121 .
18- انظر د.حامد مصطفى ، المصدر السابق ، ص134 .
19- مجلة القضاء والقانون ، وزارة العدل المغربية ، الرباط د. ت ، ص333 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً